لا إله إلا الله

نشر في لا إله إلا الله.

فساد الطبيعة الإنسانية

لم يدرك محمد المعنى العميق لقداسة الله القدوس، كما لم يدرك أهمية كمال الصفات الإلهية. أضف إلى ذلك أن محمداً غابت عن ذهنه حقيقة فساد الطبيعة الإنسانية. الإنسان.. كل إنسان فاسد بطبيعته الساقطة الموروثة من أبيه الساقط آدم.. كان هو النبع الذي انحدرت منه السلالات البشرية.. تلوث النبع وبالتالي وصل التلوث إلى النسل البشري كله.

هذه حقيقة أعلنها الله في الكتاب المقدس بصورة بارزة، وأيدتها اكتشافات علم النفس الحديث.

ومحاولة إنكار الخطيئة الموروثة من آدم الأول، وتحكم هذه الطبيعة الساقطة في أفعال، وتصرفات، ودوافع الإنسان، تجعل الإنسان في حيرة إذ لا يدري لماذا يفعل الشر وقصده أن يفعل الصلاح..

يؤكد داود النبي حقيقة طبيعته الساقطة الموروثة فيقول:

هَئَنَذَا بِالْإِثْمِ صُوِّرْتُ وَبِالْخَطِيَّةِ حَبِلَتْ بِي أُمِّي * مزمور 51: 5 .

ويقول بولس الرسول مؤكداً حقيقة فساد الطبيعة الإنسانية بالوراثة:

مِنْ أَجْلِ ذ لِكَ كَأَنَّمَا بِإِنْسَانٍ وَاحِدٍ دَخَلَتِ الْخَطِيَّةُ إِلَى الْعَالَمِ، وَبِالْخَطِيَّةِ الْمَوْتُ، وَهكَذَا اجْتَازَ الْمَوْتُ إِلَى جَمِيعِ النَّاسِ، إِذْ أَخْطَأَ الْجَمِيعُ * رومية 5: 12 .

إن حقيقة سيادة الموت على كل إنسان.. تؤكد حقيقة وراثة كل إنسان للخطية الأصلية.. خطية آدم الأول.. وإلا فلماذا يموت كل إنسان.. والموت جاء كعقاب للخطية الأصلية؟


 

ليس بين البشر إنسان ولد بلا خطية.

اللّهُ مِنَ السَّمَاءِ أَشْرَفَ عَلَى بَنِي الْبَشَرِ لِيَنْظُرَ: هَلْ مِنْ فَاهِمٍ طَالِبِ اللّهِ؟ كُلُّهُمْ قَدِ ارْتَدُّوا مَعاً، فَسَدُوا، لَيْسَ مَنْ يَعْمَلُ صَلَاحاً، لَيْسَ وَلَا وَاحِدٌ * مزمور 53: 2 و3 .

لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ. إِذِ الْجَمِيعُ أَخْطَأُوا وَأَعْوَزَهُمْ مَجْدُ اللّهِ * رومية 3: 22 و23 .

بمعنى أن كل إنسان أخطأ لأنه مولود بطبيعة ساقطة، ولوجود هذه الطبيعة الساقطة فيه وسيطرتها على أعماله وتصرفاته عجز عن الوصول إلى كمال المقياس الإلهي الذي يرضي الله، وهو ما عبّر عنه الرسول بولس بالكلمات أعوزهم مجد الله .

والمسيح وهو العارف بطبيعة الإنسان، لأنه فاحص القلوب.. يتحدث عن الدافع للخطيئة في حياة الإنسان فيقول:

لِأَنَّهُ مِنَ الدَّاخِلِ، مِنْ قُلُوبِ النَّاسِ، تَخْرُجُ الْأَفْكَارُ الشِّرِّيرَةُ: زِنىً، فِسْقٌ، قَتْلٌ، سِرْقَةٌ، طَمَعٌ، خُبْثٌ، مَكْرٌ، عَهَارَةٌ، عَيْنٌ شِرِّيرَةٌ، تَجْدِيفٌ، كِبْرِيَاءُ، جَهْلٌ. جَمِيعُ هذهِ الشُّرُورِ تَخْرُجُ مِنَ الدَّاخِلِ وَتُنَجِّسُ الْإِنْسَانَ * مرقس 7: 21-23 .

