مصادقة الإسلام على صحة عقيدة الثالوث المسيحيّة
الباب الثالث:
الفصل الرابع
تعلّم المسيحية بوحدانية الله في الذات، وتثليثه في الأقانيم: الآب والابن والروح القدس الإله الواحد. ولقد ذكر القرآن في آياته ما يؤيد هذا التعليم ويصادق عليه. ونحن ننقل ما جاء في كتاب المشرع لمؤلفه القس بولس سباط، قال:
لو تدبَّر المسلمون كلام القرآن بالروية لعلموا أننا على محجة الإيمان، فإن كثيراً من نصوصه يثبت معتقدنا بالتثليث الذي جاء عندنا منظوماً في سلك البسملة، وعندهم منثوراً في القرآن بين كلماته وضمن سُوَره وآياته.
إِذْ قَالَتِ الْمَلَائِكَةُ يَا مَرْيَمُ إِنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكِ بِكَلِمَةٍ مِنْهُ اسْمُهُ الْمَسِيحُ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ وَجِيهاً فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ (سورة آل عمران 3: 45) .وَآتَيْنَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ الْبَيِّنَاتِ وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ الْقُدُسِ (سورة البقرة 2: 87) .فكأني بصورة التثليث قد انعكست على مرآة القرآن. فأبرزها بهاتين الآيتين وأمثالهما، والمسلمون يرتلونهما دون انتباه لما فيهما من المطابقة لاعتقاد النصارى، لفظاً ومعنى. على أن اسم الجلالة في الآية هو الآب، كما يُستنتج من تسمية المسيح بالابن، وإلا اقتضى قول الآية: بكلمة منه اسمه المسيح عيسى بن مريم إن يستأبب هذا الابن المولود من أم، أباً كآباء الآدميين، أو أباً أزلياً فائق الطبيعة لاقتضاء البنوّة أبوّة في كل حال. وفي القرآن ما ينزِّه المسلمين عن نسبة الأبوّة والبنوّة البشريتين إلى الله والمسيح, فإذا امتنع في إيماننا واعتقادهم أن يكون الله تعالى والداً، والمسيح مولوداً كالآدميين، ثبت بامتناع أحد النقيضين تحقُّق الآخر، تعيَّن أن يكون للمسيح آب يفوق إدراك العقول، ويُنزّه عن الكيف والكم وعن لماذا ولِمَ. وإلا فمن تراه يكون أهلاً لأبوّة المسيح، كلمة الله المتأنس، غير الله عز وجلّ ؟
ثم ان الكلمة وروح القدس المذكورين في القرآن هما الأقنومان المتممان لخواص الثالوث عندنا، لفظاً ومعنى، فإن الآية: وأيدناه بروح القدس تشمل المؤيِّد والمؤيَّد والمؤيَّد به، وكل منها أقنوم ممتاز بخاصته الذاتية. ويبدو الفرق بينها في أسرع من لمح البصر. فإن المتكلم هو غير الكلمة، كما أن المؤيِّد، هو الله، غير المؤيَّد وهو الكلمة أو الابن، والمؤيِّد غير المؤيَّد به، وهو الروح القدس. وتلك أقانيم الثالوث عندنا، لا خلاف فيها بيننا وبين المسلمين. فنحن نقول في بشارة الملاك لمريم: ملاك الرب نزل من السماء، وبشر مريم العذراء، فحبلت بالروح القدس. ونقول أيضاً: وَالْكَلِمَةُ صَارَ جَسَداً وَحَلّ بَيْنَنَا (يوحنا 1: 14). وفي الإنجيل الطاهر: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ (يوحنا 1: 1). إلى غير ذلك مما تتجلى فيه عقيدتنا الراهنة، البعيدة عن معنى الأبوّة المادية التي يتَّهمنا بها المسلمون، وقد أبنّا في ما تقدم وجه ما أجاز لنا تسمية الله بالآب، وأوضحنا أن قولنا الكلمة هو مرادف لقولنا ابن الله، وأنّ الإنجيل المقدس قد دعاه الكلمة أيضاً، ودلّ في كلمة التبشير على ولادته من روح القدس، لا من المادة كما شهد به القرآن. فتعيّن إذاً ألا يكون بيننا وبينهم إلا خلاف لفظي في تسمية الله الآب، وهي أبوّة اقتضتها بنوّة المسيح في قول القرآن: بكلمة منه اسمه المسيح عيسى ابن مريم ، ولا يصح أن يكون هذا الخلاف سبباً في الجدل والمناوأة، مع صحة هذه الأبوّة التي اعتقدها ألوف من أهل العلم، ونمت حقيقتها في أقوال القرآن، على ما رأيت. فالله المسؤول أن يجمع قلوبنا على حبه وعبادته .
- عدد الزيارات: 12144