أسماء الله الحسنى
في القرآن والكتاب المقدس
يقول القرآن في أكثر من سورة أن لله الأسماء الحسنى.. بمعنى أن لله أحسن الأسماء الدالة على أحسن المعاني.. وإليك نصوص القرآن:
اللَّهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى * سورة طه 20: 8 .
وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا وَذَرُوا * واتركوا الذِينَ يُلْحِدُونَ * أي يحيدون فِي أَسْمَائِهِ سَيُجْزَوْنَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ * سورة الأعراف 7: 180 .
قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى وَلاَ تَجْهَرْ بِصَلاَتِكَ وَلاَ تُخَافِتْ بِهَا * لا تهمس بها حتى لا تُسمع وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * سورة الإسراء 17: 110 .
وأسماء الله الحسنى منها ما يُطلق على الله مفرداً أو مع غيره وهو ما تضمن صفة الكمال كالحي القيوم.. الأحد.. الصمد.. ومنها ما لا يُطلق على الله إلا مع مقابله وهو ما إذا قيل وحده نسب لله نقصاً كالضار النافع.. والخافض الرافع.. والمعطي المانع.. والمعزّ المذلّ.. فلا يجوز إطلاق الضار، أوالخافض، أو المانع، أو المذل وحده.. ومنها ما هو مشتق من نصوص القرآن، ومن ذلك اسمه تعالى المنتقم فهذا الاسم لم يُطلق في القرآن إلا مرتبطاً بفعله كقوله:
.. إِنَّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ * سورة السجدة 32: 22 .
.. وَاللَّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ * سورةالمائدة 5: 95 .
وأسماء الله الحسنى تعلن عن صفاته الذاتية أو صفات أفعاله.. وقد قال محمد نبي الإسلام في الصحيح إن لله تسعة وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة .
وهناك أسماء أخرى أطلقت على الله في القرآن، وأفعالاً نسبت إليه تبارك اسمه.
نذكر منها:
وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا * متنعميها فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيراً * سورة الإسراء 17: 16 .
ويهز كياننا أن نقرأ أن الله يأمر بالفسق.
وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * سورة إبراهيم 14: 4 .
وما يعنينا هنا هو أن نذكر أسماء الله الحسنى التسعة والتسعين، وعدد مرات ذكرها في القرآن، والمواضع التي ذكرت فيها هذه الأسماء في الكتاب المقدس..
القرآن لم يأت بجديد، لأن الكثير من أسماء الله الحسنى المذكورة فيه سبق ذكرها في الكتاب المقدس.. ووُصف بها الآب كما وُصف بها المسيح.. وفي نهاية الحديث سنقف وقفة متأملة عند بعض هذه الأسماء.
الاسم عدد مرات موضع ذكره في
ذكره في القرآن الكتاب المقدس
* 1 الرحمان 169
* 2 الرحيم 114
خروج 34: 6
* 3 الملك 6
مزمور 98: 6
* 4 القدوس 2
مزمور 22: 3
* 5 السلام 1
أيوب 25: 2
* 6 المؤمن 1
مزمور 117: 2
* 7 المهيمن 2
* 8 العزيز 98
إشعياء 33: 21
* 9 الجبار 1
مزمور 24: 8
* 10 المتكبر 1
* 11 الخالق 8
رومية 1: 25
* 12 البارئ 2
عبرانيين 11: 10
* 13 المصور 1
مزمور 33: 15
* 14 الغفار 5
ميخا 7: 18
* 15 القهار 6
أيوب 30: 11
* 16 الوهاب 3
يوحنا 6: 33
* 17 الرزاق 1
أيوب 36: 31
* 18 الفتاح 2
رؤيا 3: 7
* 19 العليم 158
1 صموئيل 2: 3
* 20 القابض --
مزمور 16: 5
* 21 الباسط --
مزمور 104: 2
* 22 الخافض --
إشعياء 26: 5
* 23 الرافع --
مزمور 113: 7
* 24 المعز --
مزمور 29: 11
* 25 المذل --
دانيال 4: 37
* 26 السميع 46
مزمور 65: 2
* 27 البصير 44
مزمور 10: 14
* 28 الحاكم --
حزقيال 7: 3
* 29 العدل --
مزمور 11: 7
* 30 اللطيف 7
رومية 2: 4
* 31 الخبير 45
إشعياء 44: 8
* 32 الحليم 12
2 كورنثوس 10: 1
* 33 العظيم 8
مزمور 99: 3
* 34 الغفور 91
مزمور 86: 5
* 35 الشكور 4
* 36 العلي 8
إشعياء 57: 15
* 37 الكبير 6
مزمور 47: 2
* 38 الحافظ 1
مزمور 121: 5
* 39 المقيت 1
أيوب 36: 31
* 40 الحسيب 4
رومية 14: 12
* 41 الجليل 2
تثنية 28: 58
* 42 الكريم 3
1 بطرس 2: 4
* 43 الرقيب 5
أيوب 7: 20
* 44 المجيب 1
إشعياء 65: 24
* 45 الواسع 9
1 ملوك 8: 27
* 46 الحكيم 95
يهوذا 1: 25
* 47 الودود 2
* 48 المجيد 2
* 49 الباعث --
* 50 الشهيد 21
أيوب 16: 19
* 51 الحق 8
رؤيا 6: 10
* 52 الوكيل 13
إشعياء 26: 3 و4
* 53 القوي 11
مزمور 89: 8
* 54 المتين 1
* 55 الولي 21
أيوب 19: 25
* 56 الحميد 17
مزمور 18: 3
* 57 المحصي --
مزمور 147: 4
* 58 المبدئ --
تكوين 1: 1
* 59 المعيد 12
مزمور 71: 20
* 60 المحيي 2
تثنية 32: 39
* 61 المميت --
1 صموئيل 2: 6
* 62 الحي 5
مزمور 42: 2
* 63 القيوم 3
دانيال 6: 26
* 64 الواجد --
هوشع 12: 4
* 65 الماجد --
مزمور 113: 4
* 66 الواحد 21
تثنية 6: 4
* 67 الصمد 1
مزمور73: 25
* 68 القدير 44
تكوين 17: 1
* 69 المقتدر 4
دانيال 4: 7
* 70 المقدم --
* 71 المؤخر--
* 72 الأول 1
إشعياء 44: 6
* 73 الآخر 1
إشعياء 44: 6
* 74 الظاهر 2
1 تيموثاوس 3: 16
* 75 الباطن 2
إشعياء 45: 15
* 76 الوالي 31
أيوب 19: 25
* 77 المتعالي 1
مزمور 148: 13
* 78 البر 1
دانيال 9: 14
* 79 التواب 10
إرميا 31: 8
* 80 المنتقم --
مزمور 18: 47
* 81 العفو 5
إشعياء 31: 5
* 82 الرؤوف 10
مزمور 86: 15
* 83 مالك الملك --
تكوين 14: 19
* 84 ذو الجلال والإكرام 2
حبقوق 3: 3
* 85 المقسط --
* 86 الجامع 2
إرميا 29: 14
* 87 الغني 18
رومية 10: 12
* 88 المغني --
1 صموئيل 2: 7
* 89 المعطي --
مزمور 68: 35
* 90 المانع --
1 صموئيل 25: 34
* 91 الضار --
أمثال 8: 36
* 92 النافع --
إشعياء 48: 17
* 93 النور 5
مزمور 104: 2
* 94 الهادي 10
مزمور 73: 24
* 95 البديع 2
إشعياء 41: 10
* 96 الباقي --
مزمور 102: 26
* 97 الوارث --
عبرانيين 1: 1 و2
* 98 الرشيد 1
مزمور 32: 8
* 99 الصبور --
2 تسالونيكي 3: 5 وما دمنا بصدد الحديث عن أسماء الله الحسنى في القرآن، نرى لزاماً علينا أن نذكر أن هذه الأسماء تخلو تماماً من اسم محبة .. كما تخلو من اسم الفادي .. وتخلو كذلك من اسم الآب فلا يوجد نص واحد في القرآن يذكر اسماً من هذه الأسماء.
