طريق المسيح لخلاص كل الناس - كيف يمكن أن تتحد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية؟
وإن سأل سائل : كيف يمكن أن تتحد الطبيعة الإلهية بالطبيعة البشرية؟ نقول كيف يمكن أن تتحد في الإنسان الروح بالجسد والباقي بالفاني. فمهما يريده الله كلي القدرة الخالق العظيم الضابط الكل يكون. ويعلمنا الإنجيل أن العلاقة بين ناسوت المسيح ولاهوته علاقة الاتحاد فقط بحيث لم تتحول الطبيعة الواحدة إلى الأخرى ولا امتزجت أو اختلطت بها، حقاً أن علاقة كهذه تفوق عقولنا المحدودة، ولا نعرفها إلا من وحي الله في كلامه المقدس. وكان هذا الاتحاد في ناسوت ولاهوت المسيح لإتمام مقاصد الله الأزلية بأن يغمر الإنسان بفيض نعمته منقذاً إياه من الهلاك والخطية وعبودية إبليس، ويصالحه مع الله، ويؤهله للتمتع بالسعادة الدائمة في حضرته. وإذ فدانا يسوع بدمه من كل أمة وقبيلة وشعب ولسان (رؤ 5 :9) صارت لنا حياته المُضحية التي عاشها على الأرض مثال الكمال والطهارة والقداسة كي نقتدي به ونتبع آثار خطواته (يو 13 :15 و1بط 2 :21).
وقد يعترض بعضهم بقوله : ألم يكن مستطاعاً لله أن يخلّص الإنسان من عذاب جهنم بإجراء سلطانه المطلق وإعلان رحمته لمن يرحمهم بدون طريق الخلاص المعلنة في الإنجيل؟ أليس هو الذي يقول لما يشاء كن فيكون؟ للإجابة عن ذلك نقول: إن هذا السؤال ناتج عن سوء فهم حالة الطبيعة البشرية وأعوازها الروحية، ومن عدم معرفة قداسة الله.
إن الخطية فضلاً عن كونها مضادة ومكروهة لطبيعة الله، تتلف طبيعة الإنسان الأصلية الروحية التي كانت على صورة الله (تك 1 :26 و27) والخطية تمنع بتاتاً إمكانية تمتع الإنسان بالسعادة الأبدية إلا إذا نجا منها. من السهل أن يذهب أهل النار إلى الجنة بأمر الله، ولكن كيف يطهر القلب والعقل والضمير من ذلك البرص الخبيث الذي يزداد سريانه يوما بعد يوم؟ حقاً أن الخطية أشر من البرص، لأنها برص الروح، الموت ينقذ الإنسان من برص الجسد، لكنه لا ينقذه من برص الروح، فمن أين تكون سعادة في الدار الأخرى لمن روحه برصاء؟ إن تشوُّه صورته وفساد هيئته يثير فيه عوامل الحزن والحسد حتى يبغض نفسه ويبغضه الآخرون، وبالأحرى جداً يبغضه الله كلي القداسة الذي يكره ويمقت الخطية.
كانت شريعة موسى تمنع الأبرص بجسده أن يدخل محلة إسرائيل (لا 13 :45 و46) أو يعاشر رفقاءه، فكم بالأَولى ممنوع من هو أبرص الروح والقلب أن يدخل فردوس النعيم ويتمتع بلقاء الله القدوس رب الأرباب؟ قال الكتاب "وَلَنْ يَدْخُلَهَا شَيْءٌ دَنِسٌ وَلَا مَا يَصْنَعُ رَجِساً وَكَذِباً، إِلَّا المَكْتُوبِينَ فِي سِفْرِ حَيَاةِ الحَمَل"ِ (رؤيا 21 :27) وحتى برص الجسد يعجز المريض به أن يشفي نفسه منه، ويعجز الأطباء أيضاً عن ذلك، أما المسيح فشفى كثيرين من المرضى به، وهو قادر أن يطهر برص الروح أيضاً، إلا أنه ما طهر قط أبرص بالرغم عن إرادته، وكذلك لا يطهر أبرص الخطية بالقوة أو رغماً عن إرادته. إن الرجل الذي لم يشبع من الانغماس في حمأة الفجور في هذه الحياة قد فسدت روحه وأظلم ذهنه، حتى لقد يصبح منتهى السعادة في اعتباره أن تكون الأبدية أوقيانوس فجور يسبح فيه إلى ما لا نهاية. مثل هذا الإنسان مضروب بالبرص الروحي، ويسوع المسيح وحده هو القادر أن يطهر هذا البرص، لكنه لا يفعله بغير إرادة المريض، ولا يُشفى منه إلا إذا تاب توبة صادقة وآمن بالمسيح إيماناً صحيحاً، وصرخ مع داود "قَلْباً نَقِيّاً ا خْلُقْ فِيَّ يَا اَللّهُ وَرُوحاً مُسْتَقِيماً جَدِّدْ فِي دَاخِلِي" (مز 51 :10). إن تطهير البرص الروحي عبارة عن تجديد القلب والروح من محبة الخطية وإعادتها إلى جمال القداسة التي أتلفتها الخطية، وكيف يكون ذلك؟ يتمم الله دائماً عمله بوسائط، وقد أخبرنا الكتاب المقدس عن الواسطة التي اختارها الله لإتمام غرضه بأن شاء أن يعلن ذاته في شخص يسوع المسيح كلمة الله ويظهر محبته للناس بأن يحمل آلامهم ويشاركهم في أحزانهم بواسطة طبيعة المسيح البشرية التي مات بها على الصليب للتكفير عن خطاياهم، حتى يجتذب قلوبهم إليه ويسبيهم بمحبته الفائقة كي يكرهوا الخطية ويثيروا عليها حرباً عوانا حتى يتم لهم النصر الباهر. هذا ما يدعوه الكتاب بالطبيعة الجديدة التي تتولد في كل مؤمن حقيقي بيسوع، هذا هو القلب النقي والروح المستقيم الذي لجَّ داود في طلبه كما ذكرنا، وعلى هذا المنهج يخلق الله الخاطئ من جديد، وعلى ذلك قوله "إِذاً إِنْ كَانَ أَحَدٌ فِي المَسِيحِ فَهُوَ خَلِيقَةٌ جَدِيدَةٌ" (2كو 5 :17).
لا نقدر نقول أن لا طريقة عند الله غير هذه لخلاص البشر من الخطية، إلا أ نه من المؤكد الذي لا شك فيه أن هذه هي الطريقة الوحيدة التي شاء الله أن يستعملها، وشاء أن يعلنها في كتابه المقدس (مت 1 :21 ويو 14 :6) ولا يمكن وجود طريقة تجمع بين عدله ورحمته إلا هذه.
- عدد الزيارات: 22227