Skip to main content

قيامة المسيح والأدلة على صدقها

المسيحيون وقيامة المسيح

الباب الأول

1 شهادة المسيح عن قيامته قبل حادثة الصلب والأدلة على صدقها

أولاً - شهادة المسيح عن قيامته، قبل حادثة الصلب

لم يظهر خبر قيامة المسيح من بين الأموات فجأة بين الناس حتى كان يجوز الظن أنه بدعة، بل أعلنه المسيح مرات متعددة، وهو لا يزال في أوائل علاقته مع تلاميذه، كما يتضح مما يلي:

1 - أراد المسيح مرة أن يعلن لتلاميذه شيئاً من المجد الذي سيكون له مع المؤمنين الحقيقيين به، حتى يزداد إيمانهم بشخصه,فأخذ ثلاثة منهم إلى جبل عال، وهناك ت

فبعد حادثة التجلي أوصى تلاميذه أن لا يخبروا أحداً بما أبصروا من مجد على الجبل، إلا بعد أن يقوم من الأموات (مرقس 9: 29) .

2 - وعندما شهد بطرس أن المسيح هو ابن اللّه الحي، وتملك تلاميذه الإعتقاد بأنه لا يموت، قال لهم عن نفسه إنه يَنْبَغِي أَنْ يَذْهَبَ إِلَى أُورُشَلِيمَ وَيَتَأَلَّمَ كَثِيراً مِنَ الشُّيُوخِ وَرُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، وَيُقْتَلَ، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومَ (متى 16: 21) .

3 - وبينما كان يسير معهم في بلاد الجليل قال لهم: ابن الإِنْسَانِ سَوْفَ يُسَلَّمُ إِلَى أَيْدِي النَّاسِ فَيَقْتُلُونَهُ، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ (متى 17: 23) .

4 - وفي أثناء صعوده إلى أورشليم للمرة الأخيرة قال لهم هَا نَحْنُ صَاعِدُونَ إِلَى أُورُشَلِيمَ، وَابن الإِنْسَانِ يُسَلَّمُ إِلَى رُؤَسَاءِ الكَهَنَةِ وَالْكَتَبَةِ، فَيَحْكُمُونَ عَلَيْهِ بالمَوْتِ، وَيُسَلِّمُونَهُ إِلَى الأُمَمِ لِكَيْ يَهْزَأُوا بِهِ وَيَجْلِدُوهُ وَيَصْلِبُوهُ، وَفِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يَقُومُ (متى 20: 18 و19) .

5 - ولما طلب اليهود منه معجزة غير المعجزات التي عملها أمامهم، قال لهم: انْقُضُوا هذَا الهَيْكَلَ وَفِي ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ أُقِيمُهُ (يوحنا 2: 19) قاصداً بالهيكل، هيكل نفسه، أو بالحري جسده.

6 - وعندما تحدث عن شخصه كالراعي الصالح الذي يبذل نفسه فدية عن البشر، قال عن نفسه هذه: لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضاً (يوحنا 10: 1-8) ، مشيراً بذلك إلى أنه يموت بإرادته ويقوم أيضاً بإرادته.

7 - وقبل إحيائه رجلاً ظل ميتاً في القبر أربعة أيام، قال عن نفسه إنه هو الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ (يوحنا 11: 25) ، مشيراً بذلك إلى أنه هو الذي يقيم الموتى ويحييهم بسلطانه الذاتي. ومن يقوم بهذا العمل لا يكون للموت سلطان عليه، بل أنه إذا مات لأجل الفداء يكون ذلك بإرادته، ومن ثم لا بد أن يقوم بإرادته أيضاً.

8 - وأخيراً قال لتلاميذه، وهو في الطريق إلى الصليب: وَل كِنْ بَعْدَ قِيَامِي (أو بالحري بعد قيامي من الأموات) أَسْبِقُكُمْ إِلَى الجَلِيلِ (متى 26: 32) .

ثانياً - الأدلة على صدق هذه الشهادة

فضلاً عن أن الشهادة المذكورة مدونة بالوحي الإلهي، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها نقول:

1 - إن المسيح (كما نعلم) كان متواضعاً كل التواضع وبعيداً عن التفاخر كل البعد، وفي الوقت نفسه كان يعلم كل الأمور قبل أن تبدو أي بادرة تدل على جواز حدوثها (إقرأ مثلاً: متى 11: 28-29 ، يوحنا 13: 4-14) ، لذلك لا بد أن شهادته قبل صلبه أنه سيقوم من الأموات، هي شهادة صادقة.

2 - فإذا أضفنا إلى ذلك، أن تنبؤ المسيح عن قيامته مقترن كل الإقتران بتنبؤه عن صلبه، وأن تنبؤه عن صلبه قد تحقق بحذافيره، كما ذكرنا بالتفصيل في الكتابين اللذين أشرنا إليهما، اتضح لنا أن تنبؤه عن قيامته لا بد أنه تحقق أيضاً.

2شهادة المسيح عن قيامته بعد حادثة الصلب، والأدلة على صدقها

أولاً - شهادة المسيح عن قيامته بعد حادثة الصلب

بعد صلب المسيح وموته بثلاثة أيام، أخذ يظهر لتلاميذه ولجمع غفير من أتباعه في ظروف متعددة، ويعطيهم الفرص الكافية للتحقق من أنه هو بعينه، كما يتضح مما يلي:

1 - فعندما كانت مريم المجدلية تبكي بجوار قبره في اليوم الثالث لصلبه، ظهر لها المسيح وخاطبها قائلاً: يا إمرأة! لماذا تبكين؟ من تطلبين؟ ولما رفعت هذه بصرها إليه، ظنت أنه البستاني، إذ لم يكن يخطر ببالها أن الشخص الذي دفن أمامها منذ ثلاثة أيام، وقد أتت الآن لتضع الحنوط على جسده، هو بذاته الذي كان واقفاً قبالتها وقتئذ. ومن ثم قالت له: يا سيد إن كنت قد حملته، فقل لي أين وضعته وأنا آخذه . فأجابها قائلاً: يا مريم! فأدركت للتو أنه المسيح بعينه، لأنها كانت قد ألفت سماع صوته من قبل كثيراً. ولذلك قالت له كما كانت تقول سابقاً ربوني ، أي يا معلم ، ثم أسرعت إلى قدميه لكي تمسك بهما.

كن نظراً لأن المسيح قصد أن يعلن لها ولتلاميذه أنه من ذلك الوقت فصاعداً، تكون علاقة المؤمنين به علاقة روحية محض، قال لها: لَا تَلْمِسِينِي لِأَنِّي لَمْ أَصْعَدْ بَعْدُ إِلَى أَبِي. وَلكِنِ اذْهَبِي إِلَى إِخْوَتِي (أو بالحري إلى تلاميذي) وَقُولِي لَهُمْ: إِنِّي أَصْعَدُ إِلَى أَبِي وَأَبِيكُمْ وَإِلهِي وَإِلهِكُمْ . فَجَاءَتْ مَرْيَمُ المَجْدَلِيَّةُ وَأَخْبَرَتِ التَّلَامِيذَ أَنَّهَا رَأَتِ الرَّبَّ، وَأَنَّهُ قَالَ لَهَا هذَا (يوحنا 20: 11-18) .

2 - وعندما كانت مريم أم يعقوب وسالومة اللتان ذهبتا مع المجدلية إلى القبر واقفتين هناك، قال لهما ملاكان إن المسيح قد قام. ولما مضتا في طريقهما إلى أورشليم، لاقاهما المسيح وقال لهما: سلام لكما . وللتو عرفتاه. فتقدمتا وأمسكتا بقدميه وسجدتا له. فقال لهما: لَا تَخَافَا. اِذْهَبَا قُولَا لِإِخْوَتِي أَنْ يَذْهَبُوا إِلَى الجَلِيلِ، وَهُنَاكَ يَرَوْنَنِي (متى 28: 1-10) .

3 - فقام بطرس ويوحنا في الحال وأتيا إلى القبر، فدخل الأول فيه ورأى الأكفان موضوعة معاً، أما المنديل الذي كان على رأس المسيح فلم يره موضوعاً مع الأكفان، بل ملفوفاً في موضع وحده. وحينئذ دخل أيضاً يوحنا إلى القبر ورأى ما رآه بطرس، فآمن (يوحنا 20: 9) أن المسيح قام من الأموات. وبعد ذلك ظهر المسيح بصفة خاصة لبطرس (لأن هذا قد أنكره قبل الصلب، ثم شعر بخطئه وبكى بكاء مراً) ، حتى يرفع من نفسيته المحطمة ويمنح ضميره المعذب راحة وسلاماً (1 كورنثوس 15: 5) .

