شبهات شيطانية حول إنجيل متى - قال المعترض الغير مؤمن: أعلن المسيح في متى 5: 17 انه لم يأت
قال المعترض الغير مؤمن: أعلن المسيح في متى 5: 17 انه لم يأت لينقض الناموس بل ليكمله. ولكن يناقض هذا قول العبرانيين 7: 18 فإنه يصير إبطال الوصية السابقة من أجل ضعفها وعدم نفعها .
وللرد نقول بنعمة الله : تقدم الموعظة على الجبل (التي اقتبس منها متى 5: 17) مثلاً بعد آخر يبرهن أن المسيح أكمل الناموس والأنبياء ولم ينقضهما. ولا زلنا نحن المسيحيين نحترمهما ونقرأهما في عبادتنا بالكنائس.
أما ما جاء في العبرانيين 7: 18 فيتحدث عن أحد أجزاء الشريعة التي بطلت بعد تحقيق الغرض منها، مثل الذبائح التي طالبت شريعة موسى بها. فهذه كانت تشير إلى حاجة البشر لذبيحة المسيح الكفارية، فلما تمت الذبيحة على الصليب لم تعد هناك حاجة للذبائح التي طالبت شريعة موسى بها.
لقد كانت أجزاء الشريعة التي بطلت مثل الشيك على البنك، تبطل قيمته بعد صرف المبلغ من البنك. ونحن لا نقول إن البنك ألغى الشيك، بل أكرمه بأن دفع قيمته.
ولم يكن ناموس موسى للعالم كله، ولكنه كان عهداً بين الله وبني اسرائيل. أما ما به من مبادئ فأزلي دائم. فالمبادئ دائمة، لكن تفاصيلها تناسب عصرها وظروفها.
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 22 من قال لأخيه: رقا يكون مستوجب المجمع، ومن قال: يا أحمق يكون مستوجب نار جهنم . ولكن المسيح قال للفريسين إنهم حمقى (متى 23: 17) وقالها بولس لأهل كورنثوس (15: 36) ولأهل غلاطية (3: 1) .
وللرد نقول بنعمة الله : ليس المهم في الكلمة التي تُقال، بل في روح قولها. الذي ينهانا المسيح عنه هو قولة الغضب لإذلال الناس والسخرية منهم والإقلال من شأنهم. ولكن كلمة التوبيخ الذي يريد الصالح العام، بدافع الرغبة في الإصلاح، هي كلمة لازمة. كان المسيح وبولس يصفان مستمعيهما، لا بهدف تفشيلهم، بل لإبعادهم عن تصرفات الحماقة.
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 5: 39 وأما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشر. بل من لطمك على خدّك الأيمن فحوِّل له الآخر أيضاً ولكن جاء في لوقا 22: 36 فأقول لكم الآن: من له كيس فليأخذه ومذود كذلك. ومن ليس له فليبع ثوبه ويشتري سيفاً . وهذا تناقض .
وللرد نقول بنعمة الله : من يدَّعي وجود تناقض بين هاتين الآيتين يرى افتقاره الكلي إلى الفهم الروحي. في متى 5: 39 يقول يسوع ما معناه إذا وقع عليك اعتداء فتحمَّلْهُ بكل صبر، ولا تقابلْهُ بالنقمة . هذه العبارة المقتبسة من موعظة الجبل تسبق مباشرة أمر يسوع لتلاميذه بمحبة الأعداء. فيسوع بقوله لا تقاوموا الشر يشير إلى إحدى الطرق التي بها نُظهر المحبة للأعداء. فإذا وقع علينا ظلم يجب أن نقابله بالمحبة لا بالنقمة. فبدلاً من أن نسيء إلى من يعتدي علينا يجب أن نخدمه بحسب حاجته، إظهاراً للمحبة.
وهنا يسأل سائل إذا سطا على بيتنا لصّ، ألا يجوز أن نستغيث برجال الشرطة أم نترك أمتعتنا للنهب؟ وردّاً على هذا نقول إن في مثل هذه الأحوال يجب أن ننقاد بروح المحبة والرأفة لا بروح الحقد والانتقام. إذا أضرم عدو ناراً في بيتنا مثلاً، فمحبتنا لذوينا توجب علينا إخماد النار. وعملٌ كهذا تقضي به حتى محبتنا لأعدائنا. لأننا إن قصّرنا في إخماد النار يزداد الشر الذي قصده العدو. والخلاصة أن المسيح يقصد تعليم هذا المبدأ اغلب الشر بالخير (رومية 12: 21).
إن محبتنا للص تجعلنا نوقفه عن السرقة، ومحبتنا للكاذب تجعلنا نوقفه عن الكذب، ومحبتنا للدكتاتور تجعلنا نوقفه عن دكتاتوريته.
كما أن محبتنا للمسروق تجعلنا نحميه من أن يسرقه اللصوص، ومحبتنا للمخدوع تجعلنا نحميه من الذي يكذب عليه، ومحبتنا للمظلوم تجعلنا نحميه من الذي يظلمه. والمحبة إيجابية فعّالة.