* فالشخص المسلم محروم من معرفة حب الله
يقول الدكتور أحمد شلبي أستاذ ورئيس قسم التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية بكلية دار العلوم - جامعة القاهرة في كتابه الإسلام :
أما صفات الله كما يراها الإسلام فإن مصدرها القرآن.. وهي في مجموعها تصور الكمال المطلق، وليس للمسلم أن يناجي ربه باسم أو صفة لم يضعه الله لنفسه، فهو أعلم بما يدل على ذاته وآثاره وصفاته. وعلى هذا فالإسلام لا يوافق على أن يوصف الله بأنه محبة لأن الله لم يصف نفسه في القرآن بذلك * الإسلام صفحة 106 .
لكن آيات الكتاب المقدس تعلن بصورة مضيئة، أن الله محبة.. وأن محبته غمرت العالمين.. وأن هذه المحبة ظهرت لنا في عمقها وارتفاعها وعرضها وطولها في موت المسيح ابن الله على الصليب.
لقد أظهر الله قدرته في الخلق.
لكنه بيّن محبته في موت المسيح على الصليب.
والإسلام يخلو تماماً من الإعلان المتجسد لمحبة الله..
نصوص القرآن تلهب ظهر المسلم بتهديدها بعذاب جهنم وعذاب السعير..
أما الكتاب المقدس فإنه يعزف بآياته البينات موسيقى محبة الله.. وتضيء حروف هذه الآيات بغنى هذه المحبة ويهتف مردداً أن الله محبة .
والآن تعال معي لنقرأ آيات الكتاب الكريم:
لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّهُ الْعَالَمَ
حَتَّى بَذَلَ ابنَهُ الْوَحِيدَ،
لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ
بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ
* يوحنا 3: 16 .
وَلكِنَّ اللّهَ بَيَّنَ مَحَبَّتَهُ لَنَا، لِأَنَّهُ وَنَحْنُ بَعْدُ خُطَاةٌ مَاتَ الْمَسِيحُ لِأَجْلِنَا
* رومية 5: 8 .
لَيْسَ لِأَحَدٍ حُبٌّ أَعْظَمُ مِنْ هذا أَنْ يَضَعَ أَحَدٌ نَفْسَهُ لِأَجْلِ أَحِبَّائِهِ
* يوحنا 15: 13 .
أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، لِنُحِبَّ بَعْضُنَا بَعْضاً، لِأَنَّ الْمَحَبَّةَ هِيَ مِنَ اللّهِ،
وَكُلُّ مَنْ يُحِبُّ فَقَدْ وُلِدَ مِنَ اللّهِ وَيَعْرِفُ اللّهَ.
وَمَنْ لَا يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللّهَ، لِأَنَّ اللّهَ مَحَبَّةٌ.
بِهذَا أُظْهِرَتْ مَحَبَّةُ اللّهِ فِينَا: أَنَّ اللّهَ قَدْ أَرْسَلَ ابنَهُ الْوَحِيدَ إِلَى الْعَالَمِ لِكَيْ نَحْيَا بِهِ.
فِي هذا هِيَ الْمَحَبَّةُ: لَيْسَ أَنَّنَا نَحْنُ أَحْبَبْنَا اللّهَ، بَلْ أَنَّهُ هُوَ أَحَبَّنَا، وَأَرْسَلَ ابنَهُ كَفَّارَةً لِخَطَايَانَا
* 1 يوحنا 4: 7-10 .
يَسُوعَ الْمَسِيحِ أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ
* رؤيا يوحنا 1: 5 .
حب الله للناس ظهر بنوره الآخاذ في موت المسيح على الصليب.. فإنكار صلب المسيح هو إنكار لمحبة الله.. ولا طريق للتمتع بغنى محبة الله إلا بالإيمان بالمسيح المصلوب. لذلك هتف بولس الرسول قائلاً:
لِأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلَّا يَسُوعَ الْمَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً
* 1كورنثوس 2: 2 .
وقال بطرس الرسول:
يَسُوعَ الْمَسِيحِ... الذِي صَلَبْتُمُوهُ أَنْتُمُ، الَّذِي أَقَامَهُ اللّهُ مِنَ الْأَمْوَاتِ... لَيْسَ بِأَحَدٍ غَيْرِهِ الْخَلَاصُ. لِأَنْ لَيْسَ اسْمٌ آخَرُ تَحْتَ السَّمَاءِ، قَدْ أُعْطِيَ بَيْنَ النَّاسِ، بِهِ يَنْبَغِي أَنْ نَخْلُصَ * أعمال 4: 10 و12 .
المسلم محروم من معرفة هذا الحب الإلهي الفياض، لأن الله لم يصف نفسه في القرآن بأنه محبة وهو أمر يدعو للرثاء.
لأنه ليس بين أسماء الله الحسنى اسم الفادي .. لذلك فإن الشخص المسلم محروم من يقين النجاة من عذاب جهنم.. وعذاب النار.
ومع أن القرآن يعترف بمبدأ الفداء فيقول في سورة الصافات وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ * الصافات 37: 107 وبهذا النص يقرر أن الله وحده هو الفادي إذ يقول تبارك اسمه وفديناه فالفداء عمله وتدبيره. كذلك يقرر أن الله لن يقبل من الذين كفروا ملء الأرض ذهباً فداء لنفوسهم فيقول:
إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا وَمَاتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْ أَحَدِهِمْ مِلْءُ الْأَرْضِ ذَهَباً وَلَوِ افْتَدَى بِهِ أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ * سورة آل عمران 3: 91 .
إِنَّ الذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَمِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذَابِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَا تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ * سورة المائدة 5: 36 .
الإنسان عاجز تماماً عن فداء نفسه.. لكن الله بذاته العلية هو فاديه.. ولأن القرآن لا يصف الله باسم الفادي فالمسلم محروم تماماً من يقين النجاة من عذاب النار.. إنه يعيش حياته جاهداً نفسه في عمل الصالحات عسى أن يحصل على رضى الله.. لكنه مع كل اجتهاده وجهده وحسناته لا يقين عنده من جهة مصيره بعد الموت.. ونجاته من عذاب النار.
في 3 أبريل * نيسان 1991 نشرت مجلة آخر ساعة مقالاً بعنوان حوار ساخن بين الشيخ النمر.. وأربع صحافيات . خلال الحوار سألت إحدى الصحافيات الشيخ الدكتور عبد المنعم النمر:
هل الحجاب هو فرض بحيث إن لم ألتزم به أدخل النار بصرف النظر عن أعمالي الأخرى.. وأنا هنا أتكلم عن المرأة المحتشمة ولكنها ليست محجبة؟
وأجاب الشيخ الدكتور النمر:
الفرائض يا بنيتي كثيرة والله يحاسبنا بالقطاعي.. بمعنى أنك إن أديت الفرض لك نقطة.. إن أهملت فيه عليك نقطة. كل يحسب لك أو عليك. أقمت الصلاة هي لك. لم تصومي هي عليك وهكذا...
واستطرد الشيخ النمر قائلاً:
أنا لم آت بجديد.. لكل إنسان كتاب يقيد فيه كل حسناته وسيئاته.. وهذه حتى معاملاتنا مع أطفالنا..
