القسم الثالث - عمانوئيل الله معنا
عمانوئيل الله معنا
في سنة 905 عقد في الأزهر اجتماع ضم الشيخ بدر الدين العلائي الحنفي والشيخ زكريا والشيخ برهان الدين بن أبي شريف، والشيخ إبراهيم المواهبي الشاذلي وجماعة وصنف الشيخ إبراهيم فيها رسالة هذا فحواها:
بحث في الاجتماع موضوع معية الله معنا فقال الشيخ برهان الدين: أن الله معنا بأسمائه وصفاته, لا بذاته فقال الشيخ إبراهيم بل هو معنا بذاته وصفاته, فقالوا له ما الدليل على ذلك فقال قوله في القرآن : والله معكم, ومعلوم أن الله علم على الذات, فيجب اعتقاد المعية الذاتية ذوقاً وعقلاً، لثبوتها نقلاً وعقلاً, وقد قال العالمة الغزنوي في شرح عقيدة النسفي، أن قول المعتزلة وجمهور النجارية أن الحق تعالى بكل مكان بعلمه وقدرته وتدبيره دون ذاته باطل, لأنه لا يلزم، أن من علم مكاناً أن يكون في ذلك المكان بالعلم فقط, إلا إن كانت صفاته تنفك عن ذاته, فقالوا له: هل وافقك غير الغزنوي في ذلك: فقال نعم,فقد ذكر شيخ الإسلام ابن اللبان في قوله: ونحن أقرب إليه منكم ولا تبصرون إن في هذه الآية دليلاً على أقربيته تعالى من عبده قرباً حقيقياً، كما يليق بذاته لتعاليمه عن المكان, إذ لو كان المراد بقربه تعالى من عبده قربه بالعلم، أو بالقدرة، أو بالتدبير مثلاً، لقال: ولكن لا تعلمون ولكن قوله لا تبصرون دل على أن المراد به القرب الحقيقي المدرك بالبصر، لو كشف الله عن بصرنا، فإن من المعلوم أن البصر لا يتعلق لإدراكه بالصفات المعنوية, وإنما يتعلق بالح
قائق المرئية, قال وكذلك القول في قوله: ونحن أقرب إليه من حبل الوريد وهو يدل أيضاً على ما قلناه، لأن أفعل من قرب، بدل على الاشتراك في اسم القرب, وإن اختلف الكيف، ولا اشتراك بين قرب الصفات وقرب حبل الوريد, لان قرب الصفات معنوي، وقرب حبل الوريد حسي، ففي نسبة أقربيته تعالى إلى الإنسان من حبل الوريد, الذي هو حقيقي، دليل على أن قربه تعالى حقيقي، أي بالذات اللازم لها الصفات,
وقال الشيثخ إبراهيم: وبما قررناه لكم، انتفى أن يكون المراد قربه تعالى منا بصفاته دون ذاته, وأن الحق الصريح هو قربه منا بالذات أيضاً، إذ أن الصفات لا تعقل مجردة عن الذات المتعالي كما مر,
فدخل عليهم الشيخ العارف بالله تعالى سيدي محمد المغربي الشاذلي شيخ الجلال السيوطي، فقال: ما جمعكم هنا، فذكروا المسألة فقال: تريدون علم هذا الأمر ذوقاً أو سماعاً، فقالوا: سماعاً: فقال: معية الله أزلية، ليس لها ابتداء, وكانت كل الأشياء ثابتة في علمه أزلاً يقيناً بلا بداية, لأنها متعلقة به تعلقاً يستحيل عليه العدم لاستحالة وجود علمه الواجب وجوده بغير معلوم واستحالة طريان تعلقه بها لم يلزم عليه من حدوث علمه تعالى بعد أن لم يكن، وكما أن معيته تعالى أزلية، كذلك هي أبدية ليس لها انتهاء, فهو تعالى معها بعد حدوثها من العدم عيناً, فأدهش الحاضرين بما قال لهم, فقال لهم: اعتمدوا ما