نحتاج إذاً إلى روح تمييز لنعرف كيف لا نقاوم الشر، وكيف نقاوم الشر، فإن الطريقة التي بها نظهر المحبة للأعداء يكون الحكم فيها بحسب الظرف الواقع.
قال المعترض الغير مؤمن: في متى 5: 48 يطالبنا المسيح أن نكون كاملين. وهكذا يطالب الرسول بولس في فيلبي 3: 15 ولكن بولس في فيلبي 3: 11 و12 يقول إنه لم يصل للكمال .
وللرد نقول بنعمة الله : الكمال المطلوب هو كمال النيّة في طاعة الله، إذ يريد الإنسان بكل قلبه وإرادته أن يطيع. والكمال الذي لا يبلغه الإنسان هو كمال النضوج المسيحي، فكلما بلغ درجة من الكمال وجد درجة أعلى لم يبلغها بعد. فعلينا بكل النية أن نسعى وراء الكمال، عالمين أننا لم نبلغ القمة بعد، ونظل طول عمرنا نتقدم للأمام.
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في متى 6: 7 و8 وحينما تصلّون لا تكرّروا الكلام باطلاً كالأمم، فإنهم يظنّون أنه بكثرة كلامهم يُستجاب لهم. فلا تتشبَّهوا بهم. لأن أباكم يعلم ما تحتاجون إليه قبل أن تسألوه . ولكن جاء في متى 18: 1 ينبغي أن يُصلّى كل حين ولا يُملّ . يقول أحد الفصلين: صلوا بالإيجاز، ويقول الآخر: صلوا على الدوام وبلا انقطاع .
وللرد نقول بنعمة الله : يكفي قليل من التأمل للدلالة على عدم تناقض القولين، فمتى يتكلم عن صلاة ظاهرية قاصرة على مجرد كلام. وقد زعم الأمم أن قيمة الصلاة في عدد كلماتها وكثرتها، ولذا كانوا يكررون أقوالاً وعبارات كثيرة بطريقة ميكانيكية دون أن تعبّر أقوالهم عن معانٍ في قلوبهم، فوبَّخ المسيح صلاةً كهذه بأسلوب صارم للغاية.
ولكن توجد في الوقت نفسه صلاة مستمرة مقبولة عند الله ومرضيّة أمامه، وهي صراخ القلب إليه باشتياق وإخلاص. وصاحب هذه الصلاة لا يفشل إذا أبطأ الرب في الإجابة. على أن المؤمن عند عدم استجابة صلاته سريعاً معرَّض لخطر الشك في استماع الله له فيكفّ عن الصلاة. ولذا يحثّنا المسيح في لوقا 18: 5-7 على الاستمرار في الصلاة حتى ولو ظهر كأن أبواب السماء موصدة في وجوهنا. والخلاصة أن المسيح يوبخ صلاة الأمم المطوَّلة المجرَّدة من المعنى وما يشابهها. ومن الجهة الأخرى يحضّ على اللجاجة في الصلاة الصادرة من قلب واثق مخلص.
ويحسن بنا أن نذكر أن بولس في 1تسالونيكي 5: 17 يحض على المواظبة على الصلاة قائلاً: صلّوا بلا انقطاع وكأنه يقول: لتكن حياتكم بالجملة حياة صلاة، ولتكن لكم دائماً شركة دائمة مع الله. عند أول وهلة يظهر قول كهذا مناقضاً لتعليم يسوع عن بطلان كثرة الكلام (متى 6: 7) ألا يعلم الله كل احتياجاتنا؟ فلماذا إذن نستمر في تكرار الطلب والتضرع إليه؟ الرد هو أن المسيح يعلّمنا أنه من الخطأ أن نظن أن كثرة الكلام تزيد الله علماً باحتياجاتنا، فمن هذا القبيل لا حاجة إلى الكلام مطلقاً، لأن الله يعلم كل احتياجاتنا قبل أن نعرفها نحن. ولكن في 1تسالونيكي 5: 17 يتكلم بولس عن حالة القلب، فيحضّنا أن نحيا دائماً في جوّ الصلاة، فنفتكر عن الله وننشغل به كما يفعل الطفل من جهة أبويه. فيجب أن نرغب على الدوام في بَسْط كل مسائلنا ومشاكلنا أمامه، والانقياد على الدوام بكلمته وروحه.
فنرى إذاً أن هذين الفصلين لا يتضمَّنان أقوالاً متناقضة، بل يؤيدان حقيقتين مهمتين: أولاهما أن الصلاة يجب أن لا تكون ميكانيكية على أساس الظن أن فاعليتها تتوقف على كثرة الكلام. والثانية أن حياة المسيحي يجب أن تكون حياة صلاة غير منقطعة وشركة دائمة مع الله.
- عدد الزيارات: 45386