Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

الطرق البشرية للحصول على الغفران - الصدَّقة وعلاقتها بالغفران

الصفحة 5 من 6: الصدَّقة وعلاقتها بالغفران

4 - الصدَّقة وعلاقتها بالغفران

1 - حدود الصدقة والأعمال الصالحة في المسيحية: إن المبلغ الذي يجب أن نقدمه نحن المسيحيين للأعمال الخيرية، إن لم يزد عن عُشر ما نكسبه من مال، يجب أن لا يقل عنه بحال (تثنية 12: 17 ، متى 5: 20). ولذلك قال الوحي لنا: كونوا أسخياء في العطاء، كرماء في التوزيع (1 تيموثاوس 6: 18). ويجب أن يكون عمل الخير والصلاح موجَّهاً إلى جميع الناس (1 تسالونيكي 5: 15) حتى إلى الأعداء منهم. فقد قال الوحي: «فَإِنْ جَاعَ عَدُّوُكَ فَأَطْعِمْهُ. وَإِنْ عَطِشَ فَاسْقِه»(رومية 12: 20)، كما قال «أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ»(متى 5: 44).

2 - الصدقة في نظر اللّه: ليست الصدقة وغيرها من الأعمال الصالحة في المفهوم المسيحي أعمالاً اختيارية يجوز للمرء إتيانها أو الامتناع عنها تبعاً لإِرادته، حتى يكون له فضل عند اللّه إذا ضحّى بشيء في سبيل القيام بها، بل هي واجب يتحتم ليه القيام به وإلا اعتُبر مذنباً كما مرَّ بنا في الباب الأول. فإذا ارتكب إنسان خطية ثم قدم بعد ذلك صدقة أو عمل عملاً صالحاً، لا يكون قد عمل جميلاً يمكن اعتباره تعويضاً عن الخطية التي ارتكبها، حتى يستحق الصفح والغفران. لذلك قال الوحي لنا «مَتَى فَعَلْتُمْ كُلَّ مَا أُمِرْتُمْ بِهِ (من الخير والصلاح) فَقُولُوا: إِنَّنَا عَبِيدٌ بَطَّالُونَ. لأَنَّنَا إِنَّمَا عَمِلْنَا مَا كَانَ يَجِبُ عَلَيْنَا (فحسب)»(لوقا 17: 10). ولو كانت الصدقة والأعمال الصالحة تغفر الخطايا، لكان الذين يتمتعون بالغفران هم فقط الأغنياء ومن لهم القدرة على القيام بهذه الأعمال، وهذا ليس بمعقول على الإطلاق.

3 - صاحب الفضل في المال الذي بين أيدينا، وفي الأعمال الصالحة التي نقوم بها: أضف إلى ذلك أنَّ المال الذي بين أيدينا والصحة التي نتمتع بها في حياتنا، ليست في الواقع ملكاً لنا بل هما من فضل اللّه علينا. لأنه لو كان قد سمح (مثلاً) بولدتنا من عائلات فقيرة جاهلة، أو إصابتنا بأمراض مستعصية عُضالة، لكنَّا الآن فقراء معدمين أو مقعَدين عاجزين عن القيام بعمل من الأعمال مثل كثيرين من بني جنسنا. لذلك فإننا عندما نعطي للفقراء شيئاً من المال الذي بين أيدينا، أو نستخدم صحتنا في القيام بأي عمل من الأعمال الصالحة، لا نكون قد ضحَّينا بشيء من عندنا أو نكون قد أسدينا للّه جميلاً نستحق عنه ثواباً.

وقد أدرك داود النبي هو ورجاله هذه الحقيقة الثمينة، ولذلك بعد أن قدموا ما يعادل ملياراً من الجنيهات الذهبية، لأجل بناء الهيكل، قال داود للّه «وَلاكِنْ مَنْ أَنَا وَمَنْ هُوَ شَعْبِي حَتَّى نَسْتَطِيعُ أَنْ نَتبَرَّعَ (أي أن نقوم من أنفسنا بعمل) هاكَذَا، لأَنَّ مِنْكَ الْجَمِيعَ وَمِنْ يَدِكَ أَعْطَيْنَاكَ! أَيُّهَا الرَّبُّ إِلاهُنَا، كُلُّ هاذِهِ الثَّرْوَةِ الَّتِي هَيَّأْنَاهَا لِنَبْنِيَ لَكَ بَيْتً لاسْمِ قُدْسِكَ إِنَّمَا هِيَ مِنْ يَدِكَ، وَلَكَ الْكُلُّ»(1 أخبار 29: 14 و 16)، كما قال بطرس الرسول من بعده «إِنْ كَانَ يَخْدِمُ أَحَدٌ فَكَأَنَّهُ مِنْ قُّوَةٍ يَمْنَحُهَا الله»(1بطرس 4: 11).