قالت الصحافية: يعني لن يكون هذا سبباً في دخولي النار دون محاسبتي على حياتي؟
أجاب الشيخ النمر:
يا بنيتي.. لا أحد يعلم من سيدخلها.. ربما أكون أنا أول الداخلين فيها! أي والله.. وكما قال أبو بكر الصديق: لا آمن مكر الله حتى لو كانت إحدى قدميّ في الجنة! .. من الذي يستطيع أن يقول أي الأعمال ستُقبل أم لا؟ أنت تعملين كل الذي تستطيعينه والحساب عند الله وتسألينه القبول * آخر ساعة العدد 2945 .
الشيخ عبد المنعم النمر، وهو أستاذ كبير درس القرآن وتعاليم الإسلام.. لا يعلم إن كان سيدخل النار أم الجنة.. ويقول إنه ربما يكون أول الداخلين النار.. وأبو بكر الصديق خليفة النبي محمد قال: لا آمن مكر الله حتى ولو كانت إحدى قدمي في الجنة .
لا يقين عند المسلم من جهة مصيره بعد الموت..
وهو محروم تماماً من السلام القلبي الذي يمنحه هذا اليقين.. ذلك لأن القرآن ينكر الفداء الذي أتمه المسيح على الصليب.
أما المسيحي الحقيقي الذي آمن بالمسيح فادياً فعنده اليقين التام من جهة مصيره بعد الموت..
فهو يعرف يقيناً أنه لن يدخل النار * رومية 8: 1 .
ويعرف يقيناً أن له حياة أبدية * 1 يوحنا 5: 13 .
ويعرف يقيناً أنه في القيامة سيعطيه الله جسداً ممجداً يستطيع به أن يرى الله في مجده وجلاله * 1 يوحنا 3: 2 .
وأما هذا اليقين هو أن الله افتداه بدم المسيح.. كما يقول بولس الرسول ا لَّذِي لَنَا فِيهِ الْفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الْخَطَايَا * كولوسي 1: 14 وكما يقول داود النبي في المزمور 34 ا لرَّبُّ فَادِي نُفُوسِ عَبِيدِهِ، وَكُلُّ مَنِ اتَّكَلَ عَلَيْهِ لَا يُعَاقَبُ * مزمور 34: 22 وكما يقول بولس الرسول أيضاً: مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بِالْفِدَاءِ الذِي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ * رومية 3: 24 .
أعمال الإنسان الصالحة لن تخلصه.. فإشعياء النبي يصف الأعمال الصالحة بأنها كالثياب المهلهلة التي لا تستر عرياً فيقول:
وَقَدْ صِرْنَا كُلُّنَا كَنَجِسٍ، وَكَثَوْبِ عِدَّةٍ * ثوب مهلهل كُلُّ أَعْمَالِ بِرِّنَا، وَقَدْ ذَبُلْنَا كَوَرَقَةٍ، وَآثَامُنَا كَرِيحٍ تَحْمِلُنَا * إشعياء 64: 6 .
ويؤكد بولس الرسول أن طريق النجاة الوحيد هو نعمة الله التي ظهرت في الفداء العظيم الذي أكمله المسيح بموته على الصليب فيقول:
لِأَنَّكُمْ بِالنِّعْمَةِ مُخَلَّصُونَ، بِالْإِيمَانِ، وَذلِكَ لَيْسَ مِنْكُمْ. هُوَ عَطِيَّةُ اللّهِ. لَيْسَ مِنْ أَعْمَالٍ كَيْلَا يَفْتَخِرَ أَحَدٌ
* أفسس 2: 8 و9 .
لا نجاة لأحد بأعماله الصالحة.. لأنه لو نجا أحد بأعماله الصالحة لكان لديه مجال للفخر أمام الله..
وأين هو الإنسان الذي يستطيع أن يقف مفتخراً بصلاحه أمام الله؟.. لا أحد؟ تقول كلمة الله الموحى بها.
لِأَنَّهُ لَيْسَ بَارٌّ وَلَا وَاحِدٌ. لَيْسَ مَنْ يَفْهَمُ. لَيْسَ مَنْ يَطْلُبُ اللّهَ. الْجَمِيعُ زَاغُوا وَفَسَدُوا مَعاً. لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ. حَنْجَرَتُهُمْ قَبْرٌ مَفْتُوحٌ. بِأَلْسِنَتِهِمْ قَدْ مَكَرُوا. سِمُّ الْأَصْلَالِ تَحْتَ شِفَاهِهِمْ. وَفَمُهُمْ مَمْلُوءٌ لَعْنَةً وَمَرَارَةً. أَرْجُلُهُمْ سَرِيعَةٌ إِلَى سَفْكِ الدَّمِ. فِي طُرُقِهِمِ اغْتِصَابٌ وَسَحْقٌ. وَطَرِيقُ السَّلَامِ لَمْ يَعْرِفُوهُ
* رومية 3: 10-17 .
أما المؤمنون الذين آمنوا بفداء المسيح، وغُسِّلوا من خطاياهم بدمه فلهم اليقين التام بالنجاة من دينونة الله وعذاب الجحيم.
عرف يوحنا الرسول مصيره بعد الموت فقال:
أَيُّهَا الْأَحِبَّاءُ، الْآنَ نَحْنُ أَوْلَادُ اللّهِ، وَلَمْ يُظْهَرْ بَعْدُ مَاذَا سَنَكُونُ. وَلكِنْ نَعْلَمُ أَنَّهُ إِذَا أُظْهِرَ نَكُونُ مِثْلَهُ، لِأَنَّنَا سَنَرَاهُ كَمَا هُوَ
* 1 يوحنا 3: 2 .
وعرف بولس الرسول أنه من المخلصين.. وعرف أن الله سيمنحه إكليل البر فقال:
فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ، وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللّهِ
* 1 كورنثوس 1: 18 .
فَإِنِّي أَنَا الْآنَ أُسْكَبُ سَكِيباً، وَوَقْتُ انْحِلَالِي قَدْ حَضَرَ. قَدْ جَاهَدْتُ الْجِهَادَ الْحَسَنَ، أَكْمَلْتُ السَّعْيَ، حَفِظْتُ الْإِيمَانَ، وَأَخِيراً قَدْ وُضِعَ لِي إِكْلِيلُ الْبِرِّ، الَّذِي يَهَبُهُ لِي فِي ذ لِكَ الْيَوْمِ الرَّبُّ الدَّيَّانُ الْعَادِلُ، وَلَيْسَ لِي فَقَطْ، بَلْ لِجَمِيعِ الذِينَ يُحِبُّونَ ظُهُورَهُ أَيْضاً * 2 تيموثاوس 4: 6-8 .
وعرف بطرس الرسول مصيره بعد الموت.. بل مصير كل الذين آمنوا بالمسيح رباً وفادياً فقال:
مُبَارَكٌ اللّهُ أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الْكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ مِنَ الْأَمْوَاتِ، لِمِيرَاثٍ لَا يَفْنَى وَلَا يَتَدَنَّسُ وَلَا يَضْمَحِلُّ، مَحْفُوظٌ فِي السَّمَاوَاتِ لِأَجْلِكُمْ، أَنْتُمُ الذِينَ بِقُوَّةِ اللّهِ مَحْرُوسُونَ، بِإِيمَانٍ، لِخَلَاصٍ مُسْتَعَدٍّ أَنْ يُعْلَنَ فِي الزَّمَانِ الْأَخِيرِ * 1بطرس 1: 3-5 .
