هل ضاعت رسائل من الإنجيل؟
قال المعترض الغير مؤمن: هناك 11 رسالة منسوبة للمسيح ضيّعها المسيحيون، كما ضيعوا 9 رسائل منسوبة ليوحنا، ورسالتين منسوبتين لكل من: أندراوس ومتى وفيلبس، وإنجيلًا منسوباً لبرثلماوس، وإنجيل توما وأربعة من أعماله، وإنجيل يعقوب ورسالتين له، وإنجيل متياس وعملين له . وذكر المعترض مجموعة كتب قال إن المسيحيين ضيّعوها، وعزاها لأسماء لم نعثر لها على أثر.
وللرد نقول بنعمة الله :
(1) تأمر المسيحية بالبحث والتفتيش. قال المسيح (له المجد): فتّشوا الكتب (يوحنا 5: 39) وقال يوحنا امتحنوا الأرواح هل هي من الله، لأن أنبياء كذبة كثيرين قد خرجوا إلى العالم (1يوحنا 4: 1). يعني: استعمِلوا عقولكم للتمييز بين الهُدى والضلالة.
(2) تحذرنا المسيحية من قبول تعاليم ملتوية، فحذر الرسول بولس أهل غلاطية من قبول تعاليم غير التي علّمهم إياها، فقال: إن كان أحدٌ يبشّركم بغير ما قبلتم، فَلْيكن أناثيما (1: 8 و9) (أي محروماً من الله). وقال: تمسَّك بصورة الكلام الصحيح (2تيموثاوس 1: 13) أي الألفاظ والحروف. قال الله: إن كان أحد يزيد على هذا (كتاب الله) يزيد الله عليه الضربات المكتوبة في هذا الكتاب، وإن كان أحد يحذف من أقوال كتاب هذه النبوة، يحذف الله نصيبه من سفر الحياة ومن المدينة المقدسة ومن المكتوب في هذا الكتاب (رؤيا 22: 18 و19). أما محمد فقال: إذا حُدِّثتم عني بحديث تعرفونه ولا تنكرونه، قلتُه أو لم أقلْهُ، فصدقوا به، فإني أقول ما يُعْرَف ولا يُنكر. وإذا حُدِّثتم عني بحديث تنكرونه ولا تعرفونه فكذّبوا به، فإني لا أقول ما يُنكر ولا يُعرف (رواه الترمذي). فكانت هذه القاعدة سبباً في دخول الأحاديث الملفَّقة التي تُعدّ بمئات الألوف.
(3) لم يذكر المسيحيون الأولون من عصر الرسل أسماء أيٍّ من هذه الكتب في مؤلفاتهم العديدة، لا في مؤلفات أكلمندس أسقف روما ولا أغناطيوس ولا بوليكاربوس ولا هرماس، وتاريخ مؤلفاتهم من سنة 70-108م. وكذلك لم تُذكر في الجداول التي دُوّنت فيها أسماء الكتب المقدسة.
ولما كانت الكنائس المسيحية منتشرة في أنحاء الدنيا رأى الأئمة الأعلام كتابة جداول بأسماء الكتب المقدسة. فأول جدول بالضبط والتدقيق جدول أوريجانوس. ومع أن هذا الرجل كان بحراً زاخراً في العلوم، إلا أنه سافر كثيراً، وأقام في ضواحي اليهودية يتحرى ويستقصي من الكنائس وغيرها عن الكتب المقدسة، إلى أن أدرك منشوده. ونبغ أوريجانوس بعد يوحنا الرسول بمائة سنة. وقد ذكر يوسابيوس في تاريخه الجدول الذي حرره أوريجانوس فذكر فيه الأربع بشائر وأعمال الرسل ورسائل بولس الأربع عشرة ورسالتي بطرس وثلاث رسائل يوحنا وكتاب الرؤيا. وهو الموجود عندنا اليوم. ولم يأت للكتب المفتعلة بذكر، وهذا يدل على أن المسيحيين لم يعرفوا سوى كتبهم الموحى بها.
(4) ذكر المؤرخ يوسابيوس (الذي اشتهر بتحري الحوادث الكنائسية بعد أوريجانوس بمائة سنة في تاريخه) جدولاً بالكتب الموجودة في العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي عندنا الآن.
