Skip to main content

مباحث المجتهدين

المبحث الرابع

تمهيد

صرّحت الشريعة الإسلامية وكذلك الشريعة المدنية أن عقاب الخطيئة أو الجرم يكون عظيماً أو زهيداً بالنسبة إلى الشخص الذي نخطئ إليه. فإذا شتم التلميذ رفيقه في المدرسة يُعاقب عقاباً جزئياً ،وإذا شتم مدرّسه يُطرد من المدرسة. وإذا شتم الرجل صاحبه يُحسب ذنبه مخالفة في عرف المشترعين ،وإذا شتم الرجل الحاكم فله قصاص أعظم ،ولكنه إذا شتم الملك فلا بد من أن له عقاباً أعظم مما سبق. أما إذا أخطأ إلى الله غير المتناهي في العظمة والقداسة فماذا يكون عقابه؟ لا شك أنه يكون عذاباً أليماً غير متناه أبدياً.

ولما كان الله عادلاً فهو لا يترك مثقال ذرة ،لذلك وجب علينا أن نسلم أن كل الخاطئين إلى الله إِذِ الجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ - رومية 3 :23 - لا بد أن يقيموا في النار مخلدين عقاباً لهم. فإذا تم هذا فأين رحمة الله؟ وإذا رحم الله هؤلاء الخطاة وغفر لهم ولم يعذبهم ،فأين عدله ،لذلك دبر هو وسيلة للتوفيق بين عدله ورحمته.


 

الفصل الأول

والجواب على هذا التوفيق : أن آدم عصى ربه - أي أخطأ - فطُرد من الجنة - تكوين 3 - وصداه في - سورة البقرة 2 :36 - فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ واستحق الموت الأبدي ،وتولدت فيه الشهوات الرديئة ،وتأصل الميل فيه إلى فعل المنكر. فورث بنوه هذا الميل وساروا في خطية أبيهم فامتلأت الأرض شراً وتحتم الهلاك على كل بشر إتماماً لعدل الله ،إذ لم يكن لهم من سبيل لإصلاح هذا النقص والرجوع إلى الحالة الأصلية : حال الطهارة والقداسة اللائقة بالجنة التي لا يدخلها إلا المطهرون. والله لا يمكن أن يحيد عن القانون الذي سنَّه لأنه عادل ،والعدل يقضي أن الخاطئ يموت وأن الشريعة تجري مجراها اَلنَّفْسُ التِي تُخْطِئُ هِيَ تَمُوتُ. اَلاِبْنُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الأَبِ والأَبُ لَا يَحْمِلُ مِنْ إِثْمِ الا ِبْنِ. بِرُّ البَارِّ عَلَيْهِ يَكُونُ وَشَرُّ الشِّرِّيرِ عَلَيْهِ يَكُونُ - حزقيال 18 :20 - وإذا كان المشترع لا يعمل بما سنه ،فقُلْ على العدالة السلام.

وكما أن الله عادل هو رحيم أيضاً. والعدل والرحمة من صفات الله الأساسية ،ولا يمكن اجتماعهما في غير الله. والفداء الذي أكمله المسيح على الصليب وليس آخر كفيل ببيان اجتماعهما في الله.

فالعدل لغوياً ضد الجور ،ويعني الإنصاف والتقويم والمجازاة. والرحمة لغوياً رقة القلب والتفضل والإحسان والمغفرة. وقيل هي ترك عقوبة من يستحق العقوبة.

ولما كان الله رحيماً أحب أن يرحم الإنسان ويخلصه من عذاب النار - ولكن دون مخالفة العدل - لذلك دبّر منذ البدء عمل الفداء ،مبتدئاً أولاً بالذبائح الدموية التي مدار أكثر الشريعة الموسوية عليها. فقدم أولاد آدم الذبائح قبل نزول الشريعة كتابة ،وهكذا الذين بعدهم ،إلى أن نزلت الشريعة على موسى الكليم ففصَّلت الأمر تفصيلاً. حيث ترى أن الله لكي يفهم الناس نجاسة الخطيئة وعقابها الأليم شرع يعلمهم كأطفال ،فقسم الحيوانات إلى طاهرة ونجسة وعلمهم أن بِدُونِ سَفْكِ دَمٍ لَا تَحْصُلُ مَغْفِرَةٌ - عبرانيين 9 :22 - لذلك أمر الخاطئ أن يقدم ذبيحة عن خطيئته من الحيوانات الطاهرة التي لا عيب فيها ،يذبحها ويضعها على النار كي يتذكر أن الخاطئ يستحق الذبح والموت ،ولكنه بواسطة ذبيحة الفدية ينال المغفرة. وكل هذه الذبائح كانت تشير إلى ذبيحة المسيح العظمى ،لأن الذبيحة بنفسها لا يمكن أن تفدي الإنسان إذ لا تساويه قيمة.