4 - وبينما كان تلميذان من تلاميذ المسيح منطلقين وقتئذ إلى بلدتهما عمواس، وهما في حيرة من جهة الأخبار التي ترامت إليهما عن قيامته، وفي حديث متواصل بين أحدهما والآخر بشأنها، اقترب إليهما المسيح نفسه وأخذ يمشي معهما دون أن يعرفاه - وذلك بسبب حزنهما الشديد واعتقادهما أن السائر معهما شخص مسافر مثلهما. فأراد له المجد أن يثبت لهما صدق الأخبار التي سمعاها عنه، ولذلك قال لهما: مَا هذَا الكَلَامُ الذِي تَتَطَارَحَانِ بِهِ وَأَنْتُمَا مَاشِيَانِ عَابِسَيْنِ؟ فَأَجَابَ أَحَدُهُمَا، الذِي اسْمُهُ كَِلْيُوبَاسُ: هَلْ أَنْتَ مُتَغَرِّبٌ وَحْدَكَ فِي أُورُشَلِيمَ وَلَمْ تَعْلَمِ الأُمُورَ التِي حَدَثَتْ فِيهَا فِي هذهِ الأَيَّامِ؟ فَقَالَ لَهُمَا: وَمَا هِيَ؟ فَقَالَا: الْمُخْتَصَّةُ بِيَسُوعَ النَّاصِرِيِّ، الذِي كَانَ إِنْسَاناً نَبِيّاً مُقْتَدِراً فِي الفِعْلِ وَالْقَوْلِ أَمَامَ اللّهِ وَجَمِيعِ الشَّعْبِ. كَيْفَ أَسْلَمَهُ رُؤَسَاءُ الكَهَنَةِ وَحُكَّامُنَا لِقَضَاءِ المَوْتِ وَصَلَبُوهُ. وَنَحْنُ كُنَّا نَرْجُو أَنَّهُ هُوَ المُزْمِعُ أَنْ يَفْدِيَ إِسْرَائِيلَ (أو بالحري يخلصه من ربقة الرومان، لأن هذا هو الفداء الذي كانوا يتوقون إليه) . وَلكِنْ، مَعَ هذَا كُلِّهِ، اليَوْمَ لَهُ ثَلَاثَةُ أَيَّامٍ مُنْذُ حَدَثَ ذلكَ. بَلْ بَعْضُ النِّسَاءِ مِنَّا حَيَّرْنَنَا إِذْ كُنَّ بَاكِراً عِنْدَ القَبْرِ، َلَمَّا لَمْ يَجِدْنَ جَسَدَهُ أَتَيْنَ قَائِلَاتٍ: إِنَّهُنَّ رَأَيْنَ مَنْظَرَ مَلَائِكَةٍ قَالُوا إِنَّهُ حَيٌّ. وَمَضَى قَوْمٌ مِنَ الذِينَ مَعَنَا إِلَى القَبْرِ، فَوَجَدُوا هكَذَا كَمَا قَالَتْ أَيْضاً النِّسَاءُ، وَأَمَّا هُوَ فَلَمْ يَرَوْهُ .

فقال لهما المسيح: أَيُّهَا الغَبِيَّانِ وَالْبَطِيئَا القُلُوبِ فِي الإِيمَانِ بِجَمِيعِ مَا تَكَلَّمَ بِهِ الأَنْبِيَاءُ، أَمَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ المَسِيحَ يَتَأَلَّمُ بِهذَا وَيَدْخُلُ إِلَى مَجْدِهِ؟ ثُمَّ ابْتَدَأَ مِنْ مُوسَى وَمِنْ جَمِيعِ الأَنْبِيَاءِ يُفَسِّرُ لَهُمَا الأُمُورَ المُخْتَصَّةَ بِهِ . ومن صوته وأسلوب حديثه، وتأملهما بعد ذلك في يديه المثقوبتين ووجهه الذي عرفاه من قبل، أيقنا أنه هو بعينه. وإذ رأى المسيح أنهما عرفاه انطلق عنهما، لكي يعلن ذاته لغيرهما. أما هما ففرحا وعادا إلى أورشليم ليخبرا باقي التلاميذ بما رأيا وسمعا (لوقا 24: 13-27) .

5 - وكان تلاميذه (ما عدا توما) مجتمعين معاً في ذلك الوقت، في غرفة اعتادوا الإجتماع فيها، وذلك بعد أن أحكموا غلقها بسبب الخوف من اليهود. فوقف المسيح في وسطهم وقال لهم: سَلَامٌ لَكُمْ! فَجَزِعُوا وَخَافُوا، وَظَنُّوا أَنَّهُمْ نَظَرُوا رُوحاً. فَقَالَ لَهُمْ: مَا بَالُكُمْ مُضْطَرِبِينَ، وَلِمَاذَا تَخْطُرُ أَفْكَارٌ فِي قُلُوبِكُمْ؟ اُنْظُرُوا يَدَيَّ وَرِجْلَيَّ: إِنِّي أَنَا هُوَ. جُسُّونِي وَانْظُرُوا، فَإِنَّ الرُّوحَ لَيْسَ لَهُ لَحْمٌ وَعِظَامٌ كَمَا تَرَوْنَ لِي . وَحِينَ قَالَ هذَا أَرَاهُمْ يَدَيْهِ وَرِجْلَيْهِ. وَبَيْنَمَا هُمْ غَيْرُ مُصَدِّقِين مِنَ الفَرَحِ، وَمُتَعَجِّبُونَ، قَالَ لَهُمْ: أَعِنْدَكُمْ ه هُنَا طَعَامٌ؟ فَنَاوَلُوهُ جُزْءاً مِنْ سَمَكٍ مَشْوِيٍّ، وَشَيْئاً مِنْ شَهْدِ عَسَلٍ. فَأَخَذَ وَأَكَلَ قُدَّامَهُمْ. وَقَالَ لَهُمْ: هكَذَا هُوَ مَكْتُوبٌ (في ناموس موسى والأنبياء والمزامير) ، وَهكَذَا كَانَ يَنْبَغِي أَنَّ المَسِيحَ يَتَأَلَّمُ وَيَقُومُ مِنَ الأَمْوَاتِ فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ... (لوقا 24: 36-46) .

6 - وبعد ثمانية أيام من هذا الظهور، كانوا مجتمعين أيضاً معاً في غرفتهم المذكورة ومعهم في هذه المرة توما (الذي لم يكن موجوداً معهم عند ظهور المسيح لهم في المرة السابقة، ومن ثم كان في شك من جهة قيامته) ، . فَجَاءَ يَسُوعُ وَالْأَبْوَابُ مُغَلَّقَةٌ، وَوَقَفَ فِي الوَسَطِ وَقَالَ: سَلَامٌ لَكُمْ . ثُمَّ قَالَ لِتُومَا: هَاتِ إِصْبِعَكَ إِلَى هُنَا وَأَبْصِرْ يَدَيَّ، (حيث أثر المسامير التي سمر بها له المجد على الصليب) وَهَاتِ يَدَكَ وَضَعْهَا فِي جَنْبِي، (حيث أثر الحربة التي طعن بها وهو عليه) وَلَا تَكُنْ غَيْرَ مُؤْمِنٍ بَلْ مُؤْمِناً . أَجَابَ تُومَا: رَبِّي وَإِلهِي . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: لِأَنَّكَ رَأَيْتَنِي يَا تُومَا آمَنْتَ! طُوبَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَرَوْا (يوحنا 20: 26-28) .

7 - وبعد ذلك ظهر المسيح لأكثر من خمسمائة شخص كانوا قد آمنوا به من قبل، وذلك لكي يقوي إيمانهم ويحملوا الإنجيل عن يقين إلى كل العالم (1 كورنثوس 15: 6) .

