الكتاب المقدس صادق في نبواته - نينوى
8 - نينوى
كانت نينوى وبابل مدينتين عظيمتين في العالم القديم، قويتين، مأهولتين بالسكان، غالبتين في الحروب. وفي إبان عظمتهما توالت النبوات عليهما بالخراب، وكان سقوطهما عظيماً. سقطت نينوى بعد حصار قصير جداً استغرق ثلاثة شهور، وسقطت بابل بدون قتال!
وسندرس أولاً النبوة عن نينوى عاصمة الإمبراطورية الأشورية، وقد دعاها النبي ناحوم للتوبة، لكنها لم تتب، فسقطت.
ناحوم ـ 661 إلى ما قبل 612 ق.م ـ .
1: 8 وَلكِنْ بِطُوفَانٍ عَابِرٍ يَصْنَعُ هَلَاكاً تَامّاً لِمَوْضِعِهَا، وَأَعْدَاؤُهُ يَتْبَعُهُمْ ظَلَامٌ.,, .
1: 10 فَإِنَّهُمْ وَهُمْ مُشْتَبِكُونَ مِثْلَ الشَّوْكِ وَسَكْرَانُونَ كَمِنْ خَمْرِهِمْ، يُؤْكَلُونَ كَا لْقَشِّ الْيَابِسِ بِا لْكَمَالِ .
2: 6 أَبْوَابُ الأنهارِ انْفَتَحَتْ، والْقَصْرُ قَدْ ذَابَ .
3: 10 هِيَ أَيْضاً قَدْ مَضَتْ إِلَى الْمَنْفَى بِا لسَّبْيِ، وَأَطْفَالُهَا حُطِّمَتْ فِي رَأْسِ جَمِيعِ الْأَزِقَّةِ، وَعَلَى أَشْرَافِهَا أَلْقُوا قُرْعَةً، وَجَمِيعُ عُظَمَائِهَا تَقَيَّدُوا بِا لْقُيُودِ .
3: 13 هُوَذَا شَعْبُكِ نِسَاءٌ فِي وَسَطِكِ. تَنْفَتِحُ لِأَعْدَائِكِ أَبْوَابُ أَرْضِكِ. تَأْكُلُ النَّارُ مَغَالِيقَكِ .
3: 19 لَيْسَ جَبْرٌ لا ِنْكِسَارِكَ. جُرْحُكَ عَدِيمُ الشِّفَاءِ. كُلُّ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ خَبَرَكَ يُصَفِّقُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَيْكَ، لأنه عَلَى مَنْ لَمْ يَمُرَّ شَرُّكَ عَلَى الدَّوَامِ، .
في هذه النبوات نرى الحقائق التالية:
1 - ستخرب نينوى وهي في حالة سُكر ـ ناحوم 1: 10 ـ .
2 - ستخرب في طوفان غامر ـ ناحوم 1: 8،2: 6 ـ .
3 - ستحرق ـ ناحوم 3: 13 ـ .
4 - ستخرب تماماً ولا تُبنى ـ ناحوم 3: 19 ـ
يمكن تحديد تاريخ نبوة ناحوم مما جاء في النبوة ذاتها، فإن التاريخ الأقدم ظاهر من حديث النبي عن حرب نوأمون ـ 3: 8 ـ التي هي طيبة. ونحن نعرف أن هذا حدث سنة 663 ق.م على يد أشور بانيبال. أما التاريخ الأحدث فيظهر أيضاً مما جاء بالسفر نبوة عن الخراب الآتي على نينوى، وقد أخربت نينوى سنة 612 ق.م. فتكون كتابة السفر بعد 663 وقبل 621 ق.م.
ولكي ندرك معنى النبوة عن الطوفان يجب أن نعرف أن أنهار نينوى لعبت جزءاً هاماً في تاريخها، فقد كانت تفيض على جانبيها باستمرار فتسقط القصور وتخرب المدينة. وقد عدّل سنحاريب، جد أشور بانيبال، مجرى النهر حتى يضمن انسياب الماء بدون تعاريج، وقّوى أساسات الهيكل حتى لا يضعف بتأثير الماء.
