Skip to main content

الله طرق إعلانه عن ذاته

ظهور الله في الجسد - كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت

الصفحة 4 من 4: كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت

الفصل الثالث
كيفية اتحاد اللاهوت بالناسوت

اتحاد اللاهوت بالناسوت أمر يفوق العقل والإدراك، ونحن نؤمن بأنّ الكتاب المقدّس أعلن بآيات واضحة أن الله ظهر في الجسد. وهذه الآيات فضلاً عن كونها صادقة كل الصدق، فإن ظهور الله في الجسد، يتوافق مع ذات الله وصفاته كل التوافق، كما يتناسب مع حاجتنا نحن البشر كل التناسب. لكن لمجرد تقريب حقيقة إتحاد اللاهوت بالناسوت إلى عقول الذين يميلون إلى التشبيه بالمحسوسات، نأتي فيما يلي بما نعلمه عن كيفية إتحاد روح الإنسان بجسده، ثم نذكر بالمقابلة مع ذلك، الكيفية التي يمكن أن يكون قد تمَّ بها اتحاد اللاهوت بالناسوت، ولذلك نقول:

1 - روح الإنسان، مع أنها مختلفة عن جسده اختلافاً كلياً من جهة الجوهر والصفات والخصائص، ليست منفصلة عنه بل متحدة به.

2 - هذه الروح مع اتحادها بالجسد، يحتفظ كلٌّ منهما بخصائصه الطبيعية، فالروح هي الروح بكل خصائصها الروحية، والجسد هو الجسد بكل خصائصه الجسدية.

3 - مع احتفاظ كلٍّ منهما بخصائصه الطبيعية، تتكوّن من اتحادهما معاً ذات واحدة هي الإنسان.

4 - الإنسان وإن كان ذاتاً واحدة، له صفات وخصائص عنصرين مختلفين هما الروح والجسد.

وعلى ضوء هذه الحقائق نقول، إن اتحاد اللاهوت بالناسوت، كما تستطيع عقولنا أن تستنتج من الكتاب المقدَّس، يمكن أن يكون قد تمّ على النحو الآتي:

1 - اتخذ الابن لنفسه ناسوتاً خالياً من الخطيئة خلواً تاماً، لكن باتخاذه إياه:

(أ) لم يتقيَّد به كما تتقيَّد الروح البشرية بالجسد الخاص بها، بل ظل كما هو المنزَّه عن المكان والزمان، لأن الابن بصفته الأقنومية غير محدود، والنفس البشرية محدودة. وقد أظهر السيد المسيح بيان هذه الحقيقة، فأعلن أثناء وجوده بالجسد على الأرض أنه كان في نفس الوقت موجوداً (بلاهوته) في السماء، فقد قال لنيقوديموس أحد أئمة اليهود ليس أحد صعد إلى السماء، إلا الذي نزل من السماء، ابن الإنسان الذي هو في السماء (يوحنا 3: 13). أي أنه أثناء وجوده بالجسد على الأرض، كان في نفس هذا الوقت في السماء، وفي كل مكان أيضاً تبعاً لذلك. وهذا دليل على عدم تحيّزه بحيّز، ودليل أيضاً على وحدته الكاملة مع الأقنومين الآخرَيْن، كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب الله - ذاته ونوع وحدانيته . والإسلام يتفق معنا على أن وجود الله في مكان لا يمنع وجوده في مكان آخر في نفس الوقت، فقد جاء في سورة الزخرف 84 وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم .

(ب) لم ينفصل عن هذا الناسوت، كما تنفصل الروح البشرية عن الجسد المتحدة به وقتاً ما، بل ظل متحداً به أو بتعبير آخر واحداً معه. ولذلك فان اتحاد الابن بالناسوت، أو بتعبير آخر اتحاد اللاهوت بالناسوت، ليس مثل اتحاد الروح بالجسد، قابلاً للتفكك والانفصال، بل هو اتحاد كامل دائم، لا أثر للتفكك أو الانفصال فيه على الإطلاق.

2 - إنه مع اتحاد اللاهوت بالناسوت، قد احتفظ كلٌّ منهما بخصائصه، فلم يتحوَّل اللاهوت إلى ناسوت، ولم يتحوَّل الناسوت إلى لاهوت، ولم يتكوَّن من اتحادهما معاً كائن جديد تختلف خصائصه عن خصائص اللاهوت أو الناسوت، إذ أن اتحاد اللاهوت بالناسوت ليس هو امتزاج أحدهما بالآخر، بل هو وجودهما معاً في ذات واحدة بوحدة كاملة، دون اختلاط أو امتزاج أو تغيير، وذلك بعمل إلهي يفوق العقل والإدراك. ولذلك ظل اللاهوت هو اللاهوت بكل خصائصه، وظلَّ الناسوت هو الناسوت بكل خصائصه، دون أن يطرأ عليهما أو على أحدهما تغيير ما. ولذلك فإن اتحادهما معاً يختلف من هذه الناحية أيضاً عن اتحاد الروح بالجسد اختلافاً تاماً. لأن حالة الروح تؤثر على الجسد، وحالة الجسد تؤثر على الروح، فإذا ابتهجت الروح بأي خبر من الأخبار السارة شعر الجسد بالانتعاش والنشاط، وإذا أصابت الجسد علة من العلل، شعرت الروح بالخمول والاكتئاب.

