أسفار العهد القديم والجديد في عصر محمد - يوجد لدينا جملة جداول محصاة فيها أسفار العهد القديم يرجع تاريخها إلى ما قبل محمد
ولنتأمل الآن باختصار فيما إذا كانت أسفار العهد القديم أولاً وأسفار العهد الجديد ثانياً، المتداولة
اليوم، هي بذاتها التي كانت في زمن محمد، وإليها أشار القرآن فنقول :
إنه يوجد لدينا جملة جداول محصاة فيها أسفار العهد القديم يرجع تاريخها إلى ما قبل محمد، وهي موافقة لتوراة العصر الحاضر تمام الموافقة. قال يوسيفوس المؤرخ اليهودي في تاريخه الذي كتبه سنة 90 ميلادية لا يوجد بيننا معشر اليهود عشرات الألوف من الكتب المتناقضة، بل يوجد اثنان وعشرون سفراً نؤمن أنها موحى بها من الله محتوية على تاريخ كل العصور، منها خمسة أسفار(1) لموسى وتشتمل على شريعة الله وتاريخ الجنس البشري من ابتداء العالم إلى موته، أي نحو ثلاثة آلاف سنة تقريباً. ومن ذلك الوقت إلى حكم الملك أرتزركسيس الذي خلف زركسيس مدون في ثلاثة(2) عشر سفراً والأربعة(3) الأسفار الباقية - المزامير والأمثال. والجامعة ونشيد الأنشاد - لتسبيح الله وتهذيب الأخلاق . وقدَّم لنا مجمع جامنيه الذي عُقد سنة 90 ميلادية قائمة هذه الأسفار بعينها، وقرر مجمع لادوكية أنها اثنين
وعشرين سفراً، ثم في القرون المتأخرة جزأوا بعض هذه الأسفار لسهولة المراجعة. ويمكننا أن نقدّر ونعين تاريخ التجزئة بالضبط. مثلاً في نسخة بطرسبرج التي كُتبت باللغة العبرية سنة 916 م لا تزال فيها الأسفار الصغار للأنبياء الاثني عشر(1) متضمنة في كتاب كل سفر كان يعتبر أصحاحاً، محصية فيه أعداد الآيات. أما تقسيم كل من سفر صموئيل والملوك والأخبار إلى جزئين وفصل عزرا عن نحميا فقد تم لأول مرة في طبعة العهد القديم العبرية في البندقية سنة 1516 و1517 ميلادية. يقول يوسيفوس المؤرخ إن الكتب الأخرى التي لا يساوون بينها وبين الاثنين والعشرين سفراً القانونية في الوثوق بأقوالها وقد ترجموا الكل إلى اليونانية، ومع أن هذه الأسفار الغير القانونية كُتبت وتُرجمت من قبل المسيح بكل اعتناء وتدقيق، لم ينزلوها منزلة الأسفار القانونية ولا عدّوها معها. وتمت هذه الترجمة بين سنة 247 و285 قبل المسيح في مصر بناء على طلب بطليموس الثاني الملقب فيلادلفيوس . ويظن البعض أنها بين سنة 200 و250 قبل المسيح ويرجحون الرأي الثاني، وليس هذا ذا بال. وتُدعى هذه الترجمة بالسبعينية نسبة إلى عدد الذين
ترجموها، فإنهم كانوا سبعين عالماً من علماء اليهود، وهي أقوم ترجمة للتوراة في الوجود.
ولنذكر بعد ذلك الترجمات الأخرى للعهد القديم لزيادة التأكيد بأن التوراة التي بأيدينا اليوم هي التي كانت في عصر محمد وقبله بقرون كثيرة، لأنه إن لم تكن موجودة حينئذ فمن أين أتت تلك الترجمات وعلى الخصوص الترجمة السبعينية ، هذا ظاهر لأبسط الناس وعامتهم.
ثم الترجمة اليونانية التي تُرجمت بواسطة أكويلا التي تممها سنة 130 ميلادية وترجمها مرة أخرى رجل سامري اسمه سيماش، وفرغ منها سنة 218 ميلادية، ثم تُرجمت الى اللاتينية القديمة في القرن الثاني للميلاد نقلا عن الترجمة السبعينية. ثم ترجمها جيروم عن اللغة العبرية الى الطليانية وتسمى الترجمة اللاتينية وفرغ منها سنة 405 م والترجمة السريانية لبشستا والمظنون أنها تُرجمت في آخر القرن الأول.
