في التوراة وأسفار العهد القديم - الإعلان الثاني
الإعلان الثاني: عن وحدانية الله في ثالوث عظيم جاء يوم خلق الله الإنسان:
بعد أن أعد الله الأرض للسكنى، فأنبت فيها النبات، وخلق الحيوان، حان وقت خلقه للإنسان فقال جلّ شأنه: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا * تكوين 1: 26 ، وأمام ألفاظ هذه الصيغة يدور في الذهن أكثر من سؤال: مع من كان الله يتحدث حين قال نعمل ؟
وهل هناك من يعادله حتى يستشيره فيم يعمل، وهو المكتوب عنه من صار له مشيراً * رومية 11: 34 ؟!
وكيف يمكن أن يكون الإنسان على صورة الله وشبهه، والله لا شبيه له كما قال إشعياء النبي فَبِمَنْ تُشَبِّهُونَ اللّهَ، وَأَيَّ شَبَهٍ تُعَادِلُونَ بِهِ؟ * إشعياء 40: 18 .
وما دلالة النون في نعمل و نا في صورتنا وفي كشبهنا ؟
وكيف يمكن أن يكون الإنسان جسداً، ويكون في ذات الوقت على صورة الله مع أننا نقرأ أن اللّهُ رُوحٌ. وَالذِينَ يَسْجُدُونَ لَهُ فَبِالرُّوحِ وَالحَقِّ يَنْبَغِي أَنْ يَسْجُدُوا * يوحنا 4: 24 ؟!
ولا يمكننا أن نجد إجابة شافية عن هذه الأسئلة إلاّ إذا وضحت أمامنا حقيقة وحدانية الله الجامعة ففيها نرى الآب والابن والروح القدس في حديث واحد يبدو في كلمة نعمل ، ونرى الثالوث العظيم يقرر الصورة التي سيخلق عليها الإنسان، وهي ذات الصورة التي كان المسيح سيأتي بها متجسداً، ولقد قيل عن المسيح ا لَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * كولوسي 1: 15 . وقيل أيضاً: وَل كِنْ إِنْ كَانَ إِنْجِيلُنَا مَكْتُوماً، فَإِنَّمَا هُوَ مَكْتُومٌ فِي الْهَالِكِينَ، الَّذِينَ فِيهِمْ إِل هُ هذا الدَّهْرِ قَدْ أَعْمَى أَذْهَانَ غَيْرِ الْمُؤْمِنِينَ، لِئَلَّا تُضِيءَ لَهُمْ إِنَارَةُ إِنْجِيلِ مَجْدِ الْمَسِيحِ، الَّذِي هُوَ صُورَةُ اللّهِ * 2 كورنثوس 4: 3 و4 . وعلى هذا يكون الإنسان قد خلق على صورة الله باعتبار أن المسيح هو صورة الله غير المنظور، وهو في ذات الوقت الله الابن الذي تجسد في ملء الزمان.
وقد يقول قائل: إن ألفاظ هذه الصيغة لا تعني أكثر من أن الله استخدم لغة التعظيم فتكلم كما يتكلم الملك فيقول نحن.. ملك لكن القائل بهذا القول يعلن عن جهله بالتاريخ القديم، فالتاريخ القديم يؤكد لنا أنه لم يكن للملوك عادة التكلم بلغة الجمع أي بلغة التعظيم. ففرعون ملك مصر إذ تحدث إلى يوسف قال له قَدْ جَعَلْتُكَ عَلَى كُلِّ أَرْضِ مِصْرَ * تكوين 41: 41 ولم يقل قد جعلناك على كل أرض مصر وفي سفر دانيال نقرأ حديث الملك نبوخذ نصر، وقد كان ملكاً جباراً يتمتّع بكل جبروت الحكم الأوتوق راطي، ومع ذلك فهو لم يستعمل لغة التعظيم عندما تكلم عن نفسه بل تحدث إلى الكلدانيين قائلاً قَدْ خَرَجَ مِنِّي الْقَوْلُ: إِنْ لَمْ تُنْبِئُونِي بِا لْحُلْمِ وَبِتَعْبِيرِهِ تُصَيَّرُونَ إِرْباً إِرْباً * دانيال 2: 5 ولم يقل الملك العظيم قد خرج منا القول فلغة التعظيم ليست هي لغة الكتاب المقدس، ولا كانت لغة تعظيم الملوك في القديم، فالقول بأن الله استخدم في هذه الآية أو غيرها لغة التعظيم مردود من واقع الكتاب المقدس والتاريخ القديم.
- عدد الزيارات: 21248