قررته لكم في المعية, اعتمدوه ودعوا ما ينافيه تكونوا منزهين لولاكم حق التنزيه، ومخلصين لعقولكم من شبهات التشبيه, وإن أراد أحدكم أن يعرف هذه المسألة ذوقاً فليسلم قياده لي, أخرجه من ثيابه وظائفه وماله وأولاده وأدخله الخلوة وأمنعه النوم وكل الشهوات, وأنا أضمن له وصوله إلى علم هذه المسألة ذوقاً وكشفاً, قال الشيخ إبراهيم فما تجرأ أحد أن يدخل معه في ذلك العهد، ثم قام الجماعة فقبلوا يده,
فأقوال هؤلاء العلماء الأفاضل عن معية الله ظاهرة وفحواها أن حقيقة المعية هي مصاحبة شيء لآخر، سواء كانا واجبين كذات الله مع صفاته, أو جائزين كالإنسان مع مثله, أو واجباً وجائزاً وهو معية الله تعالى لخلقه بذاته وصفاته المفهومة من قول القرآن: والله معكم ومن نحوان الله مع المحسنين أو من قول الكتاب المقدس: هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيلَ ـ ا لَّذِي تَفْسِيرُهُ: اللّهُ مَعَنَا ـ ـ متى 1: 23 ـ أو من قول المسيح: وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الْأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ ـ متى 28: 20 ـ وإذا تقرر ذلك, أقول أن حلول اللاهوت في الناسوت جائز، فليس كمعية الواجب للجائز, بل هو أسمى بما لا يقاس, وإنما أوردت المعية لتوضيح هذه المسألة وتقريبها لعقولنا, فإن الإسلام يعترف بمعية الله لخلقه بذاته وصفاته وهو أمر فوق عقل البشر فكيف يحتج عامة المسلمين على اعتقاد المسيحيين بتجسد الكلمة؟
8 - إن كان غفران خطية آدم يحتاج إلى مثل هذه المسرحية المضحكة المبكية, فما الذي يحتاج إليه غفران خطايا العباد من آدم حتى قيام الساعة؟
قلت في ما تقدم أن ذبيحة المسيح رفعت خطية العالم فلا لزوم للتكرار,
أما عن مسرحيتك المضحكة المبكية, فإنك لواجدها في الزعم القائل أن الله القى شبه المسيح على شخص تضاربت آراء علماء الإسلام حول هويته, وهذا الشخص هو الذي صُلب,
أ - قالوا أنه تيطاوس اليهودي, الذي دخل بيتاً ليعتقل المسيح فلم يجده, وألقى الله عليه شبه المسيح فلما خرج ظنه اليهود أنه المسيح فصلبوه,
ب - قالوا أن اليهود لما اعتقلوا المسيح, أقاموا عليه حارساً فألقى المسيح شبهه على الحارس وصعد إلى السماء فأُخذ الحارس وصُلب مكانه, وهو يصرخ أنا لست المسيح,
ج - قالوا وعد عيسى أحد أصحابه بالجنة فتطوع للموت عنه فألقى الله عليه شبه عيسى, فأُخرج وصُلب أما عيسى فرُفع إلى السماء,
د - نافق أحد تابعي عيسى ـ يهوذا ـ وجاء مع اليهود ليدلهم عليه, فلما دخل لأخذه ألقى الله عليه شبه عيسى فأُخذ وقُتل وصُلب,
وقد سرد الإمام أبو جعفر الطبري في كتابه جامع البيان عدة روايات عن الشبه المزعوم منها:
ـ 1 ـ إن بعضهم قال: لما أحاطت اليهود بعيسى وبأصحابه, حُولوا جميعاً إلى شبه عيسى فأشكل الأمر على الذين كانوا يريدون قتل عيسى, وخرج إليهم بعض من كان في البيت فقتلوه وهم يحسبونه عيسى ـ مروية عن سلمة .
