سلامة الإنجيل من الناحية الدينية - بُطلان الدعوى بوجود اختلاف بين كتبة الإنجيل
4 - بُطلان الدعوى بوجود اختلاف بين كتبة الإنجيل:
أ إن ما يقال عنه اختلاف بين كَتَبَة الإنجيل الذي يتّخذه البعض دليلاً على حدوث تحريف فيه (كما يدَّعون) هو اختلاف لفظي فحسب، وأسبابه (1) إن كلاً من كتبة الإنجيل كتب على انفراد (2) وإنه كتب إلى جماعة تختلف عن الجماعات التي كتب إليها الآخرون، من جهة الثقافة والعادات. (3) كما أن كلاً منهم كتب إلى جماعته عن ناحية من شخصية المسيح، رأى بإرشاد الله ضرورة توجيه أنظارهم إليها بصفة خاصة. فهذا الاختلاف ليس اختلاف التعارض، بل تنوُّع التوافق والانسجام.
ب فإذا أضفنا إلى ذلك (1) أن وجود أربعة كتب لأشخاصٍ مختلفين (من جهة السن والثقاقة والطباع والجنسية، كما ذكرنا في الفصل الأول) عن سيرة المسيح، أفضل جداً لدى الباحثين عن الحقيقة مما لو كان هناك كتاب واحد عن سيرته. (2) أن اتفاق الشهود في حادثةٍ ما، من جهة كل لفظٍ فيها، مدعاةٌ للطعن في شهادتهم بدعوى التواطؤ، بينما اختلافهم في اللفظ دون المعنى (مع مراعاة الظروف الثلاثة الخاصة بكَتَبة الإنجيل) دليل على صدق شهاداتهم.
ج كان كتبة الإنجيل على درجةٍ سامية من القداسة والأمانة وإنكار الذات، حتى استطاعوا التأثير على كثيرين من اليهود والوثنيين، فصرفوهم عن أهوائهم وشهواتهم المتعددة، وقادوهم إلى حياة الطاعة للّه والتوافق معه في صفاته الأدبية السامية. وهذا يبرهن لنا أنه لا مجال للقول بحدوث اختلاف في الإنجيل، الأمر الذي يبطل القول بعدم جواز الاعتماد عليه.
ويقول الأستاذ عباس محمود العقاد: إذا اختلطت الروايات في أخبار المسيح، فليس في هذا الاختلاط بدع، ولا دليل قاطع عن الإنكار، لأن الأناجيل تضمَّنت أقوالاً في مناسباتها لا يسهل القول باختلافها، لأن مواطن الاختلاف بينها معقولة مع استقصاء أسبابها والمقارنة بينها وبين آثارها. كما أن مواضع الاتفاق بينها تدل على أنها رسالة واحدة من وحيٍ واحد (عبقرية المسيح ص 88-90 و·الله ص 149 و154 و194).
- عدد الزيارات: 10270