من هو الله؟
أنا متيقن، يا صديقي العزيز، أن سؤالك الأول هو: "ما الذي يؤمن به المسيحيون بخصوص الله؟" إن الأمر الأهم في أي دين هو فكرته عن الله. أعرف أن بعض الجاهلين قد أخبروك بأن المسيحيين يعبدون ثلاثة آلهة. والبعض تصور أننا نعبد الصليب، بل وحتى صور بشرٍ. دعني أؤكد لك أن هذه الطروحات زائفة وغير صحيحة. المسيحيون الحقيقيون ما برحوا يؤمنون بالله الوحيد الحقيقي، وإن كان أحد قد عبد آلهة أخرى فهو على ضلال كبير. اسمع إلى ما قاله يسوع المسيح لذاك الذي سأله عن أي وصية هي الأعظم بين وصايا الله. لقد أجاب يسوع قائلاً: "الرَّبُّ إِلَهُنَا رَبٌّ وَاحِدٌ. وَتُحِبُّ الرَّبَّ إِلَهَكَ مِنْ كُلِّ قَلْبِكَ وَمِنْ كُلِّ نَفْسِكَ وَمِنْ كُلِّ فِكْرِكَ وَمِنْ كُلِّ قُدْرَتِكَ" (متى 12: 29). كل أنبياء الله في الأزمنة القديمة أعلنت وحدة ووحدانية الله، وندّدت بالأصنام وبأولئك الذين يعبدونها.
يؤمن المسيحيون أيضاً أن الله لم تكن له بداية، ولن تكون له نهاية، لأنه سرمدي. نحن نؤمن أن الله لديه كل المعرفة والقدرة، وأنه خلق كل الأشياء، المنظورة وغير المنظورة، بكلمته. إن نظر المرء إلى الأعلى نحو الشمس والقمر وملايين النجوم، وبدأ يفهم ولو قليلاً عن عظمة وعجب كل الخليقة، فسيعلن بقوة على نحو داود النبي هاتفاً: "اَلسَّمَاوَاتُ تُحَدِّثُ بِمَجْدِ اللهِ وَالْفَلَكُ يُخْبِرُ بِعَمَلِ يَدَيْهِ" (مز 19: 1). كم هي عظيمة حكمة وقدرة الله الذي، ليس فقط خلق بل أيضاً يُقوّي ويُثبّت كلاً من الشمس والكواكب العظيمة في الفضاء البعيد وأصغر الورود والحشرات على الأرض! الله قدير، ويستطيع أن يفعل كل ما يرغب به. إن لديه هدفاً للعالم، وما من شيء يمكن أن يمنعه من تحقيقه. نحن نؤمن أن الله ليس فقط عظيم جداً، بل إنه أيضاً عادل مستقيم قدوس جداً. في العصور القديمة كان اليونانيون والرومان، الذين كانوا يؤمنون بآلهة عديدة، يعتقدون أن آلهتهم كانت كمثل البشر، فيكذبون، ويسرقون، ويقتلون، ويرتكبون الزنى، وكل الأفعال الفحشاء الشريرة الأخرى. ولكن الأسفار المقدسة التي يؤمن بها المسيحيون تكتب الكثير عن قداسة الله الكاملة؛ أي انفصاله الكامل عن كل نجاسة أو دنس.
رأى أحد خدام الله في رؤيا بعض الكائنات السماوية في حضرة الله تسبحه وتقول: "قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ، الرَّبُّ الْإِلَهُ الْقَادِرُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ" (رؤيا 4: 8). ولذلك، ورغم أن الله لديه كل القدرة والقوة، فإنه لا يستطيع أن يفعل أي شيء يتعارض مع طبيعته المقدسة. فمثلاً، لا يمكن لله أن يكذب ولا أن يظلم. بالطبع، ليس لله جسد كالبشر وهو ليس محدود في مكان وزمان معينين، بل هو حاضر دائماً وفي كل مكان. لكننا، على كل حال، نتكلم أحياناً عن يديّ الله، أو عينيه، أو قلبه، مستخدمين هذه التعابير الجسدانية بمعنى روحي. إذ بينما الله هو العليّ والسامي بما يفوق الوصف، نؤمن أنه أيضاً قريب جداً مننا. ولذلك نقول إنه يرانا بعينيه، ويرفعنا بيديه، ويحبنا بقلبه.
