Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

الطرق البشرية للحصول على الغفران - الصلاة وعلاقتها بالغفران

الصفحة 2 من 6: الصلاة وعلاقتها بالغفران

 

1 - الصلاة وعلاقتها بالغفران

1 - ماهية الصلاة والغرض الحقيقي منها: الصلاة في المفهوم المسيحي ليست مجرد ترديد كلمات الحمد والتعظيم للّه بما يصاحبها من وقوف وركوع، أو مجرد توسلات للحصول على الصفح والغفران بما يرافقها من رفع الأيدي وخفضها، كما يظن بعض الناس. وإننا لا ننتقد السجود أو رفع الأيدي عند الصلاة، لأن الكتاب المقدس علّمنا هذا وذاك (أعمال 21: 5 ، رؤيا 5: 14 ، 1 تيموثاوس 2: 8) بل ننبه إلى أن هاتين الحركتين لا تجعلان للصلاة قيمة ما، إذا كان القائم بهما غير حائز على رضى اللّه. فالصلاة قبل كل شيء هي الارتقاء بنفوسنا عن كل ما يتعلق بالعالم حتى نلتقي باللّه في أقداسه، ونحن في حالة التوافق معه في صفاته السامية. وفي هذا الجو السامي يمكن أن ندرك شيئاً من جلال اللّه ومحبته، فنتعبد له ونشكره من كل قلوبنا (يوحنا 4: 24 ، 1 تسالونيكي 5: 8). كما يمكن أن نعرف الأمور التي نحتاج فعلاً إليها، فنطلب منها ما يتفق مع مشيئته (1 يوحنا 5: 14)، ونتقبل منه بعد ذلك بالإِيمان إجابته الكريمة. فضلاً عن ذلك، يمكننا أن نعرف في هذا الجو، الخدمات التي يتطلبها اللّه منا في العالم الحاضر، ونتبل منه المعونة التي تساعدنا على القيام بها بكل دقة وإِخلاص.

فالصلاة ليست فرضاً نقوم به كما يقوم العبد بواجب نحو سيده، بل هي صلة متبادلة بيننا وبين اللّه جل شأنه، لا نستطيع الاستغناء عنها لحظة، فنحن في حاجة إليها حاجتنا إلى الماء للارتواء أو الهواء للتنفس. ولم يعيّن اللّه لنا أوقاتاً محددة يجب علينا أن نصلي فيها، وذلك لثلاثة أسباب: (أ) ليس هناك وقت أفضل من آخر لديه (ب) إنه على استعداد في كل الأوقات لسماع الصلاة (ج) إن حاجتنا إلى اللّه ليست مرتبطة بأوقات خاصة، بل نحن في حاجة إليه في كل حين. لذلك وإن كنا نصلي في أوقات متفرق من النهار، يجب أن نحفظ قلوبنا في حالة الصلة المستمرة باللّه. فقد قال الوحي: «مُصَلِّينَ بِكُلِّ صَلاةٍ وَطِلْبَةٍ كُلَّ وَقْتٍ فِي الرُّوحِ»(أفسس 6: 18). كما قال «لا تَهْتَمُّا بِشَيْءٍ، بَلْ فِي كُلِّ شَيْءٍ بِالصَّلاةِ وَالدُّعَاءِ مَعَ الشُّكْرِ، لِتُعْلَمْ طِلْبَاتُكُمْ لَدَى الله»(فيلبي 4: 6). وقال «صلوا كل حين»(لوقا 18: 1)، وصلوا بلا انقطاع (1تسالونيكي 5: 17) ولأجل جميع الناس (1 تيموثوس 2: 1).

