أسماء الله الحسنى - الظاهر والباطن
الاسم الثالث من أسماء الله الحسنى في القرآن هو الظاهر والباطن
يقول القرآن هُوَ الْأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * سورة الحديد 57: 3 .
فيصف الله بأنه الظاهر والباطن .. ومعروف أن كلمة الباطن تعني أنه تبارك اسمه أجل وأكبر من أن يُرى بالعين المادية.. أو كما قال عنه إشعياء النبي حَقّاً أَنْتَ إِلَهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ * إشعياء 45: 15 .
لكن ما معنى أن يكون الله هو الظاهر ؟
إن قيل أنه ظاهر بمصنوعاته وتدبيره.. نقول أن مصنوعاته تظهر قدرته.. لكنه يظل محتجباً عن العيون..
إنّ في قلب الإنسان شوق إلى رؤية الله:
رفع إشعياء النبي هذه الصلاة إلى الله:
لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! * إشعياء 64: 1 .
يحتفظ لنا التاريخ بحوار جرى بين الفيلسوف اليوناني سقراط، ورجل اسمه أريستوديم كان ينكر وجود الله.. وهذا ما دار في ذلك الحوار:
أريستوديم: أنا لا أومن بوجود الله.
سقراط: أيوجد رجال تعجب بمهارتهم وجمال صنائعهم؟
أريستوديم: نعم، أعجب في الشعر القصصي بهوميروس، وفي التصوير بزوكسيس، وفي صناعة التماثيل ببوليكتيت.
سقراط: أي الصناع أولى بالإعجاب؟ الذي يخلق صوراً بلا عقل ولا حراك، أو الذي يبدع كائنات ذات عقل وحياة؟
أريستوديم: بغير شك الذي بدع الكائنات المتمتعة بالعقل والحياة، إذا لم تكن تلك من نتائج الاتفاق والصدفة.
سقراط: وهل يمكن أن يكون من الاتفاق والصدفة أن تُعطى الأعضاء لمقاصد وغايات خاصة؟ العين لترى، والأذن لتسمع، والأنف ليشم، واللسان ليتذوق.. والعين تحاط بحراسة دقيقة لحساسيتها وضعفها، فتقفل بسرعة عند الإحساس بالخطر، وتحرس بالرموش، وتقفل عند النوم.. والأذن لها جهازها الخارجي الذي يجمع لها الصوت.. هل يمكن أن يكون ذلك كله من عمل الصدفة؟
والميل المودع في المخلوقات للتناسل.. والحنان المخلوق في قلوب الأمهات بالنسبة للأولاد.. والطفل الذي يتجه للرضاعة من ثدي أمه.. هل يمكن أن يكون هذا كله بالصدفة؟
أريستوديم: لا.. إن ذلك يدل على الإبداع، وعلى أن الخالق عظيم يحب الكائن الحي.. ولكن لماذا لا نرى الخالق؟
إن سؤال أريستوديم لسقراط يعلن عن شوق الروح الإنسانية لرؤية الله...
إن صفات الله تظل كلمات إلى أن تتجسد.. فالتصورات المجردة، تصورات لا يمكن أن نربطها بالواقع المحسوس حتى نجسدها..
فالحرية.. والعدالة.. والأمومة.. كلها كلمات إذا لم تتجسد لا يمكن أن يفهم الإنسان معناها الصحيح..
لذلك صوَّر الأمريكيون الحرية امرأ ة متوجة تمسك شعلة متوهجة.. هي شعلة الحرية.
وصورنا العدالة.. امرأة معصوبة العينين، تمسك في يدها ميزاناً لتزن قضاياها دون نظر إلى لون، أو جنس، أو دين..
وصورنا الأمومة.. امرأة تحتضن وليدها بحب وحنان.
والناس يستجيبون للأشياء بمقدار ما يحسونها.. وغير المحسوس أقل في وعيهم درجة.
