Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

الفداء أو الطريق الإِلهي للغفران - الفداء في الوثنية

الصفحة 5 من 7: الفداء في الوثنية

 

5 - الفداء في الوثنية

نبذ معظم الناس الوثنية من عهد بعيد، لكن نظراً لأنها كانت ولا تزال منتشرة في بلاد متحضرة، ويعتنقها إلى الآن أشخاص نالوا قسطاً وافراً من الثقافة، لذلك لا شك أنها قامت على آراء جديرة بالبحث. وبدراسة هذه الآراء يتضح لنا:

كان الوثنيون في أول الأمر يعبدون اللّه الواحد، لكن لعجزهم عن إدراكه، عبدوا الكائنات التي تصوّر لهم الصفات التي تخيلوها فيه، فرفعوا هذه الكائنات إلى مرتبة الألوهية لديهم، وتقدموا إليها بكل خشوع واحترام بعد غسل أجسادهم بماء كانو يدعونه «الماء المقدس»، كما قربوا لها الذبائح الحيوانية لينالوا (حسب اعتقادهم) غفرانها ورضاها - وكان معظم الوثنيين يعتزون بهذه الذبائح اعتزازاً عظيماً، فكانوا يزينونها بأزهار جميلة ويرقصون حولها كثيراً، وبعد ذلك كانوا يسلمونها إلى الكاهن ليتولى تقريبها إلى آلهتهم.

وكان قدماء المصريين يواظبون على تقريب الذبائح الحيوانية لآلهتهم، وكانوا يعدّون لهذا الغرض مذبحاً خاصاً في كل هيكل من هياكلهم. وكان من الواجب على الكهنة الذين يقرّبونها أن يكون شعرهم محلوقاً وملابسهم نظيفة، حتى لا يكون بهم شيء من الهوام. وكانوا في أثناء تقريب الذبائح المذكورة ينشدون ترانيم معينة، ويقومون بشعائر دينية خاصة. أما عند استعطافهم للإِله «تيفون»فكانوا يحرقون الضحايا وهي حية. وبعد حرقها كانوا يذرّون رمادها في الهواء، ليُنتزع منه (كما يعتقدون) كل شر يكن أن يكون فيه.

وبلغ شعور الفرس والبابليين بشر الخطية شأواً عظيماً، حتى أنهم كانوا يشعلون ناراً أمام آلهتهم ويطرحون فيها أبناءهم كفارةً عنهم، أو روّاداً يفسحون لهم الطريق إلى العالم الآخر، أو رسلاً يحملون المعونة لأقاربهم الذين رحلوا إلى هذا لعالم من قبل. ومما يثير الدهشة أنهم كانوا يحرقون أبناءهم وسط قرع الطبول وهتاف المغنين!!

وكان الهنود يعذبون أنفسهم بطرق كثيرة مثل المشي على المسامير، وعدم تحريك أيديهم أو أرجلهم، أو قطع بعض أجزاء من أجسامهم. ظناً منهم أنهم بهذه الوسائل يكفرون عن خطاياهم ويتخلصون منها ومن عقابها. كما كانوا يقدمون أبناءهم طعاماً للحوانات المؤلَّهة كالتماسيح، ليحصلوا (حسب اعتقادهم) على عفوها ورضاها. فقد جاء في كتاب الفيدا، وهو الكتاب المقدس عندهم، أنَّ الإنسان كفّر عن نفسه أولاً بنبات الأرض، ثم بالحيوان، ثم بأولاده. ويقول المؤرخون إنّغ بعض الهنود، تحت تأثرهم بشناعةخطاياهم، وفداحة التضحيات التي كانوا يبذلونها في سبيل التكفير عنها، «كانوا يقولون متى يا ترى نخلص نهائياً من خطايانا!!».