ـ 2 ـ مروية عن ابن حمية، عن يعقوب العتمي، عن وهب بن منبه، قال: أتى عيسى ومعه سبعة عشر من الحواريي فجاء اليهود وأحاطوا بهم, فلما دخلوا، صورهم الله على صورة عيسى, فقالوا لهم سحرتمونا، لتبرزن لنا عيسى أو لنقتلنكم جميعاً, فقال عيسى لأصحابه: من منكم يشتري نفسه اليوم بالجنة, فقال رجل منهم أنا, فخرج إليهم فقال: أنا عيسى فأخذوه فقتلوه وصلبوه,
ـ 3 ـ مروية عن محمد بن الحسين، عن السدي، قال أن بني إسرائيل حصروا عيسى وتسعة عشر رجلاً من الحواريين في بيت, فقال عيسى لأصحابه: من يأخذ صورتي فيُقتل وله الجنة, وفأخذها رجل منهم، وصعد عيسى إلى السماء, أما الرجل الذي أخذ الصورة فقُتل وصُلب,
ـ 4 ـ مروية عن ابن اسحاق، قال: أرسل ملك بني إسرائيل واسمه داود رجلاً ليقتل عيسى، فذهب مع عصبة ليقوم بالمهمة وكان مع ثلاثة عشر من أصحابه, فلما أيقن عيسى أنهم داخلون عليه ألقى شبهه على أحدهم فأمسكوه وصلبوه,
فأيا كان الذي ألقي عليه الشبه يهوذا ام غيره، فهنا المسرحية المضحكة المبكية, إذ فيها اتهام الله سبحانه بأنه لبس على البشر وسلم مسكيناً للقتل والصلب, ولكن حاشا لله أن يخدع أحداً,
لا يخدع الله قوماً يؤمنون به
فتلك خدعة إنسان لإنسان
9 - لماذا أجل الفداء إلى زمن المسيح وما حكم من ماتوا قبل الفداء به؟
من المسلم به أن الله في مشورته, عين زمان ومكان وذبيحة الفداء, وهذا ينفي كلمة تأجيل التي جاءت في سؤالك,
صحيح أن الأرض وقعت تحت اللعنة, بسبب سقوط آدم, إلا أن الله قد قضى بأن اللعنة يجب أن تأخذ مفعولها قبل إصلاح كل شيء بالمسيح الآتي, وذلك بواسطة خراب عمومي تتغير به هيئة الأرض، لكي تظهر نتائج السقوط الردية قبل حصول الإصلاح,
وأيضاً مجيء المسيح لم يكن مناسباً قبل مجيء موسى لأن الناس لم يكونوا بوجه العموم قد زاغوا كلياً عن الله أي لم يكونوا بأجمعهم واقعين في ظلمة الأوثان,
وربما كان من جملة الأسباب لعدم مجيء المسيح قبل الطوفان أو بعده مباشرة, أن الله أراد أن تمتلئ الأرض من البشر, تمشياً مع وصيته لآدم ـ تكوين 1: 28 .
ولم يكن مجيئه مناسباً قبل سبي بابل، لأن مملكة الشيطان لم تكن يومئذ قد بلغت أوج عظمتها فممالك الوثنيين, كانت صغيرة قبل السبي, فاستحسن الله أن يأتي المسيح في زمان أكبر مملكة وثنية عرفها التاريخ, وهي مملكة الرومان, التي كانت هي مملكة الشيطان المنظورة في هذا العالم، فيكون المسيح بغلبته على هذه المملكة، قد غلب مملكة الشيطان وهي في أبان عزها وقمة مجدها,
المهم أن الكلمة الذي كان في البدء عند الله, وكان الكلمة الله قد جاء في ملء الزمان ليصير في عمانوئيل الله معنا ليفتدينا, فتراه الأعين وتسمعه الآذان وتلمسه الأيدي، وترى الأعين مَجْدَهُ، مَجْداً كَمَا لِوَحِيدٍ مِنَ الْآبِ، مَمْلُوءاً نِعْمَةً وَحَقّاً والمؤمنون به أخذنا من ملئه، ونعمة فوق نعمة وكان الكلمة المتجسد هو الذروة العليا للمظاهر التي أعلن الله بها ذاته للبشر, فيه لم تعلن قوة الله وعظمته فقط، بل أعلن للبشر قلب الله الحنون ورحمته وعطفه ومحبته,
نعم، هكذا صارت المشيئة الإلهية، أن ينتظر العالم حقبة من طويلة من الزمن، قبل أن يبزغ نور إعلان الفداء بعمانوئيل الذي تفسيره الله معنا, ولكن الله خلال هذه المدة كان يعني جد العناية بهذا العالم البائس,
