القسم الأول - موضوع الإيمان، هو إعلان الله، وأساسه شهادة الله
والخلاصة أن موضوع الإيمان، هو إعلان الله، وأساسه شهادة الله, فمن قبل هذه الشهادة فقد ختم أن الله صادق, ومن يرفضها يجعله كاذباً، وهذا أشهر أنواع الكفر,
فإذا قبلنا شهادة الناس فشهادة الله أعظم, هذا تعليم الكتاب المستمر، والأساس الذي نبني عليه إيماننا، ليس هو موافقة الحق المعلن لعقولنا وحسب، ولا تأثيره في حواسنا، ولا كفايته للقيام بحاجات طبيعتنا وأحوالنا، بل مجرد كونه كلام الله, وله هذا الختم: هكذا قال الرب ,
ويتضح كذلك تعريف الكتاب المقدس للإيمان، من أمثلة الإيمان فيه، فإن الله وعد أبوينا الأولين على أثر السقوط بأن نسل المرأة ـ يسوع ـ يسحق رأي الحية ـ إبليس ـ والإيمان بهذا الوعد مبني على شهادة الله,
ولما أنذر نوح بمجيء الطوفان وأمره الله بأن بني ويعد الفلك، آمن ليس لأنه رأى علامات بمجيء الطوفان، لا لأن عقله برهن له أن الإله العادل مزمع على أن ينتقم لشريعته من الناس على هذا الأسلوب، بل بناء على شهادة الله فقط,
وكذلك وعد الله إبراهيم بأن امرأته العقيم سارة ستلد له وارثاً إذ نقرأ في الكتاب العزيز: بِالْإِيمَانِ سَارَةُ نَفْسُهَا أَيْضاً أَخَذَتْ قُدْرَةً عَلَى إِنْشَاءِ نَسْلٍ، وَبَعْدَ وَقْتِ السِّنِّ وَلَدَتْ، إِذْ حَسِبَتِ الَّذِي وَعَدَ صَادِقاً ـ عبرانيين 11: 11 ـ فبحسب الظاهر، هذا القول مخالف للعقل كما نرى في الخبر، حيث قيل: وَكَانَ إِبْرَاهِيمُ وَسَارَةُ شَيْخَيْنِ مُتَقَدِّمَيْنِ فِي الْأَيَّامِ، وَقَدِ انْقَطَعَ أَنْ يَكُونَ لِسَارَةَ عَادَةٌ كَا لنِّسَاءِ ـ تكوين 18: 11 . أي إن سارة كانت قد تجاوزت التسعين عاماً من العمر، وفات الزمان الذي فيه تحمل النساء وتلد, ومع أن الأمر غير معقول حسب الطبيعة، إلا أن سارة آمنت، وبالنظر إلى كونها شريكة إبراهيم في إيمانه، ولدت بقدرة الله اسحق في شيخوختها,
وبناء على ذلك يصح تعريف الإيمان بأنه تصديق الحق, بناء على الشهادة, وإيمان المسيحيين بما فيهم أغسطينوس هو الاقتناع بصدق الحوادث والتعاليم المدونة في الكتاب المقدس بناء على شهادة الله,
2 - من أعطى المجامع حق ترشيح عيسى ومريم وروح القدس للألوهية؟ وإن كان لها هذا الحق في ذلك، أفلا يكون لها حق عزلهم من الألوهية وترشيح غيرهم؟ وحق إصدار القرارات بعصمة البابا، وبمنح الكنيسة حق الغفران والحرمان؟
قبل الرد على السؤال، أذكرك بقول القرآن: وَلاَ تَجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالتِي هِيَ أَحْسَنُ ـ سورة العنكبوت 29: 46 . فأنت في طرح سؤالك على هذه الصورة، خرجت على مبدأ الكياسة التي ألزم القرآن بها كل مسلم أما الرد على السؤال فهو:
1 - إن المسيحية لا تؤله مريم، والآن اسمح لي بأن أهمس في أذنك بأنك بسؤالك هذا لم تكتشف أمراً مهماً، فقد ورد هذا السؤال في القرآن هكذا: وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ ـ سورة المائدة 5: 116 . وقد نشأ هذا السؤال من وجود أهل بدعة عند ظهور الإسلام, وهم أناس وثنيون، حاولوا الالتصاق بالكنيسة، فنادوا ببدعة مفادها أن مريم العذراء آلهة, ويقول المؤرخون أنهم استعاضوا بها عن الزهرة، التي كانوا يعبدونها قبلاً, وقد أطلقوا علىأنفسهم اسم المريميين, وأشار إليهم العلامة أحمد المقريزي في كتابه القول الإبريزي صفحة 26, وذكرهم ابن حزم في كتابه الملل والأهواء والنحل صفحة 48, ولكن هذه البدعة بعيدة كل البعد عن المسيحية، وليس من مسيحي واحد يؤمن بها, وقد انبرى العلماء المسيحيون منئذ لمقاومة هذه الضلالة بكل الحجج الكتابية والعقلية, ولم ينته القرن السابع، حتى كانت قد تلاشت تماماً,
- عدد الزيارات: 18526