Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

الفداء أو الطريق الإِلهي للغفران - تطّور الآراء من جهة الفداء بدم الذبائح

الصفحة 7 من 7: تطّور الآراء من جهة الفداء بدم الذبائح

 

7 - تطّور الآراء من جهة الفداء بدم الذبائح

لا تزال الذبائح الحيوانية تشغل إلى الآن مركزاً عظيماً بين كثير من الناس في بلاد متعددة، غير أن فكرة تقديمها لأجل الحصول على الغفران أخذت في التطّور بين رجال اللّه من عهد بعيد. ولكي نقف على الأسباب التي أدّت إلى هذا التطور نقول:

1 - عدم كفاية الذبائح الحيوانية للفداء: بما أن الفدية التي تصلح للتكفير عن الإِنسان يجب أن تكون معادلة له في القيمة، حتى تكون كافية للتعويض عنه. وبما أنَّ نفس الإِنسان روحية خالدة وذات خواص أدبية وعقلية سامية، بينما نفس الحيوان فضاً عن كونها دموية لا خلود لها، هي خالية من هذه الخواص، إذاً لا يمكن أن تكون في ذاتها كافية لفداء الإِنسان والتكفير عنه أمام عدالة اللّه.

2 - أسباب استعمال الذبائح الحيوانية للفداء: يتساءل بعض الناس: إذا كانت الذبائح الحيوانية غير كافية في ذاتها للتكفير عن الإنسان، فلماذا أمر اللّه بتقديمها؟.

وللرد على ذلك نقول: لم يكن الإنسان في العصر الأول يقدّر القيم الأخلاقية تقديراً صحيحاً، كما يشهد بذلك الكتاب المقدس وكتب التاريخ، فكان يتعذر عليه إدراك نتائج الخطية في نفسه، أو مقدار الإساءة التي يوجهها إلى اللّه بفعلها. لذلك كانمن البديهي أن يبدأ اللّه وهو الحكيم العارف بطباع البشر وطرق تعليمهم وتهذيبهم، بإظهار خطورة الخطية ووخامة عواقبها بوسائل ملموسة تستطيع عقولهم البدائية فهمها وإدراكها. وذلك بتصوير الموت الذي هو النتيجة الحتمية للخطية بعمل يمكنهم رؤيته بعينهم وفهم مرماه بعقولهم، كما هي الحال في تعليمنا للأطفال، فإننا نقدم لهم الصور قبل الكلمات المعبِّرة عنها، لأنهم يستطيعون إدراك مدلول الصور قبل إدراك معاني الكلمات المذكورة. ولما كان الحيوان هو أقرب الكائنات إلى الإِنسان شعوراً بالراحة ولألم، كما تظهر عليه بوضوح علامات الحياة والموت، كان من البديهي أن يعلن اللّه للخطاة ما يستحقونه من عذاب مصوّراً في ذبح حيوان وحرقه، ليدركوا أنه بسبب خطاياهم كان يجب أن يكونوا مكان هذا الحيوان، لكن اللّه من باب العطف عليهم سمح به كفارة عهم. ولذلك كانوا يشعرون بشناعة الخطية، ويشكرون اللّه لأنه جعل لهم طريقاً للخلاص من قصاصها.