ويخبرنا التاريخ أنه عند تجسد المسيح، كان في العالم ثلاثة شعوب, هي صاحبة النفوذ في ذلك العصر: اليونان والرومان واليهود, كان اليوناني مثقفاً مصقولاً، والروماني قوياً متسلطاً، واليهودي متمسكاً بناموس الله, وهذه الشعوب الثلاثة تعاونت دون أن تدري على إعداد الطريق لمجيء المسيح، مما يجعلنا نعتقد بأن هذا التعاون العفوي الذي تم هو من تدبير العناية الإلهية، لإعداد طريق الآتي باسم الرب,
وقبل كل شيء نرى أنه استخدم الرومان لإعداد الطريق, بتوحيد أجزاء العالم المتمدن، وإشاعة الأمن في رحابه، بعد أن كانت عصابات السلب والنهب تعبث فيه فساداً حتى أنه كان قبل ذلك متعذراً على أية دعوة تنبعث عن الديار المقدسة أن تتعدى تخوم تلك الديار الصغيرة,
وكذلك اليونانيون قاموا بنصيبهم وهم لا يدرون بإعداد طريق المسيح, وذلك بتقديم لغتهم اليونانية الجميلة اللينة، التي كانت آنئذ اللغة الرئيسية والرسمية في الأمبراطورية, فبهذه اللغة كانت أداة طيبة لنشر رسالة الإنجيل في كل ربوع العالم المتمدن,
وأما اليهود الذين تشتتوا في كل أصقاع العالم، فقد حملوا معهم أسفارهم المقدسة لأن موسى أوصاهم بأن يقرأوها في المجامع كل سبت, وكان من أهم عوامل الاتصال بين هذه الشعوب أن الكتاب المقدس تُرجم إلى اللغة اليونانية، مما أتاح للعالم الوثني أن يطلع على النبوات الخاصة بالمسيح المنتظر، وبالتالي أن يستعد لقبوله, وأنه لغريب حقاً أن تتحد هذه الشعوب لإعداد طريق الرب وهي لا تدري,
ولعل أغرب ما في الأمر كله، هو الانتظار الحار، الذي كان عليه الشعب اليهودي قبل مجيء المسيح ويعزو الباحثون هذا الانتظار إلى انقطاع الوحي عنهم خلال خمسة قرون وكان من البديهي أن ينسى الناس وتضعف الآمال المرتقبة ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث بل كان شوق الناس إلى مشتهى كل الأمم يزداد كل يوم,
ومما لا ريب فيه أن الأمم الذين اطلعوا على الكتابات المقدسة شاركوا اليهود في النتظارهم ولنا دليل على ذلك في مجيء المجوس من الشرق الى الديار المقدسة للسجود لطفل المذود يسوع,
ومما يجدر ذكره هو أنه عند تجسد الكلمة في مذود بيت لحم, حدثت أمور مهمة جداً أعادت الرجاء إلى قلوب منتظري الرب منها:
أ - رجوع روح النبوة والوحي الذي كان قد احتجب بعد ملاخي النبي، حيث توقفت الرؤى والوحي أما وقد جاء ملهم الأنبياء, فقد أعطيت من جديد فظهر هذا الروح أولاً في الوحي إلى زكريا الكاهن, فأليصابات، فمريم العذراء، فيوسف، فسمعان الشيخ، فحنة النبية، فيوحنا المعمدان,
ب - الفرح العظيم الذي عم السماء والأرض, وأعربت عنه أجواق الملائكة حين حيوا الأرض بنشيد قائلين: الْمَجْدُ للّه فِي الْأَعَالِي، وَعَلَى الْأَرْضِ السَّلَامُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ ـ لوقا 2: 14 ـ فأهل السماء والأرض كانوا يرقبون تجسد الكلمة لأنهم اطلعوا على مواعيد الله المتعلقة بالفداء الذي أعده تعالى,
ج - دخول يسوع الطفل إلى الهيكل, فتم ما قبل بالنبي القائل: وَيَأْتِي مُشْتَهَى كُلِّ الْأُمَمِ، فَأَمْلَأُ هَذَا الْبَيْتَ مَجْداً قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. لِي الْفِضَّةُ وَلِي الذَّهَبُ يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ. مَجْدُ هَذَا الْبَيْتِ الْأَخِيرِ يَكُونُ أَعْظَمَ مِنْ مَجْدِ الْأَّوَلِ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ. وَفِي هَذَا الْمَكَانِ أُعْطِي السَّلَامَ، يَقُولُ رَبُّ الْجُنُودِ ـ حجي 2: 7-9 .
