الخطية والكفارة في الإسلام والمسيحية - الغفران في الإسلام
4 - الغفران في الإسلام
حين نتأمل في نصوص القرآن بعمق، نجد أن هناك فرقاً بين الكفارة والغفران. وقال المفسرون إن التكفير عن السيئات يعني سترها في الدنيا، وإن المغفرة تعني إزالتها في يوم القيامة، لئلا يلزم التكرار.
الأعمال والغفران: تخبرنا تعاليم الإسلام أن غفران الخطايا يرتكز على الأعمال الصالحة بدليل قول القرآن: ·وَيَدْرَأُونَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ - سورة الرعد 13:22-23.
روي عن محمد أنه قال لمعاذ بن جبل إذا عملت سيئة فاعمل بجنبها حسنة تمحها.
وعن الحسن في وصف هؤلاء، أنه قال: إذا حرموا أعطوا، وإذا ظلموا عفوا.
وقال الزجاج: بيَّن الله تعالى أن الأنساب لا تنفع، إذا لم يحصل معها أعمال صالحة.
وقال الواحدي والبخاري عن ابن عباس: إن الله تعالى جعل من ثواب المطيع سروره بحضور أهله معه في الجنة. وذلك يدل على أنهم يدخلونها إكراماً للمطيع الآتي بالأعمال الصالحة. ولو دخلوها بأعماله الصالحة، لم يكن في ذلك كرامة للمطيع... إذ كل من كان مصلحاً في عمله يدخل الجنة.
الصوم والغفران: جاء في سورة الأحزاب 33:35 ·إِنَّ الصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً.
وقد جاء في القرآن أن الصوم لمدة شهرين يحصل على غفران خطية القتل. فقد جاء في سورة النساء 4:92: ·وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلَّا خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كَانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثَاقٌ فَدِيَّةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلَى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيماً حَكِيماً.
ذكروا في سبب نزول هذه الآية، قالوا: روى عروة بن الزبير أن حذيفة بن اليمان، كان مع رسول الله يوم أُحُد، فأخطأ المسلمون وظنوا أن أباه اليمان واحد من الكفار. فأخذوه وضربوه بأسيافهم وحذيفة يقول إنه أبي، فلم يفهموا قوله إلا بعد أن قتلوه. فقال حذيفة: يغفر الله لكم وهو أرحم الراحمين. فلما سمع الرسول ذلك ازداد حذيفة عنده، فنزلت الآية.
وفي رواية أخرى أن الآية نزلت في أبي الدرداء، لأنه كان في سَرِيَّة، فعدل إلى عُشب لحاجة، فوجد فيه رجلاً في غنم له، فحمل عليه بالسيف، فقال الرجل لا إله إلا الله، فقتله وساق غنمه، ثم وجد في نفسه شيئاً، فذكر الواقعة للرسول، فقال: هلَّا شققتَ عن قلبه؟ وندم أبو الدرداء فنزلت الآية.
وجاء أيضاً في القرآن أن الصوم ثلاثة أيام يحصل الغفران عن خطية الحلف الكاذب كقوله في سورة المائدة 5:89: ·لَا يُؤَاخِذُكُمُ اللَّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمَانِكُمْ وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ وَاحْفَظُوا أَيْمَانَكُمْ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ.
ذكر الفخر الرازي أن سبب نزول الآية، هو أن قوماً من الصحابة حرموا على أنفسهم المطاعم والملابس، واختاروا الرهبانية. وحلفوا على ذلك. فلما نهاهم الله عنها، قالوا: يا رسول الله، فكيف نصنع بأَيماننا؟ فأُنزلت الآية.
- عدد الزيارات: 45617