المؤمنون بالمسيح ولدوا ثانية بنعمة الله وبعمل الروح القدس.. وهم محفوظون ومحروسون من قوى الشر والشيطان بقوة الله.. إلى أن يدخلوا ميراثهم السماوي الأبدي.
هذا هو يقين المسيحيين الحقيقيين المولودين من الله.. الذين خرجوا من الظلمات إلى النور.. ومن سلطان الشيطان إلى الله.. وآمنوا إيماناً قلبياً بالعمل الكفاري العظيم الذي أكمله المسيح بموته على الصليب.. ووثقوا في شفاعة المسيح الدائمة لهم عند الآب.. هذه الشفاعة المقبولة دائماً كما قال يوحنا الرسول:
يَا أَوْلَادِي، أَكْتُبُ إِلَيْكُمْ هذا لِكَيْ لَا تُخْطِئُوا. وَإِنْ أَخْطَأَ أَحَدٌ فَلَنَا شَفِيعٌ عِنْدَ الْآبِ، يَسُوعُ الْمَسِيحُ الْبَارُّ. وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ الْعَالَمِ أَيْضاً * 1 يوحنا 2: 1 و2 .
قرر القرآن بنص صريح أن الشفاعة لله:
قُلْ لِلَّهِ الشَّفَاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ * سورة الزمر 39: 44 .
والنص يرينا أن الشفيع هو شخص غير الذي يشفع عنده.. كما يقرر نص قرآني آخر أنه جلَّ جلاله الشفيع عند ذاته:
ا للَّهُ الذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا فِي سَتَّةِ أَيَّامٍ ثُمَّ اسْتَوَى عَلَى الْعَرْشِ مَا لَكُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلاَ شَفِيعٍ أَفَلاَ تَتَذَكَّرُونَ * سورة السجدة 32: 4 .
لهذا يتحتم أن يكون المسيح هو ابن الله الأزلي غير المحدود، لتقبل شفاعته عند الله الآب غير المحدود.
الله الابن الذي تجسد في الزمان ومات على الصليب.. يشفع في المذنبين.. ويقبل الآب شفاعته على أساس الفداء الذي قام به بموته على الصليب.
أما محمد فهو مجرد إنسان.. لا يستطيع أن يشفع عند الله في أحد ويقرر القرآن عجزه عن الشفاعة فيقول:
ا سْتَغْفِرْ لَهُمْ * يا محمد أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِا للَّهِ وَرَسُولِهِ وَاللَّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ * سورة التوبة 9: 80 .
ونسأل: إذا كان الله لا يهدي القوم الفاسقين
-أي الخارجين عن حدود الشرع -
فمن يهدي إذاً؟
من في حاجة إلى الهداية أكثر من القوم الفاسقين؟
المسلم لا يقين عنده من جهة مصيره بعد الموت.. الأمر كله معلق في الميزان.. بغير ضمان.
والأكثر من هذا فإن القرآن يقرر أن كل مسلم لا بد أن يصل إلى جهنم.. وأن دخول المسلمين النار هو قضاء إلهي عليهم
أَوَ لاَ يَذْكُرُ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَكُ شَيْئاً فَوَرَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَالشَّيَاطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جَثِيّاً * باكين على ركبهم لشدة الهول .. وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً * سورة مريم 19: 67 و68 و71 .
ويفسر محمد فريد وجدي الكلمات وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً فيقول:
وما منكم إلا واصل إلى جهنم ومار بها. قيل يمر بها المؤمنون وهي خامدة، وقيل يمرون عليها وهم يجتازون الصراط، كان ورودهم إياها واجباً أوجبه الله على نفسه وقضى بأن وعد به وعداً لا يمكن خلفه * المصحف المفسر صفحة 403 .
هذا هو المصير الذي يتوقعه كل مسلم.. لأنه محروم من معرفة الله الفادي .. ومن ذا الذي يقبل ديناً لا يعطيه يقين النجاة من نيران جهنم؟
كما حرم القرآن المسلم من معرفة محبة الله.. ومعرفة الله الفادي.. كذلك حرمه من الإيمان بأبوة الله.. فليس بين أسماء الله الحسنى في القرآن اسم الآب .
إن تسمية الله في الكتاب المقدس باسم الآب فيه كل معاني الرعاية والحماية وملء الاحتياجات...
وبينما المسلم محروم من مناداة الله تبارك اسمه باسم الآب فإن المسيحي الحقيقي يصلي لله مخاطباً جلاله بالكلمات:
أَبَانَا الذِي فِي السَّمَاوَاتِ، لِيَتَقَدَّسِ اسْمُكَ. لِيَأْتِ مَلَكُوتُكَ. لِتَكُنْ مَشِيئَتُكَ كَمَا فِي السَّمَاءِ كَذ لِكَ عَلَى الْأَرْضِ. خُبْزَنَا كَفَافَنَا أَعْطِنَا الْيَوْمَ. وَا غْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا كَمَا نَغْفِرُ نَحْنُ أَيْضاً لِلْمُذْنِبِينَ إِلَيْنَا. وَلَا تُدْخِلْنَا فِي تَجْرِبَةٍ، ل كِنْ نَجِّنَا مِنَ الشِّرِّيرِ. لِأَنَّ لَكَ الْمُلْكَ، وَالقُوَّةَ، وَالمَجْدَ، إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ * متى 6: 9-13 .
المسيحي المولود من الله، صار ابناً لله بإيمانه بالمسيح يسوع.. يقول بولس الرسول:
ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَلَ اللّهُ رُوحَ ابنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخاً: يَا أَبَا الْآبُ . إِذاً لَسْتَ بَعْدُ عَبْداً بَلِ ابناً، وَإِنْ كُنْتَ ابناً فَوَارِثٌ لِلّهِ بِالْمَسِيحِ * غلاطية 4: 6 و7 .
إِذْ لَمْ تَأْخُذُوا رُوحَ الْعُبُودِيَّةِ أَيْضاً لِلْخَوْفِ، بَلْ أَخَذْتُمْ رُوحَ التَّبَنِّي الذِي بِهِ نَصْرُخُ: يَا أَبَا الْآبُ! . اَلرُّوحُ نَفْسُهُ أَيْضاً يَشْهَدُ لِأَرْوَاحِنَا أَنَّنَا أَوْلَادُ اللّهِ * رومية 8: 15 و16 .
هذا هو شعور المسيحي الحقيقي من نحو الله الآب السماوي.. أما المسلم فإن الشعور الذي يتملكه هو شعور العبودية.. فالله على عرشه في السماء.. والمسلمون مجرد عبيد.. ويكرر القرآن ويعيد أن الله ليس بظلّام للعبيد * سورة آل عمران 3: 182 وسورة الأنفال 8: 51 وسورة الحج 22: 10 وسورة فصلت 41: 46 .
وموقف المسلم في صلاته هو موقف العبد:
أَرَأَيْتَ الذِي يَنْهَى عَبْداً إِذَا صَلّى * سورة العلق 96: 9 و10 .
إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلاَّ آتِي الرَّحْمَانِ عَبْداً * سورة مريم 19: 93 .
روح العبودية يغمر نصوص القرآن.. ويملأ قلب المسلم خوفاً ورعباً..
والآن لا بد لنا من الوقوف عند بعض أسماء الله الحسنى التي وردت في القرآن ونقارنها بمعطيات الكتاب المقدس.
وأول اسم من أسماء الله الحسنى نتحدث عنه هو الحق
أعطى القرآن لله اسم الحق في ثمانية نصوص.. سنكتفي بذكر اثنين منها:
فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * سورة المؤمنون 23: 116 .
ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِي الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * سورة الحج 22: 6 .
والكتاب المقدس يطلق اسم الحق على الله الآب وعلى المسيح.