ومن المأثور عن الكاهن الذي كان يقدم الذبائح في الهند، أنه كان يطهر أولاً نفسه بما كان يُدعى «الماء المقدس»ثم يطهر الجو المحيط به بواسطة رسم دائرة واسعة في الفضاء بذراعه. وبعد فحصه للذبائح وتأكده من سلامتها، كان يدور حولها ثلا مرات، وهو يحمل مشعلاً في يمينه. أما أصحاب الذبائح فكانوا يظلون بالقرب منها حتى يذبحها الكاهن ويأخذوا أنصبتهم منها، ويشاهدوا بعد ذلك بقاياها وهي تحترق بالنار. وكانوا يعتقدون أنَّ من يأكل من الذبائح تنتقل إليه صفات الإِله المقدَّمة هذه اذبائح إليه. فقد جاء في الترانيم الفيدية أنَّ من يقدم محرقة إلى براهما، يتحد به، ولكن في دائرته.

أما اليونان والرومان، فكانوا يؤمنون بآلهة متعددة للزراعة والإخصاب والجمال والحرب وغير ذلك. وخشية أن يكونوا قد نسوا واحداً منها بنوا مذبحاً وكتبوا عليه: «لإله مجهول»، وكانوا يقدمون لهذا الإله وغيره من الآلهة الكثير من الذبائح لحيوانية. ولم تكن هذه العادة عند عامتهم فحسب، بل وعند خاصتهم أيضاً. فسقراط عندما تذكر قبل موته أنه مدين بديك لإِله الطب «اسكولابيوس»، أوصى تلميذه أن ينوب عنه في تقديم هذا الديك. وأفلاطون الذي ارتقى روحياً عن معاصريه، فأدرك الشيء الكثير ن وحدانية اللّه والفضيلة التي يجب مراعاتها، ذهب إلى حقيقة سامية من جهة الذبائح لم يدركها كثيرون منهم. فقال «إنَّ الذبائح ضرورية، لكنها لا تنفع البشر إلا إذا توافرت فيهم النية الصالحة». ولعله قصد بهذه النية، التوبة عن الخطية والعزم الوطي على السلوك حسب قوانين الفضيلة.

ونظراً لانتشار الذبائح في الوثنية واليهودية معاً، ظن بعض الناس إنَّ اليهود نقلوا عادة تقديمها من الوثنيين الذين كانوا يختلطون بهم. لكن هذا الظن لا نصيب له من الصواب، للأسباب الآتية:

اقترن تقديم الذبائح لدى الوثنيين بالفسق في كثير من الأحيان. أما تقديم الذبائح لدى اليهود فكان مقترناً بالقداسة والخشوع التام أمام اللّه، لأنه كان قد أعلن لهم أنه قدوس ويبغض الشر حتى في أبسط مظاهره. (اقرأ مثلاً: لاويين 11: 44 ، يشوع 24: 19 ، 1 صموئيل 2: 2). وعندما حاول اليهود مرة أن يقتدوا بالوثنيين المذكورين، أمر اللّه موسى أن يقتلهم بالسيف، فقتل منهم وقتئذ ثلاثة آلاف رجل (خروج 32: 4 - 29)، فضلاً عن ذلك فقد هددهم بالموت إذا تشبَّهوا بالوثنيين في نجاستهم ورجسهم وألهم للدم وتفاؤلهم وتشاؤمهم ونقش الوشم على أجسادهم، والاتصال بالجان في تدبير شؤونهم (لاويين 18 و 19 و 20).

كان الوثنيون يقدمون الذبائح ليس للتكفير عن خطاياهم فحسب، بل وأيضاً ليرضوا الأرواح الشريرة التي كانوا يعتقدون أنها تزعجهم، أو ليبعدوها عن أجساد الذين لبستهم وترحل إلى عالمها، فاقترن تقديم الذبائح لديهم بالشعوذة. فكانوا يقربون لآلهتهم وحوش البرية والطيور الجارحة (التي كان من المحرّم على اليهود تقديمها للّه)، كما كانوا يشربون الدم ولا يحرقون أي ذبيحة بأكملها، على النقيض مما كان يفعله اليهود أيضاً.