10 - لقد عرف التثليث قبل النصرانية في عبادات الوثنيين في فارس، واليونان، والرومان، والهند، والصين, فما السر في ذلك؟
يوجد بون شاسع وفرق بعيد بين العقيدة المسيحية وعقائد الوثنيين, فالمصريون القدماء، كانوا يؤمنون بثالوث ممثل في أزوريس، وإيزيس، وهو ريس, ولكن هؤلاء لم يكونوا إلهاً واحداً بل كانوا ثلاثة آلهة,
وكذلك الهنود, آمنوا بأن جوهر إلهي بسيط غير شاعر بنفسه، خال من الصفات صدر منه ثلاثة آلهة تنوب عنه، وتفوق غيرها من الآلهة مقاماً, واسم الأول براهمة، وهو الخالق وأصل كل شيء, واسم الثاني وشنو، وهو الحافظ لكل شيء, واسم الثالث شيوا، وهو المخرب وهم أيضاً ثلاثة آلهة,
أما الفرس فقد آمنوا بوجود إلهين عظيمين، اسم الأول أرومازاد، وهو إله الخير, واسم الثاني أهرمان، وهو إله الشر وقالوا أن كل ما هو خير وروحي يرجع إلى إله الخير، وكل ما هو شرير ومادي يرجع إلى إله الشر, وإذا رأوا أن الصراع بين الخير والشر صراع دائم مستمر قائم، التزموا أن يقولوا أن هذين الإلهين أزليان متساويان، ولا يمكن لأحدهما أن يتغلب على الآخر,
على أي حال فالثالوث المسيحي، لا يمت بآية صلة إلى هذه المعتقدات الوثنية وليس في وجودها, ما يبطل حقيقته مثله كاسم الجلالة الله فمع أنه عرف عند العرب الوثنيين قبل الإسلام، إلا أن هذا الواقع لم يجد الإسلام فيه ما يشكل طعناً في القرآن فقد ذكره شعراء الجاهلية في قصائدهم منهم:
لبيد إذ قال:
لعمرك لا تدري الضوار بالحصى ---- ولا زاجرت الطير ما الله صانع
النابغة الذبياني إذ قال:
لهم شيمة لم يعطها الله غيرهم ---- من الجود والأخلاق غير موارب
وقال أيضاً:
ألم تر أن الله أعطاك صورة ---- ترى كل ملك جونها يتذبذب
وهل يقل فضل القرآن في كونه جعل الطواف بالصفا والمروة من شعائر الله، مع العلم أنه في الصفا والمروة كانت تقام عبادة الصنمين أساف ونائلي قبل الإسلام,
وكذلك الحج والعمرة والوقوف في عرفه, والمزدلفة ورمي الجمار, وتقبيل الحجر الأسود, كانت من شعائر العرب الوثنيين قبل الإسلام,
وما قولك في أن لقصة الإسراء والمعراج مثيلاً في كتب الزرادشتية الدينية, وهل يضر الإسلام في شيء في كون اليهودية سبقته إلى عقيدة التوحيد,
11 - الحواريون الذين عاصروا المسيح وناصروه، لم يقبت أن عبدوا المسيح، واعتقدوا بألوهيته، فهل أنتم أعلم به من الحواريين؟
يخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع قبيل صعوده إلى السماء جمع تلاميذه وقال لهم: هذَا هُوَ الْكَلَامُ الَّذِي كَلَّمْتُكُمْ بِهِ وَأَنَا بَعْدُ مَعَكُمْ، أَنَّهُ لَا بُدَّ أَنْ يَتِمَّ جَمِيعُ مَا هُوَ مَكْتُوبٌ عَنِّي فِي نَامُوسِ مُوسَى وَالْأَنْبِيَاءِ وَالْمَزَامِيرِ . حِينَئِذٍ فَتَحَ ذِهْنَهُمْ لِيَفْهَمُوا الْكُتُبَ. وَقَالَ لَهُمْ: هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ الْمَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الْأَمْوَاتِ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَنْ يُكْرَزَ بِاسْمِهِ بِالتَّوْبَةِ وَمَغْفِرَةِ الْخَطَايَا لِجَمِيعِ الْأُمَمِ، مُبْتَدَأً مِنْ أُورُشَلِيمَ. وَأَنْتُمْ شُهُودٌ لِذ لِكَ. وَهَا أَنَا أُرْسِلُ إِلَيْكُمْ مَوْعِدَ أَبِي. فَأَقِيمُوا فِي مَدِينَةِ أُورُشَلِيمَ إِلَى أَنْ تُلْبَسُوا قُّوَةً مِنَ الْأَعَالِي . وَأَخْرَجَهُمْ خَارِجاً إِلَى بَيْتِ عَنْيَا، وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ. فَسَجَدُوا لَهُ وَرَجَعُوا إِلَى أُورُشَلِيمَ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ، وَكَانُوا كُلَّ حِينٍ فِي الْهَيْكَلِ يُسَبِّحُونَ وَيُبَارِكُونَ اللّهَ. آمِينَ ـ لوقا 24: 44-53 .
