المبحث الأول حتى الثالث - إثبات صحة الكتاب المقدس تاريخياً
الفصل الثالث
إن قدم الكتاب المقدس - التوراة والإنجيل - وصحته أمر لا يقبل المراء ،وليس لكتاب آخر في الكون ما له من البراهين على إثبات ذلك. ولما كان التاريخ أعدل شاهد وأصدق دليل ،قصدت أن أستشهده في بحثنا هذا ،كي يكشف النقاب ويوضح الحقيقة بأجلى بيان.
لا يخفى أن الكتاب المقدس يشتمل على قسم كبير من النبوات التي تمّ أكثرها ،والباقي لا بد من أن يتمّ في حينه. وقد سبق الله فأنبأ بفم أنبيائه الكرام بحصول حوادث متعددة من قيام ملوك وسقوط آخرين ،وخراب مدن عظيمة ،وانقراض أمم شادت لنفسها عزاً باذخاً ،ولم تكن لتحلم بما حل بها من الفناء قبل حصوله.
فناحوم النبي تنبأ بصراحة بخراب نينوى قصبة الأشوريين ،المدينة العظيمة التي كان ارتفاع أسوارها مئة قدم ،ومحيطها ستين ميلاً ،وعليها ألف وخمس مئة برج ،ارتفاع كل منها مئتا قدم في حالة عظمتها. وقد تم هذا حرفياً. وإشعياء وإرميا تنبأا بخراب بابل قصبة الكلدانيين ،وهي في حال سمو مجدها وعظمة اقتدارها وزهوها ،فلم يمض مئة وستون سنة من تاريخ النبوة حتى خربت بابل العظيمة حسب النبوءة. وقد ذكر هيرودتس وزنفون المؤرخان كيفية خرابها مما يطابق أشد المطابقة ما أنبأ به النبيان.
ومن النبوات الكتابية أيضاً نبؤة حزقيال عن مدينة صور حيث نرى الحقائق التالية التي أثبتها وشهد لها التاريخ.
في الأصحاح 26 عدد - 8 - يخرب نبوخذنصر هذه المدينة ،وفي العدد - 3 - يقول النبي تقوم دول كثيرة عليها وفي - 4 - تصبح صخرة عارية وفي - 25 - يبسط الصيادون شباكهم على موقعها و - 12 - تلقى أنقاضها في البحر وفي - 14 - ولن تقوم للأبد و - 21 - تقرير وتأكيد زوالها.
وبعد نبوة حزقيال بثلاث سنوات حاصر ملك بابل صور مدة 13 سنة حتىاستسلمت له وقبلت شروطه - 585 573 ق.م - ولما اقتحمها اكتشف أن سكانها قد هجروها بالسفن إلى جزيرة جديدة في عرض البحر على بُعد نصف ميل من صور.. فقام بتخريب صور كما أشار النبي حزقيال في 26 :8.
وجاء الاسكندر الكبير. فحاصر المدينة الجديدة العاصية مستخدماً أنقاض القديمة كممر بحري إلى الجديدة بعد 60 متراً واستولى عليها. كما أشار حزقيال في 26 :3 و12 وأضحت صخرة عارية كما تقول النبوة في عددي 4 و5.
ومع أن تاريخ صور لم يتوقف نهائياً بعد حملة الاسكندر الرهيبة ،إلا أن الهجمات المتتالية من انتيخوس - 314 ق.م - إلى بطليموس فلادلفوس - 285 247 ق.م - الذي موّت تجارتها وأهميتها البحرية حتى احتلها المسلمون وأخربوها تماماً سنة - 1321 م - وأضحت كما يقول الرحالة العربي ابن بطوطة - كانت مضرب الأمثال ... وهي الآن أثر بعد عين - تماماً كما تشير النبوة في 26 :14.
·لقد نظر حزقيال النبي إلى صور في أيامه. فإذا هي عظيمة بالغة قمة العظمة... بحيث أن أقوال نبوته كانت كهذيان لسامعه وهو يشهد غنى ومجد صور الجبارة. وحسب حكمة البشر تكون نسبة صحة نبواته خلال سبع سنوات على صور ،لو أنها كانت محض صدفة ،فرصة واحدة من 750 مليون فرصة. ولكن نبواته كلها تحققت بكل تفاصيلها .
هكذا قال السيد الرب : ·هَئَنَذَا عَلَيْكِ يَا صُورُ فَأُصْعِدُ عَلَيْكِ أُمَماً كَثِيرَةً كَمَا يُعَلِّي البَحْرُ أَمْوَاجَهُ. فَيَخْرِبُونَ أَسْوَارَ صُورَ وَيَهْدِمُونَ أَبْرَاجَهَا. وَأَسْحِي تُرَابَهَا عَنْهَا وَأُصَيِّرُهَا ضِحَّ الصَّخْرِ - حزقيال 26 :3 21 - .
- عدد الزيارات: 36066