أما وسائل نينوى الدفاعية فكانت عظيمة، أعظم من كل المدن القديمة. فقد كان ارتفاع السور 33 متراً ـ نحو عشرة طوابق ـ وسمكه 16 متراً ـ يكفي لمرور نحو ست عربات متجاورة ـ وكان ارتفاع أبراج السور 66 متراً وكان لها 15 بوابة، والخندق المائي المحيط بها عرضه خمسون متراً، ومحيط دائرتها سبعة أميال. وكان على العدو الآتي على نينوى من الشرق ـ أضعف نقطة فيها ـ أن يهاجم سوراً تحصّنه القلاع، ثم خندقين، ثم سورين آخرين في مثل حجم السور الأول - كل هذا قبل الوصول إلى المدينة نفسها. وكانت المسافة بين السور الداخلي والسور الخارجي حوالي 700 متراً. وتشهد البقايا الباقية اليوم من أسوار نينوى على صدق وصف ديودور الصقلي لعظمة وسائل الدفاع عن نينوى.
وكان سقوط نينوى سريعاً ومفاجئاً، بدأ بثورة بسماتيك المصري ضد الحكم الأشوري ـ نينوى عاصمة أشور ـ . وقد قضت هذه الثورة على مطامع أشور في مصر، ثم خسر الأشوريين أرض عيلام قبل موت أشور بانيبال... وبهذا كانت عجلة العناية تدور ضد أشور. ومن ألغاز التاريخ الغامضة أن تسقط أشور التي بلغت قمة مجدها في سنة 663، بعد هذا التاريخ بواحد وخمسين سنة، ولا تقوم لها قائمة مرة أخرى. لقد زحف عليها سيكزارس ولكنه لم يستطع أن يخترق أسوارها، فرجع عنها إلى غيرها من مدن السهل مثل تاريس ونمرود ودمرهما تماماً.
أن هناك شيئاً غامضاً يحيط بسقوط نينوى بهذه الصورة، وهي في أوج قوتها. فلم يكن في قدرة أي قوة عسكرية أن تفعل بها ما تنبأ به ناحوم، مهما أُتيح لهذه القوة من أسلحة وحنكة حربية، لم يكن في مقدور أي قوة أن تخترق أسوار نينوى بسهولة، تلك الأسوار الشاهقة وما عليها من أبراج قوية يتحصن داخلها جيش قوي، علاوة على الخندق الذي بلغ اتساعه 150 قدماً. لا يمكن أن يسقط كل هذا في خلال ثلاثة شهور من الحصار. وفي نهاية حكم أشور بانيبال اتفق الماديون مع القبائل المجاورة وهاجموا نينوى فسقطت عام 612 ق.م بعد حصار ثلاثة شهور فقط. وهذه فترة حصار قصيرة جداً لو عرفنا أن بسماتيك حاصر أشدود تسعة وعشرين عاماً، وهي مدينة أصغر وأقل تحصيناً من نينوى. وكان النبي ناحوم قد تنبأ أنها ستسقط بسهولة، كما تسقط ثمرات التين من الشجرة ـ ناحوم 3: 12 ـ .
ويقول ناحوم 2: 6 إن هلاك نينوى سيكون بفيضان أنهار. وقد أظهرت الحفريات أن هذا هو ما جرى لنينوى، فقط أسقط فيضان النهر الأسوار، فاستطاع الماديون والكلدانيون أن يستولوا على المدينة بسهولة. وقد كتب ديودور الصقلي وصفاً لسقوط نينوى، قال فيه أن الأعداء كانوا يحيطون بنينوى، ولكن الملك لم يهتم لثقته بانتصاراته السابقة، فأقام الحفلات لجنوده وسكروا. وعرف أرباسس قائد العدو هذه الحقائق من الفارين من المدينة، فهاجمها ليلاً بنجاح عظيم. وكانت خسائر الأشوريين هائلة بسبب السّكر وعدم النظام. وحاول القائد الأشوري جمع الشمل، وكانت ثمة نبوة عند أهل نينوى: لا يستطيع عدو أن يأخذ نينوى أبداً إلا إذا أصبح النهر عدواً للمدينة أولاً . وفعلاً لم يستطع العدو أن يخترق الأسوار لما كانت المئونة متوفرة بالمدينة. وظلت المدينة تقاوم ثلاث سنوات، ولكن المطر نزل بشدة ففاض النهر، وتهدمت أجزاء من الأسوار المنيعة، فخاف الملك ظاناً أن النبوة قد تحققت، فجمع ممتلكاته ونساءه داخل قصره وأغلقه ثم أحرقه. واقتحم الأعداء المدينة من الجزء الذي تحطم من السور ودخلوها عنوة، وتُّوج أرباسس - قائد الجيش المهاجم - ملكاً عليها.
وانهارت نينوى، حتى أن العلماء الذين أرادوا استكشاف مكانها، ساروا فوقه ذهاباً وجيئه دون أن يعرفوا أنهم فوق المكان الذي يفتشون عليه! لقد تحققت نبوة ناحوم 3: 11!