فهذه الآيات التي اختتم بها الإنجيل بحسب لوقا تبين أن الحواريين في ساعة وداع معلمهم تعبدوا للمسيح كجماعة, أما كفرادي ففي الكتاب المقدس عدة شهادات للحواريين تدل على أنهم كانوا يعتقدون بألوهيته منها:
أ - شهادة يوحنا الإنجيلي: إذ قال: فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، والْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ. هذا كَانَ فِي الْبَدْءِ عِنْدَ اللّهِ. كُلُّ شَيْءٍ بِهِ كَانَ، وَبِغَيْرِهِ لَمْ يَكُنْ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ. فِيهِ كَانَتِ الْحَيَاةُ، والْحَيَاةُ كَانَتْ نُورَ النَّاسِ ـ يوحنا 1: 1-4 .
أَنَا هُوَ الْأَلِفُ والْيَاءُ، الْبَِدَايَةُ والنِّهَايَةُ، يَقُولُ الرَّبُّ الْكَائِنُ والَّذِي كَانَ والَّذِي يَأْتِي ـ رؤيا 1: 8 .
ب - شهادة توما، يخبرنا الإنجيل: وَبَعْدَ ثَمَانِيَةِ أَيَّامٍ كَانَ تَلَامِيذُهُ أَيْضاً دَاخِلاً وَتُومَا مَعَهُمْ. فَجَاءَ يَسُوعُ والْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الْوَسَطِ وَقَالَ: سَلَامٌ لَكُمْ . ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً . أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلهِي ـ يوحنا 20: 26-28 .
ج - شهادة بطرس, ـ 1 ـ قال يسوع لتلاميذه الاثني عشر: أَلَعَلَّكُمْ أَنْتُمْ أَيْضاً تُرِيدُونَ أَنْ تَمْضُوا؟ فَأَجَابَهُ سِمْعَانُ بُطْرُسُ: يَا رَبُّ، إِلَى مَنْ نَذْهَبُ؟ كَلَامُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ عِنْدَكَ ـ يوحنا 6: 27-28 .
سأل يسوع سمعان بطرس: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ ـ يوحنا 21: 17 .
د - شهادة الرسول بولس: وَمِنْهُمُ الْمَسِيحُ حَسَبَ الْجَسَدِ، الْكَائِنُ عَلَى الْكُلِّ إِلهاً مُبَارَكاً إِلَى الْأَبَدِ. آمِينَ ـ رومية 9: 4 .
