"الله" في الكتاب المقدس - إنه لأمر صعب أن نعطي اهتماماً جدياً لشكاوى ديدات
إنه لأمر صعب أن نعطي اهتماماً جدياً لشكاوى ديدات على أنَّ متى نقل عن مرقس, وأنَّ إشعياء 37 مكرر في 2ملوك 19. إنَّ منطقه الذي يبني عليه افتراضه بأنَّ مثل هذا النقل الحرفي ينفي أن يكون الكتاب المقدس هو كلمة الله, منطق يصعب علينا متابعته. ويحتاج المرء أن يعرف فقط خلفية إنجيل مرقس ليكتشف حماقة النهج الذي يتبعه ديدات في جدله. لقد سجل لنا بابياس وهو من آباء الكنيسة أنَّ الرسول بطرس كان مصدر المعلومات لإنجيل مرقس, فقد كانت لدى بطرس معلومات مباشرة عن حياة المسيح أكثر من متى. والتغيير الذي حدث لبطرس جاء ذكره في إنجيل متى الأصحاح الرابع, بينما التغيير الذي جرى في حياة متى يذكره في أصحاح 9, أي بعد فترة كبيرة تمَّت فيها أحداث كثيرة شاهدها بطرس. وكان بطرس دائماً مع المسيح بخلاف متى. لقد شاهد بطرس واقعة التجلي مرقس 9:2 كما كان حاضراً في بستان جثسيماني مرقس 14:33 بينما متى كان غائباً في الحالتين.
لم يكن متى يستطيع أن يجد مصدراً لإنجيله يمكن الاعتماد عليه أكثر من هذا. وحيث أنه نقل عن نص إنجيلي للكتاب المقدس, لا نستطيع أن ندرك كيف يمكن أن يفقد إنجيله اعتباره كمرجع وكتاب أصيل!!
وإذا كان ديدات يستطيع أن يبرهن أنَّ روايات الكتاب المقدس - كتلك التي يقدّمها على أنَّ لها متشابهات في كتب مقدسة أخرى - سابقة تاريخياً على الأناجيل, وأنَّ هذه الأعمال مجموعة خرافات أو قصص خيالية, إذن لكنا نتناول ما يثيره من نقاط بجدية أكثر! ولكن توجد قصص كثيرة في القرآن قُدِّمت على أنها تاريخ حقيقي, بينما لها متشابهات في القرآن نفسه. فقصة آدم وردت في عشر سور, وقصة خلقه وردت في الحجر والكهف وص, وسقوطه في البقرة والأعراف وطه. وقصة إبراهيم وردت في خمس وعشرين سورة قرآنية. ثم أن لقصص القرآن متشابهات في كتب القصص اليهودية في فترة ما قبل الإسلام. فمثلاً يسجل القرآن قصة قتل قايين أخاه هابيل سورة المائدة 5:27-32 وهي قصة موجودة في سفر التكوين. على أننا نجد إضافة قرآنية لا شبيه لها في الكتاب المقدس, فيقول القرآن: "فَبَعَثَ اللَّهُ غُرَاباً يَبْحَثُ فِي الأَرْضِ لِيُرِيَهُ كَيْفَ يُوَارِي سَوْأَةَ أَخِيهِ" سورة المائدة 5:31. وفي كتاب يهودي للقصص الشعبية نقرأ أنَّ آدم بكى هابيل ولم يعرف ماذا يفعل بجثته, إلى أن رأى غراباً ينقر في الأرض ويدفن قرينه الميت. عند ذلك قرر آدم أن يفعل مثل ما فعل الغراب كتاب الربي أليعازار فصل 21. ويقول القرآن إنَّ قايين هو الذي رأى الغراب, بينما في الكتاب اليهودي آدم هو الذي رآه. ولكن فضلاً عن هذا الاختلاف الصغير فإنَّ التشابه بين القصتين واضح. وحيث أنَّ الكتاب اليهودي يسبق القرآن, فيبدو أنَّ القرآن أخذ القصة بتعديل مناسب ليجعلها جزءاً من الوحي. فإذا لقي هذا الاستنتاج رفضاً, فليقولوا لنا لماذا يرفضونه.
