أسفار العهد القديم والجديد في عصر محمد - نسخ العهد القديم في الترجمة اليونانية الشهيرة بالترجمة السبعينية
وأما نسخ العهد القديم في الترجمة اليونانية الشهيرة بالترجمة السبعينية الذي يدل وجودها على وجود الأصل العبراني من قبلها فعندنا منها كثير، وقد كُتبت كلها قبل الهجرة بسنين عديدة وهاك أشهرها:
(1) النسخة السينائية كُتبت في القرن الرابع أو في بداية القرن الخامس
(2) النسخة الفاتيكانية كتبت في القرن الرابع وربما في بدايته
(3) النسخة الإسكندارنية كتبت فيما بين نصف القرن الخامس ونهايته
(4) النسخة القطونية كتبت في القرن الخامس أو السادس
(5) النسخة الأمبروسانية كتبت في نصف القرن الخامس
وكل هذه النسخ وجدت من قبل عصر محمد وفي عصره، وإذا أراد الباحث أن يتحرى هل إذا كانت هذه النسخ تضاهي النسخ المتداولة فما عليه إلا أن يزور مكاتب أوروبا الشهيرة ويقارن هذه بتلك.
وإن نسخة العهد القديم اليونانية المستعملة اليوم طبعت عن هذه النسخ القديمة المذكورة، وبمراجعتها مع الأصل العبراني لم يوجد فرق ولا في تعليم واحد إلا اختلاف في القراءات بسيط جداً، مثل أن المترجمين أخطأوا في ترجمة كلمة صعبة على الفهم. وبمراجعة النسخ الحاضرة على الترجمة السبعينية لا يوجد فرق إلا في أعمار بعض الآباء
الأولين المذكورين في أصحاحي 5 و10 من سفر التكوين. ولكن الاختلافات في القراءة لا تمس جوهر الكتاب في أدنى شيء.
وأما نسخ العهد الجديد اليونانية المتداولة فتعززها النسخ اليونانية الأصلية. وقد كتبت على رقوق لا على ورق. ولا محل لاعتراض رحمة الله الهندي من هذه الحيثية إذ يقال إن بقاء القرطاس والحروف إلى ألف وأربعماية سنة أو أزيد مستبعد عادة إلا أنه وُجد في مصر كتابات على ورق البردي يرجع تاريخها إلى ألف وثمانماية سنة كما هو معلوم عند رجال الآثار.
ولنرجع إلى ما نحن فيه، فنقول إن كثيراً من النسخ المتضمنة للترجمة اليونانية لأسفار العهد القديم تتضمن أيضاً أسفار العهد الجديد بالأصل اليوناني - أولاً - النسخة السينائية المذكورة سابقاً، وتوجد في المتحف الأمبراطوري بمدينة سان بطرسبرج - ثانياً - النسخة الفاتيكانية المحفوظة في مكتبة بابا رومية - الفاتيكان - ثالثاً - النسخة الإسكندرانية وهي في متحف لندن، وقد ذكرنا تواريخها فراجعها في مواضعها - رابعاً - أنه في سنة 1907 اكتشفوا في دير قديم بقرب سوهاج إحدى مدائن صعيد مصر على أربعة أجزاء من النسخ القديمة التي يرجع تاريخها إلى القرن الرابع من باب الاحتمال أو القرن السادس بالتأكيد يشتمل واحد منها على سفر التثنية ويشوع وآخر على سفر المزامير. ويشتمل الثالث على البشائر الأربع والأخير على قطع من رسائل بولس الرسول - خامسا - النسخة البيزانية وكانت محفوظة في جامعة كمبردج بانكلترة وكتبت في بداية القرن السادس - سادساً - النسخة الأفرايمية وقد كتبت في أوائل القرن الخامس، وهي اليوم في المتحف الأهلي بباريس.
وعدا هذه النسخ الكبيرة توجد نسخ صغيرة تشتمل على أجزاء متفرقة من أسفار العهد الجديد بالأصل اليوناني، ومن أقدمها عهداً نسخة مخطوطة على شقة واحدة من البردي اكتُشفت حديثاً في أطلال البهنسا، وهي تشتمل على الأصحاح الأول والأصحاح العشرين من إنجيل يوحنا وكَُتبت ما بين سنة 200 و300 ميلادية أو بعبارة أخرى قبل محمد بأكثر من 270 سنة. وهذا الاكتشاف الحديث بالقطر المصري له اعتبار ممتاز من حيث وجهتنا الخصوصية التي نرمي إليها في هذا الموقف، بمعنى أن هاتين النسختين اللتين اكتُشفتا بسوهاج والبهنسا قد دُفنتا في صحاري مصر التي صارت فيما بعد بلاداً إسلامية قبل الهجرة بمئات من السنين، وبقيتا تحت التراب إلى هذه الأيام حتى عثروا عليهما. لا يقدر أحد يدعي مهما بلغت درجة تعصبه إنهما
مزورتان بعد نزول القرآن أو محرفتان في أيام محمد أو بعده.