قال إرميا النبي أَمَّا الرَّبُّ الْإِلهُ فَحَقٌّ. هُوَ إِل هٌ حَيٌّ وَمَلِكٌ أَبَدِيٌّ * إرميا 10: 10 .
وقال المسيح عن الله الآب: ... الَّذِي أَرْسَلَنِي هُوَ حَقٌّ، الَّذِي أَنْتُمْ لَسْتُمْ تَعْرِفُونَهُ. أَنَا أَعْرِفُهُ لِأَنِّي مِنْهُ، وَهُوَ أَرْسَلَنِي * يوحنا 7: 28 و29 .
وقال المسيح عن نفسه وهو الصادق الأمين:
أَنَا هُوَ الطَّرِيقُ وَالحَقُّ وَالحَيَاةُ. لَيْسَ أَحَدٌ يَأْتِي إِلَى الْآبِ إِلَّا بِي * يوحنا 14: 6 .
وقال يوحنا الرسول عن المسيح:
وَنَعْلَمُ أَنَّ ابنَ اللّهِ قَدْ جَاءَ وَأَعْطَانَا بَصِيرَةً لِنَعْرِفَ الْحَقَّ. وَنَحْنُ فِي الْحَقِّ فِي ابنِهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ. هذا هُوَ الْإِلهُ الْحَقُّ وَالحَيَاةُ الْأَبَدِيَّةُ * 1 يوحنا 5: 20 .
اسم الحق الذي أعطاه القرآن لله.. أعطاه الكتاب المقدس للمسيح.. لأن المسيح هو الله.. وهو محيي الموتى.
الاسم الثاني من أسماء الله الحسنى هو الوارث
إِنَّا نَحْنُ نَرِثُ الْأَرْضَ وَمَنْ عَلَيْهَا وَإِلَيْنَا يُرْجَعُونَ * سورة مريم 19: 40 .
.. وَلِلَّهِ مِيرَاثُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ * سورة آل عمران 3: 180 .
وارث الأرض ومن عليها.. ووارث السموات.. هو الله.
ويقول كاتب الرسالة إلى العبرانيين:
اَللّهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الْآبَاءَ بِا لْأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ فِي ابنِهِ - الذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ * عبرانيين 1: 1 و2 .
نصوص القرآن تقرر أن الله تبارك اسمه هو وارث السموات والأرض.. وكتاب العهد الجديد يقرر أن المسيح هو وارث لكل شيء.
ويعني هذا بكل وضوح أن المسيح هو ابن الله.. والله الابن..
ففي كل ميراث وارث ومورّث..
الله الآب جعل ابنه يسوع المسيح وارثاً لكل شيء.. لأنه منه..
ذات يوم جاء شاب غني إلى المسيح وسأله:
أَيُّهَا الْمُعَلِّمُ الصَّالِحُ، مَاذَا أَعْمَلُ لِأَرِثَ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ؟ * مرقس 10: 17 .
فَقَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِمَاذَا تَدْعُونِي صَالِحاً؟ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللّهُ * مرقس 10: 18 .
أراد المسيح أن يقول بكلماته لذلك الشاب: إن آمنت بصلاحي.. تحتم عليك أن تؤمن بلاهوتي.. لأن ليس أحد صالحاً إلا واحد وهو الله.
ويقرر القرآن أن المسيح وُلد غلاماً زكياً .. فقد قال جبريل الملاك لمريم العذراء إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِأَهَبَ لَكِ غُلاَماً زَكِيّاً * سورة مريم 19: 19 .
ويقرر العهد الجديد أن المسيح وُلد بغير خطية * 1 يوحنا 3: 5 .. ولم يعرف خطية * 2 كورنثوس 5: 21 ولم يفعل خطية * 1 بطرس 2: 22 .
المسيح هو الصلاح المتجسد.. عاش حياته منزهاً معصوماً عن الخطأ حين جاء إلى أرضنا في الجسد.. وتحدّى أعداءه بالقول:
مَنْ مِنْكُمْ يُبَكِّتُنِي عَلَى خَطِيَّةٍ * يوحنا 8: 46 .
ولم يجسر أحد أن يرفع عقيرته ضده أو يوجه إليه إصبع إتهام.. المسيح كامل الصلاح.. وإذا اعترفنا بهذا الحق، تحتّم علينا أن نعترف بأنه الله إذ لَيْسَ أَحَدٌ صَالِحاً إِلَّا وَاحِدٌ وَهُوَ اللّهُ * مرقس 10: 18 .
وإذا آمنا بأن المسيح هو الله.. تحتم علينا أن نؤمن بوحدانية الله الجامعة لثالوثه الجليل الكريم.
الاسم الثالث من أسماء الله الحسنى في القرآن هو الظاهر والباطن
يقول القرآن هُوَ الْأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ * سورة الحديد 57: 3 .
فيصف الله بأنه الظاهر والباطن .. ومعروف أن كلمة الباطن تعني أنه تبارك اسمه أجل وأكبر من أن يُرى بالعين المادية.. أو كما قال عنه إشعياء النبي حَقّاً أَنْتَ إِلَهٌ مُحْتَجِبٌ يَا إِلَهَ إِسْرَائِيلَ الْمُخَلِّصَ * إشعياء 45: 15 .
لكن ما معنى أن يكون الله هو الظاهر ؟
إن قيل أنه ظاهر بمصنوعاته وتدبيره.. نقول أن مصنوعاته تظهر قدرته.. لكنه يظل محتجباً عن العيون..
إنّ في قلب الإنسان شوق إلى رؤية الله:
رفع إشعياء النبي هذه الصلاة إلى الله:
لَيْتَكَ تَشُقُّ السَّمَاوَاتِ وَتَنْزِلُ! * إشعياء 64: 1 .
يحتفظ لنا التاريخ بحوار جرى بين الفيلسوف اليوناني سقراط، ورجل اسمه أريستوديم كان ينكر وجود الله.. وهذا ما دار في ذلك الحوار:
أريستوديم: أنا لا أومن بوجود الله.
سقراط: أيوجد رجال تعجب بمهارتهم وجمال صنائعهم؟
أريستوديم: نعم، أعجب في الشعر القصصي بهوميروس، وفي التصوير بزوكسيس، وفي صناعة التماثيل ببوليكتيت.
سقراط: أي الصناع أولى بالإعجاب؟ الذي يخلق صوراً بلا عقل ولا حراك، أو الذي يبدع كائنات ذات عقل وحياة؟
أريستوديم: بغير شك الذي بدع الكائنات المتمتعة بالعقل والحياة، إذا لم تكن تلك من نتائج الاتفاق والصدفة.
سقراط: وهل يمكن أن يكون من الاتفاق والصدفة أن تُعطى الأعضاء لمقاصد وغايات خاصة؟ العين لترى، والأذن لتسمع، والأنف ليشم، واللسان ليتذوق.. والعين تحاط بحراسة دقيقة لحساسيتها وضعفها، فتقفل بسرعة عند الإحساس بالخطر، وتحرس بالرموش، وتقفل عند النوم.. والأذن لها جهازها الخارجي الذي يجمع لها الصوت.. هل يمكن أن يكون ذلك كله من عمل الصدفة؟
والميل المودع في المخلوقات للتناسل.. والحنان المخلوق في قلوب الأمهات بالنسبة للأولاد.. والطفل الذي يتجه للرضاعة من ثدي أمه.. هل يمكن أن يكون هذا كله بالصدفة؟
أريستوديم: لا.. إن ذلك يدل على الإبداع، وعلى أن الخالق عظيم يحب الكائن الحي.. ولكن لماذا لا نرى الخالق؟
إن سؤال أريستوديم لسقراط يعلن عن شوق الروح الإنسانية لرؤية الله...