4 - العيوب الكامنة في الصدقة والأعمال الصالحة: كما أننا إذا وضعنا أمامنا أنَّ الصدقة والأعمال الصالحة التي يقوم بها الخطاة، كثيراً ما تكون ملوثة بجراثيم البخل والتقتير، أو الفخر والتباهي، أو الرغبة في جزاء من اللّه أو الناس، بسبب دورها من الطبيعة البشرية الفاسدة السائدة عليهم، اتضح لنا أن هذه الصدقة والأعمال الصالحة مملوءة بنقائص متعددة، الأمر الذي يجردها من كل صلاح حقيقي يمكن أن يبقى فيها. وقد أدرك إشعياء النبي مرة هذه الحقيقة في نور اللّه، فصرخ قائلاً: «وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا (وليس أعمال شرنا فحسب)»(إشعياء 64: 6). ثوب العِدّة هو الثوب الملطخ بالطمث، وهو نجس في الشريعة اليهودية.

وإن كانت هذه الحقيقة تسمو فوق إدراك الكثيرين، لكن من سمت نفوسهم وارتقت استطاعوا أن يدركوها كما أدركها هذا النبي. فمثلاً قال كيركجارد رائد الوجودية الروحية: «إن أفضل أعمالنا مثل أشرّها، يحتاج إلى غفران اللّه». ولإيضاح هذه الحقيقة لى حد ما نقول: إذا تطلعنا إلى خضروات مغسولة، قد لا نرى فيها قذارة ما. لكن إذا وضعناها تحت عدسة الميكرسكوب نرى فيها آلاف الجراثيم - وهكذا الحال من جهة الأعمال الصالحة التي نقوم بها، فإننا وإن كنا نراها طيبة، غير أن اللّه يرى فيها الكثيرمن النقائص والعيوب. ولا غرابة في ذلك، ففي ضوء كماله المطلق تبدو السماء نفسها غير طاهرة، ويبدو الملائكة أنفسهم حمقى (أيوب 4: 18)!!

مذكرة توضيحية عن سورين كيركجارد:

وُلد هذا الفيلسوف في الدانمارك سنة 1813 ، ويُعتبَر من أشهر علماء النفس في العصر الحديث، وأكثرهم تفكيراً في الأمور الروحية. وهو لم يبتدع رأياً فلسفياً معيناً، بل عُني بالوجود الفعلي أكثر من النظري. ومن أهم آرائه (1) أن اللّه لا يشرق بمعرفته على الإنسان، إلا إذا وقف الإنسان أمامه مجرداً من كل تصنُّع وادعاء بالصلاح، وعرف فساد طبيعته والمصير المرعب الذي ينتظره. (2) إن الحق الروحي ليس هو الحق النظري، بل هو الحق العملي المؤيَّد بالاختبار الشخصي، والذي يدفع المرء ثمنه بفسه. لذلك يجب على طالب الحق أن لا يكتفي بالتطلع إليه من النافذة أو الشرفة، بل أن ينزل إلى الطريق ويسير في ركابه، حتى تمتزج نفسه به كل الامتزاج. وهذه الآراء تُعتبر تفسيراً صحيحاً لأقوال الكتاب المقدس عن الحياة الروحية.

5 - أثر الصدقة والأعمال الصالحة من جهة الغفران والتمتع باللّه: لنفرض أنَّ ملكاً عظيماً نبيلاً تعدَّى عليه خادم ما وأهانه إهانة شنيعة، وبعد ذلك تقدم إليه هذا الخادم حاملاً في يده هدية ثمينة، فهل تستطيع هذه الهدية وحدها أن تمحو عن الملك العظيم النبيل ما لحقه من إهانة؟ أو تجعله يُسرّ بالخادم المذكور ويقربّه إلى حضرته؟ طبعاً كلا وكلا. وعلى هذا النسق نقول: نظراً لأن الصدقة والأعمال الصالحة التي يقوم بها بعض الخطاة (حتى إن كانت خالية من كل العيوب)، لا تستطيع أن تعيدإلى حق اللّه قدسيته بالدرجة التي يصبح معها كأنه لم يُعتَد عليه (لأن هذه الأعمال محدودة في قدرها، وحقّ اللّه لا حدّ لقدره، والأشياء المحدودة في قدرها لا تفي مطالب أمر لا حد لقدره)، أو تؤهل الخطاة للتوافق مع اللّه في قداسته وكماله (لأنها ا تستطيع أن تعيدهم إلى حياة الاستقامة التي كانت لآدم قبل السقوط في الخطية)، لذلك لا يمكن أن تكون هذه الأعمال وحدها ثمناً للغفران أو التمتع باللّه.