8 - وبينما كان بطرس ويوحنا وخمسة آخرون من تلاميذ المسيح في بحيرة تدعى طبرية، وقد استولى عليهم اليأس بسبب عدم عثورهم على شيء من السمك، ظهر لهم المسيح على الشاطئ وهم لا يعلمون أنه هو. فقال لهم: يَا غِلْمَانُ أَلَعَلَّ عِنْدَكُمْ إِدَاماً؟ . أَجَابُوهُ: لَا! فَقَالَ لَهُمْ: أَلْقُوا الشَّبَكَةَ إِلَى جَانِبِ السَّفِينَةِ الأَيْمَنِ فَتَجِدُوا . فَأَلْقَوْا، وَلَمْ يَعُودُوا يَقْدِرُونَ أَنْ يَجْذِبُوهَا مِنْ كَثْرَةِ السَّمَكِ. فَقَالَ ذلكَ التِّلْمِيذُ الذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ لِبُطْرُسَ: هُوَ الرَّبُّ . فَلَمَّا سَمِعَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ أَنَّهُ الرَّبُّ، اتَّزَرَ بِثَوْبِهِ، لِأَنَّهُ كَانَ عُرْيَاناً، وَأَلْقَى نَفْسَهُ فِي البَحْرِ. وَأَمَّا التَّلَامِيذُ الآخَرُونَ فَجَاءُوا بالسَّفِينَةِ، لِأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا بَعِيدِينَ عَنِ الأَرْضِ إِلَّا نَحْوَ مِئَتَيْ ذِرَاعٍ، وَهُمْ يَجُرُّونَ شَبَكَةَ السَّمَكِ. فَلَمَّا خَرَجُوا إِلَى الأَرْضِ نَظَرُوا جَمْراً مَوْضُوعاً وَسَمَكاً مَوْضُوعاً عَلَيْهِ وَخُبْزاً. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: قَدِّمُوا مِنَ السَّمَكِ الذِي أَمْسَكْتُمُ الآنَ . فَصَعِدَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ وَجَذَبَ الشَّبَكَةَ إِلَى الأَرْضِ، مُمْتَلِئَةً سَمَكاً كَبِيراً، مِئَةً وَثَلَاثاً وَخَمْسِينَ. وَمَعْ هذهِ الكَثْرَةِ لَمْ تَتَخَرَّقِ الشَّبَكَةُ. قَالَ لَهُمْ يَسُوعُ: هَلُمُّوا تَغَدَّوْا . وَلَمْ يَجْسُرْ أَحَدٌ مِنَ التَّلَامِيذِ أَنْ يَسْأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ إِذْ كَانُوا يَعْلَمُونَ أَنَّهُ الرَّبُّ. ثُمَّ جَاءَ يَسُوعُ وَأَخَذَ الخُبْزَ وَأَعْطَاهُمْ وَكَذ لِكَ السَّمَكَ، كما كان يفعل من قبل فَبَعْدَ مَا تَغَدَّوْا قَالَ يَسُوعُ لِسِمْعَانَ بُطْرُسَ: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي أَكْثَرَ مِنْ هؤُلَاءِ؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ . قَالَ لَهُ: ارْعَ خِرَافِي . قَالَ لَهُ أَيْضاً ثَانِيَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ قَالَ لَهُ: نَعَمْ يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّكَ . قَالَ لَهُ: ارْعَ غَنَمِي . قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: يَا سِمْعَانُ بْنَ يُونَا، أَتُحِبُّنِي؟ فَحَزِنَ بُطْرُسُ لِأَنَّهُ قَالَ لَهُ ثَالِثَةً: أَتُحِبُّنِي؟ فَقَالَ لَهُ: يَا رَبُّ، أَنْتَ تَعْلَمُ كُلَّ شَيْءٍ. أَنْتَ تَعْرِفُ أَنِّي أُحِبُّكَ . قَالَ لَهُ يَسُوعُ: ارْعَ غَنَمِي. اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكَ: لَمَّا كُنْتَ أَكْثَرَ حَدَاثَةً كُنْتَ تُمَنْطِقُ ذَاتَكَ وَتَمْشِي حَيْثُ تَشَاءُ. وَل كِنْ مَتَى شِخْتَ فَإِنَّكَ تَمُدُّ يَدَيْكَ وَآخَرُ يُمَنْطِقُكَ، وَيَحْمِلُكَ حَيْثُ لَا تَشَاءُ . مشيراً بذلك إلى نوع خاص من الموت كان بطرس عتيداً أن يتعرض له في سبيل خدمة الإنجيل ثم قَالَ لَهُ: اتْبَعْنِي . فَالْتَفَتَ بُطْرُسُ وَنَظَرَ التِّلْمِيذَ الذِي كَانَ يَسُوعُ يُحِبُّهُ يَتْبَعُهُ، وَهُوَ أَيْضاً الذِي اتَّكَأَ عَلَى صَدْرِهِ وَقْتَ العَشَاءِ، وَقَالَ: يَا سَيِّدُ، مَنْ هُوَ الذِي يُسَلِّمُكَ؟ فَلَمَّا رَأَى بُطْرُسُ هذَا ، قَالَ لِيَسُوعَ: يَا رَبُّ، وَهذَا مَا لَهُ؟ قَالَ لَهُ يَسُوعُ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ اتْبَعْنِي أَنْتَ . فَذَاعَ هذَا القَوْلُ بَيْنَ الإِخْوَةِ: إِنَّ ذلكَ التِّلْمِيذَ لَا يَمُوتُ. وَل كِنْ لَمْ يَقُلْ لَهُ يَسُوعُ إِنَّهُ لَا يَمُوتُ، بَلْ: إِنْ كُنْتُ أَشَاءُ أَنَّهُ يَبْقَى حَتَّى أَجِيءَ، فَمَاذَا لَكَ؟ (يوحنا 21: 1-23) .

9 - ثم ظهر المسيح بصفة خاصة بعد ذلك لتلميذه يعقوب الذي كان يمت له بصلة القرابة من جهة الجسد، حتى يتيقن من قيامته ويثبت إيمان الذين كانوا معه (1 كورنثوس 15: 7) .

10 - وعندما ذهب تلاميذه إلى الجليل كما أوصاهم من قبل، تقدم المسيح وقال لهم: دُفِعَ إِلَيَّ كُلُّ سُلْطَانٍ فِي السَّمَاءِ وَعَلَى الأَرْضِ، فَا ذْهَبُوا وَتَلْمِذُوا جَمِيعَ الأُمَمِ وَعَمِّدُوهُمْ بِا سْمِ الآبِ وَالِا بْنِ وَالرُّوحِ القُدُسِ. وَعَلِّمُوهُمْ أَنْ يَحْفَظُوا جَمِيعَ مَا أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ. وَهَا أَنَا مَعَكُمْ كُلَّ الأَيَّامِ إِلَى انْقِضَاءِ الدَّهْرِ (متى 28: 16-20) .

11 - وفي اليوم الأربعين من قيامته، اجتمع بتلاميذه وأوصاهم أن لا يبرحوا أورشليم، بل أن ينتظروا فيها حتى يحل الروح القدس عليهم، ويؤيدهم بما يحتاجون إليه من القوى والمواهب الروحية التي تعدهم للشهادة عنه، في أورشليم وفي كل اليهودية والسامرة، وإلى أقصى الأرض. وحينئذ سأله تلاميذه قائلين: يَا رَبُّ، هَلْ فِي هذَا الوَقْتِ تَرُدُّ المُلْكَ إِلَى إِسْرَائِيلَ؟ فَقَالَ لَهُمْ: لَيْسَ لَكُمْ أَنْ تَعْرِفُوا الأَزْمِنَةَ وَالْأَوْقَاتَ التِي جَعَلَهَا الآبُ فِي سُلْطَانِهِ (أعمال 1: 4-8) .

و أَخْرَجَهُمْ خَارِجاً وَرَفَعَ يَدَيْهِ وَبَارَكَهُمْ. وَفِيمَا هُوَ يُبَارِكُهُمُ انْفَرَدَ عَنْهُمْ وَأُصْعِدَ إِلَى السَّمَاءِ وَأَخَذَتْهُ سَحَابَةٌ عَنْ أَعْيُنِهِمْ. وَفِيمَا كَانُوا يَشْخَصُونَ إِلَى السَّمَاءِ وَهُوَ مُنْطَلِقٌ، إِذَا رَجُلَانِ قَدْ وَقَفَا بِهِمْ بِلِبَاسٍ أَبْيَضَ وَقَالَا: أَيُّهَا الرِّجَالُ الجَلِيلِيُّونَ، مَا بَالُكُمْ وَاقِفِينَ تَنْظُرُونَ إِلَى السَّمَاءِ؟ إِنَّ يَسُوعَ هذَا الذِي ارْتَفَعَ عَنْكُمْ إِلَى السَّمَاءِ سَيَأْتِي هكَذَا كَمَا رَأَيْتُمُوهُ مُنْطَلِقاً إِلَى السَّمَاءِ (لوقا 24: 5-51 ، أعمال 1: 10-11) .

ثانياً - الأدلة على صدق الشهادة السابقة

فضلاً عن أن الشهادة المذكورة مدونة بالوحي الإلهي، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها كما ذكرنا، نقول:

1-إن المسيح كان، بجانب تواضعه الجم، بعيداً عن الإدعاء كل البعد، ومن ثم فإن شهادته عن نفسه أنه قام من بين الأموات بعد صلبه، هي شهادة صادقة لا يجوز الطعن فيها بحال.

2 - إن تلاميذ المسيح وأتباعه العديدين كانوا لا يصدقون في أول الأمر أنه قام من الأموات، ومن ثم فحصوا بتدقيق الشخص الذي كان يظهر لهم من وقت لآخر، معلناً أنه المسيح، فأيقنوا تماماً أنه هو بعينه.

3 - إن الحديث الذي وجهه هذا الشخص إلى مريم المجدلية، وإلى النساء اللاتي ذهبن معها إلى القبر، وإلى تلميذي عمواس، وإلى توما، وإلى بطرس، وإلى التلاميذ معاً (عندما كانوا في أورشليم، وعلى جبل الزيتون، وفي الجليل) ، ومعجزة اصطياد السمك الكثير التي قام بها لأجلهم، وما رافقها من حديث عام وخاص - كل ذلك يدل على أنه كان هو المسيح بعينه كما ذكرنا.


3 شهادة كتبة سيرة المسيح عن حادثة قيامته، والأدلة على صدقها

أولاً - حادثة قيامة المسيح

(متى 28 ، مرقس 16 ، لوقا 24 ، يوحنا 20)

إن الوحي لم يستخدم شخصاً واحداً للكتابة عن قيامة المسيح، بل استخدم أربعة أشخاص للكتابة عنها، وهم متى ومرقس ولوقا ويوحنا، وقد أجمع هؤلاء الأربعة على الخلاصة الآتية:

حدثت في فجر الأحد، أو بالحري في اليوم الثالث لصلب المسيح وموته، زلزلة عظيمة. كما نزل ملاك من السماء، ودحرج الحجر عن باب القبر (الذي كان المسيح مدفوناً فيه) ، ثم جلس بعد ذلك على هذا الحجر. فارتعد الحراس الذين كانوا هناك وصاروا كأموات. وعندما انتبهوا إلى أنفسهم، انطلقوا إلى المدينة وأخبروا رؤساء كهنة اليهود بما حدث. فاجتمع هؤلاء مع الشيوخ وتشاوروا معاً في الأمر، فاستقر رأي الجميع على أن يعطوا الحراس فضة كثيرة، لكي يقولوا إنه في أثناء نومهم ليلاً أتى تلاميذ المسيح وسرقوا جسده. وتعهدوا للحراس بأنه إذا سمع هذا القول عند الوالي الروماني، فإنهم يستعطفونه حتى لا يصيبهم بأذى. فأخذ الحراس الفضة وقالوا كما أوصاهم رؤساء الكهنة.