ولما حان ملء الزمان أرسل الله كلمته المسيح فاتخذ الجسد الإنساني وصار إنساناً مثلنا ،وشاركنا في أمور كثيرة ،إلا أنه لم يرتكب ذنباً ولم يكن في فمه غش - أنظر مبحث عصمة المسيح في هذا الكتاب - وهذا الكلمة المسيح قدَّم نفسه على الصليب ضحية وفدية عن أنفس البشر ،ووفىّ العدل الإلهي حقه إذ قبل الله هذه الكفارة كأنها مساوية لأنفس كل البشر ،ووفق بين عدل الله ورحمته وتم قول داود النبي ا لرَّحْمَةُ والحَقُّ التَقَيَا. البِرُّ والسَّلَامُ تَلَاثَمَا - مزمور 85 :10 - وحصل على هذا الخلاص كل من آمن بالمسيح مصلوباً ،ويحصل عليه كل من يؤمن به هذا الإيمان ،بشرط أن يسلك حسب أوامر الله المدونة في التوراة والإنجيل. فالمسيح صُلب كإنسان وليس كإله ،كما يتوهم بعض إخواننا المسلمين لذلك يعترضون اعتراضات جمة قبل أن يفهموا معتقد المسيحيين في هذا الأمر. وأراني غير محتاج أن أبين تفصيلاً اعتبار الذبائح الدموية في الديانة الإسلامية كما هي في الأديان الأخرى ،وإنها واسطة للحصول على مغفرة الخطايا والقبول عند الله. والمسلمون قاطبة يعلمون أن ذبحهم للخرفان في عيد الأضحى ليس لأجل الأكل ،بل يحسبونه كفارة بقصد الحصول على كرم الله وإنعامه ،كما أن الكبش الذي ضحاه إبراهيم كان عوضاً عن ابنه وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ - سورة الصافات 37 :107 - هكذا تعتبر كل ضحية عوضاً عن مقدمها وواسطة للحصول على العفو. ومحمد نفسه كان يعتبر دم الذبائح واسطة للتكفير عن الخطايا والعفو ،كما نعرف من الحديث الآتي : قوله لابنته فاطمة :كوني حاضرة يا فاطمة عند رأس الذبيح ،لأنه عند سقوط أول قطرة من دمه على الأرض تُغفر لك خطاياك . واستناداً إلى حديث آخر يسند إلى محمد أيضاً ،يعتقد المسلمون أنهم سيركبون يوم الدين الذبائح التي قدموها في حياتهم ويعبرون الصراط المستقيم إلى الجنة. وهذه الذبائح لا تساوي الأنفس التي قدمت لأجلها ،بل الحيوانات بأجمعها لا تساوي نفساً واحدة ناطقة ،وهي غير كافية للتكفير ،بل هي رمز إلى ذبيحة المسيح العظيمة التي ترى خبر تعيينها في التوراة ،وخبر تقديمها على الصليب في الإنجيل. الذبيحة التي اعتبرها الله مساوية لأنفس الناس أجمعين...

لِأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللّه العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ ،لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ

إنجيل يوحنا 3 :16 -


 

الفصل الثاني

 

نعم. لا يصلح غير المسيح لهذه المهمة لأسباب :

الأول : لأن الذبيحة يجب أن تكون طاهرة لا عيب فيها.

الثاني : يجب أن تكون الذبيحة ثمينة بهذا المقدار حتى تساوي الأنفس المطلوب افتداؤها.

الثالث : أن تكون من نوع الإنسان.

الرابع : أن يكون لها وجاهة عند الله لتصلح أن تكون حلقة الاتصال بين الله والناس.

وإذا فحصت البشر طراً لا تجد من تنطبق عليه هذه الشروط إلا المسيح ،وذلك لأن الجميع أخطأوا حتى الأنبياء ،واحتاجوا إلى من يفديهم. وليس لأحد القيمة المطلوبة عند الله ،وليس لأحد وجاهة أصلية كالمسيح كلمة الله.

إن نفسي يا طبيبي ------- في فساد وشقاء

فامنحنها بالصليب ------- من أياديك الشفاء

يا وسيط الصلح إني ------- مستجير بالصليب

قدم الطلبة عني ------- لأبيك المستجيب


 

الفصل الثالث

 

إذا سألت المسلم : لماذا لا تصدِّق أن المسيح صُلب فعلاً؟ أجابك : لأنه نبي من الأنبياء أولي العزم ،والله لا يمكن أن يسلم نبيه الكريم ليد اليهود الأشرار كي يميتوه على الصليب شرّ ميتة. ولكن المسلم نسي شيئاً في قرآنه أن الله قد سمح بمثل هذا كما جاء في سورة النساء 4 :155 فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ .

وفي سورة البقرة 2 :87 أَفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لَا تَهْوَى أَنْفُسُكُمُ ا سْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ؟ حتى أن محمداً نفسه أقر بأنه مات بدس السم بخيانة امرأة يهودية - كما ترى في تاريخ المغازي والسير لمحمد بن اسحاق وفي الأحاديث - . وزد على ذلك أن التوراة والزبور والإنجيل قد صرحت أن صلب المسيح اختياري كما عيَّن الله منذ البدء. والمسيح نفسه قال صريحاً إن القصد من مجيئه إتمام عمل الفداء. أي لكي يقدم نفسه ضحية على الصليب. ولما قال له أحد الحواريين :حاشا لك يا رب من الصلب وبّخه قائلاً : أَنْتَ مَعْثَرَةٌ لِي ،لِأَنَّكَ لَا تَهْتَمُّ بِمَا لِلّهِ ل كِنْ بِمَا لِلنَّاسِ - متى 16 :23 - ولما أراد أحد تلاميذه أن يدافع عنه عندما جاء اليهود ليمسكوه قال له : رُدَّ سَيْفَكَ إِلَى مَكَانِهِ... أَتَظُنُّ أَنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الآنَ أَنْ أَطْلُبَ إِلَى أَبِي فَيُقَدِّمَ لِي أَكْثَرَ مِنِ ا ثْنَيْ عَشَرَ جَيْشاً مِنَ المَلَائِكَةِ؟ فَكَيْفَ تُكَمَّلُ الكُتُبُ : أَنَّهُ ه كَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُون - متى 26 :52 54 - .

يقول بعض إخواننا المسلمين. كيف يعاقب الله المسيح بالصلب لأجل خطايا الآخرين؟ وقد ورد في - 2 مل 14 :6 - لَا يُقْتَلُ الآبَاءُ مِنْ أَجْلِ البَنِينَ ،والْبَنُونَ لَا يُقْتَلُونَ مِنْ أَجْلِ الآبَاءِ قلت إن الله لم يحكم على المسيح بالقتل لأجل خطايا الناس ،بل إن المسيح حباً لنا تبرع وقدم نفسه عنا. وهذا أقصى درجات الحب ،فاستحق التعظيم. نعم إن القاضي لا يحكم عليّ بوفاء دين الآخرين ،ولكن إذا تبرعت بإيفاء ذلك الدين فماذا له أن يقول غير الاستحسان والمدح؟

وقال المسيح لليهود عندما أمسكوه ليصلبوه : كُلَّ يَوْمٍ كُنْتُ أَجْلِسُ مَعَكُمْ أُعَلِّمُ فِي الهَيْكَلِ وَلَمْ تُمْسِكُونِي. وَأَمَّا هذَا كُلُّهُ فَقَدْ كَانَ لِكَيْ تُكَمَّلَ كُتُبُ الأَنْبِيَاءِ - متى :55 و56 - والمسيح صُلب ليس لأنه ارتكب خطيئة ،لأن اليهود لم يجدوا فيه علة واحدة من جهة آدابه وأعماله ،بل صُلب ليقدم نفسه عنا ضحية ،وناب عنا في القصاص وأقام ذاته مقامنا. فإذا حُسب لعنة لأجلنا لا يكون هو مستحقاً ذلك ،بل لأنه رضي أن يضع نفسه موضع الخاطئ الأثيم المستحق اللعنة. فترى مما تقدم أن الله يسمح بقتل أنبيائه لمقاصد سامية ،وأن المسيح مات طوعاً باختياره حباً لنا كي يفدينا من لعنة الناموس ويوفي العدل الإلهي حقه وينيلنا الخلاص والحياة الأبدية. لذلك لا يغفر الله للمؤمن ولا يرحمه إلا بواسطة المسيح يسوع.

هذه هي الطريقة الوحيدة التي عيَّنها الله لخلاص المؤمنين ،التي بها يُظهر عدله ورحمته معاً. وأما الطريقة التي سنَّها الشرع الإسلامي فلا توفق بين عدل الله ورحمته. وليس في القرآن ولا في الأحاديث بيان شاف لكيفية الدينونة والحساب والغفران.

وأما الآيات التي يستند إليها إخواننا المسلمون في أمر الدينونة فهي :

وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ - سورة البقرة 2 :284 - .