وقد أدرك الأنبياء هذه الحقيقة، فكانوا يبكون على خطاياهم بالرغم من الأعمال الصالحة الكثيرة التي كانوا يقومون بها. فداود النبي كان يعوّم سريره بدموعه ويذوّب فراشه كل ليلة (مزمور 6: 6)، ويقول: «خَسَفَتْ مِنَ الغَمِّ عَيْنِي. نَفْسِي وَبَطْنِي. لأَنَّ حَيَاتِي قَدْ فَنِيَتْ بِالْحُزْنِ وَسِنِينِي بِالتَّنَهُّدِ»(مزمور 31: 9 ، 10). و «بَلِيَتْ عِظَامِي مِنْ زَفِيرِي الْيَوْمَ كُلَّهُ»و ،(مزمور 32: 3) «لَيْسَتْ فِي جَسَدِي صِحَّةٌ مِنْ جِهَةِ غَضَبِكَ. لَيْسَتْ فِي عِظَامِي سَلامَةٌ مِنْ جِهَةِ خَطِيَّتِي. لأَنَّ آثَامِي قَدْ طَمَتْ فَوْقَ رَأْسِي. كَحِمْلٍ ثَقِيلٍ أَثْقَلَ مِمَّا أَحْتَمِلُ. 5قَدْ أَنْتَنَتْ، قَاحَتْ حُبُرُ ضَرْبِي مِنْ جِهَةِ حَمَاقَتِي»(مزمور 38: 3 - 5) (الحبر (بضم الحاء والباء) هي الجروح العميقة التي وإن شُفيت، لا تزول آثارها من الجسم).

أما الاعتراض الذي يُوجَّه ضد الحقائق السابقة، ففيما يلي بيانه مصحوباً بالرد عليه:

هل يستوي الخاطئ الذي يقوم بالأعمال الصالحة ابتغاء مرضاة اللّه، والذي يقوم بها لأغراض شخصية، أو لا يقوم بها إطلاقاً.

الرد:طبعاً لا يستويان، لأن اللّه لعدالته لا يمكن أن يهمل ذرة من الخير يقوم بها إنسان ابتغاء مرضاته، بل لا بد أن يجازيه عنها خيراً. لكن بما أن الجزاء يكون من جنس العمل، وليس في الأبدية مجال للمال أو الخدمات المادية التي يقوم بها الناس في العالم الحاضر حتى يكافئهم اللّه هناك بمثل ما فعلوا، لذلك فالخطاة الذين يتصدقون ويعملون أعمالاً صالحة ابتغاء مرضاة اللّه، يكافئهم اللّه في العالم الحاضر بجزاء من نوع أعمالهم. فيزيد مثلاً من ثروتهم، ويهيئ لهم سبل النجاة من الضيقات التي يتعرضون لها. لكن عند انتقالهم من العالم الحاضر، سوف يكونون بطبيعة الحال بعيداً عن اللّه مثل غيرهم من الخطاة. لأن الصدقة والأعمال الصالحة لا تفي في ذاتها مطالب عدالة اللّه، ولا تمدّ القائمين بها بطبيعة روحية تؤهلهم للتوافق معه في قدسته وصفاته الأدبية الأخرى، كما ذكرنا فيما سلف.

أما الذين، مع قيامهم بأعمال الخير، يمقتون الخطية ويتضرعون إلى اللّه بتذلل ليخلصهم منها، فإنه يتجه إليهم بكل عطف، ويهيئ لهم السبيل للحصول على الغفران والتمتع بشخصه، إذ وفيت مطالب عدالته وقداسته بوسيلة خاصة، كما كانت الحال مع كرنيليس السابق ذكره.

الشفاعة وعلاقتها بالغفران
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17764

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.