إله واحد في ثلاثة أقانيم - نتعلم من الكتاب المقدس أن الله العلي العظيم أعلن لنا نفسه
إذاً نتعلم من الكتاب المقدس أن الله العلي العظيم أعلن لنا نفسه :
1 أنه الآب القدوس المحب الذي وإن كان شديد البغض والمقت للخطية . غير أنه قَصَد من الأزل بحسب محبته وكثرة رحمته أن يدبر طريقة خصوصية تيسّر الخلاص لجميع البشر الذين يقبلون نعمة الله . فيتصالحون معه بالقلب والعقل والإراداة والسلوك.
2 وأعطى الله هذا الإعلان للناس على يد كلمته ابن الله الوحيد الذي بواسطته فقط يصل المخلوق أياً كان لمعرفة الآب السماوي. وإذ أخذ ابن الله جسداً ولبس طبيعة البشر حمل أحزاننا وهمومنا . ومات على الصليب من أجل خطاياناً . وقام من أجل تبريرنا - رو 4 :25 .
3 ولكي يقبل الناس هذا الخلاص المبارك أرسل روحه القدوس . الأقنوم الثالث من اللاهوت . ليبكتهم على خطاياهم ويحقق لهم عظيم احتياجهم إلى مخلّص يخلّصهم وينير أذهانهم بمعرفة غِنى الإنجيل . حتى يطلبوا وينالوا ويتمتعوا بالحياة الأبدية.
ولا يبرح من ذهنكم أن البرهان الذي يُقام على صحة عقيدة الثالوث الأقدس بعينه يُقام على صحة عقيدة الحياة بعد الموت ويوم القيامة . وغير ذلك من العقائد التي يمتاز بها المؤمن من الكافر وعابد الله من عابد الصنم . بمعنى أن هذه العقائد جميعها مؤيدة بكلام الله. فإن قبلنا عقيدة منها لأنها مؤيَّدة بكلام الله . فلماذا لا نقبل العقائد الأخرى في حين أنها مؤيدة بكلام الله أيضاً؟
ولنتقدم الآن لإيضاح حقيقة أخرى لعلها تساعد القارئ للتثبُّت من الموضوع الذي نحن في صدده. نعلم بدليل قلوبنا عن الخلاص الذي يقدمه لنا الرب يسوع . وكيف نحصل على الحياة الأبدية إن آمنا به - يو 17 :1-3 - كما نحصل على سائر البركات العظمى التي يريد الله أن يمنحها لمخلوقاته.
إنه بناء على إرشاد وتعليم الإنجيل . أي أسفار العهد الجديد . نعلم أنه بواسطة الإيمان الحي بالمسيح والاتكال عليه - أع 4 :12 و16 :31 و1يو 3 :23 - نصير ورثة الأفراح الفائقة والبركات العظمى التي لا يعبر عنها مَا لَمْ تَرَ عَيْنٌ . وَلَمْ تَسْمَعْ أُذُنٌ . وَلَمْ يَخْطُرْ عَلَى بَالِ إِنْسَانٍ : مَا أَعَدَّهُ اللّهُ لِلَّذِينَ يُحِبُّونَهُ - 1 كو 2 :9 - وليس الإيمان بالمسيح مجرد الاعتراف بأن تعليمه حق بل الثقة الكاملة بمخلّص حي حبيب جاء إلى العالم ليخلّص الخطاة - 1تي 1 :15 - من خطاياهم - مت 1 :21 - وقادر أن يخلّص إلى التمام كل الذين يتقدمون به إلى الله - عب 7 :25 -إيمان حي كهذا يربطنا روحياً بالمسيح ويجعلنا وإياه واحداً - يو 15 :4-10 - كما يجعلنا أولاد الله فيه - يو 1 :12 و13 و1 يو 3 :1-12 - بل يقوينا حتى ننعتق من نير الخطية وإبليس - يو 8 :34-36 - فنخلع أعمال الظلمة - رو 13 :12 وأف 5 :11 وكو 1 :13 و1تس 5 :4 و5 و1بط 2 :19 و1يو 1 :6 - ونسلك كما يحق للدعوة التي دعينا بها . أو بعبارة أخرى نسلك كأولاد نور - يو 8 :12 و12 :35 و36 .
ولما كان الإنسان من تلقاء نفسه لا يقدر أن يؤمن بالمسيح إيماناً حياً عاملاً . رأى الله من فرط محبته لنا أن يرسل روحه القدوس ليعمل في أرواحنا ويبثّ فينا حياة روحية نستعين بها على الإيمان بالمسيح الإيمان المطلوب . ما لم تغش قلوبنا ونرفض نهائياً احتجاج ذلك الروح الصالح المنعِم.
