التأثير الحقيقي والنجاح الحقيقي
الفصل الثالث
رأى "هارت" بأن لمحمد تأثيراً كبيراً على الإسلام بشكل مباشر، وعلى التاريخ بشكل غير مباشر. ويمكن أن يوافق المرء على حكم "هارت"، غير مستهين بنفوذ محمد الشخصي في الإسلام، مع أن القرآن يقول إن محمداً كان مجرد نذير وبشير، وإن ما أُوحي إليه هو ما أوحي إلى الذين من قبله، وإنه معرَّضٌ للنسيان والشك، وعليه أن "يَسْأَلِ الذِينَ يَقْرَأُونَ الكِتَابَ مِنْ قَبْلِهِ" (يونس 10: 94). فنستنتج أن الدور الذي تنسبه كتب السيرة والأحاديث وغيرها من أمهات المصادر الإسلامية إلى محمد هو أكبر بكثير مما ورد عن محمد في القرآن. وتكفي قراءة سريعة لكتاب النبهاني "الأنوار المحمَّدية" لنكتشف أن النسبة الأكبر مما يرويه الكاتب نقلاً عن المراجع المعتمد عليها هو صادر عن غير القرآن. ومن جهة أخرى لا تقبل الشيعة كثيراً من المراجع والأحاديث وكتب السيرة المحمدية التي يستند إليها أهل السُنَّة.
يعترف "هارت" أن لمحمد نفوذاً كبيراً - بغض النظر عن المراجع الإسلامية، أي سواء كانت مكانته كبيرة في القرآن أم في مصادر إسلامية أخرى، منها الأحاديث وكتب السيرة. ومن السهل أن يدرك المرء نفوذ رجل نادى بديانة وفعل ذلك في فترة انهارت فيها إمبراطوريات، منها الرومانية والفارسية. وكان ابن قبيلة عريقة فوحَّد كلمة قومه وحمل السلاح (بعد أن كان عُرضة للاضطهاد والاحتقار) وحارب وناضل وجاهد وأخضع بالسيف الأفراد والجماعات، وامتدت ديانته، مِن بَعْد السيف، عن طريق النسل وقوافل التجّار (وكان محمدٌ نفسه تاجراً عند خديجة ووكيلاً لأعمالها). ويستمر النفوذ إلى أيامنا، إذ أن الإسلام ما تخلى عن معاقبة الذين يهجرونه معاقبةً شديدة تصل إلى الموت.
ولكن أليس هذا النفوذ كله أو معظمه "خارجياً"؟ أهو فعلاً نفوذ الشخصية أم نفوذ القوة والعنف والجنس وتكاثر النسل والمصالح التجارية؟ وعندما أسلم كثيرون من الوثنيين في شبه الجزيرة العربية أو من اليهود والنصارى، ألم يكن أحد الدوافع لذلك أحياناً الخوف والانصياع إلى الوعد والوعيد المعبَّر عنهما في الشعار "أسلم تسلم"؟
ألم تكن هنالك خصوصاً عند الذكور مصالح في اتِّباع رجلٍ كان يعدهم بالسبي والغنائم (وهي عناصر متأصِّلة في نفسية البدوي لحسده أهل المدن) وبتعدُّد الزوجات وسهولة الطلاق كما يريدون، معلناً أن "نساءهم حرثٌ لهم" وأن لهم الحق في "استحلال فروجهن" وفي أن "يأتوا حرثهم (أي نساءهم) أنَّى (أي أينما ومثلما) شاؤوا" (البقرة 2: 223)؟ ألا يفرح أهل البادية وغيرهم من البلاد الحارة الجافة برجلٍ يعدهم "بجنات تجري من تحتها الأنهار"؟
على هذه الأسس يكون نفوذ الأغنياء والأقوياء هو الأعظم بحجة الأقوى: وعليه يكون رئيس دولة عظمى مثل الولايات المتحدة أعظم الناس ويكون أكثر الشعوب عدداً (عن طريق التكاثر) "أعظم أمّة أُخرجت للناس".
- عدد الزيارات: 7925