وفي فجر هذا اليوم أيضاً، خرجت مريم المجدلية ومريم أم يعقوب وسالومة إلى القبر (الذي كان يحوي جسد المسيح ومعهن حنوط كثير ليضعنه على جسده. وكن يتساءلن في أثناء سيرهن إلى القبر عمن يدحرج لهن الحجر عن بابه، لأن هذا الحجر كان كبيراً. لكن عندما وصلن إلى القبر رأين الحجر مدحرجاً. فدخلن القبر ليقمن بالمهمة التي أتين لأجلها، غير أنهن لم يجدن جسد المسيح هناك. وفيما هن محتارات إذا رجلان وقفا بهن بثياب براقة، وقالا لهن: لماذا تطلبن الحي بين الأموات!! ليس هو ههنا، لكنه قام. أذكرن كيف كلمكن وهو بعد في الجليل قائلاً: إنه ينبغي أن يسلم ابن الإنسان إلى أيدي الناس ويصلب، وفي اليوم الثالث يقوم . فتذكرن كلامه ورجعن من القبر وأخبرن تلاميذه بكل ما رأين وسمعن، فتراءى كلامهن لهم كالهذيان ولم يصدقوهن.

فقام بطرس ويوحنا وأتيا إلى القبر، وكان الإثنان يركضان معاً، فسبق يوحنا زميله بطرس وجاء أولاً إلى القبر وانحنى، فنظر الأكفان موضوعة، لكنه لم يدخل. ثم جاء بطرس ودخل القبر، فرأى الأكفان موضوعة كما هي، لكن المنديل الذي كان على رأس المسيح لم يكن موضوعاً معها بل كان ملفوفاً في موضع وحده. وحينئذ دخل أيضاً يوحنا الذي جاء أولاً إلى القبر، ورأى فآمن، لأنهما لم يكونا يعرفان بعد ما قالته الكتب المقدسة أن المسيح ينبغي أن يقوم من بين الأموات.

أما عن ظهور المسيح لتلاميذه، وأتباعه، وحديثه معهم بعد قيامته، فقد ذكرنا شيئاً عنهما في الفصل السابق، ولا داعي لتكراره هنا.

ثانياً - الأدلة على صدق هذه الحادثة

فضلاً عن أن الحادثة المذكورة مدونة بالوحي الإلهي الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها كما ذكرنا، وفضلاً عن أنها خالية من كل استعارة أو مجاز، الأمر الذي لا يدع مجالاً لتأويل معناها الظاهري إلى معنى آخر، نقول:

1 - إن الذين كتبوا هذه الحادثة أشخاص على جانب عظيم من الأخلاق الكريمة، استطاعت نعمة اللّه أن تجعل من الوثنيين النجسين أبراراً قديسين. فضلاً عن ذلك كان يختلف أحدهم عن الآخر كل الإختلاف، من جهة السن والثقافة والنشأة والطباع والمركز الإجتماعي. لأن متى كان محاسباً حريصاً، ومرقس كان شاباً متحمساً، ولوقا كان طبيباً مدققاً، ويوحنا كان شيخاً رزيناً هادئاً. ومن ثم ليس هناك مجال للظن بأنهم اتفقوا على تأليف الحادثة المذكورة لأي غرض من الأغراض.

2 - ولو فرضنا جدلاً أنهم على الرغم من كل ذلك اتفقوا على تأليفها، لكتبوا لنا (أولاً) عن الطريقة التي قام بها المسيح من بين الأموات، والتي هي أول ما يتبادر إلى ذهن المؤلف الذي يحاول الكتابة عن هذا الموضوع. و(ثانياً) لصاغوا أيضاً حادثة القيامة في الأساليب المثيرة التي نشاهدها في روايات الأبطال وقصصهم. و(ثالثاً) لأسندوا كذلك إلى المسيح عمل المعجزات الباهرة أمام اليهود والرومان الذين صلبوه، أو الظهور للفريقين بمظهر يرعبهم ويدعوهم إلى الخشوع والسجود عند قدميه. و(رابعاً) لذكروا أن العذراء مريم كانت مع النساء اللاتي خرجن في الفجر لوضع الحنوط على جسد المسيح، أو أن المسيح زارها بعد قيامته في بيتها لكي يبعث إليها بالطمأنينة والسلام.

فضلاً عن ذلك لما سجلوا شيئاً عن (أولاً) ضعف إيمانهم، وشك بعضهم في قيامة المسيح، وخوفهم جميعاً من اليهود. (ثانياً) فضل النساء عليهم واهتمامهن بإكرام المسيح أكثر منهم. (ثالثاً) السؤال الخاص بوقت رد الملك إلى إسرائيل الذي أنكر المسيح عليهم التفكير فيه ورفض إجابتهم عنه - ومن ثم فإن حادثة قيامة المسيح بالوضع الواردة به في الكتاب المقدس، لا مجال للطعن في صدقها من أية ناحية من النواحي.

3 - وبالإضافة إلى ما تقدم، فإننا إذا أمعنا النظر في هذه الحادثة، مع شهادة المسيح التي ذكرناها في الفصل السابق، يتضح لنا أنها تشمل أخباراً لم يكن من الممكن أن تخطر ببال التلاميذ، لولا أنها حدثت فعلاً أمامهم. وذلك مثل الخبر (أولاً) الخاص بأن مريم المجدلية أمسكت بقدمي المسيح فنهاها عن هذا العمل (يوحنا 20: 17) . (ثانياً) الخاص بأن يوحنا ركض مع بطرس إلى القبر فوصل إليه أولاً، لكنه لم يدخل فيه، ومن ثم لم ير في بادئ الأمر موضع المنديل بالنسبة إلى الأكفان، أما بطرس الذي أتى بعده، فدخل ورأى موضعه بالنسبة إليها (يوحنا 20: 3-7) . (ثالثاً) الخاص بجهل التلاميذ لما جاء في الكتب المقدسة التي كانت بين أيديهم، عن ضرورة قيامة المسيح من الأموات (يوحنا 20: 9) . (رابعاً) الخاص بأن المسيح دخل الغرفة وأبوابها مغلقة، مع أن جسده (كما يعلم التلاميذ) كان جسداً حقيقياً (يوحنا 20: 19-20) . (خامساً) الخاص بأن التلاميذ بعدما عرفوا المسيح، لم يجسر واحد منهم أن يسأله من هو (يوحنا 21: 12) ، مع أنه لم يظهر لهم بمظهر مرعب يعقد ألسنتهم عن الكلام. (سادساً) الخاص بأنهم لم يجدوا سمكاً في البحر، لكن عندما أتوا إلى الشاطئ حيث كان المسيح واقفاً، وجدوا جمراً وسمكاً موضوعاً عليه وخبزاً (يوحنا 20: 7-13) . (سابعاً) الخاص بأن المسيح أعلن لبطرس الطريقة التي سيموت بها، لكن لما سأله هذا عن مصير يوحنا، وبخه المسيح (يوحنا 21: 18-23) . (ثامناً) الخاص بأن المسيح أوصى تلاميذه بالكرازة باسمه في جميع الأمم، مع أنهم كانوا يكرهون الأمم ويرفضون التحدث معهم عن نعمة اللّه، لئلا يتمتعوا بخلاصه مثلهم (أعمال 10: 38) . (تاسعاً) والخاص بأنه أمر تلاميذه بعدم مغادرة أورشليم حتى يحل الروح القدس عليهم (لوقا 24: 47-49) ، مع أنهم كانوا لا يعرفون كيفية حلوله أو النتائج التي تترتب على حلوله.

وإذا كان الأمر كذلك، فإن حادثة قيامة المسيح الواردة في الكتاب المقدس، لا مجال للشك في صدقها على الإطلاق كما ذكرنا.


4 شهادة رسل المسيح والأدلة على صدقها

أولاً - شهادة رسل المسيح

1 - شهادة بطرس الرسول (أ) قال هذا الرسول لزملائه الرسل بعد صعود المسيح إلى السماء: ينبغي أن الرجال الذين اجتمعوا معنا كل الزمان الذي فيه دخل إلينا الرب يسوع وخرج، منذ معمودية يوحنا إلى اليوم الذي ارتفع فيه عنا، يصير واحد منهم شاهداً معنا بقيامته، عوضاً عن يهوذا الأسخريوطي الذي خنق نفسه (أعمال 1: 22) .