12 - التوراة تنص على أن كل من علق على خشبة فهو ملعون وأنتم تصرون على أن المسيح عُلق على خشبة الصليب,,, وتتباهون بتعليق الصليب على صدوركم، ونحن نصر على تنزيه المسيح من تخريصاتكم، فمتى نتفق؟
أ - نص التوراة صحيح ويسوع المسيح عُلق على خشبة الصليب كفاد تحمل لعنة الله الآب بدل عنا وفعل ذلك لكي يزيل حكم اللعنة عن البشر، الذين لم يثبتوا في جميع ما هو مكتوب في كتاب الناموس,
ب - إن كان أحد مدعواً مسيحياً ويُعلق الصليب في عنقه تباهياً, فذلك لا يعنينا بشيء وهو ليس من مدلولات الإيمان الحقيقي أما بالنسبة لكل مسيحي حقيقي فإنه يتذكير ما قاله الرسول المغبوط بولس: وَأَمَّا مِنْ جِهَتِي، فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلَّا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، الَّذِي بِهِ قَدْ صُلِبَ الْعَالَمُ لِي وَأَنَا لِلْعَالَمِ ـ غلاطية 6: 14 . وطبعاً ليس المقصود به الصليب الذي يعلق على الصدور بل الأفتخار بصليب المسيح وما عمله المسيح على الصليب من فداء وتمجيد لله
ج - كلا، لسنا بمخرصين فموت المسيح الفدائي حقيقة تستند على النبوات وشهادة الرسل الذين شهدوا موته وعاينوا قيامته وكذلك التاريخ شاهد لهذه الحقيقة, وإذا ما تأملنا في كتابات الرسل الموحى بها، نرى أن الإنجيل الذي بشروا به منذ فجر المسيحية, وقبله الناس وبه خلصوا، إنما كان الخبر السار، الذي لخصه بولس رسول الأمم بهذه العبارات الصريحة: وَأُعَرِّفُكُمْ أَيُّهَا الْإِخْوَةُ بِالْإِنْجِيلِ الَّذِي بَشَّرْتُكُمْ بِهِ، وَقَبِلْتُمُوهُ، وَتَقُومُونَ فِيهِ، وَبِهِ أَيْضاً تَخْلُصُونَ، إِنْ كُنْتُمْ تَذْكُرُونَ أَيُّ كَلَامٍ بَشَّرْتُكُمْ بِهِ. إِلَّا إِذَا كُنْتُمْ قَدْ آمَنْتُمْ عَبَثاً! فَإِنَّنِي سَلَّمْتُ إِلَيْكُمْ فِي الْأَّوَلِ مَا قَبِلْتُهُ أَنَا أَيْضاً: أَنَّ الْمَسِيحَ مَاتَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا حَسَبَ الْكُتُبِ، وَأَنَّهُ دُفِنَ، وَأَنَّهُ قَامَ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ حَسَبَ الْكُتُبِ ـ 1 كورنثوس 15: 1-6 . ومع ذلك فبعد مرور ما يربوا على الخمسماية سنة على انتشار هذا الإنجيل في كل العالم، جاء من يعترض على هذه الحقيقة لكأنه يقول للمسيحيين، أنتم على خطأ في دينكم,
لقد دار في خلدي أن أقوم والسائل الكريم بجولة في موضوع الصليب مستعرضاً أقوال الأنبياء ورسل المسيح وإعلانات المسيح نفسه, وما كتبه المؤرخون وشهود العيان ولكن لا لزوم لذلك، لأن العالم السماوي بكتبه الموحى بها، والعالم الأرضي بسجلاته التاريخية يشهدان بذلك:
وليس يصح في الأذهان شيء ---- متى احتاج النهار إلى دليل
د - أما عن القسم الأخير من سؤالك فأقول: يخبرنا الإنجيل أن الرب يسوع حين وجه دعوته إلى اليهود قال: مَنْ يُقْبِلْ إِلَيَّ لَا أُخْرِجْهُ خَارِجاً ـ يوحنا 6: 37 . وقال أيضاً: أَنَا هُوَ الْقِيَامَةُ والْحَيَاةُ. مَنْ آمَنَ بِي وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا ـ يوحنا 11: 25 .
فالإقبال إلى يسوع معناه قبوله مخلصاً شخصياً بالفداء الذي أكمله بذبيحته الكفارية على الصليب, والإيمان بيسوع يشمل الإيمان بلاهوته,فإذا أردتم أن نتفق فعلاً، فهلم نردد معاً التسبيحة التي أطلقها سكان أورشليم حين جاءهم يسوع في موكب رئيس السلام: مبارك الآتي باسم الرب وحينئذ نشارك معاً جماهير المفديين في ترنيمة الفداء قائلين الَّذِي أَحَبَّنَا، وَقَدْ غَسَّلَنَا مِنْ خَطَايَانَا بِدَمِهِ، وَجَعَلَنَا مُلُوكاً وَكَهَنَةً لِلّهِ أَبِيهِ، لَهُ الْمَجْدُ والسُّلْطَانُ إِلَى أَبَدِ الْآبِدِينَ. آمِينَ ـ رؤيا 1: 5 و6 ـ
- عدد الزيارات: 14547