إن صفات الله تظل كلمات إلى أن تتجسد.. فالتصورات المجردة، تصورات لا يمكن أن نربطها بالواقع المحسوس حتى نجسدها..
فالحرية.. والعدالة.. والأمومة.. كلها كلمات إذا لم تتجسد لا يمكن أن يفهم الإنسان معناها الصحيح..
لذلك صوَّر الأمريكيون الحرية امرأ ة متوجة تمسك شعلة متوهجة.. هي شعلة الحرية.
وصورنا العدالة.. امرأة معصوبة العينين، تمسك في يدها ميزاناً لتزن قضاياها دون نظر إلى لون، أو جنس، أو دين..
وصورنا الأمومة.. امرأة تحتضن وليدها بحب وحنان.
والناس يستجيبون للأشياء بمقدار ما يحسونها.. وغير المحسوس أقل في وعيهم درجة.
وصفات الله مجرد كلمات.. ولكي يدرك الناس المفهوم الصحيح لهذه الصفات.. كان لا بد أن يتجسد الله في المسيح..
في 14 مايو * أيار سنة 1986 دُعيت للقيام بحوار حول موضوع حقيقة صلب المسيح مع الإمام أحمد حسين وهو الإمام الذي كان يعنى بشؤون الطلبة المسلمين في جامعة شمال فيرجينيا..
أقيم الحوار في قاعة من قاعات جامعة شمال فيرجينيا في مدينة الإسكندرية بفيرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية:
Northern Virginia Community College Alexandria Campus
في لحظة دخولي قاعة الاجتماع.. رأيت الإمام أحمد حسين يدخل القاعة وبيده ورقة قد طبع عليها أسماء الله الحسنى.. وأراني الورقة متحدياً.. فابتسمت وقلت له: عندي سؤال يا شيخ أحمد بخصوص أسماء الله الحسنى.. من بين أسماء الله الحسنى اسم الظاهر والباطن .. فهل لك أن تخبرني متى كان الله ظاهراً؟ وكيف يكون الله الظاهر والباطن في آن معاً؟
أجاب الشيخ أحمد حسين: الله ظاهر في مخلوقاته.. في الشمس والقمر والنجوم.. وخلقه الحيوان والإنسان..
قلت: مخلوقات الله تظهر قدرته يا شيخ أحمد.. لكنه يظل محتجباً عن العيون.
لم يستطع الشيخ أحمد أن يعطي جواباً... مع أن الجواب سهل إذا آمنا بوحدانية الله الجامعة.. ووثقنا في وحي التوراة والإنجيل.. وفي قدرة الله على أن يتجسد في المسيح ويكون مالئاً للسماوات والأرض في ذات الوقت.
فالله بصفته الإله الظاهر ظهر مراراً في العهد القديم.. ظهر لإبراهيم الخليل، وسجلت التوراة ظهوره بالكلمات:
وَظَهَرَ لَهُ الرَّبُّ عِنْدَ بَلُّوطَاتِ مَمْرَا وَهُوَ جَالِسٌ فِي بَابِ الْخَيْمَةِ وَقْتَ حَرِّ النَّهَارِ، فَرَفَعَ عَيْنَيْهِ وَنَظَرَ وَإِذَا ثَلَاثَةُ رِجَالٍ وَاقِفُونَ لَدَيْهِ. فَلَمَّا نَظَرَ رَكَضَ لِاسْتِقْبَالِهِمْ مِنْ بَابِ الْخَيْمَةِ وَسَجَدَ إِلَى الْأَرْضِ * تكوين 18: 1 .
وخلال هذا الظهور الإلهي بشّر الله إبراهيم بولادة اسحق من سارة امرأته.
وَقَالُوا لَهُ: أَيْنَ سَارَةُ امْرَأَتُكَ؟ فَقَالَ: هَا هِيَ فِي الْخَيْمَةِ . فَقَالَ: إِنِّي أَرْجِعُ إِلَيْكَ نَحْوَ زَمَانِ الْحَيَاةِ وَيَكُونُ لِسَارَةَ امْرَأَتِكَ ابنٌ * تكوين 18: 9 و10 .
وقد ذكر القرآن هذا الظهور الإلهي لإبراهيم الخليل في سورتين فقال: وَنَبِّئْهُمْ عَنْ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلاَماً قَالَ إِنَّا مِنْكُمْ وَجِلُونَ قَالُوا لاَ تَوْجَلْ إِنَّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ عَلِيمٍ * سورة الحجر 15: 51-53 .
هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ.. فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لاَ تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلاَمٍ عَلِيمٍ * سورة الذاريات 51: 24 و28 .
وظهر الله جل اسمه لموسى بلهيب نار من وسط عليقة وكلمه تكليماً.. وتذكر التوراة هذا الظهور الإلهي بالكلمات:
وَأَمَّا مُوسَى فَكَانَ يَرْعَى غَنَمَ يَثْرُونَ حَمِيهِ كَاهِنِ مِدْيَانَ، فَسَاقَ الْغَنَمَ إِلَى وَرَاءِ الْبَرِّيَّةِ وَجَاءَ إِلَى جَبَلِ اللّهِ حُورِيبَ. وَظَهَرَ لَهُ مَلَاكُ الرَّبِّ بِلَهِيبِ نَارٍ مِنْ وَسَطِ عُلَّيْقَةٍ، فَنَظَرَ وَإِذَا الْعُلَّيْقَةُ تَتَوَقَّدُ بِا لنَّارِ، وَالعُلَّيْقَةُ لَمْ تَكُنْ تَحْتَرِقُ! فَقَالَ مُوسَى: أَمِيلُ الْآنَ لِأَنْظُرَ هذا الْمَنْظَرَ الْعَظِيمَ. لِمَاذَا لَا تَحْتَرِقُ الْعُلَّيْقَةُ؟ فَلَمَّا رَأَى الرَّبُّ أَنَّهُ مَالَ لِيَنْظُرَ، نَادَاهُ اللّهُ مِنْ وَسَطِ الْعُلَّيْقَةِ وَقَالَ: مُوسَى مُوسَى . فَقَالَ: هَئَنَذَا . فَقَالَ: لَا تَقْتَرِبْ إِلَى ه هُنَا. اخْلَعْ حِذَاءَكَ مِنْ رِجْلَيْكَ، لِأَنَّ الْمَوْضِعَ الذِي أَنْتَ وَاقِفٌ عَلَيْهِ أَرْضٌ مُقَدَّسَةٌ * خروج 3: 1-5 .
ويذكر القرآن هذا الظهور الإلهي لموسى النبي فيقول:
وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى إِذْ رَأَى نَاراً فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى آنَسْتُ نَاراً لَعَلّي آتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدىً فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَا خْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِا لْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً * سورة طه 20: 9-12 .
الله بذاته العلية كلم موسى بصوته الإلهي من وسط النار بحسب نص القرآن، وقصة القرآن مأخوذة من التوراة، وليست من أنباء الغيب.. فالقرآن لم يأت بجديد.
وقبل ذلك ظهر الله ليعقوب أبي أسباط إسرائيل * تكوين 35: 1 .
كما ظهر بعد ذلك لمنوح وامرأته * قضاة 13: 8-23 .
الظهور الإلهي ليس بدعة.. فالله الباطن هو كذلك الله الظاهر .. وظهوره الأعظم هو ظهوره في شخص المسيح الكريم... وقد ذكر بولس الرسول هذا الظهور العظيم بالكلمات:
وَبِا لْإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلَائِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الْأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ * 1تيموثاوس 3: 16 .