بينما كل صفات الله هي في غاية الأهمية بالنسبة لنا، إلا أننا شاكرون كمسيحيين بشكل خاص لأن الله الذي نعبده هو إلهٌ محبٌ. وصفة المحبة هذه هي كبيرة الأهمية لدرجة أن الكتاب المقدس يقول أن "الله محبة" (1 يوحنا 4: 8)، أي أن كل ما يفكر به الله أو يفعله إنما هو بدافع المحبة. والله يظهر محبته للناس بتأمينه لهم المطر ونور الشمس، الطعام والشراب واللباس، وكل ما يحتاجونه لحياتهم على الأرض. إنه يظهرها أيضاً بإرساله للأنبياء ليخبرونا عن الله. وأن أعظم عما دلّ على محبته هو إرساله للمخلص، كما صعوده لاحقاً. إن الله يحب كل مخلوقاته ويريد الخير للجميع. يخبرنا النبي داود عن عناية الله به من خلال هذه الكلمات الجميلة: "الرَّبُّ رَاعِيَّ فَلاَ يُعْوِزُنِي شَيْءٌ. فِي مَرَاعٍ خُضْرٍ يُرْبِضُنِي. إِلَى مِيَاهِ الرَّاحَةِ يُورِدُنِي. يَرُدُّ نَفْسِي. يَهْدِينِي إِلَى سُبُلِ الْبِرِّ مِنْ أَجْلِ اسْمِهِ" (مز 23: 1- 3).
من الطبيعي أن يحبّ الله أولئك الذين يحبونه ويطيعونه. ولكن هل يحب الناس الذين يعصونه؟ بلى، لأن الله قدوس وهو يحب كل ما هو خير ويكره كل أنواع الشر. عندما يرتكب الناس أفعال الشر التي يبغضها الله، فإنه يغضب عليهم، كما يقول داود: "أبْغَضْتَ كُلَّ فَاعِلِي الإِثْمِ" (مز 5: 5). إن الله يظهر بغضه للشر بمعاقبته لأولئك الذين يمارسونه ويرفضون إطاعته. عندما نقرأ الكتاب المقدس نرى أن كيف الله دمر الناس أفراداً وكذلك أمماً كاملةً، تلك التي عصته ورفضت التوبة، أي لم يأسفوا ولم يتركوا أعمال شرّهم.
ولكن دعني أخبرك حقيقة رائعة. حتى مع أن الله يكره فاعلي الإثم، إلا أنه يريد أن يخلصهم من خطاياهم. إنه يحبهم كأب لطيف يحب ابناً عصى أمره. محبة الله المذهلة هذه للخطاة تتبدى بشكل واضح في مثل قاله يسوع المسيح، والذي حكى فيه عن ابن، وبينما كان أبوه لا يزال على قيد الحياة، طلب ميراثه وحصل عليه. ثم ترك منزل والديه، وبذّر كل أمواله في العيش الرديء. ولكن عندما لم يعد لديه شيء وكاد يموت جوعاً، قرر أن يرجع إلى أبيه ويعترف بخطيئته. حالما رآه أبوه من بعيد ركض للقائه، وعانقه وقبّله، وأقام وليمة على شرف عودته. إن الأب، ولأنه أحبه، سامح الابن ورحّب به، ذاك الابن الذي كان شريراً جداً. قال يسوع المسيح أن هذه هي الطريقة التي يحب بها الله الناس الذين يخطئون تجاهه. يا صديقي العزيز، إنه نبأ سار لنا نحن الخطاة أن نعرف أن الله يحبنا ويريد أن يغفر لنا، وهو مستعد لاستقبالنا عندما نعود إليه.
في الكتاب المقدس نجد أسماء عديدة لله، مثل: القدير، الرب، الكائن، الأبدي، الحي، العلّي، القدوس، البار، اللطيف، القاضي الديّان، الخالق، المخلص، وراعي شعبه. ولكن الاسم الذي نحبه نحن المسيحيين أكثر هو الآب السماوي. عندما كان يسوع المسيح يتكلم عن الله كان يدعوه دائماً "أبي"، وأخبر تلاميذه عندما يُصلوا أن يقولوا لله: "أَبَانَا الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ" (متى 6: 9). هل من امتياز أعظم من هذا أن نكون أبناء روحيين لله وأن نعرف أن الله العلي هو أب محب؟ هذا الامتياز السامي العظيم يعطيه الله لكل الذين يؤمنون بيسوع المسيح.
في هذه اللحظة، لعلك ترغب أن تسأل عما يعنيه المسيحيون عندما يتكلمون عن "الثالوث القدوس". إن تلطفتَ وانتظرتَ قليلاً فسأشرح لك بعد قليل هذه العقيدة الهامة.
- عدد الزيارات: 3434