شبهات شيطانية حول إنجيل متى - اعتراض على متى 26: 28
اعتراض على متى 26: 28
انظر تعليقنا على لوقا 22: 17
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 26: 48-50 أن يهوذا كان قد قال لليهود: الذي أُقَبِّله هو هو أمسكوه . فتقدم وقال: السلام يا سيدي . وقبّله. فأمسكوه. وورد في يوحنا 18: 2-8 وكان يهوذا مسلّمه يعرف الموضع، لأن يسوع اجتمع هناك كثيراً مع تلاميذه، فأخذ يهوذا الجند وخداماً من عند رؤساء الكهنة والفريسيين وجاء إلى هناك بمشاعل ومصابيح وسلاح، فخرج يسوع وهو عالم بكل ما يأتي عليه، وقال لهم: من تطلبون؟ أجابوه: يسوع الناصري. قال لهم يسوع: أنا هو. وكان يهوذا مسلّمه أيضاً واقفاً معهم. فلما قال لهم: إني أنا هو، رجعوا إلى الوراء وسقطوا على الأرض. فسألهم أيضاً: من تطلبون؟ فقالوا: يسوع الناصري. أجاب يسوع: قد قلت لكم إني أنا هو. فإن كنتم تطلبونني فدعوا هؤلاء يذهبون . وبين القصتين تناقض .
وللرد نقول بنعمة الله : (1) من تأمل القصتين رأى أن يوحنا الرسول لم يذكر تقبيل يهوذا لسيده، اعتماداً على فهم السامع، لأنه لما كان يهوذا تلميذاً للمسيح كان لابد أن يسلّم عليه ويقبّله، ويؤدي له الاحترام الواجب على التلميذ نحو أستاذه. وهذا أمر معلوم، سواء ذكره يوحنا أم لا. وإنما المهم هو أنه غدر بسيده. ولما قبّله قال لهم المسيح: من تطلبون؟ فوقعت هيبته الإلهية، هيبة القداسة والحق والعدالة في أفئدتهم، وسقطوا على الأرض.
(2) إنه قال لهم: أنا هو، لئلا يمسّوا تلاميذه بضرر فإنه هو الحافظ. ولا يوجد أدنى اختلاف في رواية هذه الأخبار المهمة. نعم يكون هناك تناقض لو قال أحدهم إن يهوذا قبّل المسيح، ثم قال الآخر إنه لم يقبّله.وكذلك لو قال الآخر إنهم سقطوا من هيبته المقدسة، وقال الآخر لم يحصل شيء من ذلك. ولكن لم يحصل شيء من هذا، فالله أوحى إلى كل رسول أن يروي ما رآه، وألهم كل واحد أن يقول حسب طريقته، فإن لكل نبي نَفَساً وروحاً لا يشاركه فيه الآخر.
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في متى 26: 64 من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء . وهذا غلط لأن اليهود لم تره قط جالساً عن يمين القوة ولا آتياً على سحاب السماء، لا قبل موته ولا بعده .
وللرد نقول بنعمة الله : هذه الآية الشريفة هي القول الفصل الذي قاله المسيح عن ذاته وماهيته ومجيئه، فاليهود كانوا يتوهّمون أن المسيح يكون ملكاً جباراً ينقذهم من نير روما ويرفعهم إلى ذُرى المجد الدنيوي. أما المسيح فقال إنه يأتي في السحاب إشارة إلى النقمة التي تحل بهم لانحرافهم عن الحق. وقد استعمل هذه العبارة للدلالة على البلايا التي تحل باليهود كأمة (متى 24: 30).
أما قوله: تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء فهو مقتبس من نبوات دانيال في كلامه عن مجيء المسيح، وبيان ذلك أنه لما استفهم رئيس الكهنة من المسيح عما إذا كان هو المسيح، أجابه بالإيجاب، وأوضح له أنه هو المراد بنبوات دانيال. وقد كان الجميع يعرفون أن نبوات دانيال تشير إلى مجيء المسيح في ملكوته. والمسيح ذاته أطلق عبارات هذه النبوة على ذاته قبل التجلي (متى 16: 28).
وأطلق هذه النبوة على نفسه مرة أخرى لما تنبأ على خراب أورشليم، فقال إن ابن الإنسان يأتي على سحاب السماء بقوة ومجد كثير (متى 24: 30). وفي 26: 64 لما كان اليهود يحاكمونه قال: إنهم سيبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء . كأنه يقول: مع أني في أعينكم محتقر ومرذول ومُهان، ولم تصدقوني لما قلت إني المسيا، إلا أن دعواي صحيحة، لأنها مبنيّة على أساسٍ حقيقي، والدليل على ذلك أنكم ستبصرون ابن الإنسان (أي المسيا) آتياً، ولكن ليس بالكيفية التي انتظرتم بها مجيئه، بل يأتي في سحاب السماء، وستحل بكم النقمة التي ظننتم حلولها بأعدائكم.
ومما يدل على أن اليهود فهموا ما قصده المسيح، أنهم استشاطوا غيظاً، حتى مزق رئيس الكهنة ثيابه قائلاً: إنه قد جدّف! ما حاجتنا بعد إلى شهود؟ ها قد سمعتم تجديفه. ماذا ترون؟ فأجابوا: إنه مستوجب الموت. حينئذ بصقوا في وجهه . وسبب ذلك هو أنه هدم آمالهم الجسدية الدنيوية.
- عدد الزيارات: 44845