شبهات شيطانية حول سفر المزامير
أورد المعترض الاعتراضات بخصوص المزامير (الزبور) وترك التحقيقات الصادقة التي أوردها هورن فإن دأب المعترض إيراد القول السخيف وترك تحقيقات العلماء. وإليك ما قاله هورن:
أجمع الجميع على أن كتاب المزامير هو وحي إلهي، ولم يشذ أحد عن هذا الرأي. ومن الأدلة على أنه وحي أن أنبياء العهد القديم أشاروا إليه، وشهد له المسيح مصدر كل حكمة، كما شهد له رسله الكرام بأنه وحي من الله. وذهب أوريجانوس وذهبي الفم وأوغسطين وأمبروز وأوثيمياس إلى أن المزامير وحي داود خاصة. ولكن اعترض على ذلك هيلاريوس وأثناسيوس وجيروم وأوسيبيوس وغيرهم من أئمة المسيحيين الأجلّاء. وثبت بعد التحري أنها وحي لداود ولبعض الأنبياء الذين كانوا قبله بمدة طويلة، ولبعض الأنبياء الذين أرسلهم الله بعده. أما الذين قالوا إن بعضها وحي لبعض الأنبياء في عصر المكابيين فهو قول لا أصل له من الصحة. وأقدم الترنيمات التي أُوحي بها كانت لسيدنا موسى (خروج 15) ثم ترنيمات النبية دبورة (قضاة 5) وحنة (1صموئيل 2). غير أن داود النبي اشتهر بهذه المزامير وبعزف الموسيقى، حتى سُمّي مرنّم إسرائيل الحلو (2صموئيل 23: 1). ونظّم طغمة من الأتقياء البارعين لترتيل المزامير والترنيم بها في العبادة (1أخبار 6: 31 و16: 4_8). ونسج سليمان على هذا المنوال الحسن في الهيكل الأول (2أخبار 5: 12 و13) ولمَّا بُني الهيكل ثانية جدد النبي عزرا هذه الفريضة المقدسة (عزرا 3: 10 و11). وكان بنو إسرائيل يترنمون بها ويرتلونها (مزمور 137: 3). وأيّد المسيح العبادة بالترتيل (متى 26: 30 ومرقس 14: 26) وحض عليه بولس الرسول (أفسس 5: 19 وكولوسي 3: 16). واستمرت هذه العادة إلى يومنا هذا، فإن الأقوال التي كان يتعبد بها موسى وداود وسليمان وهيمان وآساف ويدوثون هي التي لازال يتعبد بها المسيحيون، لأنها تُصْدق على أحوال كل إنسان وتناسبه، ولا سيما أن المسيحيين يعبدون إله موسى وداود وسليمان بواسطة الفادي الكريم، وهو لا يزال يغدق عليهم المراحم التي أغدقها على أولئك الأنبياء، ويقاسون شدائد كالتي حلَّت بأولئك الأفاضل، فيرون العُسْر فيستغيثون، ويرون اليُسْر فيشكرون .
هذا بعض ما ورد في كتاب هورن الذي أخذ منه المعترض بعض فقرات مقتضبة لا تفيد المعنى.
وثبت بعد البحث العميق أن المزامير هي من وحي الله لموسى وداود وسليمان وآساف وهيمان ويدوثون وأولاد قورح، وذكر هورن ما أُوحي إلى كل واحد، وذكر تحقيقات جديرة بالعلماء، وإنما سُمّيت باسم داود من باب التغليب. والتغليب هو أن يغلب على الشيء ما لغيره، لتناسبٍ بينهما أو اختلاط كالأبوين في الأب والأم، والمشرِقين والمغرِبين، والخافقين في الشرق والغرب، والقمرين في الشمس والقمر، والعُمَرين في أبي بكر وعُمَر، والمروَتين في الصفا والمروة. ولأجل الاختلاط أُطلقت من على ما لا يُعقل في نحو فمنهم من يمشي على بطنه .
أما من جهة جامع المزامير فداود جمع المزامير التي كانت لغاية عصره، ولمَّا أُوحي بمزامير أخرى على الأنبياء الذين أتوا بعده ألحقوها بها. ولا أصل لما قيل من أن أحد أصحاب حزقيا جمعها في مُجلّد واحد، إنما غاية الأمر أن حزقيا هو الذي أمر بأن تُرنَّم وتُرتَّل في الهيكل (2أخبار 29: 25_30). ومن شدة تعنّت المعترض لم يذكر شيئاً من ذلك.
عنوان المزامير:
ومما يدل على تيقّظ اليهود والمسيحيين وتدقيقهم، هو أنهم تكلموا على عنوان المزامير، فإنهم لا يسلّمون بشيء إلا بعد الدليل والبرهان، فأخذوا في التحقيق والتدقيق، وقالوا إنها جزء من المزامير، وإنها وحي إلهي، وقالوا إن العرب كانوا يسمّون المعلَّقات التي علَّقوها في الكعبة بالمذهّبات. وكما أن شرف الدين البوصيري سمّى قصيدته التي مدح بها محمداً البردة فكذلك سُمّي كل مزمور باسمه، فهو جزء منه.
هذا السفر هو ملخّص الكتب المقدسة، فقد ذُكر فيه خلق العالم، والعناية الإلهية، وأعمال النعمة، وخروج بني إسرائيل من مصر، وسفرهم في البريّة، وإقامتهم في كنعان، وشريعتهم وطقوسهم وكهنتهم وأعمال أبطالهم وشجعانهم، وخطاياهم وسبيهم وتوبتهم ورجوعهم إلى الله، وما قاساه داود النبي ونصراته، وحكم سليمان، ومجيء المسيح وتجسّده ومولده وحياته وآلامه وموته وقيامته وصعوده ومملكته وكهنوته، وحلول الروح القدس واهتداء الأمم، ورَفْض اليهود للمسيح، ونشأة الكنيسة المسيحية ونموّها ورسوخها، والآخِرة والدينونة وعقاب الشرير وثواب البار.
ورد في القرآن: وآتينا داود زبوراً (النساء 4: 163) وورد في الإسراء 17: 55 ولقد فضّلنا بعض النبيين على بعض، وآتينا داود زبوراً واستشهد ببعض ما ورد في سفر المزامير، فورد في الأنبياء 21: 105 ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر (أي التوراة) أن الأرض يرثها عبادي الصالحون . فإنه في مزمور 37: 11 أما الودعاء فيرثون الأرض ويتلذذون في كثرة السلامة . فانظر كيف اقتَبَس القرآن من المزامير.
- عدد الزيارات: 15652