3 - أسباب تطوّر الآراء من جهة الذبائح الحيوانية: لكن بارتقاء البشر أدبياً وروحياً، أخذوا يدركون نجاسة الخطية وتأثيرها الشنيع على نفوسهم، كما أخذوا يدركون فداحة الإساءة التي يوجّهونها إلى اللّه بارتكابها، فأدركوا أن الذبائح الحيواية لا يمكن أن تكون في ذاتها هي الفدية التي قصدها اللّه للخلاص من عقوبة الخطية. وقد صادق اللّه على إدراكهم هذا فقال «اِسْمَعْ يَا شَعْبِي فَأَتَكَلَّمَ. يَا إِسْرَائِيلُ فَأَشْهَدَ عَلَيْكَ. اَللّ?هُ إِل?هُكَ أَنَا لا عَلَى ذَبَائِحِكَ أُوَبِّخُكَ، فَإِنَّ مُحْرَقَاتِكَ هِيَ دَائِماً قُدَّامِي. لا آخُذُ مِنْ بَيْتِكَ ثَوْراً، وَلا مِنْ حَظَائِرِكَ أَعْتِدَةً. لأَنَّ لِي حَيَوَانَ ?لْوَعْرِ (أي الغابة) وَ?لْبهَائِمَ عَلَى ?لْجِبَالِ ?لْأُلُوفِ... هَلْ آكُلُ لَحْمَ ?لثِّيرَانِ أَوْ أَشْرَبُ دَمَ ?لتُّيُوسِ؟ اِذْبَحْ لِلّ?هِ حَمْداً، وَأَوْفِ ?لْعَلِيَّ نُذُورَكَ، وَ ?دْعُنِي فِي يَوْمِ ?لضِّيقِ أُنْقِذْكَ فَتُمَجِّدَنِي»(ممور 50: 7 - 15). ولذلك قال داود النبي: «لأَنَّكَ لا تُسَرُّ بِذَبِيحَةٍ وَإِلاَّ فَكُنْتُ أُقَدِّمُهَا. بِمُحْرَقَةٍ لا تَرْضَى»(مزمور 51: 16). وميخا النبي تساءل: «بِمَ أَتَقَّدَمُ إِلَى ?لرَّبِّ وَأَنْحَنِي لِلإِلَهِ ?لْعَلِيِّ؟ هَلْ أَتَقَدَّمُ بِمُحْرَقَاتٍ، بِعُجُولٍ أَبْنَاءِ سَنَةٍ؟ هَلْ يُسَرُّ ?لرَّبُّ بِأُلُوفِ ?لْكِبَاشِ، بِرَبَوَاتِ أَنْهَارِ زَيْتٍ؟ هَلْ أُعْطِي بِكْرِي عَنْ مَعْصِيَتِي، ثَمَرةَ جَسَدِي عَنْ خَطِيَّةِ نَفْسِي؟!»(ميخا 6: 6 ، 7).

هذا هو ما انتهى إليه الأنبياء الذين كانوا يؤمنون باللّه ويعملون كل ما في وسعهم لينجوا من عقابه ويحصلوا على ثوابه، كما كانوا يكثرون من الصلوات والأصوام وأعمال الرحمة والإحسان وتقديم الذبائح والقرابين، ومع ذلك كانت خطاياهم على الرغممن قلتها أكثر وأشنع من أن يجدوا لها بهذه الوسائل غفراناً. لذلك قطعوا الأمل من جهة القبول أمام اللّه، فقال أيوب «لَيْسَ بَيْنَنَا (أي بينه وبين اللّه) مُصَالِحٌ يَضَعُ يَدَهُ عَلَى كِلَيْنَا ِيَرْفَعْ (اللّه) عَنِّي عَصَاهُ وَلا يَبْغَتْنِي رُعْبُهُ». وقال أيضاً: «فَكَيْفَ يَتَبَرَّرُ ?لإِنْسَانُ (إذاً) عِنْدَ ?للّ?هِ ؟»(أيوب 9: 33 و34 و1). كما قطعوا الأمل من وجود أي فدية عن نفوسهم. فقال داود النبي « ?لأَخُ لَنْ يَفْدِيَ ?لإِنْسَانَ فِدَاءً، وَلا يُعْطِيَ ?للّ?هَ كَفَّارَةً عَنْهُ. وَكَرِيمَةٌ هِيَ فِدْيَةُ نُفُوسِهِم، فَغَلِقَتْ إِلَى ?لدَّهْرِ»(مزمور 49: 7 ، 8). أي أنَّ الإِنسان لا يستطيع أن يفدي أخاه الإِنسان مهما كانت علاقة المحبة التي بينهما، لأن الفدية الحقيقية ليست في متناول البشر على الإطلاق (كما سيتضح في الباب الرابع). وقد صادق المسيح على اعتقادهم فقال «مَاذَا يَنْتَفِعُ ?لإِنْسَانُ لَوْ رَبِحَ ?لْعَالَمَ كُلَّهُ وَخَسِرَ نَفْسَهُ؟ أَوْ مَاذَا يُعْطِي ?لإِنْسَانُ فِدَاءً عَنْ نَفْسِهِ؟»(متى 16: 26).

