أية سلطة أو كفاية "لهارت" حتى يكون مرجعاً؟
أية سلطة أو كفاية "لهارت" حتى يكون مرجعاً؟
أعلم ديدات قُرّاءه أن "هارت"... متبحّر في علوم الرياضة والفلك والشطرنج وعالِم ومحام. ولكن "هارت" ليس لاهوتياً ولا عالماً في الكتاب المقدس ولا حتى في الإسلام نفسه، إذ لم يرد في القرآن أن محمداً هو الأعظم. أما القول إن أحد "القسس" (مثلاً د. رسوورث سميث) مدح محمداً ووصفه بأنه "الرجل (أي الوحيد) الذي يحكم بالشريعة الإلهية لأنه كان يحمل بين جنبيه كل القوى بدون دعامتها المادية. إنه لم يُعنَ بارتداء ثياب القوة. إن بساطة حياته الخاصة كانت مطابقةً لبساطة حياته العامة"، فهذا الرأي شخصي لا يمثّل الدين المسيحي. ولو كان "القس" المذكور لاهوتياً قويم الإيمان لما رأى تلك "الشرعية الإلهية" بعد المسيح والرسل، لأن الإيمان المسيحي الصميم لا يقبل بعد المسيح وحياً أو نبياً (راجع عبرانيين 1: 1-2). أما عبارة سميث أن محمداً ما اعتنى بالقوة، فهو مخالف للحقائق التي تُقرّ بها كتب السيرة عن غزوات محمد وفتوحاته العسكرية التي قادها شخصياً أو عن طريق صحابته. وربما كانت حياة محمد العامة بسيطة، إلا أن حياته الخاصة وخصوصاً المشاكل بين أزواجه وسراريه، وانقسامهن إلى حزبين، واستياء بعضهن من مارية القبطية بعد أن حملت منه وولدت له ولداً ذكراً هو إبراهيم لم يعمر طويلاً - كل هذه الأمور الواردة في المصادر الإسلامية الثقة تدل على تعقيدات حياة محمد الزوجية والعائلية التي جعلته يقول في النساء "إن كيدهنّ عظيم". وكان هذا التعقيد سبب نزول "سورة التحريم". لقد حدثت خصومات ونزاعات ومنافسات زوجية بين نساء محمد (وبعض سراريه) إما بمناسبة مضاجعته للقبطية في بيت حفصة وعلى فراشها، أو بسبب أكله عسل مغافير عند سودة بنت زمعة، أو للسببين معاً (راجع كبار المفسرين للسورة المذكورة). وتأتي في سياق السورة كلمات موجّهة إلى محمد مع صفوان بن المعطل، وما جرّه من تعقيدات وشكوك وضعت الجُمل القرآنية لها حداً، فهو مَثَل آخر على تعقيدات حياة محمد الخاصة. وهذا غيض من فيض (راجع تفسيرات القرآن وسيرة ابن هشام وغيرها من أمهات المراجع الإسلامية).
ويتابع "القس د. سميث" استنتاجاته التي لا تمثّل الدين المسيحي بل هي آراء شخصية يجوز للإنسان عدم الموافقة عليها ودحضها، ومنها قوله: "بتوفيق مطلق ووحيد خلال كل التاريخ استطاع محمد أن يؤسس ثلاثة كيانات في ثوب واحد: الوطن والإمبراطورية والدين".
إنّ القس المذكور ينتقد موقف رجال الدين المسيحي الذين يستندون إلى القوة السياسية. فلماذا لا ينتقد هنا بنفس المنطلق إنساناً أسس كياناً سياسياً (وذلك أكثر من مجرد الاستناد إلى كيان سياسي)؟ ويلحظ المرء أن "الدين" هو آخر ما ورد في اللائحة الثلاثية التي وضعها سميث. وفي هذا لا يوافقه المسلمون. أما الفكرة المسيحية الصميمة فهي أن "ملكوت يسوع ليس من هذا العالم" (كما أعلن السيد المسيح للوالي الروماني بيلاطس في يوحنا 18: 36). وسيأتي لاحقاً النقاش في أمر "التوفيق بين الدين والسياسة" (الذي يشير إليه "هارت" أيضاً، لا كبرهان لعظمة محمد، بل كوسيلة لانتشار تأثيره). راجع كتابه المذكور ص 33.
- عدد الزيارات: 5828