(5) كتب أثناسيوس (المشهور بما قاساه من العذاب في تأييد لاهوت المسيح الكلمة الأزلي) جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي عندنا الآن.
(6) كتب كيرلس جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا. وكان أثناسيوس وكيرلس معاصرَيْن ليوسابيوس.
(7) التأم مجمع الأساقفة في لاودكية، ومن قراراته أنه كتب جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا الآن.
(8) بعد التئام هذا المجلس بسنين قليلة كتب أسقف سالاميس في جزيرة قبرص كتاباً ضد البدع، كتب فيه جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب التي بأيدينا تماماً.
(9) وفي ذات العصر كتب غريغوريوس النازيانزي أسقف الأستانة قصيدة ذكر فيها أسماء كتب العهد الجديد.
(10) في هذا العصر كتب إيرونيموس الذي ترجم التوراة إلى اللاتينية جدولاً بأسماء كتب العهد الجديد، وهي ذات الكتب الموجودة عندنا، كما حرر روفينوس وأوغسطينوس جدولًا مماثلًا بأسماء كتب العهد الجديد.
(11) حرر المجلس الذي التأم في قرطاجنة (وكان أوغسطين حاضراً فيه) جدولاً بكتب العهد الجديد، وهو يطابق الموجود عندنا الآن.
(12) وصف ديونيسيوس الأريوباغي الكتب المقدسة بما يطابق حالها الآن.
(13) كان جميع الأئمة المقيمين في آسيا وأفريقيا وأوربا يستشهدون بالكتب المقدسة في مؤلفاتهم ويحجُّون بها أخصامهم في مجادلاتهم.
(14) كان جميع المسيحيين يتعبدون بتلاوتها في كنائسهم، كما كان اليهود يتعبدون بتلاوة التوراة في مجامعهم. فيقول بولس الرسول: ومتى قُرئت عندكم هذه الرسالة فاجعلوها تُقرأ أيضاً في كنيسة اللاودكيين، والتي من لاودكية تقرأونها أنتم أيضاً (كولوسي 4: 16). وشهد يوستين الشهيد في أوائل الجيل الثاني المسيحي أنه جرت عادة المسيحيين أن يجتمعوا في يوم الأحد للتعبُّد بتلاوة رسائل الرسل وأقوال الأنبياء. وقال ترتليان إن المسيحيين يجتمعون لقراءة الكتب المقدسة في يوم الأحد ويرتلون المزامير. وقِسْ على ذلك شهادة كبريان وديونسيوس وغيرهما من قدماء المؤلفين. وقرر مجلس لاودكية ومجلس قرطاجنة عدم جواز تلاوة غير الكتب الإلهية.
(15) تُرجمت الكتب المقدسة إلى لغات شتى.
(16) كُتبت عليها التفاسير والشروحات.
(17) لم يذكر أعداء الديانة المسيحية (الذين كان دأبهم إيراد الآيات من الأربعة الأناجيل للتهكم عليها أو تحريف معناها) شيئاً من هذه الكتب المفتعلة. ولو كانوا يعلمون بوجودها، وأن المسيحيين يعوّلون عليها، لساعدتهم على أغراضهم السيئة.
(18) ظهرت بعض هذه الكتب المفتعلة في أواخر القرن الثاني، وظهر أغلبها في القرن الثالث. وفي حال ظهورها رفضها المسيحيون وكذبوها.