إن الله الباطن المحتجب.. الذي لم يره أحد قط.. صار الله الظاهر الذي ظهر في المسيح.. ولذا قال المسيح للحواري فيلبس :
... اَلَّذِي رَآنِي فَقَدْ رَأَى الْآبَ * يوحنا 14: 9 .
إن المسيح الكائن منذ الأزل تجسد في الزمان.. آخذاً صورة عبد.. صائراً في شبه الناس.. ووُجد في الهيئة كإنسان.. ووضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب.. في شخصه الكريم رأينا صفات الله وأدركنا مفهومها الصحيح..
فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ... وَالكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلَّ بَيْنَنَا، وَرَأَيْنَا مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً * يوحنا 1: 1 و14 .
اللّهُ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ قَطُّ. اَلِا بْنُ الْوَحِيدُ الذِي هُوَ فِي حِضْنِ الْآبِ هُوَ خَبَّرَ * يوحنا 1: 18 .
اَللّ هُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الْآبَاءَ بِا لْأَنْبِيَاءِ قَدِيماً، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُقٍ كَثِيرَةٍ، كَلَّمَنَا فِي هذهِ الْأَيَّامِ الْأَخِيرَةِ فِي ابنِهِ - الذِي جَعَلَهُ وَارِثاً لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضاً عَمِلَ الْعَالَمِينَ. الذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيراً لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الْأَعَالِي * عبرانيين 1: 1-3 .
في وجه يسوع المسيح عرفنا مجد الله:
لِأَنَّ اللّهَ الذِي قَالَ أَنْ يُشْرِقَ نُورٌ مِنْ ظُلْمَةٍ، هُوَ الذِي أَشْرَقَ فِي قُلُوبِنَا، لِإِنَارَةِ مَعْرِفَةِ مَجْدِ اللّهِ فِي وَجْهِ يَسُوعَ الْمَسِيحِ * 2 كورنثوس 4: 6 .
وفي شخص المسيح عرفنا معنى صفات الله.. وأدركنا شيئاً عن ذاته من صفاته...
عرفنا أزليته.. عرفنا حنان قلبه.. عرفنا رعايته.. عرفنا رحمته.. عرفنا محبته.. عرفنا معنى قربه.. عرفنا قدرته.. أجل.. فالمسيح ابن الله هو حامل كل الأشياء بكلمة قدرته..
هو خالق الكون.. وحافظ الكون
هو خالق الكون : الْكُلُّ بِهِ وَلَهُ قَدْ خُلِقَ * كولوسي 1: 16 .
وهو حافظ الكون لأنه حَامِلٌ كُلَّ الْأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ * عبرانيين 1: 3 .
فهذا الكون الواسع البديع.. بشمسه وقمره.. ونجومه.. ونظامه الفلكي العجيب.. لو غفلت عنه لحظة عين المسيح خالقه لاختلت موازينه.. واضطرب سيره.. وغمرت الفوضى نظامه.. ولكن المسيح يحمل هذا الكون في مسيرته الدقيقة بليله ونهاره.. بربيعه وصيفه وخريفه وشتائه.. بملايين المجرات والنجوم والأفلاك التي تدور في فضائه.. يحمل هذا كله بكلمة قدرته .
لذلك عندما كان هنا على الأرض.. وركب سفينة مع تلاميذه، وهاج البحر.. وحدث نوء ريح عظيم فكانت الأمواج تضرب السفينة حتى صارت تمتلئ ماء.. وكان هو في مؤخر السفينة نائماً.. أيقظه تلاميذه وقد ملأهم الخوف قائلين أما يهمك أننا نهلك .. فقام وانتهر الريح وقال للبحر اسكت. ابكم. فسكنت الريح وصار هدوء عظيم.. وقال الحواريون وقد اعترتهم الدهشة:
مَنْ هُوَ هذا؟ فَإِنَّ الرِّيحَ أَيْضاً وَالبَحْرَ يُطِيعَانِهِ! * مرقس 4: 41 .
لقد جاء يسوع المسيح في الجسد ليفدي الإنسان، ويظهر في ذات الوقت صفات الرحمان.
أسماء أخرى من أسماء الله الحسنى لا بد لنا من الوقوف عندها.. فهو السميع.. البصير.. الودود.. ويقيناً أنه أيضاً المتكلم مع أن هذا الاسم لم يذكر بين أسمائه الحسنى.
من البديهيات الثابتة، أن الله كامل في ذاته وصفاته.. وهو جامع في ذاته لكل ما يلزم لكماله.. وهو جلّت قدرته مستغنٍ بكمال ذاته عن مخلوقاته.
الله العلي العظيم .. متكلم.. سميع.. بصير.. ودود.. الله متكلم وتعلق صفة الكلام بذات الله جلّ شأنه أمر مُسلَّم به.. فالذي وهب الإنسان القدرة على الكلام لا بد أن يكون متصفاً بالكلام.. فصفة الكلام من صفات الله كعلمه.. وقدرته.. وحكمته.
يقول الشيخ حافظ بن أحمد حكمي في كتابه العقيدة الإسلامية :
..فالله جل شأنه لم يزل متصفاً بالكلام أزلاً وأبداً وتكلمه وتكليمه بمشيئته وإرادته فيتكلم إذا شاء.. متى شاء .. وكيف شاء.. بكلام يسمعه من يشاء. وكلامه صفته لا غاية له ولا انتهاء * العقيدة الإسلامية صفحة 44 و45 .
وإزاء هذا الكلام يخطر على البال أكثر من سؤال.
السؤال الأول:
ما دام الكلام صفة أزلية من صفات الله. . فمع من كان الله تبارك اسمه يتكلم قبل أن يخلق الملائكة والناس؟ هل كانت صفة الكلام فيه - وهي صفة أزلية من صفات ذاته - معطلة حتى خلق خلقه وبهذا نجعله جلت قدرته ناقصاً بذاته .. كاملاً بمخلوقاته.. وحاشا لله أن يكون كذلك؟
السؤال الثاني:
إن من بين أسماء الله الحسنى السميع و البصير فمن كان يسمع جلّ شأنه؟ ومن كان يبصر قبل أن يخلق الخلق من العدم؟
السؤال الثالث:
إن من بين أسماء الله الحسنى أنه الودود .. فلمن كان يتودد قبل أن يخلق الملائكة والناس؟
يقول القرآن إن الله جلت قدرته، بعد أن خلق السموات والأرض استوى على العرش .. فكيف استوى - أي جلس - على العرش وهو روح يملأ السموات والأرض كيف جلس تبارك اسمه على عرش محدد المكان؟
يجيب أئمة الإسلام بأجمعهم قائلين الاستواء غير مجهول، والكيف غير معقول، والإيمان به واجب. والسؤال عنه بدعة * العقيدة الإسلامية صفحة 34 .
السؤال عن كيف استوى الله على عرشه العظيم بدعة عند أئمة المسلمين.. وهذا قيد رهيب يضعونه على عقول المسلمين.. أما الإيمان بوحدانية الله الجامعة، فهو يعطينا الجواب الشافي على كل أسئلتنا...
فالثالوث العظيم مكتف بذاته عن كل مخلوقاته..
ولذا فالكلام، والسمع، والبصر، والجلوس على العرش العظيم كان باستطاعته قبل أن يخلق مخلوقاته...
قارئ القرآن يروعه أن يقرأ الحوار الذي دار بين الله الكلي الحكمة، والمعرفة، والقدرة وبين ملائكته وهم خدامه.. يوم أراد تبارك اسمه أن يخلق الإنسان.