وصفات الله مجرد كلمات.. ولكي يدرك الناس المفهوم الصحيح لهذه الصفات.. كان لا بد أن يتجسد الله في المسيح..
في 14 مايو * أيار سنة 1986 دُعيت للقيام بحوار حول موضوع حقيقة صلب المسيح مع الإمام أحمد حسين وهو الإمام الذي كان يعنى بشؤون الطلبة المسلمين في جامعة شمال فيرجينيا..
أقيم الحوار في قاعة من قاعات جامعة شمال فيرجينيا في مدينة الإسكندرية بفيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية:
Northern Virginia Community College Alexandria Campus
في لحظة دخولي قاعة الاجتماع.. رأيت الإمام أحمد حسين يدخل القاعة وبيده ورقة قد طبع عليها أسماء الله الحسنى.. وأراني الورقة متحدياً.. فابتسمت وقلت له: عندي سؤال يا شيخ أحمد بخصوص أسماء الله الحسنى.. من بين أسماء الله الحسنى اسم الظاهر والباطن .. فهل لك أن تخبرني متى كان الله ظاهراً؟ وكيف يكون الله الظاهر والباطن في آن معاً؟
أجاب الشيخ أحمد حسين: الله ظاهر في مخلوقاته.. في الشمس والقمر والنجوم.. وخلقه الحيوان والإنسان..
قلت: مخلوقات الله تظهر قدرته يا شيخ أحمد.. لكنه يظل محتجباً عن العيون.
لم يستطع الشيخ أحمد أن يعطي جواباً... مع أن الجواب سهل إذا آمنا بوحدانية الله الجامعة.. ووثقنا في وحي التوراة والإنجيل.. وفي قدرة الله على أن يتجسد في المسيح ويكون مالئاً للسماوات والأرض في ذات الوقت.
فالله بصفته الإله الظاهر ظهر مراراً في العهد القديم.. ظهر لإبراهيم الخليل، وسجلت التوراة ظهوره بالكلمات:
وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لِاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الْأَرْضِ * تكوين 18: 1 .
وخلال هذا الظهور الإلهي بشّر الله إبراهيم بولادة اسحق من سارة امرأته.
وَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ سَارَةُ امْرَأَتُكَ؟ فَقَالَ: هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ . فَقَالَ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابنٌ * تكوين 18: 9 و10 .
وقد ذكر القرآن هذا الظهور الإلهي لإبراهيم الخليل في سورتين فقال: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * سورة الحجر 15: 51-53 .
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ.. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ * سورة الذاريات 51: 24 و28 .
وظهر الله جل اسمه لموسى بلهيب نار من وسط عليقة وكلمه تكليماً.. وتذكر التوراة هذا الظهور الإلهي بالكلمات:
وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللّهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ، فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِا لنَّارِ، وَالعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ! فَقَالَ مُوسَى: أَمِيلُ الْآنَ لِأَنْظُرَ هذا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟ فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللّهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: مُوسَى مُوسَى . فَقَالَ: هَئَنَذَا . فَقَالَ: لَا تَقْتَرِبْ إِلَى ه هُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ * خروج 3: 1-5 .
ويذكر القرآن هذا الظهور الإلهي لموسى النبي فيقول:
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَاراً لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَا خْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِا لْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * سورة طه 20: 9-12 .
الله بذاته العلية كلم موسى بصوته الإلهي من وسط النار بحسب نص القرآن، وقصة القرآن مأخوذة من التوراة، وليست من أنباء الغيب.. فالقرآن لم يأت بجديد.
وقبل ذلك ظهر الله ليعقوب أبي أسباط إسرائيل * تكوين 35: 1 .
كما ظهر بعد ذلك لمنوح وامرأته * قضاة 13: 8-23 .
الظهور الإلهي ليس بدعة.. فالله الباطن هو كذلك الله الظاهر .. وظهوره الأعظم هو ظهوره في شخص المسيح الكريم... وقد ذكر بولس الرسول هذا الظهور العظيم بالكلمات:
وَبِا لْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلَائِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ * 1تيموثاوس 3: 16 .