فلم يسمع أحد عن رسالة أبجر أمير الرها و رسالة يسوع المسيح إلا في الجيل الرابع، عندما أذاعها يوسابيوس. وأما رسالة بولس الرسول إلى لاودكية فقال العلامة جونس إن أحد الرهبان لفقها قبل الإصلاح، وبناها على بعض آيات من رسائله الصحيحة، فهي حديثة عهد، ولم تكتب باليونانية لغة الرسول. أما رسائله الست إلى سنيكا وثماني رسائل هذا الفيلسوف إليه، فلم يسمع بها أحد إلا في القرن الرابع. وقد ذكرها إيرونيموس وأوغسطين ونبَّها على أنها مفتعلة. أما إنجيل ولادة مريم فوُجد في القرن الثالث، وكان يعتقد به كثير من أصحاب البدع والضلالات، واشتهر بالأقوال المتناقضة، وهو يشبه إنجيل يعقوب. ومؤلفها هو أحد اليهود اليونانيين، فدحضها قدماء المسيحيين وأئمتهم. أما إنجيلا الطفولية المنسوبان إلى توما فكان يعتقد بهما المرقيونيون. أما إنجيل نيقوديموس المسمى أيضاً أعمال بيلاطس فلفقه لوسياس شارينوس في أوائل القرن الرابع، واشتهر بأنه لفق أيضاً أعمال بطرس وبولس وأندراوس وغيرهم من الرسل. أما كتاب عقائد الرسل فلم يُسَمّ بهذا الاسم لأن الرسل هم الذين كتبوه، بل لأنه يشتمل على عقائدهم، وعلى أقوال كيرلس الذي كان أسقفاً في أورشليم في القرن الرابع. أما أعمال بولس وتكلا فألّفه أحد القسس المسيحيين في أوائل القرن الثاني، واعترف بأن الباعث الذي حمله على ذلك إعجابه ببولس. ولكنهم جردوه عن وظيفته. وأغلب الكتب التي ذكرها المعترض لا وجود لها. ومع ذلك فظهرت بعد انتشار الديانة المسيحية في أنحاء الدنيا.
قال أوريجانوس: تتمسك الكنائس المسيحية بأربعة أناجيل فقط. أما أصحاب البدع فعندهم أناجيل كثيرة مثل إنجيل المصريين وتوما. ونحن نطالعها لكي لا نُرمَى بالجهل، ولأن الذين يتمسكون بها توهَّموا أنهم أُوتوا علماً عظيماً . وقال أمبروز: إننا نقرأها لا لأننا نقبلها، فإننا نرفضها رفضاً باتاً. وإنما نقرأها لنعرف ما فيها .
الأدلة الداخلية على بطلانها:
(1) هذه الكتب المفتعلة تحاول تأييد تعليم منافٍ للحق. فهي مثلاً تعلّم قداسة ذخائر القديسين . جاء في إنجيل طفولية المسيح أنه لما أتى المجوس من المشرق إلى أورشليم، حسب نبوة زردشت، وقدموا هداياهم، أعطتهم القديسة مريم بعض الأقماط التي كان الطفل ملفوفاً فيها على سبيل التبرُّك، فوقعت هذه العطية عندهم موقعاً عظيماً.
ولما كان البعض يميل إلى رفع القديسة مريم فوق رتبتها، ولم يجدوا في كتاب الله ما يؤيد رأيهم، لفّقوا إنجيل ولادة مريم وقالوا فيه إن الملائكة أنبأوا عن ولادتها، ونسبوا إليها في إنجيل يعقوب وفي إنجيل الطفولية معجزات فعلتها بنفسها أو بمساعدة الطفل يسوع، وغير ذلك مما كانت تجهله أهل القرون الأولى، وإنما ظهرت هذه البدع في القرنين الرابع أو الخامس.
(2) من تحرَّى وتروَّى بإخلاص في البشائر الأربع انذهل من ذكر الأحداث ببساطة بدون تصنُّع ولا تكلّف ولا زخرفة، فذُكرت الأمور حسب طبيعتها. ولم يتردد الرسل عن ذكر أي شيء حتى وإن كان لايلائم أميالهم وأقوالهم، ممّا يدل على أن الحوادث التي ذكروها هي من وحي الله. هذا بخلاف الكتب المفتعلة، فإنها مشحونة بالحوادث التافهة الفارغة مما يدل على بطلانها.
ذكر في إنجيل ولادة مريم أن المسيح صعد بدون مساعدة أحد على دَرْج الهيكل بمعجزة لما كان عمره ثلاث سنين، وكان ارتفاع كل درجة نصف ذراع. وإن الملائكة كانت تخدم مريم في طفوليتها. وكذلك ذُكر في الإنجيل المنسوب إلى يعقوب الأصغر محاورة فارغة بين والدة مريم وخادمتها، وورد أن الملائكة كانت تخدم مريم، وذكرت مداولة بين الكهنة بخصوص عمل ستر الهيكل. وذكر إنجيل توما قصصاً فارغة عن طفولية المسيح وتربيته، ونُسبت إليه معجزات انتقام عند تعلُّمه الأبجدية! وعُزي في إنجيل مريم وطفولية المسيح وتوما معجزات فارغة إلى مريم وللمسيح في طفوليته، مثل مساعدة مريم ليوسف في حرفته، فإذا أخطأ أصلحت خطأه في صناعته. مع أن الغاية من المعجزة تأييد الرسالة والتعليم وغير ذلك من الأمور الجليلة.