يذكر القرآن ذلك الحوار في سورتين: في سورة ص يقول:
إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلاَئِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَراً مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَّوَيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلاَئِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلاَّ إِبْلِيسَ اسْتَكَبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ قَالَ أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ قالَ فَبِعِّزَتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ * سورة ص 38: 71-82 .
وفي سورة البقرة:
وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ َوَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ قَالَ إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ وَعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّامَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ يَا آدَمُ أَنْبِئْهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ فَلَمَّا أَنْبَأَهُمْ بِأَسْمَائِهِمْ قَالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ * سورة البقرة 2: 30-33 .
النصوص القرآنية تصور الله وهو يخبر الملائكة بأنه مزمع أن يخلق بشراً من طين.. ويطالبهم بالسجود لهذا المخلوق.. وترينا إبليس، وكأن سبب سقوطه هو رفضه السجود لآدم.. مع أنه كان قد سقط قبل خلق آدم بزمن طويل، وقد كشف إشعياء النبي بالوحي الإلهي عن سبب سقوط إبليس فقال يخاطبه في كلمة الله:
وَأَنْتَ قُلْتَ فِي قَلْبِكَ: أَصْعَدُ إِلَى السَّمَاوَاتِ. أَرْفَعُ كُرْسِيِّي فَوْقَ كَوَاكِبِ اللّهِ، وَأَجْلِسُ عَلَى جَبَلِ الا ِجْتِمَاعِ فِي أَقَاصِي الشِّمَالِ... أَصِيرُ مِثْلَ الْعَلِيِّ * إشعياء 14: 13 و14 .
كان سبب سقوط الشيطان هو رغبته أن يصير مثل الله العلي.. وقد حدث هذا السقوط في زمن قديم قبل خلق الإنسان.
ثم يستطرد النص القرآني فيصور لنا جرأة إبليس وتحديه لله جلَّت قدرته إذ يقول لله: انظرني فبعزتك لأغوينهم أجمعين .
وينتقل القرآن إلى حادث الخلق ذاته في سورة البقرة، فيصور لنا الحوار بين الله والملائكة في كلمات أخرى..
الله يخبر الملائكة أنه جاعل في الأرض خليفة.
والملائكة يعترضون على أساس معرفتهم بالمستقبل البعيد..
معرفتهم أن الإنسان سيعصى الله.. ويفسد في الأرض ويسفك الدماء فيقولون:
أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟
ومن عجب أن الملائكة وهذه معرفتهم بالمستقبل البعيد كما يقول القرآن عجزوا عن معرفة الماضي القريب.. فقد علَّم الله آدم الأسماء.. ولا يذكر القرآن أية أسماء..
ويستطرد القرآن فيذكر أن الله تحدى الملائكة بقوله أنبئوني بأسماء هؤلاء وأقر الملائكة بعجزهم قائلين سبحانك لا علم لنا إلا ما علّمتنا أنك أنت العليم الخبير ..
كيف عرف الملائكة أن الإنسان سيسقطه الشيطان.. وسيفسد في الأرض ويسفك الدماء.. وعجزوا عن معرفة الأسماء التي علَّمها الله لآدم وهو أمر حدث في الماضي القريب؟ سؤال يثير العجب والتفكير!!
إن التوراة تقرر أن آدم بما أعطاه الله من ذكاء دعا الحيوانات والطيور بأسماء.. وهكذا أثبتت التوراة كمال خلقة الإنسان من يوم خُلق:
وَجَبَلَ الرَّبُّ الْإِلهُ مِنَ الْأَرْضِ كُلَّ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ وَكُلَّ طُيُورِ السَّمَاءِ، فَأَحْضَرَهَا إِلَى آدَمَ لِيَرَى مَاذَا يَدْعُوهَا، وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا. فَدَعَا آدَمُ بِأَسْمَاءٍ جَمِيعَ الْبَهَائِمِ وَطُيُورَ السَّمَاءِ وَجَمِيعَ حَيَوَانَاتِ الْبَرِّيَّةِ * تكوين 2: 19 و20 .
ويصور النص القرآني اعتراض الملائكة على خلقة آدم.. إذ يقولون لله أتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء؟ وهو أمر غير مقبول.. أن يعترض الملائكة وهم خدام الله على خالقهم وسيدهم، وهو المكتوب عنه مَنْ صَارَ لَهُ مُشِيراً * رومية 11: 34 .
التوراة - كلام الله الكريم - تحفظ لله كمال صفاته، وتنزهه عن حواره مع ملائكته.. إذ تؤكد وحدانيته الجامعة واستغنائه بذاته عن مخلوقاته فتقول:
وَقَالَ اللّهُ: نَعْمَلُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِنَا كَشَبَهِنَا... فَخَلَقَ اللّهُ الْإِنْسَانَ عَلَى صُورَتِهِ. عَلَى صُورَةِ اللّهِ خَلَقَهُ * تكوين 1: 26 و27 .
كلمات وضاءة تفيض بنور الإعلان الإلهي..
وقال الله الواحد في ذاته.. وكلمة قال في صيغة المفرد.. نعمل الإنسان على صورتنا كشبهنا وكلمة نعمل في صيغة الجمع.. والنص كله يعلن عن وحدانية الله الجامعة .
أجل خلق الله الإنسان على صورته...
على الصورة التي كان سيتجسد فيها المسيح في الزمان.. فالمسيح المتجسد هُوَ صُورَةُ اللّهِ غَيْرِ الْمَنْظُورِ * كولوسي 1: 15 .
وعلى الصورة التي كان ابن الله الأزلي سيتجسد فيها ليفدي الإنسان.. خلق الإنسان.. خلقه ذكياً استطاع أن يعطي للحيوانات والطيور أسماءها وَكُلُّ مَا دَعَا بِهِ آدَمُ ذَاتَ نَفْسٍ حَيَّةٍ فَهُوَ اسْمُهَا * تكوين 2: 19 .. بهذا تسقط نظرية التطور وأصل الإنسان التي نادى بها داروين وبهذا كرَّم الله الإنسان.
إن الإيمان بوحدانية الله الجامعة، جاءنا من إعلان الله عن ذاته في كلمته.
وعلينا أن نذكر دائماً أن الله سر الأسرار.. وأنه تعالت قدرته فوق متناول مقاييسنا العلمية، وفوق إدراك عقولنا البشرية كما قال بولس الرسول للفلاسفة في أريوس باغوس في أثينا باليونان.
لَا يَنْبَغِي أَنْ نَظُنَّ أَنَّ اللَّاهُوتَ شَبِيهٌ بِذَهَبٍ أَوْ فِضَّةٍ أَوْ حَجَرٍ نَقْشِ صِنَاعَةِ وَا خْتِرَاعِ إِنْسَانٍ. فَا للّ هُ الْآنَ يَأْمُرُ جَمِيعَ النَّاسِ فِي كُلِّ مَكَانٍ أَنْ يَتُوبُوا، مُتَغَاضِياً عَنْ أَزْمِنَةِ الْجَهْلِ * أعمال 17: 29 و30 .
الإيمان بوحدانية الله الجامعة أمر فوق العقل تماماً كالإيمان بوجود الله ذاته.. ولكن باليقين الذي ليس ضد العقل.
إن الله في وحدانيته الفريدة الجامعة، كما أعلن ذاته في الكتاب المقدس، هو الذي يستطيع أن يجيب بإقناع كامل عن كل تساؤلات الإنسان.
إن عليك أن تؤمن بالله الجامع في وحدانيته لثالوثه الكريم، ليستريح قلبك، وتحصل على الغفران، وتتيقن بأن لك في يسوع المسيح الحياة الأبدية.
- عدد الزيارات: 20949