وقد رأينا في ما تقدم أن المسيح كلمة الله هو مظهر الله الحقيقي . وعليه يتضح جلياً أنه بواسطته فقط يستطيع الإنسان أن يأتي إلى الله - يو14 :6 -وبدون إيمان بالمسيح لا يقبل الله الناس ولا يغفر لهم خطاياهم . لهذا جاء الروح القدس ليحث الناس على التوبة ويستميلهم إلى الإيمان بحيث يعتنقون ذلك الخلاص المقدَّم لهم مجاناً في المسيح. وأن الروح القدس الذي يكشف لنا الستار عن حالة قلوبنا الرديئة ويبكتنا على خطايانا وينذرنا بالدينونة الآتية - يو 16 :8 - يحرّضنا على السعي والجد في طلب المصالحة مع الله بقبول الكفارة الوحيدة التي قدمها المسيح عن خطايا العالم - عب 10 :10-14 - والذين ينقادون بإرشاد الروح القدس يتبررون بإيمانهم بالمسيح . ويكون لهم سلام مع الله بربنا يسوع المسيح - رو 5 :1 - يعطيهم السلام الذي لا يقدر أن يعطيه العالم - يو 14 :27 - فالخاطئ النادم متى أتى إلى المسيح يُعتق من الخوف والرعب الشديد الناتج عن خطاياه . ويزول عن عنقه ذلك الحمل الثقيل ويُطرح في بحر نسيان رحمة الله - مت 21 :21 ومر 11 :23 - وتتبدد غياهب ظلمة قلبه ويحل محلها نور السماء . وتملك عليه محبة الله . ويعلم أن الله أبوه السماوي بيسوع المسيح فيهجر خطاياه ويجدّ في حفظ وصايا الله
ويواظب على معاشرته . فتجري في نفسه أنهار السعادة الحقيقية التي تفوق الوصف . حتى تصير الأرض في عينيه سماء بالرغم من تجارب الحياة الكثيرة واضطهاد المضطهدين . ويتحقق صدق الكتاب لا بالبرهان الخارجي فقط بل بالوجدان والاختبار أيضاً.
وهذا التغيير الذي ينتجه عمل الروح القدس في نفس الخاطئ الآتي إلى المسيح لا ينحصر في تحويل القلب عن الخطية إلى البر ومن الظلمة إلى النور ومن عبودية إبليس إلى حرية الله . بل أعظم من ذلك هو ميلاد جديد حقيقي روحي - يو 3 :3 و5 - الذي به يصير المؤمن خليقة جديدة روحياً - 2كو 5 :17 وغل 6 :15 - وأن الله يريد أن كل إنسان يتوب عن خطاياه وينال الخلاص بالإيمان بالمسيح - حز 33 :11 و1تي 2 :3-6 و2بط 3 :9 -من أجل ذلك فليس أحد على وجه الأرض مقضياً عليه بالحرمان من رجاء الخلاص . بل كل من يريد بسلامة قلب أن يُفدى بدم المسيح فإنه يُفدى بكل تأكيد - يو 6 :37 -وأما الذين يعتمدون على ما يتخيلونه من أعمالهم الصالحة ويتوهمون أن لهم خزانة بر ذاتي في السماء ويرفضون المسيح . فهم مقاومون لإرشاد روح الله القدوس . ويحكمون على أنفسهم بأنفسهم - يو 3 :16-21 و5 :40 -ومع أنه استطاع في هذه الحياة أن يقاوم محبة المسيح ويعاند رحمة الله . يضطر في النهاية أن يسجد أمام المسيح كما ينبئنا الكتاب - إش 45 :23 ورو 14 :11 وفي 2 :9-11 .
ومما قيل يتبرهن أن التغيير الذي يحدثه الإيمان بالمسيح في القلب لا يدعنا نهمل واجباتنا المسيحية أو نتمادى في ارتكاب الخطية . لأنه إيمان حي مُحْيي يدفع صاحبه إلى فعل الخير ويمنعه عن فعل الشر. لذلك إن كان أحد مؤمناً بالمسيح إيماناً حقيقياً ينتصر بمعونة روح الله القدوس على الخطية الداخلية . كما ينتصر على العالم والجسد والشيطان . ويدوس على هوى نفسه . ويكرس ذاته لأجل أن يعيش بحسب إرادة الله من حيث قداسة العمل والطبع . لأنه ذاق بحاسته الروحية محبة الله الفائقة ورحمته العظيمة المعلنة في المسيح . واختبر الفرح الحقيقي والسعادة الكاملة التي أفاضها الإيمان في نفسه. لهذا أصبح يبتعد عن كل خطية أو فكر شرير . ويجاهد ليله ونهاره على الاحتراس والاحتفاظ بوصايا الله . سالكاً في النور كما ينبغي لدعوة الإنجيل.
- عدد الزيارات: 21511