(ب) وبعد حلول الروح القدس على بطرس وعلى الرسل جميعاً (إتماماً لوعد المسيح السابق لهم) ، وتأييد هذا الروح له ولهم بقوة روحية وقدرة على التكلم بلغات متعددة، لم يكونوا يعرفون شيئاً منها، الأمر الذي لم يشهد العالم مثله، اعترت اليهود (الذين كانوا يعرفون هذه اللغات بسبب تشتتهم في البلاد التي كانت تتكلم بها) دهشة عظيمة. . فَوَقَفَ بُطْرُسُ مَعَ الأَحَدَ عَشَرَ وَرَفَعَ صَوْتَهُ وَقَالَ لَهُمْ: أَيُّهَا الرِّجَالُ اليَهُودُ وَالسَّاكِنُونَ فِي أُورُشَلِيمَ أَجْمَعُونَ، لِيَكُنْ هذَا مَعْلُوماً عِنْدَكُمْ وَأَصْغُوا إِلَى كَلَامِي، لِأَنَّ هؤُلَاءِ لَيْسُوا سُكَارَى كَمَا أَنْتُمْ تَظُنُّونَ، لِأَنَّهَا السَّاعَةُ الثَّالِثَةُ مِنَ النَّهَارِ. بَلْ هذَا مَا قِيلَ بِيُوئِيلَ النَّبِيِّ (الذي عاش سنة 700 ق,م) : وَيَكُونُ فِي الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ أَنِّي أَسْكُبُ مِنْ رُوحِي عَلَى كُلِّ بَشَرٍ، فَيَتَنَبَّأُ بَنُوكُمْ وَبَنَاتُكُمْ، وَيَرَى شَبَابُكُمْ رُؤىً وَيَحْلُمُ شُيُوخُكُمْ أَحْلَاماً.

(أعمال 2: 14-32) .

(ج) ولما رأى اليهود بعد ذلك مبهوتين عندما شفى إنساناً مصاباً بالعرج من بطن أمه، قال لهم: لِمَاذَا تَشْخَصُونَ إِلَيْنَا كَأَنَّنَا بِقُّوَتِنَا أَوْ تَقْوَانَا قَدْ جَعَلْنَا هذَا يَمْشِي؟ إِنَّ إِلهَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ، إِلهَ آبَائِنَا، مَجَّدَ فَتَاهُ يَسُوعَ، الذِي أَسْلَمْتُمُوهُ أَنْتُمْ وَأَنْكَرْتُمُوهُ أَمَامَ وَجْهِ بِيلَاطُسَ، وَهُوَ حَاكِمٌ بِإِطْلَاقِهِ ,,,وَرَئِيسُ الحَيَاةِ قَتَلْتُمُوهُ الذِي أَقَامَهُ اللّه مِنَ الأَمْوَاتِ، وَنَحْنُ شُهُودٌ لِذ لِكَ (أعمال 3: 12-15) .

(د) وعندما سأل رؤساء الكهنة بطرس ويوحنا عن مصدر القوة التي عملا بها هذه المعجزة، قالا لهم: فليكن معلوماً عند جميعكم... أنه باسم يسوع المسيح الناصري الذي صلبتموه أنتم، الذي أقامه اللّه من الأموات، وقف هذا (المريض) صحيحاً (أعمال 4: 10) .

(ه ) وبينما كان هذان التلميذان يخاطبان الشعب عن قيامة المسيح، أقبل عليهما الكهنة وقائد جند الهيكل والصدوقيون متضجرين من تعليمهما للشعب، وندائهما في يسوع بالقيامة من الأموات، فألقوا عليهما الأيادي ووضعوهما في السجن (أعمال 4: 1-4) . ولما أطلقوهما في اليوم التالي خرجا إلى باقي التلاميذ يؤديان معهم الشهادة بقيامة يسوع، بقوة عظيمة (أعمال 4: 33) .

(و) وبعد ذلك قال بطرس لأهل قيصرية عن المسيح: هذَا أَقَامَهُ اللّه فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ، وَأَعْطَى أَنْ يَصِيرَ ظَاهِراً، لَيْسَ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ، بَلْ لِشُهُودٍ سَبَقَ اللّه فَا نْتَخَبَهُمْ. لَنَا نَحْنُ الذِينَ أَكَلْنَا وَشَرِبْنَا مَعَهُ بَعْدَ قِيَامَتِهِ مِنَ الأَمْوَاتِ. وَأَوْصَانَا أَنْ نَكْرِزَ لِلشَّعْبِ، وَنَشْهَدَ بِأَنَّ هذَا هُوَ المُعَيَّنُ مِنَ اللّهِ دَيَّاناً لِلْأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ. لَهُ يَشْهَدُ جَمِيعُ الأَنْبِيَاءِ أَنَّ كُلَّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ يَنَالُ بِا سْمِهِ غُفْرَانَ الخَطَايَاه (أعمال 10: 40-43) .

(ز) وأخيراً قال للمؤمنين في رسالته الأولى التي كتبها إليهم: (أولاً) مُبَارَكٌ اللّه أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، الذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ (ثانياً) وأنه يخلصنا نحن الآن قِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ، الذِي هُوَ (الآن) فِي يَمِينِ اللّهِ . (ثالثاً) كما قال لهم عن المسيح: أَنْتُمُ الذِينَ بِهِ تُؤْمِنُونَ باللّهِ الذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ وَأَعْطَاهُ مَجْداً، حَتَّى إِنَّ إِيمَانَكُمْ وَرَجَاءَكُمْ هُمَا فِي اللّهِ (بطرس 1: 3 و21 ، 3: 22) .

2 - شهادة بولس الرسول (أ) كان هذا الرسول يدعى شاول، ولم يكن من قبل واحداً من تلاميذ المسيح الإثني عشر، بل كان عدواً لدوداً له ولهم، لكن بينما كان في طريقه إلى دمشق مع بعض أتباعه، ليقبض على المسيحيين ويسيمهم العذاب (بعد صعود المسيح إلى السماء) ، أبرق حوله نور عظيم. فسقط على الأرض وسمع صوتاً يقول له: شَاوُلُ، شَاوُلُ، لِمَاذَا تَضْطَهِدُنِي؟ فَسَأَلَهُ: مَنْ أَنْتَ يَا سَيِّدُ؟ فَقَالَ الرَّبُّ: أَنَا يَسُوعُ الذِي أَنْتَ تَضْطَهِدُهُ. èصَعْبٌ عَلَيْكَ أَنْ تَرْفُسَ مَنَاخِسَ . 6éفَسَأَلَ وَهُوَ مُرْتَعِدٌ وَمُتَحَيِّرٌ: يَا رَبُّ، مَاذَا تُرِيدُ أَنْ أَفْعَلَ؟ فَقَالَ لَهُ الرَّبُّ: قُم وَادْخُلِ المَدِينَةَ فَيُقَالَ لَكَ مَاذَا يَنْبَغِي أَنْ تَفْعَلَ . وأما الرجال المسافرون معه فوقفوا صامتين يسمعون الصوت، ولا ينظرون أحداً. فنهض شاول عن الأرض وكان وهو مفتوح العينين، لا يبصر أحداً. فاقتادوه بيده وأدخلوه إلى دمشق. وهناك أرسل المسيح إليه، بواسطة إعلان خاص، تلميذاً له يدعى حنانيا. فلما أتى هذا إلى شاول وأخبره عن غرض المسيح من الظهور له، وضع يده عليه، فانفتحت عيناه، وامتلأ من الروح القدس (أعمال 9: 1-22) . وقد أشار شاول إلى هذه الحادثة الدالة على قيامة المسيح وصعوده إلى السماء مرات متعددة، وذلك في حديثه مع كهنة اليهود وولاة الرومان (أعمال 22: 6-16 ، 26: 12-18) ، ليعلن لهم السبب الذي غير مجرى حياته وجعله من أخلص أتباع المسيح، بعد أن كان عدواً لدوداً له.

(ب) ولما التقى بعد ذلك ببعض فلاسفة اليونان في أريوس باغوس قال لهم عن اللّه: لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً، إذ أقامه من الأموات (أعمال 17: 31) .

(ج) وعندما وقف أمام الملك أغريباس ليحاكم بتهمة نشر تعاليم غريبة ضد الديانة اليهودية، كان اليهود قد أسندوها إليه. قال للملك المذكور: وَأَنَا لَا أَقُولُ شَيْئاً غَيْرَ مَا تَكَلَّمَ الأَنْبِيَاءُ وَمُوسَى أَنَّهُ عَتِيدٌ أَنْ يَكُونَ: إِنْ يُؤَلَّمِ المَسِيحُ، يَكُنْ هُوَ أَّوَلَ قِيَامَةِ الأَمْوَاتِ (أعمال 26: 22 و23) .

