الارتقاء والتطوّر في الدين - الخاتمة
الخاتمة
في نور كل ما ذكرناه يكون مستحيلاً لأي باحث مُخْلص أن يقبل نظرية الوثائق العتيقة المهجورة. ولن يقبلها إلا الكافر متحجر القلب. وقد نلتمس العذر لجراف وولهاوزن لأن الاكتشافات والحفريات الحديثة لم تكن متوافرة لديهم. ولكن لماذا يقبلها علماء معاصرون مثل د. بوكاي؟ يقول هنري بلوتشر: إنهم يقبلونها لأنهم يشاركون ولهاوزن عداءه لكل ما هو معجزي خارق للطبيعة (20).
ولا يوجد أي برهان على صدق نظرية الوثائق. لا دليل من التاريخ ولا من الإسناد على وجود J, E وغيرهما مما يُقال إنهم أصحاب الوثائق، فلم يرَهم أحد! ويقول الأستاذ كتشن المحاضر بجامعة ليفربول:
لقد نشأت نظرية النقد الأدبي بخصوص J, E, P, D من فراغ، وهي بلا قيمة لو قارنّاها بالطريقة التي كان الناس يكتبون بها زمن الكتاب المقدس. إنها نظرية وهمية لا تتماشى مع بيئة الكتاب المقدس في الشرق الأوسط. وعندما يُعاد تقييم كتابات التوراة في ضوء المحيط الذي تصفه التوراة، سنجد أنها متناسبة مع قرائنها. أما النظريات المبنيّة على افتراضات وهمية لا يساندها الواقع القديم فهي لا بد ساقطة (21).
وقد وصل العالِم اليهودي أومبيرتو كاسوتو إلى النتيجة نفسها في كتابه نظرية الوثائق الذي خصص فيه ستة فصول للرد على أهم خمس حُجَج يستخدمها النقاد المتطرفون ليؤيدوا بها نظريتهم أن موسى لم يكتب التوراة. وقد شبَّه الحجج الخمس بخمسة أعمدة يقوم عليها البيت، ثم يقول:
لم أبرهن أن الحجج الخمس واهية، ولا أن أي واحد منها فشل في أن يسند البناء، ولكني برهنت أنها ليست أعمدة بالمرة، وأنه لا وجود لها إلا في عقول أصحابها، وأنها محض خيال (22).
ثم أن نظرية الوثائق تفترض أن كل اليهود منذ أيام موسى إلى زمن المسيح كانوا كذابين، ولم يكن فيهم واحد يخاف الله فيحتفظ بنسخة سليمة من التوراة الصحيحة. ولكن القرآن لا يوجّه مثل هذا الاتهام ليهود مكة والمدينة. وقد رأينا في الفصل الأول قسم 2 أن منهم كثيرين مخلصون في إيمانهم، وتقول سورة الأعراف 7:159 (وهي من العهد المكي المتأخر): وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ .
لقد اتّبع البعض نظرية الوثائق وصدقوا أن موسى لم يكتب التوراة لأنهم افترضوا أموراً باطلة وهم يدرسون الكتب المقدسة. فإذا درسنا الكتاب المقدس والقرآن دراسة تحليلية فلنتَّبع أسلوب الناقد العبقري كولريدج، الذي وضع القانون القائل:
عندما نجد غلطة في كتابة كاتبٍ مُجيد، فلنفترض أولاً أننا لم نفهم، قبل أن نفترض أننا فهمنا أن الكاتب جاهل! .
وقال أرسطو: لنضع الشك في مصلحة الوثيقة، ولا تأخذنا الكبرياء فنقف في صف الناقد .
- عدد الزيارات: 14229