مصادقة الإسلام على صحة عقيدة الثالوث المسيحيّة - آيتي البقرة 87 وآل عمران 45 تضمنتا ذكر الثلاثة الأقانيم
ونضيف أن آيتي البقرة 87 وآل عمران 45 تضمنتا ذكر الثلاثة الأقانيم، كما تعلم به عقيدة التثليث المسيحية تماماً. ففيه ذكر الله، وهو الإسم الشائع الاستعمال للكتابة عن الأقنوم الأول والآب وفيها ذكر الكلمة الأقنوم الثاني، وفيها ذكر الروح القدس الأقنوم الثالث.
ثم أن آل عمران 45 تتكلم بوضوح عن الأقنوم الثاني كلمة الله، فهي تصرح أن هذه الكلمة ليست لفظاً يقرع الأسماع ثم يذهب مع الريح، وإنما تعلم أن الكلمة:
(أ) من الله: إنّ الله يبشرك بكلمة منه .
(ب) ويراد بها شيء له قيوميته في ذاته: اسمه المسيح عيسى .
(ج) وهي في الوقت ذاته ابن مريم .
ولقد سلك المفسرون في تفسير هذه الآية وأشباهها سلوكاً كله تكلف وإعنات، فهم يقولون إن الكلمة لم يكن من الله، بل كان بقوة كلمة الله كن. كما أنهم قد غُلبوا على أمرهم في إدراك معنى الروح واضطربوا في تفسيره اضطراباً يدعو إلى العجب. وسنرى هنا صواب قولهم أو خطأه.
قلنا إن هاتين الآيتين تضمنتا ذكر الثالوث الأقدس كما علّمت به المسيحية. ونرى لزاماً علينا أن نزيد هذا القول إيضاحاً وتفصيلاً.
(أ) أما الآب فقد ذكرته الآية بطريقة يتحتم معها تسمية الله بهذا الاسم، لأنها في كلامها قد دعت المسيح ابن مريم، فوجب أن يكون لهذا الابن أب كسائر المواليد من أنثى، لأن المعلول لا بد له من علة، فالبنوّة تقتضي أبوّة. وأب المسيح إما أن يكون أباً بشرياً كسائر الآباء، وحينئذ يصبح المسيح شخصاً عادياً، والمسيحية والإسلامية تنزهان المسيح عن ذلك. وإما أن يكون هذا الآب أباً غير بشري، حتى يستقيم القول إنه كلمة من الله. وقد انتفى أن يكون للمسيح أب بشري، فوجب أن يكون له آب فائق الطبيعة هو الله سبحانه وتعالى.
وسيرى القارئ عند كلامنا عن الكلمة تفصيلاً لهذا كله.
(ب) أما الكلمة: فإن المفسرين يفسرون قول القرآن: بكلمة منه بزعمهم أن الكلمة لم يكن من الله، بل كان بقوة كلمة الله، ولو صحّ هذا التفسير لأضحى المسيح موجوداً من العدم لا من الله، وحينئذ يكون القرآن قد ذكر لفظة منه عبثاً. كما يكون قد أخطأ حين أضاف الكلمة إلى الله ولقَّب المسيح بأنه روح منه في قوله إنما المسيح عيسى ابن مريم رسول الله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه , ونحن نجل القرآن عن هذا، ونعتقد أنه لم يخطئ حين ذكر صدور الكلمة من الله، ولم يتعدّ الصواب حين وصف المسيح بأنه روح منه , ولم يذكر كلمة منه عبثاً. بل نعتقد أنه إنما ذكرها ليدل على أن مصدر الكلمة هو الله ذاته. وما كان من الله بغير طريق الخلق والإبداع، كان هو الله ذاته لا محالة، لأن كل شيء في الله واحد.
- عدد الزيارات: 12518