ونقرأ في القرآن: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً" سورة المائدة 5:32. عند النظرة الأولى تظهر هذه الآية كما لو لم تكن لها علاقة بما قبلها. لماذا تكون حياة أو موت شخص كإحياء أو إبادة كل الجنس البشري؟ هذا أمر غير واضح. ولكن عندما نرجع لتقليد يهودي آخر نجد نقطة الوصل بين القصة وما تلاها. ونرجع هنا إلى المشنا حيث نقرأ: "نجد أنه قيل في موضوع قايين الذي قتل أخاه: "صوت دماء أخيك يصرخ" تكوين 4:10. لم تَقُل التوراة "دم" بالمفرد بل "دماء" بالجمع, أي دمه ودم نسله. لقد خلق الإنسان فرداً ليُظهر أنَّ مَنْ يقتل فرداً واحداً فكأنما قتل الجنس كله, وأنَّ من يحفظ حياة فرد واحد فكأنما حفظ الجنس كله" مشنا سنهدريم 4:5. وطبقاً للمعلم اليهودي الذي كتب هذه الكلمات, فإنَّ استخدام كلمة "دماء" بالجمع في التوراة يعني ليس فقط دم رجل واحد ولكن دم كل نسله. ونحن نعتبر تفسيره هذا تخميناً مبالغاً فيه. ولكننا مضطرون أن نسأل: كيف يكون الوحي الإلهي في القرآن تكراراً واضحاً لمعتقدات معلم يهودي؟ لا يمكننا إلا أن نستنتج أنَّ القرآن أخذ هذا التعليم المتعلق بكامل الأمة من مصدر يهودي, دون أن يذكر من أين نشأت هذه الصلة.
إنَّ ما تحويه قصة الغراب من توافق بين القرآن والقصص الشعبية اليهودية, ثم توافق فلسفة أنَّ قتْل رجل واحد يتضمن قتل نسله معه, يجعلاننا نرى بوضوح رداً قوياً على تهجُّمات ديدات التي لا مبرر لها! وعلى ديدات من باب أوْلى أن يفسر لنا كيف تشابه بعض فقرات قرآنية كتباً يهودية عن القصص الشعبية.
ويختتم ديدات هذا الفصل حيث يصف الذين يؤمنون أنَّ كل كلمة وفاصلة ونقطة في الكتاب المقدس هي كلمة الله, هم "دعاة الإنجيل الصخَّابون" صفحة 33. ونحن لا نتعاطف مع المتعصّبين ولكن في ضوء الأدلة التي درسناها حتى الآن, نستطيع أن ندعو ديدات "أحد دعاة القرآن الصخَّابين".المتناقضات المزعومة في الكتاب المقدس
يبدأ ديدات فصله السابع "اختبار الصلاحية" بادعاء أنَّ هناك تناقضاً بين سفر صموئيل الثاني 24:1 حيث نقرأ أنَّ الرب حرَّك داود ليحصي بني إسرائيل, وسفر أخبار الأيام الأول 21:1 حيث يذكر أنَّ الشيطان هو الذي حرَّكه لفعل ذلك. وأي شخص له معرفة معقولة بالكتاب المقدس والقرآن سيدرك في الحال أنَّ ديدات لا يقدم شيئاً سوى فهمه الميئوس منه وغير السليم لصفة مميزة للفلسفة الدينية لكلٍّ من الكتابين. ففي القرآن نجد فقرة مشابهة تلقي ضوءاً على هذا الموضوع: "أَلَمْ تَرَ أَنَّا أَرْسَلْنَا الشَّيَاطِينَ عَلَى الْكَافِرِينَ تَؤُّزُهُمْ أَّزاً" سورة مريم 19:83. نرى هنا أنَّ الله يسلِّط الشياطين على الكافرين. ومع أنَّ الله هو الذي يحركهم للأذى والإرباك, فإنه يستخدم الشياطين لإثارتهم في هذا الاتجاه. وبنفس الطريقة عمل الله ضد داود واستخدم الشيطان لحثِّه على إحصاء إسرائيل. وعلى نحو مشابه نقرأ في سفر أيوب بالكتاب المقدس أنَّ الشيطان أُعطي سلطاناً على أيوب ليؤذيه أيوب 1:12. ولكن الله تكلم فيما بعد كما لو كان هو الذي تحرك ضد أيوب أيوب 2:3. ففي أي وقت يثير الشيطان الإنسان, يمكن وصف ذلك أنه من الله, لأنه بدون إذن الله لا يقدر الشيطان أن يحقق شيئاً. وإليك ما قاله الزمخشري في الكشاف تفسيراً لسورة البقرة 2:7 "خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ وَعَلَى أَبْصَارِهِمِْ غِشَاوَةٌ" : "فالشيطان هو الخاتم في الحقيقة, أو الكافر. إلا أنَّ الله سبحانه, لما كان هو الذي أقْدره ومكَّنه, أُسند إليه الختم كما يُسند الفعل إلى المسبِّب".
إنَّ أشخاصاً عديمي الخبرة مثل ديدات, يجب أن يأخذوا دروساً في فقه وفلسفة القرآن من علماء مشهورين مثل الزمخشري, قبل أن يُعرّضوا أنفسهم للسخرية بسبب هجومهم الذي لا مبرر له على الكتاب المقدس.
- عدد الزيارات: 17122