السؤال الأول - النظرة العلمية عن الله
النظرة العلمية عن الله
هذا الكون المتناسق في مجموعته يحتم على العِلم الاعتراف بأن لكل معلول علة. فإذا اختلّ تناسق شيء ما ظن العلم أن فكرته ناقصة، وأن الحقائق لم تتوفر كلها، وأن هناك حلقات ما تزال مفقودة. فالنظرية العلمية تفرض أن يستعرض الباحث أمامه تفصيلات الموضوع، وأن يزنه ويحلله مقارناً الحقائق، وبعدئذ يطبق نتائج بحثه على الفرض الذي افترضه، ليرى مبلغ توافقه مع هذه النتائج. والآن آتي بك إلى نقطة يلتقي عندها طريقان: طريق العقل المسلَّح بالعلم، وطريق الاختبار.
يقرُّ العِلم أن للعالم قصداً معيَناً، وأن وراء هذا القصد إرادة عاملة. ولا يسلّم العلم بأي شيء إلا إذا عرف علته. ولكن من جهة أخرى يطل علينا طريق الاختبار الديني، ذلك الشعور العميق بوجود قوة عُليا تحيط بنا وتهدي أقدامنا وتسند ضعفنا. هذا الشعور هو الذي يدفع الإنسان لأن يلقي نفسه على قوة أعظم منه وخارجة عنه. وقد شهد كثيرون أن هذه القوة قد تدخلت فعلاً وأسندتهم عند الحاجة.
ولكن الإنسان لا يقدر أن يؤمن بالله ما لم يسلم قبل كل شيء أن معرفته صادرة من الله، لأنه مصدر كُلِّ عَطِيَّةٍ صَالِحَةٍ وَكُلَّ مَوْهِبَةٍ تَامَّةٍ (رسالة يعقوب 1:17(. وإن كان الله واهب كل شيء في هذا العالم، وإن كان قصده واضحاً في كل حقائق الحياة، فعندما نتأمل في هذه الحقائق كأننا نتأمل نتاج قصد الله وعمل يديه. وكلما تأملنا في خليقة يديه عرفنا شيئاً عن الصانع نفسه. وهذا ما عبر عنه داود بالقول: اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللّهِ، وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ (مزمور 19:1(.
ويصل الفيلسوف إلى وُجهة نظره عن ذات الله وطبيعته بعد التفكير والبحث والجدل، إلى أن يقول: بما أن هذه الحقائق صحيحة ظاهرياً يكون الله كذا وكذا...
أما المتصوّف فيبدأ تفكيره، لأن شيئاً قد اعترض سبيله، أو لأن اختباراً معيناً مرّ به، ولم يفهم مرماه. ولكنه لا يلبث أن يقبله بالتسليم للمشيئة الإلهية، فيقول: هكذا يقول الرب .
فإن كان العلم والفلسفة يسعيان وراء معرفة الله، فإن الاختبار الديني وحده يعطينا معرفة الله. بيد أن الاختبار يشترط في الإنسان صفة الذهن المفتوح الذي يُسر بما لله.
- عدد الزيارات: 15970