كان عند الوثنيين في كل بلد الكثير من المذابح، كما كانوا ينظرون إليها كالهدف الذي يتجهون إليه، فكانوا يبالغون في تزيينها ونقش صور آلهتهم عليها، كما كانوا يشيدونها على المرتفعات ليفخروا بها. أما اليهود فقد كان عندهم مذبح واحد فيهيكل أورشليم. وقبل بناء هذا الهيكل، كان اللّه يطلب منهم أن يصنعوا المذبح من التراب أو من حجارة لم يمسسها إزميل، لتكون منخفضة، وفي الوقت نفسه لا تكون ذا شكل يجذب الأنظار إليها في ذاتها (خروج 20: 24 - 25).

كان ملوك الوثنيين يقومون أحياناً بتقديم الذبائح. لكن هذا العمل كان مقصوراً لدى اليهود على الكهنة الذين أقامهم اللّه. وقد حاول مرة أحد ملوك بني إسرائيل أن يرفع بخوراً في الهيكل للّه، فضربه اللّه بالبرص (2 أخبار 26: 18 و 19).

كان كهنة الوثنيين يحلقون رؤوسهم بالموسى، أو يربون خصلاً، كما كانوا يشربون الدم ويقتنون الأملاك. أما كهنة اليهود فكانوا يجزّون شعر رؤوسهم، ولا يربّون خُصلاً، ولا يشربون الدم. كما كانوا لا يقتنون أملاكاً، لتكون كل آمالهم وجهودهممركزة في خدمة الرب.

بالرجوع إلى التاريخ نرى أن الذبائح ليست دخيلة على اليهودية بل أصلية فيها. فقد كان يقدمها آباء اليهود الأوائل مثل إبراهيم وإسحق ويعقوب. كما كان يقدمها قبلهم رجال اللّه الأتقياء مثل هابيل ونوح، قبل ظهور الوثنية على الأرض بأجيال تعددة. أما الذي نقله اليهود عن الوثنيين في فترة من الزمن، فهو عادة تقديم أبنائهم ذبيحة للوثن مولك، وقد نهاهم اللّه كثيراً عن هذه العادة، كما أنزل عليهم بسببها قصاصاً شديداً (إرميا 7: 31 - 34).

وإذا كان الأمر كذلك، فكيف تسرب إلى الوثنيين الاعتقاد بوجوب تقديم الذبائح الحيوانية لآلهتهم؟ طبعاً تسرب إليهم من أجدادهم الأوائل، وهم حام وسام ويافث، لأن هؤلاء الذين تكونت منهم الأجناس البشرية في آسيا وإفريقية وأوروبا على التوالي،كما يتضح من الكتاب المقدس وكتب الجغرافية - وكان سام وحام ويافث بحكم علاقتهم مع نوح أبيهم يعرفون وجوب تقديم الذبائح للّه (تكوين 6: 10). لكن على مرّ الأيام نسي أبناؤهم (الذين عُرفوا فيما بعد بالوثنيين) الرب، وبقي اسمه فقط عالقاً بأذهانهم، ذلك كانوا يطلقونه على الكائنات التي تخيلوا أنها تتصف بصفاته، فكانوا يقدمون الذبائح والقرابين إليها وفقاً للمراسيم التي اخترعوها كما ذكرنا. هذا ومن المحتمل أن يكون المفكرون منهم مثل سقراط وأفلاطون رأوا وجوب تقديم هذه الذبائح نتيجة لشعوره الشخصي بشناعة الخطية، ورغبتهم في تجنب القصاص الذي يستحقونه من العدالة الإلهية بسببها، وبذلك سَرَت عادة تقديم الذبائح بين بعض الوثنيين.

أهمية سفك دم الذبائح في الحصول على الغفران
الصفحة
  • عدد الزيارات: 25530

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.