3 - إن الناسوت وإن كان يختلف عن اللاهوت اختلافاً جوهرياً، إلا أنه لاتحادهما معاً في المسيح اتحاداً كاملاً، كان له المجد ذاتاً واحدة لا اثنتين: فهو ابن الله، وهو بعينه أيضاً ابن الإنسان.

4 - إن السيد المسيح، وإن كان واحداً، إلاَّ أنه لقيامه باللاهوت والناسوت معاً، كانت له صفات وخصائص كل منهما. فكانت له صفات وخصائص اللاهوت، كما كانت له أيضاً صفات وخصائص الناسوت، وطبعاً الناسوت الخالي من الخطيئة. فمن جهة اللاهوت، كان هو الله بجوهره غير المدرَك، الذي لا يتحيَّز بحيِّزٍ، ولا يتأثر بعَرَض، والمستغني بذاته عن كل شيء في الوجود.. ومن جهة الناسوت كان هو الانسان ذا الجسد المادي، الذي لا يوجد إلاَّ في مكان واحد في وقت واحد، والذي يحتاج إلى ما يحتاج إليه الإنسان، من طعام وشراب. (هذا مع العلم أن احتياج المسيح إلى الطعام والشراب كان اختيارياً، لأنه كان قد اتخذ الناسوت بمحض اختياره).

مما تقدم يتضح لنا أن اتحاد اللاهوت بالناسوت في المسيح، لم يترتب عليه تأثّر اللاهوت بأي مؤثِّر، وفي الوقت نفسه هو اتحاد حقيقي كامل دائم. ولذلك عندما كان المسيح في بطن العذراء، وعندما كان عائشاً على الأرض، وعندما كان مدفوناً في القبر، كان لاهوته واحداً مع ناسوته بوحدة إلهية تفوق العقل والإدراك، لا بل وهو في مجده الآن، لا يزال لاهوته واحداً مع ناسوته، بمثل هذه الوحدة العجيبة.

هذا والذي فارق جسد المسيح عندما مات على الصليب، لم يكن لاهوته بل روحه الإنسانية، التي كانت عنصراً من عناصر ناسوته. أما لاهوته فقد ظل متحداً بجسده الممات كما بروحه المستودعة منه للآب (لوقا 23: 46)، لأن اللاهوت لا يتحيّز بحيّز ولا يتأثر بعَرَض، فوجوده في مكان لا يمنع وجوده في كل مكان آخر، في نفس الوقت.

والإنسان وإن انتقل إلى عالم الروح، لا يستطيع من تلقاء ذاته أن يدرك الله إدراكاً صحيحاً، لأن الإنسان سواء أكان في عالم المادة أم في عالم الروح، هو كائن محدود، والمحدود لا يستطيع أن يدرك شيئاً عن غير المحدود. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الإنسان إن لم يدرك الله (في العالم الحاضر والأبدية معاً) في الابن المتأنس ، فلا يستطيع إدراكه على الإطلاق - هذا مع العلم بأن ناسوت المسيح، وهو في المجد الآن، ليس هو الناسوت المادي، بل الناسوت الروحي، الذي لا يحتاج إلى طعام أو شراب، أو غير ذلك من الحاجيات (لأنه لا يوجد في السماء مجال يدعو إلى الأكل والشرب، أو إلى ممارسة أي عمل من الأعمال الجسدية)، وهكذا ستكون أجساد القديسين، عند قيامتهم من بين الأموات، أجساداً روحية لا تأكل ولا تشرب، ولا تتزوج ولا تلهو (1كورنثوس 15: 42-58).

وقد أطلق علماء المسيحيين على اتحاد اللاهوت بالناسوت، اسم التجسُّد ، فالتجسّد إذن ليس هو تحوّل اللاهوت إلى ناسوت، أو تحيُّزه بحيِّز، أو تعرّضه لأي تطوّر أو تغيُّر، بل هو فقط وجوده مع الناسوت الذي اتخذه، في وحدة حقيقية، بعمل إلهي يفوق كل العقل والإدراك. ووجود مثل هذا لايتعارض مع ذات الله أو صفاته، بل بالعكس يتوافق كل التوافق.

الصفحة
  • عدد الزيارات: 20715
إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.
شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.
إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.
سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.