شبهات شيطانية حول سفر أعمال الرسل - قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 9: 7
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 9: 7 وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين، يسمعون الصوت ولا ينظرون أحداً وورد في 22: 9 والذين كانوا معي نظروا النور وارتعبوا، ولكنهم لم يسمعوا صوت الذي كلمني وفي أصحاح 26 لم يذكر سماع الصوت ولا عدم سماعه.
وللرد نقول بنعمة الله : معنى سمع في قوله لم يسمعوا صوت الذي كلمني هو الفهم، فالمقصود أنهم لم يفهموا كلام الرسول بولس. ومما يدل على أن السمع هو بمعنى الفهم قوله: صوت الذي كلمني أي كلام الذي كلمني . وتعبيره في 9: 7 سمعوا الصوت ولم يقل الكلام . فلو قال سمعوا الكلام وقال في 22: 9 لم يسمعوا الكلام لحصل التناقض. ولكنه قال في 9: 7 إنهم سمعوا صوتاً ولكنهم لم يفهموه، وفي 22: 9 قال إنهم لم يفهموا الكلام. والعبارة في الأصل اليوناني تفيد ذلك.
ولنورد ما يؤيد هذا الكلام فنقول: ورد في المصباح (ج - 1) سمعت كلامه أي فهمت معنى لفظه، فإن لم تفهمه لبُعدٍ أو لغط، فهو سماعُ صوتٍ لا سماع كلام. وقال في الكليات: يعبر السمع عن الفهم، نحو سمعنا وعصينا، وسمع الإدراك متعلقة الأصوات، نحو قد سمع الله قول التي تجادلك . ويطلق السماع ويراد به الانقياد والطاعة، وقد يطلق بمعنى الفهم والإحاطة، إلى غير ذلك.
أما في أصحاح 26 فكان بولس واقفاً أمام الملك أغريباس، وكانت غايته تبرئة نفسه مما نُسب إليه زوراً، وبيان دعوة الله له، فأوجز في ذكر الدفاع عن نفسه، وفي ذكر دعوة الله العليا له، ولم يذكر غير ذلك، لانشغال الملك.
قال المعترض الغير مؤمن: ورد في أعمال 10: 6 إنه نازل عند سمعان رجل دباغ، بيته عند البحر. هو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل . فقال كريسباخ وشولز إن قوله وهو يقول لك ماذا ينبغي أن تفعل إلحاقية .
وللرد نقول بنعمة الله : هذه العبارة التي ادّعى أنها إلحاقية ثابتة في النسخ المعتبرة. ولو حذفناها لجاء المعنى ناقصاً، ويصير الكلام استدْعِ سمعان النازل في البيت الفلاني ولم يذكر غاية استدعائه، مع أن الغاية هي المقصودة في مثل هذه الحالة. فثبت إذن أنها أصلية، وإذا حُذفت كان المعنى ناقصاً، وكلام الله الذي غايته إنارة الأذهان هو كامل.
قال المعترض الغير مؤمن: لم يكن الرسل يرون بعضهم بعضاً أصحاب وحي، كما يظهر هذا من مباحثتهم في محفل أورشليم، ومن مقاومة بولس لبطرس. ولم يعتقد المسيحيون الأولون أنهم معصومون من الخطأ، لأنهم اعترضوا أحياناً على أفعالهم، كما في (أعمال 11: 2 و3 و21: 20-24). كما أن الرسول بولس قاوم الرسول بطرس مواجهة كما في غلاطية 2: 11 .
وللرد نقول بنعمة الله : من طالع أعمال 15 اتضح له أن كل رسول كان يعتقد في الآخر أنه مؤيَّد بالروح القدس، فلا ينطق إلا عن لسان الله. ولما عُقد مجمع في أورشليم أخبر برنابا وبولس باقي الرسل والمشايخ بما صنعه الله من الآيات والعجائب في الأمم بواسطتهما، وأخبراهم بتصدّي اليهود وتشديدهم على الاختتان، فأعلن الرسل: رأى الروح القدس ونحن أن لا نضع عليكم ثقلاً (أعمال 15: 28). فترى من هذا أنه كان بينهم غاية الاتفاق، لأن الله كان يتكلم على ألسنتهم، ولم يحكموا في شيء إلا بوحي الروح القدس. فأقوالهم وأحكامهم وأعمالهم المختصة بالدين كانت صائبة لأن الله كان المرشد لهم.
