شبهات شيطانية حول رسالة العبرانيين
قال المعترض الغير مؤمن: رسالة العبرانيين كتبها أكليمندس أسقف روما، وترجمها لوقا الإنجيلي، وأنكرها إيريناوس أسقف ليون 178 م، ولم يقبلها هيبولتيوس 220 م كرسالة الرسول بولس، وكذلك لم يقبلها نومانوس أسقف روما 251 م، ونسبها ترتليان أسقف قرطاجنة عام 200 م إلى برنابا، وقال غايوس الذي كان يُظن أنه أسقف روما عام 212 م إن رسائل بولس الرسول 13 ولم يذكر هذه الرسالة منها، ولم يستشهد بها كبريان أسقف قرطاجنة 248 م .
وللرد نقول بنعمة الله : (1) قوله إنها أُوحيت لأكليمندس أسقف روما يبطله أن أكليمندس هذا استشه د بها في رسالة حررّها في سنة 96م، وكثيراً ما استشهد هذا الفاضل في مؤلفاته بهذه الرسالة اكثر من استشهاده بغيرها من كتب العهد الجديد. وقسم أحد الأفاضل استشهادات أكلمندس بها إلى أربعة أقسام: (أ) إيراده للآيات من هذه الرسالة بنصّها (ب) نقلها بالمعنى (ج) العبارات التي حذا فيها حذو هذه الرسالة من التفسير والشرح (د) اقتباسه الآيات الواردة فيها من العهد القديم. فلا يُعقل أن أكليمندس يكون كاتباً لهذه الرسالة ثم يستشهد بها لتأييد أقواله.
(2) أما قوله إن لوقا الإنجيلي ترجمها من اللغة العبرية إلى اللغة اليونانية، فلا يوجد دليل على أن هذه الرسالة جاءت باللغة العبرية، وإنما استنتج البعض أنها كُتبت بالعبرية لأن الغاية منها إفادة العبرانيين. (أ) من تأمل عبارات هذه الرسالة لم يجد فيها رائحة الترجمة وتكلّفها، فلغتها أصلية رشيقة فصيحة، خالصة عن تكلف الترجمة. (ب) متى ذُكر فيها اسم عبري فسَّره، مثاله ملكي صادق ففسره بملك البر (7: 2). فلو كانت هذه الرسالة مكتوبة باللغة العبرية لما احتاج إلى هذا التفسير. (ج) الآيات التي استشهد بها من العهد القديم مقتبسة من الترجمة السبعينية لا من النسخة العبرية. على أنه إذا صرفنا النظر عن هذه الأدلة والبراهين ، وقلنا إن الرسول لوقا ترجمها، لما حطّ ذلك من قدرها، فإن لوقا من التلاميذ.
(3) أما نسبتها إلى برنابا فهو في غير محله، فإن برنابا لم يكن في إيطاليا، ويستدل من أصحاح 13: 24 أنها كُتبت من إيطاليا. ومن قارن بين أسلوب كتابة برنابا وأقوال هذه الرسالة وجد فرقاً عظيماً في التركيب ونَسَق العبارة. جاء في 2بطرس 3: 15 و16 أنها من كتابة بولس الرسول، فإنه كان طالع رسائله وأشار إليها في جملة من أقواله.
(4) كانت هذه الرسالة موجودة في نسخ الكتاب المقدس الشرقية والغربية، وتوجد في النسخ السريانية القديمة التي تُرجمت في أواخر القرن الأول وفي أوائل القرن الثاني، وفي التراجم اللاتينية التي تُرجمت في أوائل القرن الثاني. وكانت هذه التراجم متداولة بين الكنائس الشرقية والغربية.
(5) شهد القدماء أن بولس الرسول كتب هذه الرسالة، فتكلم عليها أغناطيوس في رسائله (107م) وتكلم عنها بوليكاربوس أسقف إزمير في رسالته إلى أهل فيلبي (108م) واستشهد بها جستن الشهيد في محاورته مع تريفو اليهودي (140م) وكثيراً ما استشهد بها أكلمندس الإسكندري على أنها رسالة بولس الرسول (194م) وشهد أوريجانوس (230م) بأنها رسالة بولس الرسول، وكذلك ديونسيوس أسقف الإسكندرية (247م) وغيرهم الكثير.
ولا ينكر أن بعض الغربيين ارتابوا في نسبتها إلى بولس الرسول، لأنهم رأوا اسم الرسول مكتوباً في جميع رسائله الثلاث عشرة ما عدا هذه الرسالة. ولكن عند إمعان النظر ومقارنة أقوالهم بأقوال الرسول، تأيد أن كاتبها هو الرسول بولس صاحب الإلمام التام بالشريعة الموسوية لأنه أخذها عن غمالائيل أشهر علماء عصره، فكان هو طبعاً كاتب هذه الرسالة المشتملة على الدقائق الموسوية. على أن إيريناوس الذي قال إنه ارتاب فيها كان يستشهد بها. والحاصل أن جمهور أئمة الدين الغربيين يعتقدون بنسبتها لبولس الرسول، ويُؤخذ من شهاداتهم أنه عمّ تداولها بعد كتابتها بثلاثين سنة. وأرسل أسقف روما التي كانت عاصمة الدنيا وقتئذ جواباً إلى كنيسة كورنثوس يوضح فيها أنها من الكتب المقدسة الموحى بها من الروح القدس، وفي ذلك الوقت قبلها المسيحيون شرقاً وغرباً.
أما الأدلة الداخلية على صحة نسبتها إلى الرسول بولس فكثيرة جداً.
قال المعترض الغير مؤمن: جاء في العبرانيين 5: 7 عن المسيح: الذي في أيام جسده إذ قدّم بصراخ شديد ودموع طلبات وتضرّعات للقادر أن يخلّصه من الموت، وسُمع له من أجل تقواه . كيف يقول إن المسيح خَلَصَ من الموت، مع أنه مات على الصليب؟ .
وللرد نقول بنعمة الله : هناك ثلاثة تفسيرات لهذه الآية:
(1) خلَّص الله المسيح بأن أقامه من الموت. وفي ذلك يقول الرسول بولس عن المسيح: الذي صار من نسل داود من جهة الجسد، وتعيَّن ابن الله بقوة من جهة روح القداسة بالقيامة من الأموات. يسوع المسيح ربنا (رومية 1: 3 و4). وبهذا يتم الهتاف: أين شوكتك يا موت؟ أين غلبتك يا هاوية؟ (1كورنثوس 15: 55).
(2) المعنى الثاني أن الله أعان المسيح ليحتمل أهوال الموت.
(3) التفسير الثالث أن المسيح طلب من الله أن يخلصه من الموت حزناً في بستان جثسيماني، حتى يموت على الصيب فادياً.
- عدد الزيارات: 10918