فإذا حاسب الله الناس حسب هذه الآية فلا مظهر لعدله ورحمته معاً. نعم إن الله يفعل ما يريد ،ولكنه لا يريد ما يخالف صفاته الأصلية وشريعته الإلهية. افرض أن القاضي عفا عن قاتل أخيك بعد ثبوت الذنب وغفر له ،فهل تحسبه عادلاً؟ كلا! بل ظالماً لأنه خالف الشريعة. وهذا لا يمكن في الله ،لأنه لا ينطبق على أحكامه ،وهو يخالف العقل السليم.

وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ المُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ - سورة الأعراف 7 :8 و9 - .

وهذه الآية تبين أن طريقة الحساب طريقة بسيطة ،وهي طريقة المصريين القدماء والمجوس ،وهي أن الله يضع حسنات المرء في كفة من الميزان والسيئات في الكفة الأخرى ،فإذا رجحت كفة الحسنات كان المرء من الفائزين بالنجاة ،وإذا رجحت كفة السيئات كان من الخاسرين وفي جهنم من الخالدين. وهذا لا ينطبق على الحقيقة ،لأن السماء أو الجنة التي يرغب الإنسان في الدخول إليها هي بقعة طاهرة لا يدخلها إلا المطهرون المقدسون ،فالذي يصنع سيئة واحدة فقد أذنب وتنجس. ومن المستحيل أن يدخل الجنة وهو على تلك الحال. وها أنا أضرب لك مثلاً على هذا لزيادة الإيضاح :

افرض أن مسلماً متشحاً بحلة بيضاء ،وبينما هو ذاهب للصلاة علقت بثوبه الأبيض أو بجسده النظيف قمحة من الأقذار ،ألا يُعد نجساً؟ ألا يتوجب عليه وهو بتلك الحال أن يعود فيتطهر كي يجوز له مباشرة الصلاة؟ هذه هي حالة الإنسان مع الله من جهة الطهارة والنجاسة ،لذلك لا يتمكن المؤمن من الدخول إلى الجنة قبل التطهير تماماً وتجديد القلب أيضاً ،لأنه إذا طهُر من الخطايا وغُفرت له ذنوبه ،ولكن جرثومة الشر بقيت متأصلة في القلب ،يبقى شريراً وغير صالح للسماء. وإذا كفَّر المسلم عن سيئاته في النار كما يعتقد هو وَإِنْ مِنْكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيّاً ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ ا تَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيّاً - سورة مريم 19 :71 و72 - ولم يتغير قلبه وأمياله الفاسدة ،فلا يصلح للجنة ولا تصلح له. وهكذا عقاب السارق بالسجن أو قطع اليد أو جلد الزاني لا يغير أميال الأول للسرقة وأميال الثاني للزنا ،بل ربما زادهما العقاب شراً على شر إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بالسُّوءِ - سورة يوسف 12 :53 - . ولكن الدين المسيحي بالأحرى الكتاب المقدس - التوراة والإنجيل - قد أعدَّ طريقة لا اعتراض حقيقي عليها ،لأنها تدبير الله ،بها يتمكن المؤمن من الحصول على الطهارة والمغفرة بواسطة ضحية المسيح ،ويحصل على التجديد أو تغيير القلب بواسطة الروح القدس ،فيصبح المؤمن إذ ذاك لائقاً بأن يدخل الجنة مسروراً بها.

إِنَّ اللَّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَاإ - سورة النساء 4 :40 - .

وهذه الآية تطمع في الله ،لأنها تبين أن الله يضاعف حسنات المرء ،وأنت تعلم أن تضعيف الحسنات ليس بعدل.

وَكُلَّ إِنْسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنْشُوراً اِقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ اليَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً - سورة الأسراء 17 :13 و14 - .

وهذه الآية تبين أن لكل إنسان كتاباً ينشر يوم القيامة فيقرأه ويحاسب نفسه ،ولكن لم تبين طريقة الكتابة في الكتاب وكيف يحاسب الإنسان نفسه ،وما هي القاعدة التي يجري عليها.

إِنَّ الحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ ذَلِكَ ذِكْرَى لِلذَّاكِرِينَ - سورة هود 11 :114 - .

وهذه الآية تبين أن كل حسنة تُذهب سيئة ،فإذا كانت الحسنات أكثر من السيئات نال المرء الخلاص ،وإلا فالهلاك محتم. وقال علماء المسلمين : وليس لأحد أن يتظلم من أن الله لم يُثبْهُ على حسناته ،هذا إذا كانت سيئاته أكثر ،لأن الأشرار يثابون على حسناتهم في الدنيا.