2 - شروط الصلاة في المسيحية: يجب (أ) أن تكون بالروح والحق، بعمل روح اللّه في النفس، وذلك في حدود الحق الإِلهي الصافي بعيداً عن الشعائر والطقوس البشرية (يوحنا 4: 24)، وبالذهن أيضاً (1 كورنثوس 14: 15)، وذلك مع القداسة القلبية التي تلق باللّه (عبرانيين 12: 14 ، مزمور 24: 4). (ب) أن لا تكون منقولة عن أحد أو محفوظة عن ظهر قلب، بل أن تكون من إنشاء المصلي بتأثير روح اللّه في قلبه (مزمور 45: 1). (ج) أن لا تتكرر عباراتها بقصد إطالتها (متى 6: 7). (د) وإذا كانت الصلاة فردية، يجب أن لا تكون على مرأى من الناس بل في المخدع، إذ هناك يمكن للمصلي أن يختلي باللّه ويناجيه (متى 6: 5 - 6).

3 - عجز الخاطئ عن القيام بالصلاة: بما أن الخاطئ أساء بخطيته إلى اللّه وكسر شريعته، فإنه يحول بينه وبين مواجهة اللّه والمثول في حضرته، ويصبح في ذاته عاجزاً عن التوافق مع الله في صفاته الأدبية السامية. ولا غرابة في ذلك، فنحن نعلم ن اختلاف الطبائع يحول دون التوافق. فالدنيء لا يتوافق مع النبيل، والبخيل لا ينسجم مع الكريم، والنجيس لا يتآلف مع القديس، وهلم جراً. لذلك فالخاطئ لا يستطيع أن يتصل من تلقاء ذاته باللّه أو يتحدث معه، ولا يستطيع أن يرفع صلاة حقيقية إليه، وصاته عبارات ينطق بها أمام من يتصوّر أنه اللّه، فيكون مثله مثل شخص يعيش في عالم الخيال، أو ممثل يؤدي دوراً من الأدوار. وإن شئت، فقُل مثل إنسان يرفع بوق (التليفون) إلى فمه، ودون أن يتصل بأحد ما... فإنه يتكلم ما شاء له الكلام، دون أن يكون هاك سميع أو مجيب.

أما الاعتراضات التي تُوجَّه ضده هذه الحقائق ففيما يلي بيانها والرد عليها:

1 - لا يمكن أن يتغاضى الله عن صراخ الناس حتى الخطاة منهم، لأنه خالقهم، والخالق لا يهمل خلائقه.

الرد:لا شك أنه إذا وقع الخطاة في ضيقة ما، وصرخوا من كل قلوبهم إلى اللّه، فإنه ينقذهم من هذه الضيقة. لكن هذا الإِنقاذ لا يدل على أنه قرّبهم إليه أو غفر لهم خطاياهم، لأن صراخهم له لا يُعيد إليهم حياة الاستقامة التي كانت لآدم قبل اسقوط في الخطية، حتى يستطيعوا التوافق مع اللّه في قداسته وغيرها من الصفات الأدبية السامية. أو يعيد إلى حقه قدسيته بالدرجة التي يصبح معها كأنه لم يعتد عليه بواسطتهم، حتى يصفح عنهم - فمثلهم والحالة هذه مثل جماعة من الأشرار أساءوا كثيراً إل إنسان طيب القلب عظيم القدر، فهل يُعدّ ذلك دليلاً على أنهم أصبحوا بلا لوم أمامه، أو صاروا من الخاصة الذين يطيب له العيش معهم.

2 - الخطاة إن لم يكونوا من الملحدين أو المشركين، ليسوا بعيدين عن اللّه، بل يعرفون الشيء الكثير عنه. ولذلك إذا طلبوا منه الغفران، يغفر لهم ولا شك.

