بيان مختصر لمشتملات التوراة - تعلم الأسفار المقدسة من أولها إلى آخرها وحدانية الله
وتعلم الأسفار المقدسة من أولها إلى آخرها وحدانية الله ,وجوهر إيمان اليهود قائم على هذه الآية الذهبية إِسْمَعْ يَا إِسْرَائِيلُ : الرَّبُّ إِلهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ - تثنية 6 :4 -وأيد المسيح هذا الإيمان وأنزله المنزلة الأولى - مرقس 12 :29 - إلا أنه لأجل استثمار هذه العقيدة الجوهرية وتشخيصها في أعمالنا وسيرتنا اليومية اقتضت الضرورة أن يعلن الله نفسه للجنس البشري بحالة يمكن معها أن يكون معروفاً ومحبوباً, وإلا فمجرد معرفة وحدانية الله لا تقدم ولا تؤخر في حياة الفضيلة ,ولا تختلف عن عقائد بعضهم بوحدة الوجود, وكما أن إبليس يعرف أن الله واحد - وهو أخبث من بني آدم - ولكن لا يحبه - يعقوب 2 :19 .
وعلى ما تقدم وتحقيقاً لنبوات الكتاب عندما آن الآوان جاء من هو وحده كلمة الله - يوحنا 1 :1 - ليعلن الله لنا ويهب حياة أبدية لكل من يؤمن به إيماناً حقيقياً على وفق نطقه الكريم - يوحنا 17 :3 .
غير أن جمهور اليهود عثروا في المسيح عند مجيئه لأنهم كانوا قوماً عالميين في أذهانهم وميولهم ,فلم تكن تهمهم مسألة الخلاص من الخطية ,بل حصروا اهتمامهم وهوى قلوبهم في مخلّص يخلصهم من نير السلطة الرومانية, ولم يهمهم أن يكونوا أغنياء في الإيمان وسلام الله ,بل أن يكونوا حكاماً وولاة يسودون على البلاد والعباد ويغنمون الغنائم ويملأون الخزائن ذهباً وفضة أسوة بدولة الرومان والفرس, فمن كانت هذه مطامعهم وآمالهم فلا عجب أن تغمض أبصارهم وتعمى قلوبهم عن نبوات الأنبياء الصريحة المشيرة إلى المسيح كمخلّص من الخطية ,يأتي إلى الأرض مجرداً عن زخارف العالم ,خالياً من أبهة الملك وجلال السلطان ,محتقراً مخذولاً من الناس ,ولا يصيح ولا يسمع أحد في الشوارع صوته ,ولكنه يعصب القلوب المنكسرة ويعتق أسرى إبليس والخطية,
فلم يمنع الناس في الماضي والحاضر عن قبول المسيح عدم الدليل ولا غموض النبوات عن الإشارة إليه ,بل تمنعهم محبة العالم وخلوهم من محبة الله والديانة الروحية, أما ذوو العقول الروحية بين اليهود فقد عرفوا وآمنوا به وتبعوه ,وبعد صعوده إلى السماء تفرقوا في أطراف المسكونة يذيعون بين الأمم أخبار مخلّصهم المحبوب كما أمرهم,
وكتب الإنجيل رسل المسيح - الحورايون - وتلامذتهم بإلهام الروح القدس الذي وعد المسيح أن يرسله بعد صعوده, ويتضمن الإنجيل أخباراً عن تعليم المسيح ومعجزاته تحقيقاً لنبوات العهد القديم بشأن المسيا المنتظر ,ويتضمن شرح طريق الخلاص بما مضمونه أن المسيح مات على الصليب ليقدم نفسه كفارة عن خطايا العالم ,وأنه قام في اليوم الثالث ومكث على الأرض بعد قيامته أربعين يوماً يتردد في غضونها على تلاميذه يعلّمهم ويشرح لهم الكتب ,ويمكّنهم من مشاهدته ولمسه ليؤدوا للعالم عنه شهادة عين, وفي ختام المدة قلدهم مهمة الرسالة التبشيرية إلى كل الخليقة في كل الأرض ,وأمرهم قبل الشروع في الخدمة أن يمكثوا في أورشليم حتى يلبسوا قوة من الأعالي ,بمعنى أن يحل عليهم الروح القدس ليقويهم ويذكرهم ويلهب قلوبهم شوقاً وغيرة ليؤدوا عنه الشهادة إلى أقصاء الأرض, ثم صعد إلى السماء أمام عيونهم تاركاً لهم الوعد برجوعه ثانية, وظلوا يودعونه بأبصارهم حتى حجبه عنهم سحاب السماء ,وعند ذلك ظهر لهم ملاكان من السماء أخبراهم أنه سيأتي هكذا كما رأوه منطلقاً إلى السماء ,على وفق سابق وعده لهم - يوحنا 14 :3 وأعمال 1 :9-11 .
ودوّن التلاميذ كثيراً من أقوال المسيح وأعماله في زمن حياته على الأرض ,ولما صعد إلى السماء أخذوا يبشرون بالإنجيل شفاهياً ثم كتبوه فيما بعد في أربع بشائر معنونة هكذا إنجيل المسيح كما كتبه متى وكما كتبه مرقس ولوقا ويوحنا , وتمت كتابة هذه البشائر قبل ختام القرن الأول للميلاد, ومن بين البشيرين الأربعة رسولان هما متى ويوحنا ,أما مرقس فهو تلميذ بطرس الرسول ,وكتب إنجيل المسيح كما أخذه عن معلمه وعن آخرين ,ونجد في بشارته فصولاً يجب أن تكون قد كُتبت قبل صعود المسيح, وأما لوقا فهو زميل وتلميذ بولس الرسول ,كتب في بشارته الأمور المتيقنة ,لا عند واحد بل عند كثيرين من الذين عاينوا الوقائع والأخبار التي كتبها - لوقا 1 :1-4 .
- عدد الزيارات: 10812