(د) وقال لأهل رومية عن المسيح: وَتَعَيَّنَ (أو بالحري اتضح أنه) ابن اللّهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ القَدَاسَةِ، بالقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ . كما قال لهم عنه الَّذِي أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لِأَجْلِ تَبْرِيرِنَا (رومية 1: 4 ، 4: 25) . وعندما تحدث إليهم عن كيفية السلوك في العالم قال لهم: كَمَا أُقِيمَ المَسِيحُ مِنَ الأَمْوَاتِ، بِمَجْدِ الآبِ، هكَذَا نَسْلُكُ نَحْنُ أَيْضاً فِي جِدَّةِ الحَيَاةِ. لِأَنَّهُ إِنْ كُنَّا قَدْ صِرْنَا مُتَّحِدِينَ مَعَهُ بِشِبْهِ مَوْتِهِ، نَصِيرُ أَيْضاً بِقِيَامَتِهِ عَالِمِينَ أَنَّ المَسِيحَ بَعْدَمَا أُقِيمَ مِنَ الأَمْوَاتِ لَا يَمُوتُ أَيْضاً (رومية 6: 3-9) . كما قال لهم وَإِنْ كَانَ رُوحُ الذِي أَقَامَ يَسُوعَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَاكِناً فِيكُمْ، فَا لَّذِي أَقَامَ المَسِيحَ مِنَ الأَمْوَاتِ سَيُحْيِي أَجْسَادَكُمُ المَائِتَةَ أَيْضاً بِرُوحِهِ السَّاكِنِ فِيكُمْ (8: 11) . ثم قال لمن يريد الخلاص من الخطيئة ونتائجها لِأَنَّكَ إِنِ اعْتَرَفْتَ بِفَمِكَ بالرَّبِّ يَسُوعَ، وَآمَنْتَ بِقَلْبِكَ أَنَّ اللّه أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ، خَلَصْتَ (10: 9) وعندما تحدث إليهم عن وجوب الطاعة للمسيح قال: لِأَنَّهُ لِهذَا مَاتَ المَسِيحُ وَقَامَ وَعَاشَ، لِكَيْ يَسُودَ عَلَى الأَحْيَاءِ وَالْأَمْوَاتِ (14: 9) .

(ه ) وقال لأهل كورنثوس: 1اللّه قد أقام الرب يسوع المسيح، وسيقيمنا نحن أيضاً معه (1: 6-14) . كما قال: فإنني سلمت إليكم في الأول ما قبلته أنا أيضاً أن المسيح مات من أجل خطايانا حسب الكتب، وأنه دفن وقام في اليوم الثالث حسب الكتب (1-15: 1-4) . وعندما تحدث إليهم عن قيامة الأموات قال: ولكن إنه كان يكرز بالمسيح أنه قام من الأموات، فكيف يقول قوم بينكم أن ليس قيامة أموات!! (1-15: 1-12) . وعندما تحدث عن سلوك المؤمنين في الوقت الحاضر، قال عن المسيح: وهو مات لأجل الجميع كي يعيش الأحياء فيما بعد، لا لأنفسهم، بل للذي مات لأجلهم وقام (2: 5-15) .

(و) وقال لأهل غلاطية عن نفسه: إنه رَسُولٌ يَسُوعَ المَسِيحِ وَاللّهِ الآبِ الذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ (1: 1) .

(ز) وقال لأهل أفسس عن اللّه: إنه أقام (المسيح) من الأموات وأجلسه عن يمينه في السماويات فوق كل رياسة وسلطان (1: 2) . كما قال عنه: وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ (2: 6) .

(ح) وقال لأهل فيلبي عن المسيح: وَإِذْ وُجِدَ فِي الهَيْئَةِ كَإِنْسَانٍ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى المَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ. لِذ لِكَ رَفَّعَهُ اللّه أَيْضاً، وَأَعْطَاهُ اسْماً فَوْقَ كُلِّ اسْمٍ لِكَيْ تَجْثُوَ بِا سْمِ يَسُوعَ كُلُّ رُكْبَةٍ (2: 8) . وقال لهم عن نفسه: إنه يريد أن يعرف المسيح، وَقُّوَةَ قِيَامَتِهِ، وَشَرِكَةَ آلَامِهِ، مُتَشَبِّهاً بِمَوْتِهِ (3: 10) ، حتى يستطيع الإتيان بالناس في حالة الطاعة للّه والتوافق معه. وإن استلزم الأمر منه في هذا السبيل أن يضحي بالنفس والنفيس معاً.

(ط) وقال لأهل كولوسي عن المسيح: مَدْفُونِينَ مَعَهُ فِي المَعْمُودِيَّةِ، التِي فِيهَا أُقِمْتُمْ أَيْضاً مَعَهُ بِإِيمَانِ عَمَلِ اللّهِ ، الذِي أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ (كو 2: 12) . وأيضاً: فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ المَسِيحِ فَا طْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللّهِ . اهْتَمُّوا بِمَا فَوْقُ لَا بِمَا عَلَى الأَرْضِ (3: 1-2) .

(ي) وقال لأهل تسالونيكي: لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع، سيحضرهم اللّه أيضاً معه، (1: 4-14) . كما قال لهم: رجعتم من الأوثان لتعبدوا اللّه الحي الحقيقي، وتنتظروا إبنه من السماء الذي أقامه من الأموات. يسوع الذي ينقذنا من الغضب الآتي (1: 1-10) .

(ك) وقال لتلميذه تيموثاوس: أذكر يسوع المسيح المقام من الأموات من نسل داود بحسب إنجيلي (2: 2-8) .

(ل) وأخيراً قال للعبرانيين: وإله السلام الذي أقام من الأموات راعي الخراف العظيم، ربنا يسوع، بدم العهد الأبدي يكملكم في كل عمل صالح (13: 2) .

3 - أخيراً قال المسيح بعد صعوده إلى السماء ليوحنا الرسول: إنه (أي المسيح) كان ميتاً فعاش (رؤيا 2: 8) ، وإنه الشاهد الأمين، البكر من الأموات (رؤيا 1: 4) ، وإنه الحي (في ذاته) ، وكان ميتاً، وها هو حي إلى أبد الآبدين (رؤيا 1: 18) .

ثانياً - الأدلة على صدق شهادة الرسل

فضلاً عن أن هذه الشهادة مسجلة بالوحي الإلهي، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها كما ذكرنا، نقول:

1 - إن رسل المسيح نادوا بقيامته من الأموات في أورشليم التي عرف أهلها كل شيء عنه، وأمام رؤساء الكهنة (الذين شاهدوا بأنفسهم موته على الصليب، ودفنه في القبر، ووضع الحراس عليه أيضاً) ، وذلك دون أن يتعرض واحد من هؤلاء أو أولئك لتخطئة الرسل (أعمال 2: 22-41 ، 3: 13-26 ، 4: 1-22) . كما أن معظم البلاد الأجنبية التي نادى الرسل فيها بقيامة المسيح (مثل رومية وكورنثوس وأفسس وغلاطية) وإن كان أهلها لم يعرفوا شخصياً من قبل شيئاً عن المسيح، لكنهم كانوا على درجة عظيمة من الثقافة جعلتهم لا يقبلون أمراً إلا بعد مناقشته وفحصه بكل دقة، ومن ثم لا يمكن أن يكونوا قد قبلوا موضوع قيامة المسيح إلا بعد أن تبين لهم صدقه.

2 - إذا تأملنا شهادة الرسل لا نرى فيها أية محاولة لإثبات قيامة المسيح، كما أن حديثهم عنها لا يرد بمعزل عن رسالة الإنجيل التي كانوا ينادون بها (والتي تتلخص في إعلان طريق الخلاص من قصاص الخطيئة وسلطانها، ووجوب سلوك المؤمنين بالتقوى والقداسة في العالم الحاضر، وضرورة قيامهم بعد موتهم بالأجساد الممجدة ليتمتعوا باللّه إلى الأبد) ، بل يرد مرتبطاً بهذه الموضوعات كل الإرتباط، الأمر الذي يدل على أن قيامة المسيح لم تكن معروفة فقط كل المعرفة عند الناس، بل أنها أيضاً ليست دخيلة على المسيحية بل أصلية فيها، ومن ثم لا تكون كرقعة ارتقت بثوب، بل كالنسيج الذي يتكون منه ذات الثوب.

3 - إن الرسل لم يكونوا من الأغنياء أو الأقوياء، الذين إذا ادعوا بغير الحقيقة صدقهم كثير من الناس، بل كانوا فقراء لا حول لهم ولا طول، بينما كان اليهود أعداؤهم أقوياء وذوي نفوذ عظيم. وبما أن هؤلاء على الرغم من مكانتهم لم يستطيعوا إسكات الرسل والقضاء على شهادتهم، لذلك لا بد أن قيامة المسيح التي كانوا ينادون بها، هي حادثة حقيقية عرفها اليهود وقتئذ حق المعرفة، وأنها أزعجتهم كل الإزعاج، حتى أنهم وجهوا كل جهودهم للقضاء على الخبر الخاص بها.

4 - ولو فرضنا أن رسل المسيح كانوا ينالون من وراء المناداة بقيامته من الأموات مقاماً أو مالاً، لكان هناك مجال للشك في صدق شهادتهم. لكن بالرجوع إلى التاريخ نرى أن اليونانيين كانوا يستهزئون بهم (أعمال 17: 18 و32) ، وأن كهنة اليهود كانوا يتضجرون منهم، ولذلك قبضوا عليهم وساموهم العذاب ألوانا وأشكالا (أعمال 4: 1-3 ، 5: 17-18) . وبما أنه ليس من المعقول أن يختلق بعض الناس (لا سيما إذا كان يختلف بعضهم عن البعض الآخر كل الإختلاف كما ذكرنا فيما سلف) ، موضوعاً لا نصيب له من الصواب. وعلى الرغم من تحملهم الإضطهاد في سبيله، يثابرون على المناداة به. إذن لا شك أن قيامة المسيح التي كانوا ينادون بها، ليست موضوعاً مختلقاً بل موضوعاً حقيقياً.

