أسئلة وأجوبة عن الله والمسيح

نشر في أسئلة وأجوبة عن الله والمسيح.

السؤال الرابع


ألا يكفي أن نؤمن بالمسيح نبياً ورسولاً؟ س. ف. - السودان

لا شك أن المسيح كإنسان كان نبياً وكان رسولاً، وقد خاطبه خاصته بلقب السيد والمعلم . وقال له أحد رؤساء اليهود: نحن نَعْلَمُ أَنَّكَ قَدْ أَتَيْتَ مِنَ اللّهِ مُعَلِّماً يوحنا 3:2. ولكن أيكفي أن نقف عند هذا الحد، ونقبله رسولاً للبر وقداسة الحياة، ونقبله معلماً جاء باراً في المبادئ والمثُل العليا، التي عرفتها الإنسانية.

إن الوقوف عند هذا الحد لا يتفق مع حكم التاريخ، ولا مع حقيقة الاختبار. فالمسيح لم يُصلب كنبي أو رسول، بل كان المسيَّا المنتظر الذي ترقبته الأجيال. وفكرة المسيَّا لم تكن من تخيلات البشر، بل حقيقة أوحى بها الله للأنبياء فحيّوها وعاشوا على رجائها، وكتبوا الشيء الكثير عنها في أسفارهم المقدسة. وقد جعلها الشعب اليهودي مداراً لكل آماله وأمانيه. فأنصار النعرة القومية منهم، والرجعيون، والمتمسكون بحرفية الأقوال، اتخذوها تكأة لتحقيق أحلام زمنية وسلطان عالمي يدكّ قوة الرومان المستعمرين تحت مواطئ الأقدام، وحسب ذوو العقول النيِّرة والنفوس الروحية الحساسة عصر المسيَّا مُلكاً قوامه البر والسلام.

ومنذ بداية عصورها، تصر المسيحية على قراءة أسفار العهد القديم بروح العهد الجديد. ومتى قُرئت تلك الأسفار بهذه النظرة، لا نلبث أن نجد في المسيح تحقيقاً لتلك الآمال المرتقبة، واكتمالاً لدين الله الصحيح.

وهذا الموقف يعلل لنا أقوال المسيح وتعاليمه وأفعاله، ويلقي عليها أشعة من النور الساطع. فالمسيح في التاريخ كان نبيّاً ورسولاً ومعلماً. أما في نظر خاصته، وفي نظر نفسه، فقد كان المسيَّا الموعود به منذ أقدم العصور. والأمر الجوهري ليس تعاليمه الجديدة الرائعة التي لم يجاره فيها رسول آخر لا قبله ولا بعده، بل ذلك السلطان المطلق الذي اصطبغت به أقواله، وهو القائل في الإنجيل المجيد: سمعتم أنه قيل للقدماء... وأما أنا فأقول لكم... ومن يقرأ أسفار العهد الجديد بإمعان ورويَّة، لا يُدهش حين يرى رئيس كهنة اليهود، يسأل المسيح: هَلْ أَنْتَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ، فيتلقى منه ذلك الجواب الصريح: أَنْتَ قُلْتَ! وَأَيْضاً أَقُولُ لَكُمْ: مِنَ الْآنَ تُبْصِرُونَ ابْنَ الْإِنْسَانِ جَالِساً عَنْ يَمِينِ الْقُّوَةِ، وَآتِياً عَلَى سَحَابِ السَّمَاءِ متى 26:63-64.

لكن الفكرة المسيحيّة عن المسيح تسمو فوق الفكرة اليهودية عن المسيَّا، وإن كانت مكمّلة لها. لقد كان المسيَّا هو الملك والنبي والكاهن، الذي كمُل فيه وبه قصد الله، وهو المثل الإلهي الأعلى، وعصره هو العصر السامي المنتظَر - كل هذا كان مسلّماً به لدى اليهود. أما أن يتجرَّع المسيح غُصة الألم، وان يتخذ طريقه إلى مُلكه صليباً مهيناً، فهذا لم يخطر على بال اليهود، بل كان عثرة في نظرهم، كما لا يزال عثرة في نظر غير المسيحيين، حتى في عصرنا هذا.

ولكن ما عسى أن يكون معنى أقوال المسيح وأفعاله في تلك الليلة التي أُسلم فيها، وفي أثناء العشاء الوداعي: خذوا كلوا هذَا هُوَ جَسَدِي الَّذِي يُبْذَلُ عَنْكُمْ,,,هذهِ الْكَأْسُ هِيَ الْعَهْدُ الْجَدِيدُ بِدَمِي الَّذِي يُسْفَكُ عَنْكُمْ لوقا 22:19 و20. وعندنا أن المسيح أراد في تلك الليلة الوداعية أن يتسامى فوق العهد القديم الذي قُطع لآباء اليهود، ويقطع عهداً جديداً بتقدمة حياته ذبيحة لله عوضاً عن البشر.


 

المسيح في التاريخ

وفي أسفار العهد الجديد نرى أمامنا رسول الناصرة يذيع عصراً جديداً، ودينونة رهيبة، وشريعة مُنزلة، والداعية العظيم المنادي بملكوت الله. وكان هو نقطة الارتكاز في ذلك الملكوت. والخصم القوي للفريسيين والمرائين ومحترفي الدين، والمعلّم الذي التفّ حوله تلاميذه ليكونوا نواة كنيسة الله الحقيقية الوارثة لملكوت البر. والإنسان الذي يعلّم بسلطان، والرب الذي يغفر الخطايا، والشافي الذي يبرئ الأوجاع والحي الذي يقيم الأموات.

هذا هو يسوع الإنجيل الذي يؤمن به المسيحيون. وهو شخصية تاريخية، وفي نفس الوقت هو كلمة الله وصورة الله غير المنظور، الذي صار جسداً وتمثَّل بشراً سوياً، شخصية إنسانية كاملة للقيام بعمل الفداء.

إن حق المسيح حق هائل لا يفهمه إلا الإنسان المولود من الله، وهو حكمة الله التي أُخفيت عن حكماء هذا الدهر وأُعلنت للأطفال. وقد تحدى الإنجيل الكريم أبناء الإنسانية في كل جيل وعصر وما فتئ يتحداهم بهذا السؤال: ماذا تظنون في المسيح، وقد أجابت عنه كلمة الوحي بفم بولس: عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللّ هُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ 1تيموثاوس 3:16 إلا أن جواب الرسول المغبوط الصادق يتطلب من الفرد إيماناً يصدق حتى دون أن يرى. وهذا الإيمان ليس من الفرد بل منحة من الله. والذين يرون بالإيمان في الإنسان يسوع المسيح، الذي فِي الْبَدْءِ كَانَ الْكَلِمَةُ، وَالْكَلِمَةُ كَانَ عِنْدَ اللّهِ، وَكَانَ الْكَلِمَةُ اللّهَ يوحنا 1:1 يصدق عليهم قول المسيح لبطرس: إِنَّ لَحْماً وَدَماً لَمْ يُعْلِنْ لَكَ، ل كِنَّ أَبِي الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ متى 16:17 وقديماً قال رسول الأمم بولس: لَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ: يَسُوعُ رَبٌّ إِلَّا بِا لرُّوحِ الْقُدُسِ 1كورنثوس 12:3.