(3) ذكر في هذه الكتب المفتعلة أشياء لم تحصل إلا بعد عصر المؤلف المنسوب إليه هذا الكتاب، فذكر فيه: طوباك يا أبجر لأنك آمنت بي مع أنك لم ترني، لأنه مكتوب عني: لكي لا يؤمن الذين رأوني ويؤمن الذين لم يروني . يشير بهذا إلى قول المسيح لتوما: طوبى للذين آمنوا ولم يروا (يوحنا 20: 29). ولا يخفى أن يوحنا الرسول كتب إنجيله بعد أن مات كل الذين نُسبت إليهم هذه الكتب. وورد في إنجيل نيقوديموس أن اليهود خاطبوا بيلاطس بكلمة سموّكم وهذه كلمة لم يعرفها اليهود، ولم تكن مستعملة وقتها. وذكر فيها أن المسيح أشار بعلامة الصليب على آدم وجميع القديسين في جهنم قبل إنقاذهم، مع أن علامة الصليب لم تشتهر إلا في القرن الرابع.
(4) أسلوب كتابة الرسل في الإنجيل هو من أقوى الأدلة على صحتها. وإذا نظرنا إلى أسلوب الكتب المفتعلة نراه منافياً لطريقة وكيفية تدوين الوحي الإلهي الصحيح.
(أ) فالأسماء التي ذُكرت في إنجيل نيقوديموس بدعوى أنها أسماء يهود ليست أسماء يهود، بل هي أسماء يونانية ورومانية وغيرها، مما يدل على كذب هذه الكتب. (ب) وإنجيل نيقوديموس الموجود الآن، ليس باللغة اليونانية (لغة الوحي) بل باللاتينية. (ج) والرسائل المنسوبة إلى بولس الرسول ليس عليها مسحة أقوال الرسول الإلهية، بل هي مجرد تحيات، فافتتحت الرسالة إلى سنيكا بقوله: أتمنى رفاهيتكم وخيركم يا أخي . وخُتمت الرسالة الخامسة إلى سنيكا بقوله: أودعكم في أمان الله أيها الأستاذ الأكرم . وهي منافية لطريقة بولس، بل هي منافية لأسلوب كتابة ذلك العصر، ولم تجر على ألسنة الناس إلا بعد عصر الرسول بولس بجملة مئات من السنين.
(5) نسب إلى الرسل أشياء منافية للتواريخ المقدسة وغيرها، ففي رسالة أبجر الملك اعترف بأن المسيح هو الله، ثم طلب منه الإقامة في مدينته ليتخلص من مكائد اليهود، فهذا تناقض، لأنه إذا اعتقد بأن المسيح هو الله فيكون قادراً على كل شيء. وذكر في المكاتبات التي ادَّعوا حصولها بين بولس وسنيكا أن بولس كان في روما، ثم قال إنه لم يكن فيها، وتشكى من غيابه في الرسالة الخامسة إلى الثامنة. وذكرت في هذه الرسائل أسماء قناصل روما محرَّفة، ومرة قيل إن بولس حذر سنيكا من التفوُّه بالديانة المسيحية أمام نيرون، وهذا منافٍ لما اشتهر به بولس من الغيرة الدينية. وفي إنجيل نيقوديموس قيل إن بيلاطس ذكر تاريخ بني إسرائيل، وفي مكان آخر إنه كان يجهله.
ولا يخفى أن أسماء الأشخاص والبلدان والحكام والأمراء والشعوب المذكورة في كتب العهد الجديد أيدها المؤرخون المعاصرون لها، سواء كانوا من المسيحيين أو من أعدائهم، مما يدل على صحة الإنجيل. ولكن مما يدل على كذب الكتب المفتعلة اشتمالها على أغلاط فاحشة في الأسماء، وروايات كاذبة مباينة لروايات المؤلفين الذين كانوا معاصرين لمؤلفي هذه الكتب الوهمية.