5 - فضلاً عن ذلك، فإن رسل المسيح كانوا بحكم يهوديتهم يعتقدون أن اللّه لا يمكن أن يظهر في جسد على الإطلاق، وأن من اعتقد بغير ذلك يكون مجدفاً ومستحقاً للإعدام. إنما باتصالهم بالمسيح، أدركوا في أول الأمر أنه المسيا (والمسيا في نظرهم وقتئذ لم يكن أكثر من إنسان عادي يسود على الأرض إلى الأبد، مؤيداً بقوة من اللّه) . وباتصالهم به اتصالاً أوثق أدركوا أنه ابن اللّه (وابن اللّه) في نظرهم وقتئذ لم يكن أكثر من أقرب الكائنات السماوية إلى اللّه. لكن لما رأوا أنه قد صلب ومات مثل البشر العاديين، اعتقدوا أنهم كانوا مخطئين في فهمهم. فتوارى بعضهم في حزن ويأس، وانصرف بعض آخر إلى بلاده الأصلية ليزاول فيها حرفته السابقة. غير أنه لم يمض على موقفهم هذا ثلاثة أيام، حتى استعادوا وحدتهم ونادوا بكل ابتهاج ونشاط بأن المسيح هو الرب والإله (يوحنا 20: 28) ، والكائن على الكل إلهاً مباركاً إلى الأبد (رومية 9: 5) ، وأنه اللّه الظاهر في الجسد (1 تيموثاوس 3: 16) مخالفين في ذلك اعتقادهم من جهة استحالة ظهور اللّه في جسد إنسان، ومعرضين أنفسهم أيضاً لأشد الآلام والإضطهادات - وطبعاً ليس هناك من سبب لهذا التحول الفجائي الخطير، لولا أنهم تحققوا بأنفسهم أن المسيح قام فعلاً من بين الأموات، مناقضاً بذلك كل النواميس الطبيعية التي تخضع لها الكائنات جميعاً.

6 - أخيراً نقول: إن بطرس الرسول عندما تحدث عن قيامة المسيح مع اليهود الذين عاصروه وعرفوا كل شيء عنه، وطلب منهم أن يتوبوا عن خطاياهم ويؤمنوا بشخصه، نخسوا في قلوبهم وآمن به منهم في الحال ثلاثة آلاف شخص (أعمال 2: 37-41) ، الأمر الذي يدل على أن اليهود أنفسهم كانوا وقتئذ على يقين تام من قيامة المسيح من بين الأموات.


5 شهادة أنبياء العهد القديم والأدلة على صدقها

إن قيامة المسيح من بين الأموات لكونها حقيقة معروفة لدى اللّه أزلاً، كان تعالى يعلنها لأنبيائه منذ القديم، تارة برموز وتارة أخرى بنبوات، حتى يعد أذهان البشر عموماً لقبولها، إذا سمعوا عنها في المستقبل، كما يتضح مما يلي:

(أ) شهادة رموز العهد القديم

1 - استقرار الفلك على جبل أراراط: إن الفلك الذي بناه نوح كان كما يتضح من (1 بطرس 3: 19-22) رمزاً إلى المسيح من حيث كونه الواسطة لنجاة المؤمنين الحقيقيين من الدينونة الأبدية، التي كان يرمز إليها قديماً بالطوفان. ومن ثم فإن ارتفاع هذا الفلك واستقراره على جبل أراراط بعد اجتيازه مياه الطوفان، إشارة واضحة إلى أن المسيح بعدما احتمل بالصلب دينونة الخطيئة الأبدية عن البشر، لم يكن ليبقى في قبره، بل أن يقوم من بين الأموات.

وبما يؤيد إشارة هذا الرمز إلى قيامة المسيح، أن الوحي يسجل لنا أن الفلك استقر على جبل أراراط في اليوم السابع عشر من الشهر السابع (تكوين 8: 4) . وهذا الشهر هو الذي أصبح بعد تأسيس فريضة الفصح، أول شهور السنة (خروج 12: 2) . ولما كان خروف الفصح، الذي يرمز إلى خلاص المسيح لكل من يؤمن به إيماناً حقيقياً (1 كورنثوس 5: 7) يذبح في اليوم الرابع عشر من هذا الشهر وهو نفس اليوم الذي صلب المسيح فيه، كما يتضح من (يوحنا 17: 28) يكون اليوم الثالث لذبحه يوافق اليوم السابع عشر من الشهر المذكور. وهذا هو اليوم الذي استقر فيه الفلك على جبل أراراط وهو أيضاً اليوم الذي قام فيه المسيح من بين الأموات.

2 - قيام إسحق من على المذبح حياً: كان اللّه قد أمر إبراهيم الخليل أن يقدم أبنه إسحق محرقة، وذلك لكي يمتحن مقدار طاعته وإخلاصه. فأسرع إبراهيم بالقيام بما أمره اللّه. وأعد له كبشاً لكي يذبحه عوضاً عن إسحق (تكوين 22: 13) وبذلك ذبح إبراهيم الكبش، وأقام إسحق من فوق المذبح حياً، والكبش وإسحق معاً رمز واضح إلى موت المسيح وقيامته، فالأول رمز للمسيح مماتاً فداء عن غيره، والثاني رمز للمسيح مقاماً بعد إتمام الفداء بموته - وقد أشار بولس الرسول إلى هذه الحقيقة فقال عن إبراهيم، إنه أخذ إبنه من الأموات في مثال (عبرانيين 11: 19) أي أن إبنه لم يمت فعلاً ثم قام، بل كان في رقاده على المذبح وفي قيامته من عليه، مجرد مثال للمسيح الذي مات فعلاً ثم قام. إذ أنه لو كان إسحق قد مات فعلاً، لما كان قد قام إلا في يوم القيامة، لأنه كان إنساناً مثلنا. أما المسيح فكان لا بد أن يقوم بعد موته لأنه أكمل عمل الفداء، ولأنه أيضاً أصلاً رئيس الحياة وباعثها (أعمال 3: 5) .

3 - عصفور التطهير: كان اللّه قد قال لموسى النبي إنه عند تطهير الأبرص، الذي كان يرمز به قديماً إلى الإنسان الذي تنجس بالخطيئة، يجب أن يؤخذ عصفوران، يذبح الواحد ويطلق الآخر حياً، وذلك بعد وضعه في دم العصفور المذبوح (لاويين 14: 1-8) . فالعصفور المذبوح كان رمزاً إلى المسيح مماتاً كفارة عن الخطيئة، والعصفور المنطلق إلى السماء كان رمزاً إلى المسيح مقاماً من الأموات حاملاً معه دلائل كفارته.

4 - ترديد حزمة الباكورة في هيكل اللّه: كان اللّه قد أمر بني إسرائيل أن يرددوا في هيكله، أول حزمة من باكورات غلاتهم في غد السبت (لاويين 23: 11) ، لكي يذكروا أنه صاحب الفضل عليهم - والحنطة كما نعلم كانت رمزاً إلى المسيح، فقد شبه نفسه بحبة الحنطة التي تقع في الأرض وتموت لكي تأتي بثمر كثير (يوحنا 12: 42) . ومن ثم فترديد حزمة الباكورة أمام اللّه في غد السبت (أو بالحري في يوم الأحد) ، رمز واضح إلى قيامة المسيح في هذا اليوم، منتصراً وظافراً باللّه. ومما يؤيد إشارة هذا الرمز إلى قيامة المسيح أن السبت الذي كان يقع بعده هذا الأحد، كان سبت أسبوع الفصح (لاويين 23: 4-22) . والمسيح كما يتضح من يوحنا (18: 28 ، 20: 1) مات في أثناء هذا الفصح، وقام من الأموات في أول الأسبوع التالي له، أو بالحري في غد السبت المذكور.

5 - عصا هرون التي أفرخت: لما حدث نزاع بين بني إسرائيل من جهة الشخص الذي يكون له حق القيام بالخدمة الكهنوتية أمام اللّه، أمر اللّه موسى أن يأخذ من كل سبط عصا، ويكتب عليها إسم السبط الذي أخذها منه. ثم يضع العصي جميعاً في خيمة الإجتماع. وأعلن تعالى له أن الرجل الذي يختاره تعالى للكهنوت، هو الذي تفرخ عصاه (عدد 17: 10-11) . وفي الغد، إذا بعصا هرون قد أفرخت فروخاً وأزهرت زهراً وأنضجت لوزاً، للدلالة على أنه هو الشخص الذي اختاره اللّه وقتئذ لهذه الخدمة.

ومن ثم فإن هذه العصا التي دبت فيها الحياة بعد جفافها أو بالحري بعد موتها، كانت رمزاً إلى أن المسيح لم يكن ليبقى في القبر ميتاً بل أن يحيا ويقوم من الأموات ودليل أيضاً على أنه هو الشخص الذي اختاره اللّه للكهنوت الحقيقي (أو بالحري للوساطة بينه وبين كل الناس في كل العصور) لأن كهنوت هرون كان مجرد كهنوت رمزي وقتي لليهود فحسب، ومن ثم لم يستمر طويلاً. وقد أشار الوحي إلى هذه الحقيقة فقال للمؤمنين عن المسيح إنه قام بقوة حياة لا تزول صائراً رئيس كهنة (عبرانيين 7: 16) .

