Skip to main content

لزوم كفارة المسيح

الطرق البشرية للحصول على الغفران - الصوم وعلاقته بالغفران

الصفحة 3 من 6: الصوم وعلاقته بالغفران

 

2 - الصوم وعلاقته بالغفران

1 - الأغراض التي يصوم الناس من أجلها: يصوم كثيرون إما للتمسك بعقيدة دينية ابتغاء مرضاة اللّه، أو للشعور بالجوع حتى يعطفوا على الفقراء والمساكين، أو للمحافظة على المظاهر الدينية بين إخوانهم، أو لتحسين حالتهم الصحية على نحو ما - لك هذه الأغراض بعيدة عن حق اللّه كل البُعد، لأن العقيدة الدينية إن كانت لا تؤدي إلى التحرّر من الخطية والتوافق مع اللّه في قداسته وصفاته الأدبية السامية الأخرى، تصبح فلسفة شخصية لا عمل لها إلا شحن العقل بنظريات وآراء خاصة. ولأن العطف على لفقراء والمساكين لا يتولد من الإحساس بالجوع، بل من الخلق الكريم. والدليل على ذلك أنَّ كثيرين من الصائمين لا يبالون في أثناء الصوم بهؤلاء أو أولئك. وإن تصدّقوا أحياناً عليهم في أثنائه، قلما يبالون بهم بعد انتهائه. ولو كان الغرض من الصوم و الإِحساس بالجوع، لما كان للفقراء أن يصوموا أبداً، لأنهم يحسّون بالجوع في كل يوم من الأيام، ولأن الصوم لمجرد احترام المظاهر الدينية بين من نعاشرهم لا يُعتبر فضلاً في نظر اللّه، بل رياء وتظاهراً منا بغير الحقيقة. ولأن تحسين الحالة الصحي ليس له علاقة باللّه، إذ كثيراً ما يستغل الناس صحتهم الجسدية في عمل الخطية، ومن ثم فلا ثواب من اللّه لمن يصوم لأجل غرض من الأغراض المذكورة.

ولذلك قال اللّه للذين يصومون عن الطعام دون أن يُقلِعوا أولاً عن الشر: «لَمَّا صُمْتُمْ وَنُحْتُمْ فِي الشَّهْرِ الْخَامِسِ وَالشَّهْرِ السَّابِعِ، وَذَلِكَ هَذِهِ السَّبْعِينَ سَنَةً، فَهَلْ صُمْتُمْ صَوماً لِي أَنَا؟ وَلَمَّا أَكَلْتُمْ وَلَمَّا شَرِبْتُمْ، أَفَمَا كُنْتُمْ أَنْتُمُ الآكِلِينَ وَأَنْتُمُ الشَّارِبِينَ... اقْضُوا قَضَاءَ الْحَقِّ، وَ اعْمَلُوا إِحْسَاناً وَرَحْمَةً»(زكريا 7: 5 - 9). كما خاطب الذين ينادونه «لماذا صُمنا ولم تنظر، ذلّلنا أنفسنا ولم تلاحظ؟»، بالقول اللاذع «هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً (لأنفسكم)، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ (أجراكم)... أَمِثْلُ هَذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْماً يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيَفْرِشُ تَحْتَهُ مِسْحاً وَرَمَاداً. هَلْ تُسَمِّي هَذَا صَوْماً وَيَوماً مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ أَلَيْسَ هَذَا صَوْماً أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ (عن المظلومين)، وَإِطْلاقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَاراً (الأبرياء)، وقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟»(إشعياء 58: 3 - 7). «الأَسَلة»نبات له أغصان هزيلة تتدلى إلى أسفل، والمِسَح هو الخيش الذي يُصنع من أردأ أنواع الكتان. وكان بعض الناس يجلسون عليه أو يلبسونه بعد صبغه باللون الأسود، كعلامة للحزن والاتضاع أمام اللّه. أما النير فهو قطعة الخشب التي توضع على عُنُق الثيران في أثناء الحرث وغيره، وتستعمل هنا مجازاً للدلالة على الذل والاستعباد

2 - ماهية الصوم والغرض الحقيقي منه: الصوم لغة، هو الانقطاع عن شيء ما. وبالرجوع إلى الكتاب المقدس يتضح لنا أنه يراد به ليس مجرد الامتناع عن الطعام والشراب، أو الشرور والآثام، بل والامتناع لمدة من الزمن أيضاً عن كل ما يشغل المرء عن قضاء مدة طويلة في حضرة اللّه، حتى يتفرغ الصائم تفرغاً تاماً لسكب قلبه أمام اللّه والتضرع بلجاجة إليه في هذه المدة. وذلك إما لأجل النمو في الحياة الروحية، أو خلاص بعض الأشخاص من الخطية، أو إنقاذ آخرين من ضيقة أو بلية، أو غير ذلك من الأمو التي تمجد اللّه وتعود بالخير على الناس. فالصوم إذاً ليس غرضاً مقصوداً لذاته حتى يكون له جزاء خاص، بل هو وسيلة للقيام بالصلاة على أفضل حال. لذلك يقرن الوحي الصوم بالصلاة، فسجَّل عن الرسل أنهم صاموا وصلوا (أعمال 13: 3)، وأن الروح النجس النيد لا يخرج إلا بالصوم والصلاة (متى 17: 21)، وأن المؤمنين يجب أن يتفرغوا للصوم والصلاة (1 كورنثوس 7: 5 ، عزرا 8: 23 ، نحميا 1: 4 ، دانيال 9: 3 ، يوئيل 2: 12).

