طريق المسيح لخلاص كل الناس - الذي مات على الصليب بناسوته كان إلهاً تاماً كما كان إنساناً تاماً
الذي مات على الصليب بناسوته كان إلهاً تاماً كما كان إنساناً تاماً، وبما أنه حمل خطايانا ومات عنا نحن الأثمة فالذين يتحدون معه بالإيمان كاتحاد الأغصان بالكرمة (يو 15 :4 و5) ينالون غفران خطاياهم ويُعتَقون من خوف الموت (عب 2 :14 و15) لأن شوكة الموت هي الخطية (1كو 15 :56) التي تلقي في قلوب غير المغفور لهم الرعب العظيم من غضب الله المخيف، وأما كون ذبيحة المسيح حازت القبول عند الله فيدل عليه قيامته من الأموات وصعوده للسموات (رو 1 :4 ولو 22 :51) ليظهر أمامه لأجلنا نيابة عنا (عب 9 :24) وعودته إلى المجد الذي كان له عند أبيه قبل كون العالم (يو 17 :5).
ولنشرح الآن بعض البركات الناتجة عن الكفارة التي قدمها يسوع أولاً : إن الله إكراماً له يغفر خطايا وتعديات المؤمنين به الحقيقيين (رو 5 :5-21 وأف 1 :3-7 وعب 10 :1-15 و1 يو 1 :7) ولأجل المسيح يمنحهم الله نعمته الخصوصية ونور هدايته السماوي حتى يدركوا حالتهم الداخلية ويعرفوا الإله الحق معرفة عميقة، ويملأ قلوبهم بمحبة من أحبهم أولاً، بحيث يقدرون أن يحفظوا وصاياه ويثبتوا في حالة نقاوة القلب ويعرفون الحق (يو 8 :31 ورو 5 :5 و8 :5 و1 كو 1 :4 و5 و2 كو 4 :6 وأف 1 :15-23 وفي 4 :13 وكو 2 :3 وتي 2 :11-14 وعب 9 :11-14). ومن فوائد الفداء أيضاً العتق من عبودية الشيطان ومن محبة الخطية، والفوز بميراث السعادة الدائمة (رو 8 :12-17 و2تي 1 :9 و10 وعب 2 :14 و15 و1بط 2 :3-9).
وحيث أن الخلاص مقدم في المسيح للخطاة فهو أمر ثمين وعظيم
يطهر به الناس من نجاسات الخطية، حينئذ يفتح الله لهم خزائن بركاته وإحساناته فينير أذهانهم ويقدس قلوبهم، وفي الختام يأخذهم إلى فردوس نعيمه ليتمتعوا بالحياة الأبدية. لقد ظهر الآن كالشمس في رابعة النهار إن تعليم الإنجيل يشبع أشواق القلب ويغني طلبات النفس كما بينا في المقدمة، وعليه يكون الكتاب المقدس كلام الله الموحى به لسعادة البشر.
فإن سمع أحد بشارة الخلاص ورفضها يكون سبب رفضه عدم رغبته في التوبة عن الخطية، وعدم معرفته حالة قلبه الأثيمة في نظر الله. وإن كان أحد لا يكترث بالخطر الذي يسرع به للهلاك الأبدي فهيهات يسعى في معالجة برصه الروحي بالدواء الذي وضعه طبيبنا العظيم.
أما الإنسان الحريص المحاذر من حالة قلبه الأثيمة، فيعلم بُغض الله القدوس للخطية، ويشعر بهول الخطر الذي ينذره بالهلاك الأبدي بسبب خطاياه. وبما أنه غير قادر أن يكفر عنها بنفسه، يبادر أن يسمع بشارة الخلاص الذي اقتناه المسيح بدمه الكريم من أجله ومن أجل كل الذين يؤمنون به. إن خبراً كهذا يلذ سمعه في أذنيه أكثر من أية بشارة أخرى على وجه الأرض، لأنها بشارة الخلاص المجاني والدواء الذي يشفي القلوب المكسورة من ثقل حمل الخطايا، والمرهم
الذي يعصب جرح النفس المزمنة. أما إذا أحب المرء الخطية وكان متفانياً في حب الشهوات الجسدية سيبغض النور المعلن في الإنجيل، كما يبغض الخفاش نور الشمس، ويهرب من أشعتها الجميلة اللامعة إلى مغائر الظلمة. مثل هذا جدير به أن يطرح في الظلمة الخارجية التي أحبها أكثر من النور (يو 3 :19-21).
ويستحيل عليه أن يفهم كثيراً أو قليلاً من الأمور الروحية، حتى أنه يرى الإنجيل كأنه جهالة وحماقة كما رآه هكذا قدماء اليونان (1كو 1 :18-25 و2 :14)، في حين أن الراغب في معرفة الحق وعمل إرادة الله، تقع في نفسه بشارة الخلاص وإعلان محبة الله موقع القبول والاستحسان، وتفيض كينبوع حي يروي قلبه الظمآن في سفره عبر صحراء الحياة الدنيا.
في الخلاص، أعلن الله محبة ورحمة مقترنة بعدل وقداسة بكل وضوح، أما محبته الفائقة فقد ظهرت ببذله ابنه الوحيد، بهاء مجده، ورسم جوهره لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية (عب 1 :3 ويو 3 :16) فهذا التعليم الذي لا يُقدَّر بثمن يكشف لنا الحجاب عن صفات الله الجليلة التي أعظمها المحبة، حتى إذا حملنا بتيار محبته نتجنب الخطية المكروهة لديه، لأنه قدوس، ونحفظ وصاياه سالكين في طريق الإيمان بالمسيح المؤدي للحياة الأبدية.
ومن يتأمل في أحوال الخليقة يظهر له ما يشبه طريق الخلاص، فإن الله خلق كثيراً من خلقه على تضحية الذات على مذبح المحبة الطبيعية، مما يصح أن يُتَّخذ مثالاً لآلام المسيح لأجلنا. فنرى الآب يخاطر بحياته ويعاني الشدائد ويذوق المرارة لأجل قوت أبنائه وكسوتهم، وترى الطبيب الأمين يعرض نفسه للخطر والموت لخلاص حياة العليل. حتى في الطيور نرى الدجاجة تحضن فراخها، وإن سطا عليها عدو تحاربه وتحمل الأذى عنها، والعصفور يقع في مواضع الخطر ليلتقط الحب لفراخه الصغار، ويقاسي العناء لدفع الشر عنها، فلماذا لا يكون معقولاً أن خالق المحبة الطبيعية هو محب أعظم من كل ذلك حيث أعلن محبته على منهج الضحايا فبذل ابنه الوحيد الذي هو واحد معه ليموت على الصليب في سبيل خلاص الإنسان المسكين ولكن "مَنْ لَا يُحِبُّ لَمْ يَعْرِفِ اللّهَ، لِأَنَّ اللّهَ مَحَبَّة"ٌ (1يو 4 :8).
وعليه فالإيمان بالمسيح الذي أحبنا وأسلم نفسه لأجلنا هو الدواء الوحيد الذي وصفه الله العليم الحكيم لبرص الخطية، فكل من يثق في حكمة الله وعلمه فليستعمل هذا الدواء، وحينئذ يعلم بالاختبار إن كان المسيح مخلّصاً أم لا، لأن الشفاء من المرض دليل قاطع على حُسن الدواء وجودة تأثيره، ومتى برئ الخاطئ من مرضه وعلم بالتحقيق أن المسيح مخلّص، يشكر فضله ويعلم أن الكتاب المقدس حق.
- عدد الزيارات: 22226