والحق أنه لا غرابة في استيلاء الحيرة على هؤلاء الأفاضل، وشعورهم بالعجز عن معرفة الفدية الحقيقية التي تصلح للتكفير عنهم، لأنهم لتأثرهم بقداسة اللّه تأثراً حقيقياً كانوا يرون الخطية كما هي بكل شناعتها وخطورتها. أما البعيدون عن اللّ فلا يستطيعون رؤية الخطية في هذه الصورة، فيظنون أنه من السهل الحصول على الغفران بواسطة أي عمل من الأعمال التي يطلقون عليها الأعمال الصالحة. لكن لو تطلعوا إلى ذواتهم في نور عدالة اللّه وقداسته اللتين لا حدّ لهما كما فعل هؤلاء الأفاضل، لاتطاعوا أن يدركوا عجزهم الكلي عن محو خطاياهم بكل أعمالهم الخيرية وممارساتهم الدينية، ولصرخ كل واحد منهم كما صرخ إشعياء النبي قديماً «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ ?لشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ ?لشَّفَتَيْنِ!!»(إشعياء 6: 5)، ولتهيأوا تبعاً لذلك لمعرفة الطريق الذي أعلنه اللّه للخلاص من عقوبة الخطية ونتائجها الشنيعة، والذي سنتولى إيضاحه بشيء من التفصيل فيما يلي.

أما الاعتراضات الموجهة ضد هذه الحقائق ففيما يلي بيانها والرد عليها:

1 - يدل عدم طلب اللّه ذبيحة من بني إسرائيل الوارد في مزمور 50: 7 - 15 على عدم ضرورة تقديم الذبائح لأجل الحصول على الغفران. كما أنَّ قول اللّه على لسان إرميا النبي لليهود «ضُمُّوا مُحْرَقَاتِكُمْ إِلَى ذَبَائِحكُمْ وَكُلُوا لَحْماً. لأَنِّي لَمْ أُكَلِّمْ آبَاءَكُمْ وَلا أَوْصَيْتُهُمْ يَوْمَ أَخْرَجْتُهُمْ مِنْ أَرْضِ مِصْرَ مِنْ جِهَةِ مُحْرَقَةٍ وَذَبِيحَةٍ»(إرميا 7: 21 - 22) يدل على وجوب عدم تقديم الذبائح المذكورة.

الرد:بالرجوع إلى مزمور 50: 7 - 15 نرى أن المراد ليس النهي عن تقديم الذبائح للحصول على الغفران، بل التنبيه إلى عدم استطاعة البشر أن يقدموا الذبيحة الكافية عن خطاياهم، فإن اللّه تولَّى تدبيرها بنفسه (عبرانيين 10: 5 - 9) والدليل على لك أنَّ اللّه حرّضهم بعد هذه الآيات ب 600 سنة تقريباً بواسطة ملاخي النبي على تقديم الذبائح التي لا عيب فيها، فقال لهم: «وَإِنْ قَرَّبْتُمُ ?لأَعْمَى ذَبِيحَةً، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟ وَإِنْ قَرَّبْتُمُ ?لْأعْرَجَ وَ ?لسَّقِيمَ، أَفَلَيْسَ ذَلِكَ شَرّاً؟»(ملاخي 1: 8).

كما أنه بالرجوع إلى الآيات الواردة في سفر إرميا 7: 21 - 22 ، نرى أن المراد بها ليس وجوب امتناع اليهود عن تقديم الذبائح، بل وجوب توبتهم للّه وإصلاح طرقهم أمامه، لأنهم كانوا يظلمون الغريب واليتيم والأرملة، كما كانوا يسفكون دماء الأبراء ويركضون وراء العبادة الوثنية، وبعد ذلك كانوا يتقدمون بذبائحهم إلى اللّه!! (إرميا 7: 1 - 15).

الصفحة
  • عدد الزيارات: 25477

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.