Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

تفرُّد اللّه بالقدرة على الفداء الحقيقي

الصفحة 1 من 5

الباب الرابع

1 - الشروط الواجب توافرها في الفادي، وإمكانية تحقيقها

عجز الأنبياء وهم صفوة الناس عن الاهتداء إلى الفدية التي تصلح للتكفير عنهم، على الرغم من أصوامهم وصلواتهم وصدقاتهم وذبائحهم المتعددة، لأنهم وجدوا وجوب اشتمال هذه الفدية على مميزات يتعذر تحقيقها في نظرهم. ولذلك سنبحث فيما يلي على قر ما يتسع المجال أمام عقولنا، عن الشروط الواجب توافرها في الفدية، أو بالحري في الفادي، حتى يكون قادراً على التكفير عن خطايانا تكفيراً حقيقياً، 

وعلى تحمُّل قصاصها بأسره، إيفاء لمطالب قداسته التي لا نهاية لها، حتى يمكن الحصول على الغفران التمتع بحضرة اللّه.

أولاً - الشروط الواجب توافرها في الفادي بما أنَّ الفدية يجب أن تكون على الأقل مساوية في قيمتها للشيء المطلوب فداؤه، وبما أنه لا يساوي الإِنسان إلا إنسان مثله لأنه ليس له نظير بين الكائنات يعادله ويساويه، لذلك فالفدية أو بالحري الفادي الذي يصلح للتكفير عن نفوسنا، يجبأن لا يكون حيواناً بل أن ي كون على الأقل إنساناً.

وبما أنَّ هذا الفادي سيكون فادياً ليس لإِنسان واحد بل لكل الناس، لتعذُّر وجود فادٍ لكل واحد من بلايين البشر الذين يعيشون في العالم، في كل العصور والبلاد، يجب أن تكون قيمته معادلة لكل هؤلاء الناس.

وبما أنه لو كان الفادي من جنس يختلف عن جنسنا (على فرض وجود مثل هذا الجنس)، لما استطاع أن يكون نائباً عنا، لأن النائب يكون من جنس الذين ينوب عنهم، لذلك فإنه مع عظمته التي ذكرناها يجب أن يكون واحداً من جنسنا.

وبما أنه لو كان الفادي خاطئاً مثلنا، لكان محروماً من اللّه وواقعاً تحت قضاء القصاص الأبدي نظيرنا، ولا يستطيع تبعاً لذلك أن ينقذ واحداً منا من هذا المصير المرعب، لأنه يكون هو نفسه محتاجاً إلى من ينقذه منه، لذلك فالفادي مع وجوب ونه واحداً من جنسنا، يجب أن يكون خالياً من الخطية خلواً تاماً.

وبما أنَّ خلوه من الخطية وإن كان أمراً سامياً، لا يقوم دليلاً على كماله، وبالتالي على أهليته ليكون فادياً - فآدم مثلاً رغم أنه خُلق خالياً من الخطية غير أنه لم يكن معصوماً منها، لأنه عندما عاش على الأرض سقط فيها، لذلك لا يكفي ن يكون الفادي خالياً من الخطية، بل يجب أن يثبت بالدليل العملي أنه معصوم منها أيضاً.

فضلاً عن ذلك، بما أنه لو كان مخلوقاً، لكان بجملته ملكاً للّه. وشخص ليس ملكاً لنفسه بل ملكاً للّه، لا يحقّ له تقديم نفسه فدية للّه عن إنسان ما، إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً غير مخلوق ليكون من حقه أن يقدم نفسه كفارة.

بما أنه لا يمكن الحصول على الغفران والتمتع بالوجود في حضرة اللّه إلا إذا تمّ أولاً إيفاء مطالب عدالته وقداسته التي لا حدَّ لها، إذاً فالفادي يجب أن يكون أيضاً ذا مكانة لا حدَّ لسموها حتى يستطيع إيفاء مطالب الأولى بتحمل كل قصاص الخطية عوضاً عنا، وإيفاء مطالب الثانية بإمدادنا بحياة روحية ترقى بنا إلى درجة التوافق مع اللّه في صفاته الأدبية السامية.