يقول يعقوب من أودسا إن التوراة تُرجمت أيضاً في حياة المسيح بناء على طلب ملك أودسا ابجار، ويظنون أن أول من أشار إلى الترجمة السريانية هو مليتس من أهالي ساردس في القرن الثاني، وينسبها آخرون إلى القرن الثالث. والترجمة السريانية الفيلكسية أتمها بوليكاربوس نحو سنة 508 وهذبها وأصلحها توماس هرقل 616 م. وعليه كل
الترجمات السريانية كانت موجودة من قبل عصر محمد، والترجمة الأخيرة من هذه اللغة بوشرت في نفس أيامه.
ولما احتمى أصحاب محمد ببلاد الحبشة قبل الهجرة رأوا أهل تلك البلاد يقرأون التوراة والإنجيل في لغتهم الحبشية. وبسبب قِدم تلك الترجمة كان من الصعب على الأحباش فهمها، والمظنون أنها تُرجمت في القرن الرابع للميلاد. وكذلك لما فتح عمرو مصر وجد الدين الغالب فيها النصرانية، ووجد الكتاب المقدس مترجماً إلى اللغة القبطية في اصطلاحات البلاد الثلاثة الصعيدي والبحيري والبشموري. وقد تُرجمت عن الترجمة السبعينية، ويظن بعضهم أنها تُرجمت في ما بين القرن الثالث والرابع، ويقول بعضهم بل قبل ذلك.
وتُرجم بعض أجزاء التوراة عن اللغة السريانية إلى الآرامية سنة 411 م وعن الترجمة السبعينية سنة 436 م. وبعد ذلك بنحو قرن تمت الترجمة المشهورة بترجمة القديس جاورجيوس، وكانت مع قرب عهدها قبل الهجرة بسنين كثيرة.
وترجم التوراة أسقف غوثية إلى لغة أهل بلاده سنة 360م
وأكثر هذه التراجم تممها قوم مسيحيون ما عدا الترجمة السبعينية والأكويلية طبعاً. كثيراً ما ترجم اليهود بعض أسفار
التوراة إلى الآرامية حيثما ابتدأ أكثرهم يهملون التكلم بالعبرية، ومن بين هذه التراجم ترجمة أنكلوس التي تمت ما بين سنة 150 و200 م. وترجم يوناثان ابن عزيل أسفار الأنبياء سنة 320م وعدا عن كل هذه الترجمات كان يوجد كتاب الترجوم الأورشليمي، وهو عبارة عن ترجمة أسفار العهد القديم وشروحها إلى اللغة الآرامية، وقد تم في القرن السادس أي قبل الهجرة. ومن المعلوم أنه كان في سالف الزمان بغض شديد بين السامريين واليهود، ومن أجل ذلك لم يعتمد السامريون من التوراة سوى أسفار موسى الخمسة واعتبروها كما هي موحى بها من الله. ولم نعلم بالتأكيد متى حصلوا على نسخة الأسفار الخمسة، فيظن البعض أنه كان في سنة 606 ق م. أي حينما ابتدأت سنو السبي السبعون، ويظن البعض أن منسى حفيد ألياشيب الكاهن العظيم - وهو الذي قد تزوج بابنة سنبلط كما جاء ذلك في سفر نحميا أصحاح 13 :28 - أحضر هذه الأسفار إلى السامرة حينما نفاه نحميا من أورشليم وأسس هناك هيكلاً على جبل جرزيم نحو سنة 409 ق م.
ولا يزال بين أيدي المسيحيين بعض النسخ من توراة السامريين - أي أسفار موسى الخمسة - باللغة العبرانية الأصلية، لكن بحروف مختلفة عن التي يستعملها اليهود.
وبمراجعة هذه الأدلة والتراجم المتعددة لأسفار العهد القديم عند اليهود والنصارى نجزم ونحتم أن توراة اليوم هي بذاتها التي كانت في عصر محمد، وشهد لها القرآن في آيات كثيرة. وأن القراءات المتعددة للتوراة لا تطعن في سلامتها ولا تشوش نقاوتها لأنها لا تمس جوهر تعليمها واختلاف القراءات مسألة لا بد منها لكل كتاب قديم عظيم كاختلافات قراءات القرآن.
- عدد الزيارات: 19149