إن الله الباطن المحتجب.. الذي لم يره أحد قط.. صار الله الظاهر الذي ظهر في المسيح.. ولذا قال المسيح للحواري فيلبس :
... اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ * يوحنا 14: 9 .
إن المسيح الكائن منذ الأزل تجسد في الزمان.. آخذاً صورة عبد.. صائراً في شبه الناس.. ووُجد في الهيئة كإنسان.. ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.. في شخصه الكريم رأينا صفات الله وأدركنا مفهومها الصحيح..
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ... وَالكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً * يوحنا 1: 1 و14 .
اللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِا بْنُ الْوَحِيدُ الذِي هُوَ فِي حِضْنِ الْآبِ هُوَ خَبَّرَ * يوحنا 1: 18 .
اَللّ هُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الْآبَاءَ بِا لْأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ فِي ابنِهِ - الذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الْأَعَالِي * عبرانيين 1: 1-3 .
في وجه يسوع المسيح عرفنا مجد الله:
لِأَنَّ اللّهَ الذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللّهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ * 2 كورنثوس 4: 6 .
وفي شخص المسيح عرفنا معنى صفات الله.. وأدركنا شيئاً عن ذاته من صفاته...
عرفنا أزليته.. عرفنا حنان قلبه.. عرفنا رعايته.. عرفنا رحمته.. عرفنا محبته.. عرفنا معنى قربه.. عرفنا قدرته.. أجل.. فالمسيح ابن الله هو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته..
هو خالق الكون.. وحافظ الكون
هو خالق الكون : الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ * كولوسي 1: 16 .
وهو حافظ الكون لأنه حَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ * عبرانيين 1: 3 .
فهذا الكون الواسع البديع.. بشمسه وقمره.. ونجومه.. ونظامه الفلكي العجيب.. لو غفلت عنه لحظة عين المسيح خالقه لاختلت موازينه.. واضطرب سيره.. وغمرت الفوضى نظامه.. ولكن المسيح يحمل هذا الكون في مسيرته الدقيقة بليله ونهاره.. بربيعه وصيفه وخريفه وشتائه.. بملايين المجرات والنجوم والأفلاك التي تدور في فضائه.. يحمل هذا كله بكلمة قدرته .
لذلك عندما كان هنا على الأرض.. وركب سفينة مع تلاميذه، وهاج البحر.. وحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلئ ماء.. وكان هو في مؤخر السفينة نائماً.. أيقظه تلاميذه وقد ملأهم الخوف قائلين أما يهمك أننا نهلك .. فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم.. وقال الحواريون وقد اعترتهم الدهشة:
مَنْ هُوَ هذا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضاً وَالبَحْرَ يُطِيعَانِهِ! * مرقس 4: 41 .
لقد جاء يسوع المسيح في الجسد ليفدي الإنسان، ويظهر في ذات الوقت صفات الرحمان.
أسماء أخرى من أسماء الله الحسنى لا بد لنا من الوقوف عندها.. فهو السميع.. البصير.. الودود.. ويقيناً أنه أيضاً المتكلم مع أن هذا الاسم لم يذكر بين أسمائه الحسنى.
من البديهيات الثابتة، أن الله كامل في ذاته وصفاته.. وهو جامع في ذاته لكل ما يلزم لكماله.. وهو جلّت قدرته مستغنٍ بكمال ذاته عن مخلوقاته.
الله العلي العظيم .. متكلم.. سميع.. بصير.. ودود.. الله متكلم وتعلق صفة الكلام بذات الله جلّ شأنه أمر مُسلَّم به.. فالذي وهب الإنسان القدرة على الكلام لا بد أن يكون متصفاً بالكلام.. فصفة الكلام من صفات الله كعلمه.. وقدرته.. وحكمته.
