رابعاً - مشاهد حول حادثة القيامة - القبر
2 - القبر:
يذكر البشيرون الأربعة القبر 32 مرة وهم يروون قصة القيامة، لأن القبر الفارغ كان موضع اهتمامهم البالغ.
لم يكن الرومان يهتمون بدفن المصلوب، بل كانوا يتركون جثته للطيور. لكن اليهود كانوا يهتمون بدفن الميت. صحيح أنه كانت هناك استثناءات لهذه القاعدة، لكن العادة المتَّبعة كانت دفن المصلوب. وكان أفراد العائلة يتقدمون لدفن الجسد، أما في حالة المسيح فقد تقدم يوسف الرامي ليدفن الجسد.
وقد وصف يوسابيوس القيصري - أبو التاريخ الكنسي - قبر المسيح الذي اكتشفته الامبراطورة هيلانة، قال: أما القبر نفسه فكهف محفور في الصخر، لم يحدث أن دُفن فيه أحد آخر. ومن المدهش أن ترى هذه الصخرة قائمة وحدها على أرض مستوية بها كهف واحد. ولو كان هناك أكثر من كهف لصارت معجزة قيامته غامضة .
وقال رجل الحفريات ويليس الأستاذ بجامعة كامبريدج وصفاً لقبور ذلك الزمن: هناك حفر مجّوَف بعمق بوصة أو بوصتين ليوسَّد فيه الجسد، ومكان مرتفع كالوسادة لتُوضع عليه الرأس. وتوجد فتحة مستطيلة الشكل في واجهة القبر، عتبتها السفلى أعلى من أرضية القبر، ويسمح اتساعها بمرور الجسد إلى الداخل وأعلاها مقّوَس (10).
ويقول الأستاذ جوينبر في كتابه يسوع صفحة 500 العبارة التالية: الحق أننا لا نعرف، وغالباً لم يكن التلاميذ أنفسهم يعرفون أين أُلقي جسد يسوع بعد إنزاله من على الصليب بواسطة جلاديه على الأرجح. والأغلب أنه أُلقي في حفرة المصلوبين، أكثر من أنه قد وُضع في قبر جديد (3).
1 - وهذا الأستاذ لا يقدم أي برهان على صِدْق نظريته.
2 - كما أنه يغفل شهادة شهود الأحداث الموجودة في الكتابات الدنيوية والكنسية من القرون الثلاثة الأولى.
3 - وهو يغفل قصة الأناجيل الواضحة.
(ا) لماذا نجد الحقائق التالية، إن لم يكن يوسف الرامي قد أخذ الجسد فعلاً؟
وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، جَاءَ رَجُلٌ غَنِيٌّ مِنَ الرَّامَةِ اسمُهُ يُوسُفُ - وَكَانَ هُوَ أَيْضاً تِلْمِيذاً لِيَسُوعَ. فَهذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَأَمَرَ بِيلَاطُسُ حِينَئِذٍ أَنْ يُعْطَى الْجَسَدُ (متى 27: 57 ، 58).
وَلَمَّا كَانَ الْمَسَاءُ، إِذْ كَانَ الِا سْتِعْدَادُ - أَيْ مَا قَبْلَ السَّبْتِ - جَاءَ يُوسُفُ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، مُشِيرٌ شَرِيفٌ، وَكَانَ هُوَ أَيْضاً مُنْتَظِراً مَلَكُوتَ اللّهِ، فَتَجَاسَرَ وَدَخَلَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ. فَتَعَجَّبَ بِيلَاطُسُ أَنَّهُ مَاتَ كَذَا سَرِيعاً. فَدَعَا قَائِدَ الْمِئَةِ وَسَأَلَهُ: هَلْ لَهُ زَمَانٌ قَدْ مَاتَ؟ وَلَمَّا عَرَفَ مِنْ قَائِدِ الْمِئَةِ، وَهَبَ الْجَسَدَ لِيُوسُفَو (مرقس 15: 42 - 45).
وَإِذَا رَجُلٌ اسمُهُ يُوسُفُ، وَكَانَ مُشِيراً وَرَجُلاً صَالِحاً بَارّاً - هذَا لَمْ يَكُنْ مُوافِقاً لِرَأْيِهِمْ وَعَمَلِهِمْ، وَهُوَ مِنَ الرَّامَةِ مَدِينَةٍ لِلْيَهُودِ. وَكَانَ هُوَ أَيْضاً يَنْتَظِرُ مَلَكُوتَ اللّهِ. هذَا تَقَدَّمَ إِلَى بِيلَاطُسَ وَطَلَبَ جَسَدَ يَسُوعَ (لوقا 23: 50 - 52).