وقد شهد بطرس الرسول لبولس الرسول أنّ كلامه وحي إلهي، وأن الله آتاه الحكمة الإلهية (2 بطرس 3: 15 و16) وقال في الآية الثانية من هذا الأصحاح إننا نحن رسل المسيح والمسيح ذاته الكلمة الأزلي قال لتلاميذه: اذهبوا وتلمذوا جميع الأمم ... وعلّموهم أن يحفظوا جميع ما أوصيتكم به. وها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر (متى 28: 19 و20) وقال لهم: ستنالون قوة متى حلّ الروح القدس عليكم، وتكونون لي شهوداً في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض (أعمال 1: 8) وقد حلّ عليهم الروح القدس يوم الخمسين وصاروا يتكلمون بلغات شتى، وعمل الله على أيديهم المعجزات الباهرة. والمسيح ذاته الكلمة الأزلي نفخ وقال لهم: اقبلوا الروح القدس فقبلوه (يوحنا 20: 22). وقال لهم: ومتى ساقوكم ليسلّموكم، فلا تعتنوا من قبل بما تتكلمون ولا تهتموا، بل مهما أعطيتكم في تلك الساعة فبذلك تكلَّموا، لأنْ لستم أنتم المتكلمين، بل الروح القدس (مرقس 13: 9-11). وقال لهم: لأني أنا أعطيكم فماً وحكمة لا يقدر جميع معانديكم أن يقاوموها أو يناقضوها (لوقا 21: 15). فالمسيح وشحهم بالروح القدس ليؤهلهم للعمل العظيم وهو هداية الأنفس.
وقال بولس الرسول إنه بإعلان (أي بوحي إلهي) عرّفني بالسر... حيثما تقرأون (كتابتي) تقدرون أن تفهموا درايتي بسر المسيح ... الذي في أجيال أُخر لم يُعرَّف به بنو البشر كما قد أُعلن الآن لرسله القديسين وأنبيائه بالروح (أفسس 3: 3-5). فالرسول يشهد أن الرسل لا يتكلمون إلا بوحي إلهي. وقال في 2كورنثوس 13: 3 المسيح المتكلم فيّ وقال في 1تسالونيكي 2: 13 إذ تسلَّمتم منا كلمة خبرٍ من الله قبلتموها لا ككلمة أناس، بل كما هي بالحقيقة، ككلمة الله وقال في 1كورنثوس 2: 13 التي نتكلم بها أيضاً، لا بأقوال تعلّمها حكمة إنسانية، بل بما يعلمه الروح القدس . وغير ذلك من الشهادات بأن أقوال الرسل هي أقوال الله، وأن الله كان الناطق على لسانهم، وأنه هو الذي أعلن لهم السر العجيب الذي لا يمكن لأحد أن يعرفه، والكتاب المقدس ناطق أن الله ذاته هو الذي أعلن لهم ما يجب أن يفعلوه في هذه المسألة.
أما عن مقاومة الرسول بولس للرسول بطرس (غلاطية 2: 11) فنقول: كان بطرس الرسول يعاشر الأمم الذين بلا كتاب لهدايتهم إلى الحق، فعنّفه اليهود لأنهم كانوا يعتقدون أن الأمم أنجاس، وما دروا أن الله لا يسرّ بموت الخاطئ بل يريد له الهداية. فلما رأى بطرس إنكار اليهود عليه معاشرة الأمم امتنع عن معاشرتهم، علّهم أن يؤمنوا بالمسيح الذي تنبأت به أنبياؤهم، ومتى ارتفعوا إلى هذه الدرجة أوضح لهم أن الله لا ينظر إلى الأكل والشرب، فإنه خلق الجوف للطعام والطعام للجوف. غير أن بولس عاتبه على مراعاة اليهود، مع أن الواجب هو إظهار حق الله مرة واحدة.
فلو كان كتاب الله تلفيقاً بشرياً، لما ذكر إنكار بطرس لسيده، ولما ذُكرت فيه هذه الحادثة، فإن التبصر الدنيوي والحكمة البشرية تتستّران على هذه الأمور. غير أن الله هو إله الحق فيخبر بالحق لأنه هو مصدره.
ولو كان بين الرسل تواطؤ على غش العالم، لانكشف في هذه الحالة التي حصلت فيها هذه المؤاخذة، فبطرس الرسول أبلغ المسيحيين أن الله فتح أبواب كنيسته للأمم واليهود على حدٍّ سواء، وأزال الحجاب الفاصل بينهم وبين شعبه، وأن كل أمة تتّقيه وتؤمن بالمسيح هي مقبولة عنده (أعمال 10: 35). وبعد ذلك راعى اليهود، وهذا خطأ، والخطأ جائز في حقهم، ولكنهم معصومون في إعلان الوحي فقط.
- عدد الزيارات: 16436