وقالوا إذا انقضى الحساب ووُزنت أعمال كل امرئٍ بميزان عدل ،شرعت الخلائق في المقاصّة أي المقابلة بالمثل ،فيستوفي كل فرد حقه من غريمه ،وينتصف كل مظلوم من ظالمه. وهذا ما يسميه المسلمون بالخصومة ورد المظالم ،فتأخذ الملائكة من حسنات الظالم ما يساوي ظلمه ،ويضيفونها إلى حسنات المظلوم. فالذي يبقى من حسناته ولو مثقال ذرة يضاعفها له الله رحمة منه ،ليدخل الجنة. والذي تفنى حسناته ولا يزال عليه مظالم لم ترد ،يطرح الله عليه من أوزار مظلوميه ما يساوي تلك المظالم ،ويلقيه في جهنم ليعاقب على إثمه وإثمهم ،وكل هذا ليس بعدل.

ألا ترى أن كل هذه لا تفي بالغرض المطلوب ،ألا وهو تطهير القلب من أدناس الخطيئة واستئصال جرثومة الأميال الباطلة منه ،كي يصير صالحاً لعِشْرة الله الطاهر في السماء الطاهرة؟

ولا شك في أن الطريقة التي دبرها الله وعيَّنها في التوراة والإنجيل لخلاص الإنسان هي الطريقة المثلى ،فعلينا أن نتبعها لننال المغفرة وتطهير القلوب وندخل الجنة ونكون فيها خالدين.


 

الفصل الرابع

يعتقد المسلم أن الصلب قد حصل ،ولكنه ليس على المسيح ،بل على شخص آخر وقع شبه المسيح عليه ،بدليل قول القرآن في سورة النساء 4 :157 ،158 وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَكِنْ شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلَّا اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِيناً بَل رَفَعَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ . مع أن عبارة القرآن ملتبسة ومبهمة لا يُبنى عليها حكم ،وكأني بالقرآن لم يرد أن ينفي الصلب قطعياً عن المسيح فقال ما رأيت.

ومن الجائز أن تفسر آية القرآن على هذه الطريقة :وما قتلوه وما صلبوه يقيناً أي لم يقدروا على إيصال الأذى إلى نفسه ،لأن اليهود ظنوا أنهم بصلبهم للمسيح قد أبادوا ذكره وجعلوا أمره محتقراً بين الناس. فالآية تبين لليهود أنهم لم يقدروا على هذا ،لأن موته صار واسطة لإذاعة اسمه وتعظيم شأنه ،وأن الصلب لم يُبده ،لأن الموت الجسدي ليس إبادة أو فناء. والمسيح وإن مات ،فقد رفعه الله وكان هذا الموت سبباً لرفعه. ولإيضاح هذا أضرب لك مثلاً : افرض أنني أهنتك وشتمتك وحقرتك ،ولكنك كنت حليماً ولم تعاملني بالمثل ،ألا يجوز لك أن تقول لي :إنك لم تهنّي ولم تحقرني ،بل رفعتني وعظمتني في أعين الناس ،نظراً لحلمي ،وحقرت نفسك نظراً لسفاهتك . والحقيقة أن الصلب يُنسب إلى الحاكم الروماني بيلاطس الآمر به ،وليس إلى اليهود!

وقوله شُبه لهم مسند إلى ماذا؟ فإذا جعلته مسنداً إلى المسيح فهو مشبه به وليس بمشبه. وإن أسندته إلى المقتول فالمقتول لم يجر له ذكر. لذلك ترى أن الآية غير صريحة. لو كان قصد الله أن يخلص المسيح من الموت على الصليب لكان خلصه بمعجزة ظاهرة باهرة ،وأظهر لليهود عدم قدرتهم على إيصال الأذى إلىنبيه ورسوله. ولكن المعجزة التي يتوهمها المسلمون لخلاص المسيح لم تفد الفائدة المطلوبة ،مع ما فيها من الغش الذي لا يصدر عن المولى ،لأنها لم تُظهر لليهود قدرة الله وعجزهم. وإذا كان الله رأى الصلب مخلاً بشرفه الأقدس ،أيعقل أنه عمل معجزة تظهر احتقاره فعلاً؟ مع أنه رفع المسيح إليه كي يتقي ذلك الاحتقار ،حسب اعتقاد جمهور المسلمين.

وقد وجدنا آيات في القرآن تبين تلميحاً إن لم يكن تصريحاً أن المسيح قد مات فعلاً ،وهي تفسّر ما أُبهم من الآية السابقة كما ترى في سورة آل عمران 3 :55 إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ . قال بعض المفسرين إن كلمة متوفيك معناها منّومك ،ولكن لم يدر أحد في العالمين الحكمة في التنويم قبل الرفع. ولعل الراسخين في العلم الأواخر ،يفيدوننا بما لم تستطعه الأوائل!