6 - خروج يونان من جوف الحوت: لما قال الكتبة والفريسيون للمسيح نريد أن نرى منك آية ، أجابهم قائلاً: جيل شرير يطلب آية ولا تعطى له آية، إلا آية يونان النبي لأنه كما كان يونان في بطن الحوت ثلاثة أيام وثلاثة ليال، هكذا يكون ابن الإنسان في قلب الأرض ثلاثة أيام وثلاث ليال (متى 12: 38-40) ، مشيراً بذلك إلى أنه له المجد سوف لا يظل في القبر بعد موته، بل سيقوم منه حياً.

(ب) شهادة نبوات العهد القديم

1 - قال داود النبي عن لسان المسيح قبل مجيئه إلى الأرض بمدة 1000 سنة لا تطبق الهاوية (أو بالحري المكان الذي تنطلق إليه الأرواح بعد مغادرتها لأجسادها) عليّ فاها (مزمور 69: 15) . كما قال عن لسانه للّه لن تترك نفسي في الهاوية (حتى يوم القيامة مثل الناس الذين يموتون) ، لن تدع (جسد) تقيك يرى فساداً في القبر مثلهم (مزمور 16: 10) - الأمر الذي يدل على أن روح المسيح الإنسانية التي أسلمها على الصليب، كان لا بد أن تعود من الهاوية إلى جسده الذي كان مدفوناً في القبر، لكي يحيا ويقوم منه.

2 - وقال داود النبي أيضاً بعد أن تنبأ عن صلب المسيح، إنه سيخبر أخوته باسم اللّه (مزمور 22: 1-25) - وقيام المسيح بهذا العمل بعد صلبه، دليل على أنه لا يبقى في القبر بل يقوم منه.

3 - وقال إشعيا النبي عن المسيح قبل مجيئه إلى الأرض بمدة 700 سنة، إنه أب أبدي (إشعياء 9: 6) - والأب الأبدي أو (أبو الأبدية) لا يمكن أن يسود عليه الموت كما يسود على الناس، بل أنه إذا مات كفارة عنهم، يموت بإرادته ومن ثم يقوم بعد ذلك بإرادته أيضاً.

4 - وبعدما تنبأ إشعياء عن موت المسيح قال عنه يرى نسلاً وتطول أيامه ومسرة الرب بيده تنجح. من تعب نفسه يرى ويشبع (إشعياء 53: 10 و11) - وإطالة أيامه، ونجاح خدمته التي سر اللّه بها، ثم شبعه هو بنتائج الخدمة المذكورة - كل هذه تدل بوضوح على وجوب قيامته من الأموات لتثبيت إيمان تابعيه.

5 - وقال الملاك جبرائيل لدانيال النبي قبل مجيء المسيح إلى الأرض بمدة 550 سنة سَبْعُونَ أُسْبُوعاً (من السنين) قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ المُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ المَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، (بواسطة المسيح) وَلِيُؤْتَى (على يدهبعد موته) بالْبِرِّ الأَبَدِيِّ، وَلِخَتْمِ الرُّؤْيَا وَالنُّبُّوَةِ، وَلِمَسْحِ قُدُّوسِ القُدُّوسِينَ (دانيال 9: 24) - ونظراً لأن هذه الأعمال (كما يعلن الوحي) سيقوم بها المسيح بعد موته الكفاري، لذلك لم يكن من الممكن أن يبقى ميتاً، بل كان لا بد أن يقوم من الأموات ظافراً منتصراً. 6 - وقال هوشع النبي حوالي سنة 500 ق.م. بلسان المسيح والمؤمنين الحقيقيين، حال كونهم متحدين بشخصه، عن اللّه: إنه يُحْيِينَا بَعْدَ يَوْمَيْنِ. فِي اليَوْمِ الثَّالِثِ يُقِيمُنَا فَنَحْيَا أَمَامَهُ (هوشع 6: 2) - فهذه الآية تدل بوضوح على قيامة المسيح من الأموات في اليوم الثالث، وقيامتنا شرعاً أيضاً معه. لأن حياتنا نحن المؤمنين مرتبطة بحياته كل الإرتباط. إذ لو ظل ميتاً لما كانت لنا حياة أبدية على الإطلاق. ولذلك قال الرسول اَللّه الذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الكَثِيرَةِ التِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بالخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ المَسِيحِ - بالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُونَ - وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ (أفسس 2: 4-6) .

ثانياً: الأدلة على صدق شهادة أنبياء العهد القديم

فضلاً عن أن الشهادة المذكورة مدونة بالوحي الإلهي، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في صدقها كما ذكرنا مراراً، نقول:

1 - إن كتاب العهد القديم الذي يحوي هذه الرموز والنبوات، لا يزال موجوداً في أيدي اليهود، أعداء المسيح والمسيحية منذ القديم. ومن ثم لا مجال للظن بأنهم سمحوا لبعض المسيحيين بتسجيلها في الكتاب المذكور، لتأييد عقيدتهم بشأن قيامة المسيح من الأموات.

2 - إن الأنبياء الذين سجلوا الرموز والنبوات المذكورة عاشوا في بلاد متفرقة. فبعضهم عاش في بابل، والبعض الآخر في أورشليم. كما عاشوا في أزمنة متفاوتة أيضاً، فبعضهم عاش قبل الميلاد بألفي سنة، والبعض الآخر قبله بحوالي 500 سنة. وبالإضافة إلى ذلك كانوا يختلفون من جهة الثقافة والسن والنشأة والمركز الإجتماعي إختلافاً كبيراً. فكان من بينهم الملك الذي يعيش في القصر، والأسير الذي يعيش في السبي. ومن كان في ريعان الشباب، ومن بلغ من السن عتياً. ومن بلغ من الثقافة شأناً بعيداً، ومن عاش على الفطرة كل حياته. كما أن رموزهم ونبواتهم عن قيامة المسيح ليست على وتيرة واحدة بل خاصة بموضوعات متعددة، لا تربطها حسب الظاهر رابطة ما. ومن ثم لا يمكن أن تكون هذه الرموز والنبوات من باب توافق الخواطر، بل لا بد أنها من وحي اللّه، لأن اللّه هو الذي يعرف كل الأمور، قبل ظهور أي بادرة تدل عليها.

3 - إن النبوات الواردة في العهد القديم عن صلب المسيح قد تحققت تماماً، على الرغم من عدم إدراك اليهود أنها قيلت عنه، كما ذكرنا بالتفصيل في كتاب قضية الصلب - بين الدفاع والمعارضة ، لذلك لا بد أن النبوات الخاصة بقيامته من الأموات، قد تحققت كذلك، لأن هذه النبوات مقترنة بتلك كل الإقتران.

4 - أخيراً نقول، إن بطرس الرسول اقتبس نبوة من هذه النبوات ليثبت لليهود الذين عاصروه أن المسيح كان لا بد أن يقوم من بين الأموات، فقال لهم أيها الرجال الإخوة، يسوغ أن يقال لكم جهاراً عن رئيس الآباء داود، أنه مات ودفن، وقبره عندنا حتى هذا اليوم. فإذ كان نبياً وعلم أن اللّه حلف له بقسم أن من ثمرة صلبه يقيم المسيح حسب الجسد، سبق ورأى وتكلم عن قيامة المسيح، أنه لم يترك نفسه في الهاوية ولا رأى جسده فساداً. فيسوع هذا أقامه اللّه، ونحن جميعاً شهود لذلك. وإذ ارتفع بيمين اللّه وأخذ موعد الروح القدس من الآب، سكب هذا الذي أنتم الآن تبصرونه وتسمعونه. لأن داود لم يصعد إلى السموات بجسده، وهو نفسه يقول: قال الرب لربي (أو بالحري للمسيح من الناحية الجوهرية) : أجلس عن يميني حتى أضع أعداءك موطئاً لقدميك. فليعلم يقيناً جميع بيت إسرائيل أن اللّه جعل يسوع هذا الذي صلبتموه أنتم رباً ومسيحاً. فلما سمعوا نخسوا في قلوبهم وآمن منهم بالمسيح جمع غفير (أعمال 2: 29-41) - الأمر الذي يدل دلالة قاطعة على أن اليهود كانوا يعلمون أن المسيح بعدما مات، قام فعلاً من الأموات، كما أعلنت النبوات الواردة في التوراة التي يتمسكون بها.

  • عدد الزيارات: 15673

الإنجيل المقدس مجانا

إحصل على نسختك المجانية من الإنجيل المقدس يصل إلى عنوانك البريدي أو بواسطة صديق.

شاهد فيلم المسيح

شاهد فيلم المسيح بلهجتك الخاصة متوفر بعدة لهجات من مختلف الدول العربية مثل اللهجة الجزائرية والتونسية والمصرية وغيرها.

إتصل بنا عبر سكايب

إلى زوارنا في البلاد العربية بامكانكم الإتصال بأحد مرشدينا مباشرة من الساعة التاسعة صباحا حتى الثالثة مساء بتوقيت مصر.

شاهد قصص الأنبياء

سلسلة قصص درامية باللغة العربية عن أنبياء الله في العهد القديم تبدأ من قصة آدم وحواء حتى قصة الملك داود.