فترى من يكون هذا الفادي العظيم القدر، الخالي من الخطية والمعصوم منها، غير المخلوق في ذاته وغير المحدود في مكانته، حتى يستطيع متطوعاً أن يفي مطالب عدالة اللّه التي لا حدَّ لها عوضاً عنا، ويبعث فينا أيضاً حياة روحية ترقى بنا لدرجة اتوافق مع اللّه في صفاته الأدبية السامية، وليس من يتصف بهذه الصفات أو يستطيع القيام بهذه الأعمال سوى اللّه؟ فهل هذا الفادي بجانب إنسانيته الممتازة يجب أن يكون هو اللّه؟!

حقاً إنه لسؤال خطير، لكن جوابه واضح كل الوضوح، ولا مفر منه على الإِطلاق.

ثانياً: إمكانية تحقيق الشروط السابقة إن اتخاذ اللّه ناسوتاً من جنسنا ليكون فيه فادياً لنا، فضلاً عن أنه أمر يمكنه القيام به، فإنه باتخاذه هذا الناسوت (أ) لا ينحصر في مكان ما. لأن اللاهوت لا يتحيز بحيز، إذ أنَّ وجوده في مكان (حسب تقديراتنا البشرية) لا يمنع وجوده ي مكان آخر في نفس الوقت. (ب) إنه باتخاذه هذا الناسوت، لا يفقد شيئاً من مجده الذاتي، لأن هذا المجد لا يتعرض للزيادة أو النقصان على الإطلاق (ج) إنَّ اتخاذه هذا الناسوت أمر تتطلبه رغبته في أن تكون لنا جميعاً علاقة حقيقية معه، إذ لا يمكن أنتقوم لهذه العلاقة قائمة إذا ظل بعيداً عن مداركنا، وظللنا نحن بعيدين عن التوالف معه.

«الناسوت»مصدر من «الإنسان»، يُراد به الطبيعة البشرية بما تحويه من جسد ونفس وروح. أما كلمة «اللاهوت»فهي على وزن الناسوت والجبروت، يُراد بها جوهر اللّه، وجوهر اللّه هو عين ذاته، لأنه لا تركيب فيه على الإطلاق، أما الألوهية فهي مصدرمنسوب إليه تعالى، مثل الفروسية المنسوبة إلى الفارس.

والشرط الخاص بخلو هذا الناسوت من أي ميل للخطية يمكن تحقيقه، لأن اللّه عندما يتخذ لنفسه ناسوتاً لا يحتاج الأمر في تكونه إلى بذرة حياة من رجل ما، لأنه هو الحياة نفسها. وبما أن الطبيعة التي ت ميل إلى الخطية لا تنتقل إلى الإنسان إل بواسطة التناسل الطبيعي، إذاً من البديهي أن يكون هذا الناسوت خالياً من الطبيعة المذكورة، ويكون أيضاً بسبب كماله الذاتي قادراً على أن يكون معصوماً من السقوط في الخطية.

ويمكن تحقيق الشرط الخاص بوجوب مساواة نفسه لنفوسنا في القيمة، إذا عرفنا أن ناسوت اللّه فضلاً عن كونه مقترناً به كل الاقتران، الأمر الذي يجعل قيمته لا حد لها على الإطلاق، فإن هذا الناسوت قدوس كل القداسة، والقدوس أعظم من كل الخطا بما لا يقاس.

والشرط الخاص بوجوب امتلاك الفادي لناسوته (أي بكونه غير مخلوق بواسطة كائن ما) من البديهي أن يتوافر فيه، لأن هذا الفادي هو اللّه، واللّه هو الخالق لكل الأشياء ومالكها.

والشرط الخاص بوجوب احتمال قصاص الخطيئة عوضاً عنا إيفاء لمطالب العدالة الإِلهية التي لا حد لها، من البديهي أن يتوافر فيه أيضاً، لأنه بوصفه هو اللّه، يحيط بمطالب هذه العدالة، ويستطيع أيضاً تحقيقها في الناسوت الذي يتخذه.

والشرط الخاص بوجوب استطاعته أن يرقى بنا في حالة التوافق مع اللّه، من البديهي أن يتوافر فيه كذلك، لأنه في ذاته هو اللّه، واللّه هو الذي يستطيع القيام بهذه المهمة.

مما تقدم نرى أن الشروط الواجب توافرها في الفادي ليست معقولة فحسب، بل ويمكن تحقيقها بوسيلة معقولة أيضاً.

أدلة كتابية على تفرُّد اللّه بمهمة الفداء
الصفحة
  • عدد الزيارات: 16899
إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.
شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.
إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.
سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.