تاريخ كتابة إنجيل برنابا - من الناحيتين العلمية والتاريخية
4 - من الناحيتين العلمية والتاريخية:
أجمع العلماء الذين اكتشفوا الإنجيل المنسوب إلى برنابا ودرسوه دراسةً دقيقة، على أن النسخة الأصلية منه ظهرت في أول الأمر سنة 1709م باللغة الإيطالية عند رجل يدعى كرامر، كان مستشاراً لملك بروسيا. وبعد أن أهداها هذا الملك إلى الأمير أوجين سافوي، أودعت بمكتبة فينا سنة 1738 ولا تزال محفوظة هناك إلى الآن. كما أجمعوا على أن الرسم الموجود على غلاف هذه النسخة هو من طراز عربي، وأن بالصفحة الأولى منها عبارات مكتوبة باللغة العربية، مثل: الله عظيم و·إذا أرديتم (أي أردتم) من الله شيئاً، أرديتم (أي أردتم) خير الأشياء . كما أنه توجد بهوامش النسخة المذكورة عبارات باللغة العربية، بعضها سقيم التركيب والبعض الآخر سليمهُ. ولما فحص هؤلاء العلماء الورق المستخدم في هذه النسخة ودرسوا الخط والأسلوب المكتوبة بهما، اتضح لهم أنها كُتبت في القرن 16 لا في القرن 18 الذي اكتُشفت فيه. كما اتضح لهم أن النسخة المذكورة لم تكن مترجمة من اليونانية التي كُتب بها إنجيل المسيحيين في أول الأمر، بل أنها مكتوبة أصلاً باللهجة الإيطالية التي انتشرت بعد عصر دانتي.
ويقول دكتور جورج سال العلاّمة الإنكليزي في ترجمته الإنكليزية للقرآن إنه وجد نسخة من هذا الكتاب أيضاً باللغة الأسبانية تكاد تكون معاصرة للنسخة الإيطالية، كتبها شخص اسمه مصطفى العرندي، يقول إنه ترجمها عن النسخة الإيطالية. وقد جاء في مقدمة النسخة الأسبانية أن راهباً يدعى فرامارينو زار مرة سكتوس الخامس بابا روما سنة 1585م فعثر لديه مصادفة على كتاب للقديس إيريناوس، ينقض فيه تعاليم بولس الرسول، ويشير إلى كتاب يدعى إنجيل برنابا المذكور. وصلى الراهب طالباً أن ينام البابا، فنام. وانتهز الراهب الفرصة وأخذ يبحث في مكتبة البابا، فعثر على هذا الإنجيل وفي الحال خبأه في ردائه وانتظر حتى استيقظ البابا، فاستأذن منه وانصرف. ولما درس الإنجيل المذكور اعتنق الإسلام. وفي ضوء ما تقدم نقول:
أ - إن الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون جميعاً كُتب في أول الأمر بواسطة بعض أتباع المسيح، باللغة اليونانية التي كان يتكلم بها معظم سكان فلسطين وقتئذ. فلا يمكن أن يكون كاتب الإنجيل المنسوب إلى برنابا واحداً من هؤلاء الأشخاص. لأنه لو كان الأمر كذلك لكتب أولاً باليونانية، وترجم منها إلى لغات أخرى، وانتشر تبعاً لذلك منذ القرون الأولى في البلاد التي تتحدث بهذه اللغات، ولكان يوجد منه الآن نسخ أثرية باللغة اليونانية، واقتباسات أيضاً منه في الكتب الدينية القديمة (كما هو حال الإنجيل المكتوب بواسطة متى ومرقس ولوقا ويوحنا، كما ذكرنا فيما سلف) إذ لا يعقل إطلاقاً أن يكون هذا الإنجيل وحده قد اختفى عن أنظار العالم في القرن الأول، ولم يظهر إلا في القرن 16 بلغتين غريبتين عن اللغة التي كانت منتشرة في فلسطين في القرن الأول للميلاد.
ب - إن قصة العثور على هذا الكتاب لا يمكن أن تكون حقيقية، للأسباب الآتية:
(1) إن مؤلفات إيريناوس لا تزال موجودة لغاية الآن، وكلها تتوافق مع الإنجيل الذي بين أيدينا، ومع رسائل بولس الرسول أيضاً، كما ذكرنا في الجزء الأول من هذا الكتاب.
(2) إن برنابا الحقيقي (كما يتضح من الكتاب المقدس) كان قد باع ممتلكاته ووزع ثمنها على الفقراء إكراماً للمسيح الذي بذل نفسه كفارة على الصليب من أجله ومن أجل غيره من الناس (أعمال 4: 36 و37). ثم أتى بعد ذلك ببولس الرسول إلى تلاميذ المسيح وعرفهم به (أعمال 9: 27). كما سافر معه للمناداة بالإنجيل في دربة ولسترة وإيقونية وأنطاكية (أعمال 14: 20 و21) وأورشليم (غلاطية 2: 1) وتحمل معه آلاماً واضطهادات كثيرة بسبب هذه الخدمة (1كورنثوس 9: 6). وبعد ذلك نادى بالإنجيل مع مرقس البشير في قبرص وغيرها من البلاد (أعمال 15: 39). ومما يدل أيضاً على أن برنابا ظل متمسكاً إلى نهاية حياته بالحقائق المسيحية، وفي مقدمتها موت المسيح كفارة على الصليب، أن له رسالة يرجع تاريخها إلى حوالي سنة 100م جاء فيها إننا نحفظ اليوم الثامن (أو بالحري يوم الأحد، لأن السبت كان يدعى اليوم السابع) بفرح وابتهاج، لأنه اليوم الذي قام فيه المسيح من الأموات . كما أن بعض رجال الدين في شمال إيطاليا عملوا قداساً في القرن الخامس، وأطلقوا عليه قداس برنابا ، لأن برنابا هو الذي نادى بالإنجيل في بلادهم في أول الأمر. والقداس المذكور على نمطٍ خاص يُعرف عند المؤرخين بالطقس الميلاني.
(3) إن رؤية المدعو فرامارينو مصادفة للكتاب المنسوب إلى إيريناوس، ووقوع سبات عميق على البابا بناءً على صلاة فرامارينو، وعثوره بعد ذلك بالمصادفة أيضاً على الإنجيل المنسوب إلى برنابا، وسرقته إياه وهروبه دون أن يراه أحد كل هذه تصرفات أقرب إلى الروايات المصطنعة منها إلى الحقائق الواقعة. فليس من المعقول أن يكون البابا قد غطّ في النوم أثناء زيارة الراهب له. وليس من المعقول أن يسرق الراهب الكتاب، فقد كان يمكنه أن يستعيره، أو أن يقرأه على دفعات في مكتبة البابا. ولو فرضنا أن هذا الراهب كان لصاً، فكيف استجاب الله صلاته وأوقع على البابا سباتاً عميقاً ليتمكن للراهب المذكور من القيام بالسرقة المزعومة!!
وإذا كان الأمر كذلك، فلا يمكن أن يكون أحد رسل المسيح الأولين قد كتب هذا الإنجيل . بل من المؤكد أن أحد المدَّعين كتبه في القرن السادس عشر، كما اتضح لنا مما سلف، وكما يتضح بأكثر تفصيل في الفصول التالية.
- عدد الزيارات: 20186