ولقد ظل مكان نينوى مجهولاً حتى اكتشفه السير أوستن لايارد في القرن التاسع عشر، وهو رحالة بريطاني وعالم آثار. ولقد كان كل ما لدينا من معلومات عن نينوى قبل ذلك مستمداً من الكتاب المقدس، حتى قال الشكّاكون إنه لم يكن لأشور ولا نينوى ولا بابل وجود! ولكن الحفريات - التي وصلت إلى عمق 30-45 قدماً - كشفت موقع نينوى وأظهرت صحة التاريخ الكتابي، وفوق ذلك أظهرت صحة النبوة الكتابية! ـ 38 ـ .
ويقدم العالم ملاوان وصفاً لنينوى نقول فيه: الحالة التي وجدنا فيها حجرة العرش في قلعة شلمنأصر تُظهر الكارثة التي حلّت بها، فطلاء الحوائط محترق ومسّور بالهباب الذي تخلل طوب الحوائط. وقد أدت الحرارة الشديدة إلى ميل الحائط الجنوبي للداخل في وضع خطير، ودُفنت الغرفة نفسها تحت أكوام الأنقاض التي ارتفعت متراً ونصف، مغطاة بالرماد والفحم والقطع الأثرية. ووجدت مئات القطع العاجية محترقة، وفي القصر وجدنا الأنقاض مختلطة بأطعمة مصنوعة من الحبوب مثل الشعير والقمح. ولقد رأيت مدناً كثيرة محترقة، ولكني لم أر مثل هذا الحريق الإنتقامي الذي لا يزال رماده باقياً. ولقد ظلّت أطلال القصر باقية كما هي تحت الأنقاض حتى كشفنا عنها سنة 1958 ـ 55 ـ .
لقد ذكر ناحوم ثلاث مرات أن نينوى ستُخرب بالماء، في 1: 8،2: 6،2: 8 - وليست هذه الكلمات شعرية أو تصويرية، فهو يصف بطوفان عابر يصنع هلاكاً تاماً و أبواب الأنهار انفتحت و نينوى كبركة ماء . وقد حدث هذا فعلاً، إذ فاض النهر فانهارت بعض دفاعات نينوى، وسهل على الأعداء اقتحامها وتدميرها.
ولقد كان سقوط نينوى في شهر آب ـ أغسطس ـ ، وينزل المطر عادة في شهر مارس ـ آذار ـ ، وتعلو مياه النهر في شهري أبريل ومايو ـ نيسان وأيار ـ ، فيكون سقوط الأسوار في شهر آب ـ أغسطس ـ معقولاً.
ولقد هاجم البعض هذه الفكرة بحجة أن نهر دجلة لا يمرّ بنينوى، كما هو الحال اليوم. ولكن معظم العلماء اليوم يقولون أن دجلة كان يمر بغرب نينوى، وذلك من الحفريات التي جرت في المنطقة.
وهاجم البعض الفكرة مرة أخرى، وقالوا أن النهر لا يمكن أن يهدم السدود ويسقط سور المدينة. ولكن نهر الدجلة قادر على ذلك، علاوة على أن هناك احتمالين آخرين:
الإحتمال الأول هو أن هناك نهراً ثانياً كان يمكن أن يسبب الفيضان، وهو نهر الخسر. وكان الأشوريون قد أقاموا سداً للتحكم في المياه، وأقاموا بوابة يمرّ منها الماء للمدينة بحساب. ويمكن للأعداء أن يحولوا ماء نهر الخسر بعيداً عن المدينة، فيقطعوا عنها ماء الشرب ـ ماء الدجلة لا يُشرب ـ ثم يطلقون الماء الموجود خلف السد ليغرقوا المدينة! ومجرى نهر الخسر يتسع قرب نينوى حتى يشبه بركة الماء ـ ناحوم 2: 8 ـ .
وهناك نهر ثالث هو الزاب أو تبلتو ـ تبلتو كلمة أشورية معناها يمزق أو يجرف ـ وهو يمكن أن يفيض فيمزق نينوى ويحملها معه!
ومن هذا نرى بوضوح:
1 - ستُخرب نينوى وهي مخمورة، وربما كان سقوطها راجعاً لتفكير أهلها في أن بلدهم لا تُهزم، فسكروا.
2 - أُخربت نينوى بطوفان ماء.
3 - احترقت نينوى وصارت خربة تماماً، لم تبن.
4 - صارت نينوى خافية.
- عدد الزيارات: 89346