ويبلغ عدد النسخ القديمة للعهد الجديد بالأصل اليوناني ما بين جامعة لها وكلها، ولجزء منها، 3899 نسخة، فُحصت كلها فحصاً دقيقاً ونمروها لتسهيل معرفة مواضعها على طلبة علم اللاهوت. وتوجد نسخ أخرى غير منمرة لا تقل عن ألفي نسخة.
وبما أننا تكلمنا على نسخ العهد الجديد بالأصل اليوناني يحسن بنا أن نتكلم أيضاً عن نسخه المترجمة، لا سيما وأن بعضها مترجم من قبل الهجرة بزمان طويل، منها ما هو منقول عن باشيطا السريانية ويبلغ على الأقل عشر نسخ مؤرخة في القرن الخامس، ونقل عنها ثلاثون نسخة مؤرخة في القرن السادس. وفي كلامنا عن العهد القديم أشرنا إلى ترجمات باللغات القديمة التي ليس على وجه الأرض من يحسن التكلم بها كلغته الأصلية، وكذلك ترجمات العهد الجديد. والكل محفوظ في متاحف الآثار، ويرجع تاريخها إلى ما قبل عصر محمد بمئات السنين إلا ترجمة واحدة كتبت في عصره ولكن قبل هجرته وسيأتي ذكرها.
ولتفصيل ذلك نقول إنه يوجد اليوم نسخ كثيرة من الترجمات القديمة للعهد الجديد إلى اللغة السريانية أشهرها - باشيطا - ترجمت ما بين القرن الثاني والثالث للميلاد، ونسخة فيلكس السريانية تمت سنة 508 م ونقحها توما الهرقلي سنة 616. ووجد عدا هذه ترجمات أخرى سريانية بقي منها نسختان أصليتان وهما نسخة الكارتونية والسينائية السريانية، ومما يدل على وجود هذه الترجمات السريانية للعهد الجديد قديماً هو أن طاطيان المولود سنة 110 م صنّف اتفاق البشيرين الأربعة وعندنا ترجمته باللغة الأرمنية واللاتينية مع اختلاف طفيف. وعن السريانية ترجم ابن الطبيب المتوفي سنة 1043 نسخة عربية تُسمى دياطسرون ومعنى ذلك - اتفاق البشيرين - . واكتشفوا حديثاً قطعاً من ترجمة العهد الجديد من اليوناني إلى سريانية فلسطين التي كانت في عهد المسيح، وكتبت هذه الترجمة في القرن الرابع إن لم يكن قبله، ثم نسخة سنة 600 م وتُسمى نسخة كليماكوس وتشتمل على أجزاء من البشائر الأربع وسفر أعمال الرسل ورسائل بولس الرسول.
وتُرجم العهد الجديد إلى اللاتينية قديماً كما يقرر ذلك أغسطينوس وجيروم. قال الأخير : وُجدت ترجمات في بعض الأحيان لم تبلغ حدها في الصحة وذلك من جهل المترجمين. وأضبطها كلها الترجمة اللاتينية القديمة ويرجع تاريخها إلى القرن الثاني للميلاد، ومع ذلك رأى وجوب
إيجاد ترجمة تكون أكثر ضبطاً من تلك لسد حاجة الشعب، فترجم العهد الجديد إلى اللاتينية ما بين سنة 383 و385 م وتُسمى الترجمة العامية وتوجد على الأقل ثمانية آلاف نسخة مخطوطة عن الترجمة العامية المذكورة، بعضها مؤرخ في القرن الرابع وبعضها في الخامس إلى السادس. وهذا كله تم قبل زمان محمد. فتأمل
وقد ذكرنا في ما مضى أن العهد القديم تُرجم إلى اللغة القبطية في اصطلاحاتها الثلاثة، وهنا نقول إن العهد الجديد تُرجم كذلك، فالترجمة البحيرية تمت ما بين القرن الثالث والرابع، والترجمة الصعيدية تمت في ذلك التاريخ. وأما اللهجة البشمورية فكانت انقسمت إلى ثلاثة لهجات الفيومية والأخميمية والأقاليم الوسطى، وإلى كل واحدة من هذه ترجم بعض أسفار العهد الجديد أو كلها وأقدمها جميعاً الترجمة القبطية الصعيدية، ونسخها الأصلية ترجع إلى القرن الرابع والخامس.
والترجمة القوطية ترجمت نحو سنة 360 م وأقدمها نسخة أصلية لها كتبت إما في القرن الخامس أو السادس.
- عدد الزيارات: 19152