اختلافات في قراءات الإنجيل - مزيد من البراهين
مزيد من البراهين
على أن النساخ نسخوا الأسماء والكلمات غير العادية بدقّة وأمانة
نقل النُّساخ أسماء البلاد والملوك، عِبرية وأجنبية، بأمانة ودقة كاملتين، برغم موت أولئك الملوك ودمار تلك البلاد قبل النسخ بمئات السنين. ويعترف د. بوكاي بهذا فيقول اسم رمسيس لم يُحفظ إلا في التوراة وفي بعض الكتب اليونانية واللاتينية التي شوّهت الاسم قليلاً أو كثيراً.. أما التوراة فقد احتفظت بمنتهى الدقة باسم رمسيس، وهي تذكره أربع مرات في أسفار موسى الخمسة (ص 262).
وإليك مثالاً آخر: في 1صموئيل 13:21 الذي كان يُترجَم عندما كلّت حدود (كلمة حدود في اللغة العبرية هي pim) السكك والمناجل والمثلّثات والأسنان والفؤوس . ولم تكن كلمة حدود pim العِبرية معروفة وقتها، فخمَّن المترجمون معناها من القرينة. وبعد وقت اكتشف رجال الحفريات قطعة عملة مكتوب عليها pim وهي تساوي ثُلثي مثقال، فأُعيدت ترجمة النص في نور المعرفة الجديدة ليصبح وكانت كلفة التحديد ثلثي مثقال للسكك والمناجل، وثلث مثقال للفؤوس .
وواضح أن كلمة pim ليست هامة، ولا تؤثر في العقيدة بشيء، ولكن النسّاخ نقلوها بأمانة مدة ألفي سنة (1000 ق م إلى 1000م) دون أن يعرفوا معناها بالتحديد. ولا شك أن القارئ أدرك أن الاختلافات في القراءة (في التوراة والإنجيل والقرآن) ليست هامة ولا أساسية، ولا تؤثر بالمرة على جوهر الرسالة. فما الفرق بين يباركون الله، أو يسبحون الله، أو يسبحون ويباركون الله؟ (لوقا 24:53). وما الفرق بين أن المسيح غسلنا من خطايانا أو حررنا من خطايانا؟ إن العقيدة الإنجيلية في الحالتين باقية لم تتأثر!
ويوجد اليوم أكثر من 5300 مخطوطة قديمة من العهد الجديد أو أجزاء منه باليونانية فقط، فلا غرابة أن تكون هناك آلاف الاختلافات التافهة في القراءات. وهناك كتيب عنوانه خمسون ألف خطإ في الكتاب المقدس وهو محض هراء، كما لو قلنا إن بالقرآن خمسة آلاف خطإ. فقد استخدم المؤلف كلمة خطإ بدل تعبير اختلاف قراءات ولم يخبر القارئ أن هذه الاختلافات تم إصلاحها بمقارنة المخطوطات. وقد ارتكب د. بوكاي الخطأ نفسه في قوله: بهذا تتَّضح ضخامة ما أضافه الإنسان إلى العهد القديم. وبهذا أيضاً يتبيَّن القارئ التحوّلات التي أصابت نص العهد القديم الأول من نقلٍ إلى نقلٍ آخر، ومن ترجمة إلى ترجمة أخرى، بكل ما ينجم حتماً عن ذلك من تصحيحات جاءت على أكثر من ألفي عام (ص 19).
ولكننا لا نتعامل مع ألفي عام، فإن الإنجيل الذي بين أيدينا مترجم من نُسخٍ تمَّ نسخها في القرون 2-4م، فنحن لا نترجم ما كتبه ناسخ قام بالنسخ في القرن التاسع مثلاً، بل نترجم من الفاتيكانية (350م) ومن برديات تعود إلى عام 200م.
وقد قضى العالِمان وستكوت، وهورت 28 عاماً (1853-1881) (36) يجهّزان نسخة يونانية للعهد الجديد من أقدم النسخ المعروفة لهما، فوجدا 60 فقرة (سبعة منها في الأناجيل الأربعة) اعتبرا أن فيها أخطاء بدائية (الخطأ البدائي معناه الاختلاف مع نسخة أقدم). فما أبعد الفرق بين هذا وبين الاتهام بوجود 50 ألف خطإ!
ومنذ 1881 اكتُشفت مخطوطات وبرديات، برهنت أن اعتماد وستكوت وهورت صحَّة الأصل كان في محله.
وقال محررو الترجمة الإنكليزية المنقَّحة (عام 1946):
واضح للقارئ المدقق أنه في عام 1946 كما في عامي 1881 و1901 لم تتأثر أية عقيدة مسيحية بتنقيح الترجمات، لسبب بسيط هو أن آلافاً من اختلاف القراءات في المخطوطات لم يتطلّب تنقيح العقيدة المسيحية .
ولخَّص متزجر عام 1968 الحالة الحاضرة بقوله:
من المتَّفَق عليه أن محرري النسخة الإسكندرية كانوا علماء أكفاء مدرَّبين في التقليد العلمي الإسكندري. وقد أيَّدت المخطوطتان السينائية والفاتيكانية (وتعودان إلى منتصف القرن الرابع الميلادي) صحة النص الإسكندري. وباكتشاف البردية p66 (انظر صورتها رقم 9 في الجزء التاسع من هذا الكتاب فصل 4) وبردية p75 (انظر صورتها رقم 5 في هذا الفصل) وترجعان إلى أواخر القرن الثاني الميلادي وأوائل القرن الثالث تَبَرْهَن أن هذا النص يعود إلى نسخة أقدم ترجع إلى بدء القرن الثاني .
وهذا يعني أن المخطوطة تعود إلى 170 سنة بعد صعود المسيح، وإلى 110-120 سنة بعد كتابة بشارة يوحنا. في ذلك الوقت كان هناك مسيحيون أحياء سمعوا العقيدة الإنجيلية من آبائهم، ومن رجال عرفوا الرسل معرفة شخصية.
وهذا برهان هام يؤيد اعتقادنا أن النص الذي بين أيدينا اليوم هو النص الذي أعطاه لنا رسل المسيح.
- عدد الزيارات: 8593