الخطية والكفارة في الإسلام والمسيحية - في العهد الجديد تمثلت الكفارة بالفداء
وفي العهد الجديد تمثلت الكفارة بالفداء، الذي أكمله يسوع بموته على الصليب، لكي يوفي مطاليب شريعة الله عوضاً عن الإنسان الخاطي ولأجل خلاصه. فكان في آلامه وموته البديلي كفارة، لإتمام جميع الغايات المقصودة بقصاص البشر على خطاياهم. فهو قد وفى العدل الإلهي حقه، وجعل الخاطي الذي يؤمن بالفداء ويتوب مبرراً.
ويُعبَّر عن فداء يسوع في لغة الكتاب المقدس بكلمة نعمة، لأن الآب السماوي لم يكن مضطراً لأن يقدم ذبيحة عن البشر الخطاة. وكذلك الابن، لم يكن مجبراً لأن يتجسد ويقوم بوظيفة الفادي. وإنما اللاهوت الكامل، الذي هو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة، أوقف عقاب الناموس، وقبل الآلام النيابية، التي تجرعها الكلمة المتجسد باختياره، عوضاً عن الخاطي.
وقد أعلن الفادي الرب هذه الحقيقة، حين قال: ·وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الخِرَافِ - يوحنا 10:15- وحين نقابل هذه العبارة بقوله له المجد: ·لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ ه ذَا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ - يوحنا 15:13. ندرك السبب الذي من أجله ارتضى القدوس الحق أن يخلي نفسه، ويصير جسداً، ويتألم ويحمل خطايانا في جسده على الصليب.
وقد أوضح الرسول الكريم بولس لزوم الآلام النيابية في رسالته إلى أهل رومية 8:3، 4، إذ قال: ·لِأَنَّهُ مَا كَانَ النَّامُوسُ عَاجِزاً عَنْهُ، فِي مَا كَانَ ضَعِيفاً بِالْجَسَدِ، فَاللّهُ إِذْ أَرْسَلَ ابْنَهُ فِي شِبْهِ جَسَدِ الخَطِيَّةِ، وَلِأَجْلِ الخَطِيَّةِ، دَانَ الخَطِيَّةَ فِي الجَسَدِ، لِكَيْ يَتِمَّ حُكْمُ النَّامُوسِ فِينَا، نَحْنُ السَّالِكِينَ لَيْسَ حَسَبَ الجَسَدِ بَلْ حَسَبَ الرُّوحِ أي أن الموت الأبدي، الذي كان سيقع علينا وينفذ فينا أجرة للخطية، أخذه يسوع عنا بالنيابة، وذلك تتمة للنبوة القائلة في إشعياء 53:5: ·تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا.
السبب الأول: أنه وعد به المؤمنين، جزاء لطاعة المسيح وآلامه. هكذا نقرأ في الكلمة الرسولية : ·فَإِذاً كَمَا بِخَطِيَّةٍ وَاحِدَةٍ صَارَ الحُكْمُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ لِلدَّيْنُونَةِ، ه كَذَا بِبِرٍّ وَاحِدٍ صَارَتِ الهِبَةُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِتَبْرِيرِ الحَيَاةِ. لِأَنَّهُ كَمَا بِمَعْصِيَةِ الْإِنْسَانِ الوَاحِدِ جُعِلَ الكَثِيرُونَ خُطَاةً، ه كَذَا أَيْضاً بِإِطَاعَةِ الوَاحِدِ سَيُجْعَلُ الكَثِيرُونَ أَبْرَاراً - رومية 5:18-19.
السبب الثاني: لأن الفداء وفّى مطاليب عدل الله، لأنه بني على العهد الأزلي القائم بين الآب والابن لأجل فداء الإنسان، وقد سجله الوحي الإلهي قطعاً لكل ريبة ممكنة لدى الإنسان: ·لِذ لِكَ عِنْدَ دُخُولِهِ إِلَى العَالَمِ يَقُولُ: ذَبِيحَةً وَقُرْبَاناً لَمْ تُرِدْ، وَل كِنْ هَيَّأْتَ لِي جَسَداً. بِمُحْرَقَاتٍ وَذَبَائِحَ لِلْخَطِيَّةِ لَمْ تُسَرَّ. ثُمَّ قُلْتُ: هَئَنَذَا أَجِيءُ. فِي دَرْجِ الكِتَابِ مَكْتُوبٌ عَنِّي، لِأَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا أَللّهُ - عبرانيين 10:5-7، مزمور 40:6. فيسوع له المجد تجسد لينوب عن الخاطي بتحمل قصاص الدينونة، إنفاذاً للعهد المقطوع. وقد شرح الرسول بولس هذا الموضوع بقوله: ·وَل كِنَّ اللهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ المَسِيحُ لِأَجْلِنَا. فَبِالْأَوْلَى كَثِيراً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الغَضَبِ - رومية 5:8-9.
- عدد الزيارات: 45624