3 - هل تحتاج الأسفار التاريخية إلى إلهام؟
قال المعترض الغير مؤمن: لا مانع من أن يكون الإلهام في رسائل الرسل، أما كتب التواريخ (مثل الأناجيل وسفر الأعمال) فلو أنكرنا إلهامها لا يضرنا ذلك بشيء، بل تحصل فائدة. وإن سلمنا أن شهادة الرسل في بيان الحالات التاريخية كغيرهم من باقي الناس كما قال المسيح (له المجد): وتشهدون أنتم أيضاً لأنكم معي من الابتداء (يوحنا 15: 27) لا يضرنا ذلك بشيء، وتكون شهادتهم في هذه الحالات كشهادة غيرهم من الناس. ولا يضر ذلك الديانة المسيحية في شيء .
وللرد نقول بنعمة الله : (1) أوضحنا أن الكتب التاريخية المقدسة هي بوحي إلهي، ومن تأملها في العهدين القديم والجديد وجد أنها مصدر بركة روحية له نافعة للتعليم والتوبيخ، للتقويم والتأديب الذي في البر، لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهِّباً لكل عمل صالح (2تيموثاوس 3: 16 و17).
وليس المقصود مما ذُكر في هذه الكتب التاريخية أن يكون فقط عبرة لنا، لكنها أيضاً توضح لنا صفات الله وكمالاته، فهي مرآة عنايته ونعمته، تعرّفنا بمقاصد الله ومجده وملائكته وأسراره التي تودّ الملائكة الاطلاع عليها. فالإلهام الإلهي لازم لها.
(2) استشهد المسيح بها، وبذات ألفاظها. وهذا شهادة بصحَّتها وضرورتها ووحيها.
(3) تفضَّل الله علينا بالأسفار التاريخية لتكشف لنا أعماق قلب الإنسان وخفاياه، الأمر الذي تفرَّد الله بمعرفته، وهي مثل سيفٍ ذي حدين. وكما أنها تخبرنا عن الدنيا لما كانت خاوية خالية، كذلك تنبئنا عن خفايا العالم غير المنظور.
(4) مما يدل على أن هذه الكتب التاريخية هي بإلهام الله، أنها ذكرت لنا تداخل الملائكة في أحوال الدنيا، وفي جماعة المؤمنين، وفي السماء. فهل خطر ببال أمة أو ببال شعرائها وعلمائها وفلاسفتها وحكمائها أن يصفوا الملائكة بما هم عليه في الواقع؟ أما الكتاب المقدس فأوضح لنا أن الملائكة هم في السماء وعلى الأرض، وأمام الله ومع الناس، وأنهم يقومون بأعمال الرحمة أو النقمة، وهم يقفون أمام الله يسبّحونه ليلاً ونهاراً. ومع ذلك فهم خدَّام لأصغر المؤمنين، يساعدونهم في ضيقاتهم وسياحاتهم وسجونهم وأمراضهم. وأخيراً يأتون في اليوم الأخير في سحاب السماء مع المسيح لجمع مختاري الله من أربعة أرياح الدنيا.
(5) مع أن تواريخ الكتاب المقدس تتكلم عن الماضي، إلا أنها تشير إلى المسيح وصفاته، كما في حمل الذبيحة والتحرر من مصر، وعمود النار والمن والصخرة التي كانت المسيح (1كورنثوس 10: 4) وجميع الذبائح. والدليل على ذلك كلام بولس على هاجر وسارة وهارون وملكي صادق. فإذا وُجد كلام يحتاج إلى الوحي الإلهي كانت هذه الكتب التاريخية، فلا توجد أدنى مناسبة بينها وبين الكتب التاريخية العادية. وإذا كان الإلهام ضرورياً لكشف الأمور التي فوق معرفة البشر، كخلق العالم والنور، وارتفاع الجبال، وقضاء الله وقدره، وكشف خفايا قلب الإنسان، فكم بالحري يلزم الإلهام الإلهي لذكر هذه التواريخ، حتى تشير إلى المسيح وصفاته، والفداء العجيب الذي تمّ بآلامه وموته وقيامته وأمجاده؟
(6) التاريخ المقدس منزَّه عن الخطأ، وهذا يستلزم الإلهام، لأن البشر يخطئون في أقوالهم وكتاباتهم، فيثبت إذن أن الكتب التاريخية المقدسة كُتبت بإلهام الروح القدس.
- عدد الزيارات: 12790