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَهُوَ تِلْمِيذُ يَسُوعَ، وَل كِنْ خُفْيَةً لِسَبَبِ الْخَوْفِ مِنَ الْيَهُودِ، سَأَلَ بِيلَاطُسَ أَنْ يَأْخُذَ جَسَدَ يَسُوعَ، فَأَذِنَ بِيلَاطُسُ. فَجَاءَ وَأَخَذَ جَسَدَ يَسُوعَ (يوحنا 19: 38).
إن هذه الروايات واضحة. لم يحدث أن أُلقي جسد يسوع في حفرة.
(ب) ثم ماذا عن تجهيز يسوع للدفن؟
فَأَخَذَ يُوسُفُ الْجَسَدَ وَلَفَّهُ بِكَتَّانٍ نَقِيٍّ (متى 27: 59).
فَا شْتَرَى كَتَّاناً، فَأَنْزَلَهُ وَكَفَّنَهُ بِا لْكَتَّانِ (مرقس 15: 46).
وَبَعْدَمَا مَضَى السَّبْتُ، اشْتَرَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يَعْقُوبَ وَسَالُومَةُ، حَنُوطاً لِيَأْتِينَ وَيَدْهَنَّهُ (مرقس 16: 1).
َتَبِعَتْهُ نِسَاءٌ كُنَّ قَدْ أَتَيْنَ مَعَهُ مِنَ الْجَلِيلِ، وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُ. فَرَجَعْنَ وَأَعْدَدْنَ حَنُوطاً وَأَطْيَاباً (لوقا 23: 55 ، 56).
ثُمَّ إِنَّ يُوسُفَ الّذِي مِنَ الرَّامَةِ، وَنِيقُودِيمُوسُ، لَّذِي أَتَى أَّوَلاً إِلَى يَسُوعَ لَيْلاً، وَهُوَ حَامِلٌ مَزِيجَ مُرٍّ وَعُودٍ نَحْوَ مِئَةِ مَناً. فَأَخَذَا جَسَدَ يَسُوعَ، وَلَفَّاهُ بِأَكْفَانٍ مَعَ الْأَطْيَابِ، كَمَا لِلْيَهُودِ عَادَةٌ أَنْ يُكَفِّنُوا (يوحنا 19: 38 - 40).
لماذا تُسجَّل هذه الحقائق إن لم تكن الاستعدادات للدفن قد جرت فعلاً؟
(ج) وماذا عن النسوة اللاتي راقبن يوسف الرامي ونيقوديموس يكفّنان الجسد ويضعانه في القبر؟
وَتَبِعَتْهُ,,, وَنَظَرْنَ الْقَبْرَ وَكَيْفَ وُضِعَ جَسَدُهُوتبعنه.. ونظرن القبر وكيف وُضع جسده (لوقا 23: 55).
وَكَانَتْ هُنَاكَ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى جَالِسَتَيْنِ تُجَاهَ الْقَبْرِ (متى 27: 61).
وَكَانَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ أُمُّ يُوسِي تَنْظُرَانِ أَيْنَ وُضِعَ (مرقس 15: 47).
لقد عرفت النسوة مكان القبر. هذا واضح من القصة.
(د) وكيف نتجاهل المعلومات التي وردت عن القبر؟
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرِهِ الْجَدِيدِ الّذِي كَانَ قَدْ نَحَتَهُ فِي الصَّخْرَةِ، ثُمَّ دَحْرَجَ حَجَراً كَبِيراً عَلَى بَابِ الْقَبْرِ وَمَضَى (متى 27: 60).
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ كَانَ مَنْحُوتاً فِي صَخْرَةٍ (مرقس 15: 46).
وَوَضَعَهُ فِي قَبْرٍ مَنْحُوتٍ حَيْثُ لَمْ يَكُنْ أَحَدٌ وُضِعَ قَطُّ (لوقا 23: 53).
وَفِي الْبُسْتَانِ قَبْرٌ جَدِيدٌ لَمْ يُوضَعْ فِيهِ أَحَدٌ قَطُّ (يوحنا 19: 41).
ونلاحظ ما يأتي:
متى يقول إن القبر كان خاصاً بيوسف. يوحنا يقول إنه في بستان في الموضع الذي صُلب فيه يسوع. وكلهم ما عدا مرقس يقولون إن القبر كان جديداً. ولكن يوحنا لا يذكر أن القبر كان ملكاً ليوسف.
أما السبب الذي جعل يوسف يطلب الجسد فهو قُرب قبره من مكان الصلب، وكان الاستعداد للسبت يستوجب السرعة.
لقد كان القبر محفوراً في صخر ولم يكن كهفاً طبيعياً، ولم يكن محفوراً إلى أسفل، بل أفقياً في الصخر.