يقول الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في كتابه العقيدة الإسلامية :
..فالله جل شأنه لم يزل متصفاً بالكلام أزلاً وأبداً وتكلمه وتكليمه بمشيئته وإرادته فيتكلم إذا شاء.. متى شاء .. وكيف شاء.. بكلام يسمعه من يشاء. وكلامه صفته لا غاية له ولا انتهاء * العقيدة الإسلامية صفحة 44 و45 .
وإزاء هذا الكلام يخطر على البال أكثر من سؤال.
السؤال الأول:
ما دام الكلام صفة أزلية من صفات الله. . فمع من كان الله تبارك اسمه يتكلم قبل أن يخلق الملائكة والناس؟ هل كانت صفة الكلام فيه - وهي صفة أزلية من صفات ذاته - معطلة حتى خلق خلقه وبهذا نجعله جلت قدرته ناقصاً بذاته .. كاملاً بمخلوقاته.. وحاشا لله أن يكون كذلك؟
السؤال الثاني:
إن من بين أسماء الله الحسنى السميع و البصير فمن كان يسمع جلّ شأنه؟ ومن كان يبصر قبل أن يخلق الخلق من العدم؟
السؤال الثالث:
إن من بين أسماء الله الحسنى أنه الودود .. فلمن كان يتودد قبل أن يخلق الملائكة والناس؟
يقول القرآن إن الله جلت قدرته، بعد أن خلق السموات والأرض استوى على العرش .. فكيف استوى - أي جلس - على العرش وهو روح يملأ السموات والأرض كيف جلس تبارك اسمه على عرش محدد المكان؟
يجيب أئمة الإسلام بأجمعهم قائلين الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة * العقيدة الإسلامية صفحة 34 .
السؤال عن كيف استوى الله على عرشه العظيم بدعة عند أئمة المسلمين.. وهذا قيد رهيب يضعونه على عقول المسلمين.. أما الإيمان بوحدانية الله الجامعة، فهو يعطينا الجواب الشافي على كل أسئلتنا...
فالثالوث العظيم مكتف بذاته عن كل مخلوقاته..
ولذا فالكلام، والسمع، والبصر، والجلوس على العرش العظيم كان باستطاعته قبل أن يخلق مخلوقاته...
قارئ القرآن يروعه أن يقرأ الحوار الذي دار بين الله الكلي الحكمة، والمعرفة، والقدرة وبين ملائكته وهم خدامه.. يوم أراد تبارك اسمه أن يخلق الإنسان.
يذكر القرآن ذلك الحوار في سورتين: في سورة ص يقول:
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَّوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكَبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ فَبِعِّزَتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * سورة ص 38: 71-82 .
وفي سورة البقرة:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ َوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّامَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * سورة البقرة 2: 30-33 .
النصوص القرآنية تصور الله وهو يخبر الملائكة بأنه مزمع أن يخلق بشراً من طين.. ويطالبهم بالسجود لهذا المخلوق.. وترينا إبليس، وكأن سبب سقوطه هو رفضه السجود لآدم.. مع أنه كان قد سقط قبل خلق آدم بزمن طويل، وقد كشف إشعياء النبي بالوحي الإلهي عن سبب سقوط إبليس فقال يخاطبه في كلمة الله:
وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللّهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الا ِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ... أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ * إشعياء 14: 13 و14 .
كان سبب سقوط الشيطان هو رغبته أن يصير مثل الله العلي.. وقد حدث هذا السقوط في زمن قديم قبل خلق الإنسان.
ثم يستطرد النص القرآني فيصور لنا جرأة إبليس وتحديه لله جلَّت قدرته إذ يقول لله: انظرني فبعزتك لأغوينهم أجمعين .
وينتقل القرآن إلى حادث الخلق ذاته في سورة البقرة، فيصور لنا الحوار بين الله والملائكة في كلمات أخرى..
الله يخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة.
والملائكة يعترضون على أساس معرفتهم بالمستقبل البعيد..