والحق أن معنى متوفّيك مميتك ،وهذا مروي عن ابن عباس ومحمد بن اسحاق. واختُلف في مدة الموت ،فقال وهب توفي المسيح ثلاث ساعات ثم رُفع. وقال محمد بن اسحاق توفي سبع ساعات ثم أحياه الله ورفعه. وقال الربيع بن أنس أنه تعالى توفاه حين رفعه إلى السماء. والإمام البيضاوي يعتقد أن المسيح مات حقاً ثلاث ساعات. قيل في معجم اللغة توفاه الله قبض روحه وتوفي فلان على المجهول قُبضت روحه ومات .

وقد وردت كلمة متوفيك وما يشتق من هذا الفعل بمعناها ثلاثاً وعشرين مرة في القرآن. وكلها تدل على قبض الروح والموت مطلقاً إلا في موضعين ،حيث دلت القرينة على قبض الروح مجازاً في النوم الأول وَهُوَ الذِي يَتَوَفَّاكُمْ باللَّيْلِ وَيَعْلَمُ مَا جَرَحْتُمْ بالنَّهَارِ - سورة الأنعام 6 :60 - والثاني - في سورة الزمر 39 :42 - ا للَّهُ يَتَوَفَّى الأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا والتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا .

قال بعض المفسرين إن الواو في جملة متوفيك ورافعك للتعقيب وليس للترتيب تضليلاً للعقول ،فيكون المعنى حسب رأيهم أن المسيح سيأتي ثانية فيموت. اللهم قِنَا شر المخاتلة. وما ضرهم لو حسبوا أن الواو للتعقيب والترتيب معاً فيصح المعنى. لو كان قصد القرآن ما أرادوا لأفصح عن هذا بعبارة لا تقبل الالتباس!

وكما ترى في سورة مريم 19 :15 وَسَلاَمٌ عَلَيْهِ - الضمير راجع إلى يحيى - يَوْمَ وُلِدَ وَيَوْمَ يَمُوتُ وَيَوْمَ يُبْعَثُ حَيّاً .

وفي سورة مريم 19 :33 أيضاً وَالسَّلاَمُ عَلَيَّ - عيسى - يَوْمَ وُلِدْتُ ويَوْمَ أَمُوتُ وَيَوْمَ أُبْعَثُ حَيّاً.

لا خلاف أن المسلمين قاطبة يعتقدون أن يحيى - يوحناالمعمدان - وُلد ومات بناء على الآية الأولى ،فلماذا لا يعتقدون هذا في عيسى المسيح بناء على الآية الثانية. لأن ترتيب الآيتين واحد والألفاظ واحدة تقريباً ،والقرينة في الثانية لا تدل على غير ذلك.

وكما ورد في سورة مريم 19 :31 وَأَوْصَانِي بالصَّلاَةِ والزَكَاةِ مَا دُمْتُ حَيّاً .

الزكاة شرعاً قدر معين من المال يخرجه الحر المسلم المكلف لله تعالى إلى الفقير المسلم غير الهاشمي ولا عبده مع قطع المنفعة عنه من كل وجه. وفي الكليات كل ما في القرآن من زكاة فهو المال إلا قوله حَنَاناً مِنْ لَدُنَّا وَزَكَاةً سورة مريم 19 :13 فإن المراد به الطهارة.

فإذا كان المسيح ارتفع إلى السماء دون أن يموت كما يعتقد جمهور إخواننا المسلمين ،فالواجب عليه أن يزكي طوعاً للوصية. وهل في السماء يا ترى من فقراء المسلمين كي يعطيهم الزكاة؟ وإذا كان المسيح لم يزل حياً في الأرض ،فأين هو ومن هم الذين يتناولون منه الزكاة؟

وإذا علمنا أنه ليس على الأرض ،وأنه لا يزكي ،نعلم أنه قد مات حقيقة. ولذلك قد انتفى عنه فرض الزكاة!

وكما ورد في سورة المائدة 5 :117 وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنْتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ قال الرازي والجلالين إن هذه الآية سيقولها المسيح عيسى لله يوم الحشر على الأرجح. ويفسر الرازي توفيتني بالرفع ،وقد سها أنه فسرها بالنوم في الآية يا عيسى إني متوفيك ورافعك فإذا جارينا الرازي وغيره من المفسرين على أن التوفي هنا بمعنى الرفع ،وأن هذا الكلام سيحصل يوم الحساب الأخير ،تكون النتيجة أن المسيح لا يموت أبداً ،وهذا مخالف لنص القرآن الصريح كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلاَلِ والإِكْرَامِ - سورة الرحمن 55 :26 و27 - .

كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ - سورة القصص 28 :88 - .

