المسيح المتألم
إن كان المسيح هو المخلّص المنتظَر، فلماذا رفض أن يصير ملكاً؟.. لقد تأملنا ثلاث نبوات لثلاثة أنبياء تقول إن المسيح هو الملك من سبط يهوذا. فلماذا رفض أن يملك؟
تجيئنا إجابة السؤال مِن نبوّات أخرى تصف المسيح بأنه العبد البار الذي يتألم ويموت, أولى هذه النبوات من سفر دانيال 9:21-26 وقد كُتبت قبل المسيح بستمئة سنة، وتقول:
وَأَنَا مُتَكَلِّمٌ بَعْدُ بِالصَّلَاةِ، إِذَا بِالرَّجُلِ جِبْرَائِيلَ الذِي رَأَيْتُهُ فِي الرُّؤْيَا.. لَمَسَنِي عِنْدَ وَقْتِ تَقْدِمَةِ المَسَاءِ. وَفَهَّمَنِي وَتَكَلَّمَ مَعِي وَقَالَ: يَا دَانِيآلُ، إِنِّي خَرَجْتُ الآنَ لِأُعَلِّمَكَ الفَهْمَ.. سَبْعُونَ أُسْبُوعاً قُضِيَتْ عَلَى شَعْبِكَ وَعَلَى مَدِينَتِكَ المُقَدَّسَةِ لِتَكْمِيلِ المَعْصِيَةِ وَتَتْمِيمِ الخَطَايَا، وَلِكَفَّارَةِ الإِثْمِ، وَلِيُؤْتَى بِالبِرِّ الأَبَدِيِّ.. فَاعْلَمْ وَافْهَمْ أَنَّهُ مِنْ خُرُوجِ الأَمْرِ لِتَجْدِيدِ أُورُشَلِيمَ وَبَنَائِهَا إِلَى المَسِيحِ الرَّئِيسِ سَبْعَةُ أَسَابِيعَ وَاثْنَانِ وَسِتُّونَ أُسْبُوعاً.. وَبَعْدَ اثْنَيْنِ وَسِتِّينَ أُسْبُوعاً يُقْطَعُ المَسِيحُ وَلَيْسَ لَهُ .
والقول يُقطَع المسيح وليس له معناه أن هذا القطع ليس من أجل نفسه بل من أجل سواه. فالواضح أن المسيح لن يملك في هذا الوقت، لأن مجيئه هذا هو لكفّارة الإثم، وليُؤتَى بالبر الأبدي .
أما النبوة الثانية فقد كتبها إشعياء قبل المسيح بسبعمئة وخمسين سنة، وتراها في أصلها العبري (صورة رقم 8) وهي لمخطوطة وُجدت في كهوف قمران، ويعود تاريخها إلى 150 سنة قبل المسيح، وتمَّ اكتشافها عام 1948. وواضح أنه لم يجرِ فيها أي تغيير طيلة تلك السنين، وهي تشبه المخطوطة التي كانت بين يدي المسيح من التوراة وصدّق عليها. تقول تلك النبوة:
مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ ا سْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟.. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الحُزْنِ.. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لِأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لِأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلَامِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا.. وَعَبْدِي البَارُّ بِمَعْرِفَتِهِ يُبَرِّرُ كَثِيرِينَ، وَآثَامُهُمْ هُوَ يَحْمِلُهَا. لِذَلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ العُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي المُذْنِبِينَ (إشعياء 53:1-12).
تقول هذه النبوّة إن المسيح عَبْد الرب البار سيموت ليحمل خطية كثيرين ويشفع في المذنبين. وقد روى لنا اليهودي المتنصّر ستانلي روزنتال (5) كيف حاول علماء الدين اليهود مصالحة فكرة المسيح الملك مع فكرة عبد الرب المتألم، قال:
كتب علماء اليهود القدامى في التلمود اليهودي عن مسيحَيْن يظهران على مسرح التاريخ، أحدهما المسيح ابن داود الذي سيملك، وثانيهما دعوه المسيح ابن يوسف لأنه سيتألم كما تألم يوسف بن يعقوب .
لم يكن يهود القرن المسيحي الأول يملكون ما يصالح الفكرتين. ولكن جاء المسيح بالحل عندما أوضح أنه ابن الإنسان الذي يُقطَع لكفارة الإثم ليحمل خطية كثيرين. ثم أنه سيجيء ثانية إلى أرضنا بقوة ومجد عظيم ليملك. فما حسبه قدامى علماء اليهود مسيحَيْن، نفهمه اليوم على أن المسيح الواحد يظهر مرتين.
وإذ قد عرفنا هذا التفسير، دعونا نرجع إلى إلياس، صديقنا من قرية نايين:
- عدد الزيارات: 7400