(ه ) لماذا طلب اليهود من بيلاطس أن يضع حرَّاساً على القبر، إن لم يكن هناك قبر؟
وَفِي الْغَدِ الّذِي بَعْدَ الِا سْتِعْدَادِ اجْتَمَعَ رُؤَسَاءُ الْكَهَنَةِ وَالْفَرِّيسِيُّونَ إِلَى بِيلَاطُسَ قَائِلِينَ: يَا سَيِّدُ، قَدْ تَذَكَّرْنَا أَنَّ ذ لِكَ الْمُضِلَّ قَالَ وَهُوَ حَيٌّ: إِنِّي بَعْدَ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أَقُومُ. فَمُرْ بِضَبْطِ الْقَبْرِ إِلَى الْيَوْمِ الثَّالِثِ، لِئَلَّا يَأْتِيَ تَلَامِيذُهُ لَيْلاً وَيَسْرِقُوهُ، وَيَقُولُوا لِلشَّعْبِ إِنَّهُ قَامَ مِنَ الْأَمْوَاتِ، فَتَكُونَ الضَّلَالَةُ الْأَخِيرَةُ أَشَرَّ مِنَ الْأُولَى! فَقَالَ لَهُمْ بِيلَاطُسُ: عِنْدَكُمْ حُرَّاسٌ. اِذْهَبُوا وَاضْبُطُوهُ كَمَا تَعْلَمُونَ . فَمَضَوْا وَضَبَطُوا الْقَبْرَ بِا لْحُرَّاسِ وَخَتَمُوا الْحَجَرَ (متى 27: 62 - 66).
ولو أن جسد المسيح أُلقي في حفرة المجرمين ما كان هناك داعٍ لحراسة القبر.
(و) ثم ماذا عن زيارة النسوة، للقبر صباح الأحد؟
وَبَعْدَ السَّبْتِ، عِنْدَ فَجْرِ أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ، جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ وَمَرْيَمُ الْأُخْرَى لِتَنْظُرَا الْقَبْرَ (متى 28: 1).
وَبَاكِراً جِدّاً فِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ إِذْ طَلَعَتِ الشَّمْسُ (مرقس 16: 2).
ثُمَّ فِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ، أَّوَلَ الْفَجْرِ، أَتَيْنَ إِلَى الْقَبْرِ حَامِلَاتٍ الْحَنُوطَ الّذِي أَعْدَدْنَهُ، وَمَعَهُنَّ أُنَاسٌ (لوقا 24: 1).
وَفِي أَّوَلِ الْأُسْبُوعِ جَاءَتْ مَرْيَمُ الْمَجْدَلِيَّةُ إِلَى الْقَبْرِ بَاكِراً، وَالظَّلَامُ بَاقٍ. فَنَظَرَتِ الْحَجَرَ مَرْفُوعاً عَنِ الْقَبْرِ (يوحنا 20: 1).
لو أن يسوع لم يُدفن في قبر يوسف الرامي، ما كانت هناك حاجة لمجيء النسوة.
(ز) ثم ماذا نقول عن زيارة بطرس ويوحنا للقبر بعد أن سمعا أخبار النسوة؟
فَقَامَ بُطْرُسُ وَرَكَضَ إِلَى الْقَبْرِ، فَا نْحَنَى وَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً وَحْدَهَا، فَمَضَى مُتَعَجِّباً فِي نَفْسِهِ مِمَّا كَانَ (لوقا 24: 12).
فَخَرَجَ بُطْرُسُ وَالتِّلْمِيذُ الْآخَرُ وَأَتَيَا إِلَى الْقَبْرِ. وَكَانَ الِا ثْنَانِ يَرْكُضَانِ مَعاً. فَسَبَقَ التِّلْمِيذُ الْآخَرُ بُطْرُسَ وَجَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَانْحَنَى فَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَل كِنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ. ثُمَّ جَاءَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ يَتْبَعُهُ، وَدَخَلَ الْقَبْرَ وَنَظَرَ الْأَكْفَانَ مَوْضُوعَةً، وَالْمِنْدِيلَ الّذِي كَانَ عَلَى رَأْسِهِ لَيْسَ مَوْضُوعاً مَعَ الْأَكْفَانِ، بَلْ مَلْفُوفاً فِي مَوْضِعٍ وَحْدَهُ. فَحِينَئِذٍ دَخَلَ أَيْضاً التِّلْمِيذُ الْآخَرُ الّذِي جَاءَ أَّوَلاً إِلَى الْقَبْرِ، وَرَأَى فَآمَنَ (يوحنا 20: 3 - 8).
(ح) إن جوينبر ينكر ما تذكره الأناجيل الأربعة بوضوح من أن جسد يسوع وُضع في قبر يوسف الرامي، ولكنه لا يورد أدلة على إنكاره، ويجيء بكلمات من خياله، نابعة من تفكيره وفلسفته لا من التاريخ، ذلك لأنه ينكر حدوث المعجزات (3).
- عدد الزيارات: 28370