فالصوم في المسيحية مثل الصلاة تماماً، ليس فرضاً بل عملاً حيوياً لا نستطيع الإستغناء عنه.

3 - شروط الصوم: يجب (أ) أن يكون بدافع من رغبتنا الشخصية، لحاجتنا الماسة إلى بركة من اللّه لنا أو لغيرنا من الناس، وليس لمجرد الطاعة لأمر أو وصية. ولذلك لم يحدد الكتاب المقدس أوقاتاً للصوم. وأكثر المؤمنين قرباً من اللّه، أكثرهم صيماً. (ب) الصوم عندما يكون خاصاً، يجب أن لا يبدو لأحد من الناس، بل يجب أن يكون بين الصائم وبين اللّه فحسب (متى 6: 16 - 18). (ج) لا يتجه الصائم إلى شيء من المتع الجسدية مثل الاستماع إلى الأغاني العالمية أو الانصراف إلى التسليات الدنيوية، لن هذه الأمور إن لم تعمل على إثارة الشهوات والأهواء في النفس، فهي تبعدها عن التوافق مع اللّه في قداسته. فالواجب على المؤمنين الحقيقيين أن يتجنّبوها ليس في وقت الصيام فحسب، بل وفي غيره من الأوقات أيضاً، حتى لا تتعطل صلتهم الروحية باللّه.

مما تقدم يتضح لنا أن اتهام المسيحيين بأنهم لا يصومون عن الطعام والعلاقات الزوجية إلا في وقت نومهم، هو محض افتراء.

4 - عجز الخاطئ عن القيام بالصوم حسب مشيئة اللّه: الذي يدرك معنى الصوم، ويستطيع ممارسته والحصول على الفوائد المترتبة عليه، الجواب: ليس الشخص السالك في الخطية، بل البعيد عنها والمتمتع أصلاً بالعلاقة الحقيقية مع اللّه. كما أن هذا لشخص لا يريد من اللّه جزاء عن صومه، إذ يكفيه أنه بواسطة الصوم يستطيع أن يتمتع باللّه أكثر ويخدمه أكثر.

أما الاعتراضات التي تُوجَّه ضد هذه الحقائق، ففيما يلي بيانها والرد عليها:

1 - الصوم يضعف الجسد ويؤدي إلى التخلص من الخطية، كما يساعد على التحلي بالصبر والتسامي إلى حياة الصَفاء مع اللّه، لذلك يكون هو السبيل إلى الغفران والقبول أمامه تعالى.

الرد:(ا) إنَّ الخطية ليست في الجسد المادي حتى يمكن تجنبها بإضعافه عن طريق الامتناع عن الطعام والشراب مدة من الزمن، بل إنها في النفس. فيد السارق (مثلاً) لا تختلف في تركيبها الجسماني عن يد الأمين في شيء، إنما الفارق بينهما هو أنَّ نفس الثاني أمينة، ولذلك توعز إليه بمراعاة الأمانة، أما نفس الأول فغير أمينة توعز إليه بالسرقة. ومما يثبت ذلك أيضاً أنَّ معظم الصائمين، وإن كانوا لا يفعلون في الظاهر الخطايا التي اعتادوا عليها، غير أنهم قد يشتهونها ويفكرون فيها ويتحدثو عنها، وهذا هو الخطية بعينها. فالصوم وحده لا يعيد إلى الخطاة حياة الاستقامة التي كانت لآدم قبل السقوط في الخطية، وبالتالي لا يؤهلهم للتمتع باللّه أو التوافق معه في صفاته الأدبية السامية.

(ب) الصوم وإن كان في أحسن حالاته مظهراً من مظاهر الاتضاع والتذلل أمام اللّه، غير أنه لا يعيد إلى عدالته حقها بالدرجة التي تصبح معها كأنه لم يُعْتَدَ عليها، لأن أثر الصوم محدود، ومطالب عدالة اللّه ليس لها حدود، والشيء المحدود لا يف مطالب أمر ليس له حدود، فلا يكون الصوم أيضاً وسيلة للحصول على الصفح والغفران.

2 - هل يستوي الخاطئ الذي يصوم بتذلل وإخلاص للّه لكي يرحمه ويغفر خطاياه، والذي لا يصوم، أو يصوم للأغراض الشخصية السابق ذكرها؟

الرد:طبعاً لا يستويان، بل من المؤكد أنَّ اللّه ينظر إلى الأول بعين العطف والشفقة، لكن عطف اللّه وشفقته شيء، والاعتقاد بأنَّ الصوم هو الذي يأتي لنا بالغفران ويؤهلنا للتمتع باللّه شيء آخر. إذ أنَّ الصوم، لأنه لا يفي وحده مطالب عداة اللّه وقداسته، لا يمكن أن يكون ثمناً للغفران أو التمتع باللّه. كل ما في الأمر أنه إذا كان بإخلاص، فهو يهيئ القائم به للحصول على هذين الامتيازين، على شرط أن يكون هناك أولاً إيفاء لمطالب عدالة اللّه وقداسته بوسيلة إلهية خاصة، كما كانت الحال مع كرنيليوس (أعمال 10).

التوبة وعلاقتها بالغفران
الصفحة
  • عدد الزيارات: 17760

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.