الرد:هناك فرق كبير بين معرفة اللّه والمعرفة عن اللّه. فالثانية تدل فقط على إدراك بعض الأمور عنه، أما الأولى فتدل على العلاقة الشخصية به والتوافق الكلي معه. «فمعرفة اللّه»، وليس «المعرفة عن اللّه»هي التي تؤهّل صاحبها للاقتراب إليه والإفادة منه. والآن لنتساءل: هل الناس الذين يعيشون في الخطية، يعرفون اللّه، أم يعرفون فقط عنه؟ طبعاً إنهم لا يعرفونه، بل يعرفون فقط عنه. لأنهم لو كانوا يعرفونه، لكانوا يلتصقون به، ولا يسيئون إليه. وإذا كان الأمر كذلك، لا تكون لهؤلاء الناس علاقة شخصية باللّه، ولا يكون إيمانهم الذي يتشدقون به إيماناً حقيقياً بل إيماناً اسمياً، والإيمان الاسمي لا وزن له ولا قدر عنده تعالى. فالشياطين أيضاً يؤمنون باللّه، ومع ذلك فإنهم بعيدون عنه كل البعد.

كما أن طلب الصفح والغفران وإن كان يدل على الرغبة في استرضاء اللّه والتقرب إليه، لكنه في ذاته (أ) لا يعيد إلى حق اللّه قدسيته بالدرجة التي يصبح معها كأنه لم يُعْتَد عليه، حتى يكون تعويضاً مناسباً له (ب) لا يعيد إلى طالبي الغفران حية الاستقامة التي كانت لآدم قبل السقوط في الخطية، حتى يتسنَّى لهم التوافق مع اللّه في كماله كما ذكرنا، لذلك لا يمكن أن يصفح اللّه عن الخطاة ويقرّبهم إليه لمجرد طلب الغفران منه.

3 - إذا كان الأمر كذلك، فكيف يتصل الصوفيون باللّه ويرونه ويشعرون بسرور باطني في العلاقة معه، مع أنهم خطاة مثلنا؟

الرد:الأتقياء من الصوفيين، وإن كانوا على اختلاف أديانهم، أفضل من غيرهم، لانصرافهم عن أهواء العالم وتأملهم في اللّه دون سواه، لكن إن لم يكونوا قد نالوا منه طبيعة روحية تؤهلهم للتوافق معه في قداسته وغيرها من صفاته الأدبية السامية،وبواسطةٍ ما وُفيِّت مطالب عدالته من نحوهم، لا يمكن أن تقوم بينهم وبين اللّه علاقة حقيقية على الإطلاق، فيكون موقفهم من اللّه موقف غيرهم من الخطاة سواء بسواء. وإذا كان الأمر كذلك، يكون السرور الذي يقولون عنه ليس صادراً عن علاقة حقيقية لهمباللّه، بل عن تصوّرهم أن لهم علاقة معه، وأنهم يقومون بالواجب عليهم من نحوه. ويكون هذا السرور وهمياً لا حقيقياً، ويكون شأنهم في ذلك شأن الناس الذين بسبب سيطرة عواطفهم على عقولهم، كثيراً ما يعتقدون أن الخواطر التي تجول في نفوسهم، هي حقائقواقعة أمامهم، يتأثرون بها ويتحدثون عنها كأنهم يرون أحداثها فعلاً قبالتهم، وهؤلاء الناس كما نعلم، لا يوثق بكل خبر ينقلونه إلينا.