ويكون هذا مخالفاً أيضاً لاعتقاد كثيرين من علماء المسلمين الذين يعتقدون أن المسيح مات حقاً. ومخالفاً للذين يعتقدون منهم أن المسيح لا بد من أن يموت في هذا العالم قبل يوم الحشر. وما ضرهم لو اعتقدوا أن التوفي هنا بمعنى الموت ،وأن هذا الكلام حصل قبل القرآن حسبما يفيد ظاهر الآية وإذ قال التي تدل على الماضي وليس علىء الاستقبال ،فتصير إذ ذاك الآية القرآنية موافقة للتوراة والإنجيل واعتقاد النصارى في صلب المسيح وموته. اللهم أرِ الحق لطالبيه. وامنح النور لمريديه. إنك خير من دُعي يا أكرم الأكرمين.


 

الفصل الخامس

ليست حادثة صلب المسيح من مخترعات البشر ،وإلا لما رضي المسيحيون أن ينسبوا إلى رئيسهم ونبيهم ومخلصهم بل ربهم هذا الاحتقار العظيم ،لأن شريعة موسى تقول : لِأَنَّ المُعَلَّقَ مَلْعُونٌ مِنَ اللّهِ - تث 21 :23 - والإنجيل يقول : مَلْعُونٌ كُلُّ مَنْ عُلِّقَ عَلَى خَشَبَةٍ - غل 3 :13 - وليس أن المسيحيين قد اعترفوا بحصول الصلب فقط ،بل حسبوه بافتخار مصدر خيراتهم وبركاتهم السماوية وينبوع الخلاص العميم ،ليس لهم فقط بل لكل من آمن بالمسيح المصلوب وبالفداء الذي حصَّله للخطاة بموته الشهير. ويلوح لي إذ أباحث أخي المسلم أن قضية صلب المسيح هي حادثة تاريخية من بعض الأوجه ،لذلك أردت أن أبحث فيها الآن بحثاً تاريخياً فأقول :

إن الأنبياء الأقدمين داود وإشعياء ودانيال وغيرهم تنبأوا بكل حال من أحوال حياة المسيح ،وخصوصاً بصلبه وموته قبل حصوله بأكثر من ألف وخمسين سنة. بل بعضهم قد عين مكان صلب المسيح وزمن حدوثه ،وذكروا علامات منها طبيعية ككسوف الشمس والزلازل ،ومنها تاريخية كإبطال الذبيحة نهائياً ،لأنها كانت تشير إلى ذبيحة المسيح العظمى. وكزوال الملك نهائياً من يد اليهود.

ولما جاء المسيح أعلن صريحاً لليهود أن المكتوب عنه في ناموسهم من جهة الموت لا بد من أن يتم ،وأنه لا بد من أن يُصلب للتكفير عن خطايا الناس. والحواريون بعده كانوا يفتخرون بهذا الصلب حتى أن أحدهم قال : لِأَنِّي لَمْ أَعْزِمْ أَنْ أَعْرِفَ شَيْئاً بَيْنَكُمْ إِلَّا يَسُوعَ المَسِيحَ وَإِيَّاهُ مَصْلُوباً - 1 كو 2 :2 - وقام أحدهم واعظاً بعد صلب المسيح بأيام قليلة بين جمهور عظيم من اليهود وقال لهم : بِأَيْدِي أَثَمَةٍ صَلَبْتُمُوهُ - أع 2 :23 - وكانت نتيجة خطبته أن آمن من الحاضرين بذاك المصلوب نحو ثلاثة آلاف نفس.

وكان صلب المسيح موضوع تبشير الحواريين والرسل ومحور كل خطبهم ،والأمر الوحيد الذي يُرجع إليه في طلب مغفرة الخطايا. وكانوا يقولون : حاشا لنا أن نفتخر إلا بصليب ربنا ومخلصنا يسوع المسيح ،مع تلقيب الناس لهم بتابعي المصلوب. واعتبرت الكنيسة المسيحية قرناً بعد قرن بالتواتر صلب المسيح كما كان يعتبره الحواريون ،وذلك لأنه ليس شيء في التوراة والإنجيل أصرح من هذه القضية.

