التثليث الذي حاربه القرآن هو تثليث التعدد والإشراك - التعليم الذي أراد الإسلام أن يحاربه كان تعليماً منافياً لتعليم المسيحية
وإذاً فقد تقرر أن هذا التعليم الذي أراد الإسلام أن يحاربه كان تعليماً منافياً لتعليم المسيحية، بعيداً عن معتقدها البعد كله.
ويظهر أن حملات الإسلام على هذا التعليم كانت موجَّهة ضد بدعة كانت قد ظهرت ونادت بتأليه العذراء القديسة مريم. وهذه البدعة لم يتجند لحربها الإسلام وحده، بل لقد حاربتها المسيحية حرباً لا هوادة فيها حتى قضت عليها. فالإسلام في حملاته هذه إنما كان متجنداً مع المسيحية جنباً لجنب لمحاربة بدعة أبغضتها الكنيسة وقاومتها.
وفي آية بحثنا دليل آخر على هذه الحقيقة حيث تقول: إلهين من دون الله. وتعليم المسيحية عن الثالوث لا ينطبق عليه هذا القول، فهي لا تعلّم بالمسيح إلهاً من دون الله، ولكنها تعلم أن المسيح والآب واحد بلا تعدد ولا افتراق. وقد أشار المسيح إلى ذلك في قوله: أَنَا وَالْآبُ وَاحِدٌ (يوحنا 10: 30)
فمن كل هذه الوجوه يثبت أن تعليم التثليث الذي قاومه الإسلام لم يكن تعليم المسيحية عنه. وإنما كانت حربه موجهة ضد طوائف لا صلة بينها وبين المسيحية، ولا وجه للشبه بين عقيدتها وعقيدتهم.
وأما الآية التي تقول: لقد كفر الذين قالوا إن الله ثالث ثلاثة ويستند إليها البعض خطأ زاعمين أن الثلاثة الذين ذُكروا فيها هم ثالوث المسيحية الأقدس، فتلك آية قيلت في حق طائفة المرقونية الذين لفظتهم الكنيسة وحرمت أتباعهم، لأنهم كانوا يقولون بتثليث باطل، ويؤمنون بثلاثة آلهة: عادل أنزل التوراة، وصالح نسخها بالإنجيل، وشرير هو إبليس.
كما حارب الإسلام طائفتي المانوية والديصانية اللتين تقولان بإلهين اثنين: أحدهما للخير وهو جوهر النور والثاني للشر، وهو جوهر الظلمة فقال في حقهم: ولا تتخذوا إلهين اثنين .
لقد كانت هذه الطوائف وأشباهها شر ما مُنيت به المسيحية قبل الإسلام وبعده ولا يزال حكمهم في الكنيسة حكم المذاهب الخارجة في الإسلام، الذين عَدَلوا عن الكتاب والسنّة، كطائفة النصيرية القائلة بأن الله جل شأنه حلّ في جسد علي بن أبي طالب وتكلم في لسانه.
وإذا فالإسلام لم يحارب تثليث المسيحية الصحيحة كما يظن البعض, والمسيحية لا تعتبر مقاومته تلك التعاليم المنافية لتعاليمها مقاومة لها.
- عدد الزيارات: 10754