معرفتهم أن الإنسان سيعصى الله.. ويفسد في الأرض ويسفك الدماء فيقولون:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
ومن عجب أن الملائكة وهذه معرفتهم بالمستقبل البعيد كما يقول القرآن عجزوا عن معرفة الماضي القريب.. فقد علَّم الله آدم الأسماء.. ولا يذكر القرآن أية أسماء..
ويستطرد القرآن فيذكر أن الله تحدى الملائكة بقوله أنبئوني بأسماء هؤلاء وأقر الملائكة بعجزهم قائلين سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا أنك أنت العليم الخبير ..
كيف عرف الملائكة أن الإنسان سيسقطه الشيطان.. وسيفسد في الأرض ويسفك الدماء.. وعجزوا عن معرفة الأسماء التي علَّمها الله لآدم وهو أمر حدث في الماضي القريب؟ سؤال يثير العجب والتفكير!!
إن التوراة تقرر أن آدم بما أعطاه الله من ذكاء دعا الحيوانات والطيور بأسماء.. وهكذا أثبتت التوراة كمال خلقة الإنسان من يوم خُلق:
وَجَبَلَ الرَّبُّ الْإِلهُ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ * تكوين 2: 19 و20 .
ويصور النص القرآني اعتراض الملائكة على خلقة آدم.. إذ يقولون لله أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وهو أمر غير مقبول.. أن يعترض الملائكة وهم خدام الله على خالقهم وسيدهم، وهو المكتوب عنه مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً * رومية 11: 34 .
التوراة - كلام الله الكريم - تحفظ لله كمال صفاته، وتنزهه عن حواره مع ملائكته.. إذ تؤكد وحدانيته الجامعة واستغنائه بذاته عن مخلوقاته فتقول:
وَقَالَ اللّهُ: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللّهُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللّهِ خَلَقَهُ * تكوين 1: 26 و27 .
كلمات وضاءة تفيض بنور الإعلان الإلهي..
وقال الله الواحد في ذاته.. وكلمة قال في صيغة المفرد.. نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا وكلمة نعمل في صيغة الجمع.. والنص كله يعلن عن وحدانية الله الجامعة .
أجل خلق الله الإنسان على صورته...
على الصورة التي كان سيتجسد فيها المسيح في الزمان.. فالمسيح المتجسد هُوَ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * كولوسي 1: 15 .
وعلى الصورة التي كان ابن الله الأزلي سيتجسد فيها ليفدي الإنسان.. خلق الإنسان.. خلقه ذكياً استطاع أن يعطي للحيوانات والطيور أسماءها وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا * تكوين 2: 19 .. بهذا تسقط نظرية التطور وأصل الإنسان التي نادى بها داروين وبهذا كرَّم الله الإنسان.
إن الإيمان بوحدانية الله الجامعة، جاءنا من إعلان الله عن ذاته في كلمته.
وعلينا أن نذكر دائماً أن الله سر الأسرار.. وأنه تعالت قدرته فوق متناول مقاييسنا العلمية، وفوق إدراك عقولنا البشرية كما قال بولس الرسول للفلاسفة في أريوس باغوس في أثينا باليونان.
لَا يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللَّاهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَا خْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. فَا للّ هُ الْآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ * أعمال 17: 29 و30 .
الإيمان بوحدانية الله الجامعة أمر فوق العقل تماماً كالإيمان بوجود الله ذاته.. ولكن باليقين الذي ليس ضد العقل.
إن الله في وحدانيته الفريدة الجامعة، كما أعلن ذاته في الكتاب المقدس، هو الذي يستطيع أن يجيب بإقناع كامل عن كل تساؤلات الإنسان.
إن عليك أن تؤمن بالله الجامع في وحدانيته لثالوثه الكريم، ليستريح قلبك، وتحصل على الغفران، وتتيقن بأن لك في يسوع المسيح الحياة الأبدية.
- عدد الزيارات: 20948