وأشار يوسيفوس المؤرخ اليهودي الشهير في تاريخه إلى صلب المسيح قائلاً :إن بيلاطس حكم على المسيح بالصلب بطلب رؤساء الكهنة بيننا ،والذين أحبوا المسيح أولاً لم يتركوه ،وهم باقون للآن يدعون مسيحيين نسبة إليه حتى أن اليهود ليومنا هذا يعترفون بصلب المسيح. والقرآن نفسه يشهد بأن اليهود يعترفون أنهم قتلوا المسيح كما ترى في سورة النساء 4 :157 وَقَوْلِهِمْ إِنَّا قَتَلْنَا المَسِيحَ عِيسَى ا بْنَ مَرْيَمَ رَسُولَ اللَّهِ . وقد كتب الحاخام يوحنان بن زكا تلميذ هليل الشهير كتاباً في العبرانية منذ زمن قديم ذكر فيه حكم اليهود على المسيح بالصلب لادعائه أنه ابن الله ،وأن اليهود علقوا يسوع على شجرة خارج أورشليم ،حسب أمر الملك ورؤساء اليهود. وكتاب التلمود قد ذكر صلب يسوع المسيح ،وتاسيتوس المؤرخ الوثني ذكر في الفصل الخامس عشر من مؤلفه المكتوب بعد المسيح بنحو أربعين سنة أن المسيح قتل بأمر بيلاطس البنطي الوالي في أيام حكم طيباروس.

وهذا المؤرخ كتب لأناس كانوا من معاصري المسيح ،وربما بعضهم شاهد عياناً موت المسيح. وكان لهذا المؤرخ وسيلة للوصول إلى سجلات الحكومة الرومانية ،حيث كانت أخبار الحكام الرومانيين القانونية تُحفظ ،ومن ضمنها أخبار حكام فلسطين حيث صُلب المسيح. ولذلك كان لكتابات هذا المؤرخ في هذا الموضوع اعتبار عظيم ،بالنظر لعلاقتها بالأخبار القانونية والحقائق المعروفة عند العموم.

والأمر المهم هو أن خطاب بيلاطس البنطي الذي بعث به إلى روما بشأن صلب المسيح وموته قد حُفظ بين سجلات روما ،حسب عادات الممالك التي نالت حظاً من الحضارة. ومن ذلك الرقيم القانوني استقى المؤرخ تاسيتوس علاوة على الأخبار العامة.

وقد أشار إلى هذا الرقيم فلافيوس جوستينوس الفيلسوف عندما خاطب الأمبراطور أنطونيوس بيوس السنة 139 م.

وقد أشار إلى هذا الرقيم بعينه العالم ترتوليانوس من قرطاجة سنة 199م.

وهكذا ترى أن حادثة صلب المسيح كانت أمراً مقرراً وحادثة مشهورة ومعروفة بين الوثنيين واليهود والنصارى ،ليس بين العامة فقط بل الخاصة أيضاً مدة 600 سنة. إلى أن جاء القرآن فأنكر صلب المسيح فعلاً إنكاراً غير صريح بكلام مبهم وآيات مختلفة أوقعت كثيرين من المسلمين في حيرة من هذا القبيل ،حتى أنكرها بعضهم بتاتاً وصدقها آخرون كما رأيت في فصل سبق.

فافرض الآن أيها القارئ النبيه أن خمسين رجلاً من الشهود العدل شهدوا صريحاً - بعضهم شهادة عين وبعضهم بالسمع - أن زيداً قتل عمراً. والشهود العين لهم معرفة شخصية تامة بالقاتل والمقتول. وافرض أن الجاني القاتل اعترف بفعلته الشنعاء علناً. فصار الاعتقاد عاماً والأمر حقيقة لا ريب فيها أن زيداً قتل عمراً مدة نحو ست مئة سنة. ولكن بعد هذه المدة الطويلة جاء أمام القاضي شاهد نفي ،وبالطبع ليس بشاهد عين. وافرض أنه شاهد عدل وقال : أنا أشهد أن حادثة القتل حصلت ،ولكن المقتول هو بكر وليس عمراً. فماذا تظن : أيحكم القاضي بصحة مقتل عمر؟ أو يحكم أن المقتول هو بكر استناداً إلى الشهادة الأخيرة الفريدة؟ لا شك أن القاضي العادل يحكم بصحة مقتل عمر استناداً إلى الشهادات العديدة وإقرار القاتل. ومن يحكم بخلاف هذا يكون من الذين لا دراية لهم بالقوانين الشرعية والمدنية ،وليس في رأسه ذرة من العدل.

لا حاجة لي أن أنبهك أن هذا المثل هو على قضية صلب المسيح ،وهو ينطبق عليها من كل الأوجه فتأمل.

ماذا تقول بعد كل هذا أيها الأخ المسلم الباحث عن الحقيقة؟ أنصح لك أن تترك الميل المذهبي جانباً وتحكم في هذه القضية حسب العدل ومعارفك العقلية ،فتجد أن القضية بسيطة لا تحتاج إلى كل هذا العناء ،وتحكم أن المسيح عيسى قُتل وصُلب لفداء العالمين ،لكنه قام من بين الأموات وارتفع إلى السماء ظافراً ولن يسود عليه الموت بعد.

  • عدد الزيارات: 48959
إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.
شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.
إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.
سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.