وقد أعلن الوحي بعبارات لا تقبل الشك أن اللّه لا يطيق صلاة الخطاة، وأنه ليست لهم علاقة به على الإطلاق. فقد قال «مَنْ يُحَّوِلُ أُذْنَهُ عَنْ سَمَاعِ الشَّرِيعَةِ فَصَلاتُهُ أَيْضاً مَكْرَهَةٌ»(أمثال 28: 9). كما قال للخطاة «آثَامُكُمْ صَارَتْ فَاصِلَةً بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ إِلَهِكُمْ، وَخَطَايَاكُمْ سَتَرَتْ وَجْهَهُ عَنْكُمْ حَتَّى لا يَسْمَعَ»(إشعياء 59: 2) (الآثام لا تفصل بين اللّه وبيننا، بل بيننا وبين اللّه. وذلك لأنه تعالى يتوجّه إلينا بمحبته التي لا حدّ لها في كل حين، ويدعونا للدنوّ منه والتمتع بهباته. لكننا نحن الذين في عنادنا أو قصورنا لا نتجاوب معه). وقال اللّه لهم أيضاً: «حِينَ تَبْسُطُونَ أَيْديكُمْ أَسْتُرُ عَيْنَيَّ عَنْكُمْ، وَإِنْ كَثَّرْتُمُ الصَّلاةَ لا أَسْمَعُ»(إشعياء 1: 15). وقد اختبر داود النبي هذه الحقيقة فقال: «إِنْ رَاعَيْتُ إِثْماً فِي قَلْبِي لا يَسْتَمِعُ لِيَ الرَّبُّ»(مزمور 66: 18). ولذلك قال إنه لا يستطيع أن يصلي للّه إلا الطاهر اليدين والنقي القلب (مزمور 24: 4) والمراد بطهارة اليدين ليس غسلهما بالماء، بل خلوّهما من عمل الشر، إذ أنه قدوس كل القداسة ولا يطيق الإِثم على الإطلاق.

فضلاً عن ذلك فقد أعلن الوحي أنّ الأنبياء والرسل أنفسهم لم يستطيعوا أن يواجهوا اللّه، فموسى النبي مع كونه كليم اللّه، قال عندما تجلى اللّه له: «أَنَا مُرْتَعِبٌ وَمُرْتَعِدٌ»(عبرانيين 12: 21). وإشعاء النبي، على الرغم من أمانته وتقواه، قال عندما رأى اللّه في رؤيا خاصة: «وَيْلٌ لِي! إِنِّي هَلَكْتُ، لأَنِّي إِنْسَانٌ نَجِسُ الشَّفَتَيْنِ، وَأَنَا سَاكِنٌ بَيْنَ شَعْبٍ نَجِسِ الشَّفَتَيْنِ، لأَنَّ عَيْنَيّ قَدْ رَأَتَا الْمَلِكَ رَبَّ الْجُنُودِ»(إشعياء 6: 5). (أي رب الجنود السمائية، أو الملائكة). ويوحنا الرسول مع محبته الشديدة للرب وعلاقته القوية به، سقط على وجهه كميت عندما تراءى له الرب في مجده (رؤيا 1: 17) لأن الإِنسان في بيعته البشرية الراهنة، لا يستطيع أن يمثل في حضرة اللّه مهما بلغ أسمى درجات التقوى. وإذا كان الأمر كذلك، فإنّ الاتصال باللّه والتمتع به بعيدان كل البُعد عن الخطاة، مهما كثرت صلواتهم وتضرعاتهم.

4 - وهل يستوي الخاطئ الذي يطلب من اللّه بكل تذلل وإخلاص أن يرحمه ويغفر له خطاياه، والخاطئ الذي لا يبالي بالصلاة، أو يكتفي بالصلاة الشكلية التي لا قيمة لها؟

الرد:طبعاً لا يستويان، بل من المؤكد أن اللّه ينظر إلى الأول بعين العطف والشفقة. لكن عطف اللّه وشفقته شيء، والاعتقاد بأنَّ الصلاة هي التي تجلب الغفران والقبول أمام اللّه شيء آخر. والصلاة لا تكفي وحدها لإيفاء مطالب عدالة اللّه، أوإعادة الإنسان إلى حالة الاستقامة التي كانت لآدم قبل السقوط في الخطية، ولا يمكن أن تكون ثمناً للغفران أو وسيلة للتمتع باللّه. كل ما في الأمر أنها إذا كانت بإخلاص، فهي تهيئ فقط القائم بها للحصول على هذين الامتيازين، إذا وُفيت مطالب عدالة للّه وقداسته من جهته بوسيلة إلهية خاصة، كما كانت الحال مع كرنيليوس الوارد ذكره في (أعمال 10). وهذه الوسيلة هي موضوع حديثنا في الأبواب التالية.

الصوم وعلاقته بالغفران
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17768

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.