ويصف بولس الرسول الصراع الدائر داخله بين الطبيعة الساقطة ورغبته في طاعة ناموس الله فيقول:

فَإِنَّنَا نَعْلَمُ أَنَّ النَّامُوسَ رُوحِيٌّ، وَأَمَّا أَنَا فَجَسَدِيٌّ مَبِيعٌ تَحْتَ الْخَطِيَّةِ. لِأَنِّي لَسْتُ أَعْرِفُ مَا أَنَا أَفْعَلُهُ، إِذْ لَسْتُ أَفْعَلُ مَا أُرِيدُهُ، بَلْ مَا أُبْغِضُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ... فَإِنِّي أَعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ سَاكِنٌ فِيَّ، أَيْ فِي جَسَدِي، شَيْءٌ صَالِحٌ. ...لِأَنِّي لَسْتُ أَفْعَلُ الصَّالِحَ الذِي أُرِيدُهُ، بَلِ الشَّرَّ الذِي لَسْتُ أُرِيدُهُ فَإِيَّاهُ أَفْعَلُ. فَإِنْ كُنْتُ مَا لَسْتُ أُرِيدُهُ إِيَّاهُ أَفْعَلُ، فَلَسْتُ بَعْدُ أَفْعَلُهُ أَنَا، بَلِ الْخَطِيَّةُ السَّاكِنَةُ فِيَّ * رومية 7: 14-20 .

ويؤكد تاريخ الإنسان حقيقة وراثته للخطية الأصلية.. فأول إنسان ولد على الأرض هو قايين قتل أخاه هابيل .. فمن أين جاءه الدافع الشرير لقتل أخيه إن كان قد وُلد بفطرة سليمة؟.. يقيناً أن البيئة التي عاش فيها لم تزرع فيه هذا الميل الشرير!!

إن علم النفس الحديث يثبت ما جاء في كلمة الله عن الطبيعة الساقطة الموروثة..

قسَّم فرويد عالم النفس المشهور الجهاز النفسي في الإنسان إلى ثلاثة أقسام.. وأوضح أن لكل قسم منها خصائص معينة..

قال فرويد إن الجهاز النفسي ينقسم إلى:

الأنا Ego .. والهو Id .. والأنا الأعلى Super Ego .

وما يهمنا هنا هو الحديث عن الهو .. فعلماء النفس يقولون إن الهو Id هو القسم اللاشعوري في الجهاز النفسي، ومن خصائصه أنه لا يتجه وفق المبادئ الخلقية.. ولا يتقيد بقيود منطقية، بل يتجه نحو النزعات الفطرية الموروثة.. إنه يشبه البئر المظلمة البعيدة الغور، العميقة غاية العمق، المخفية عن الشخص غاية الخفاء، ومع ذلك فهي زاخرة بالأفكار والرغبات والدوافع الوراثية التي تسيطر على تصرفات الإنسان .

كل ابن آدم يولد وارثاً للطبيعة الساقطة.. ومن هنا يظهر عجز الإنسان عن القدرة على عمل الصلاح الذي يرضي الله تبارك وتعالى.. من هنا كان نُورُ الْأَشْرَارِ خَطِيَّةٌ * أمثال 21: 4 .. ومن هنا ظهرت حتمية أن يقوم الله نفسه بإنقاذ الإنسان من الوهدة التي تردى فيها، وقيام الله جلّ اسمه بعمل لإنقاذ الإنسان من معاصيه ومن الدخول في عذاب جهنم.. هو أمر مرتبط بذاته العلية.. مرتبط بوحدانيته الجامعة.

ومع إنكار علماء المسلمين لحقيقة وراثة الطبيعة الساقطة.. ومع ادعائهم أن الإنسان يولد بفطرة سليمة.. فإن القرآن يقرر في كثير من نصوصه فساد طبيعة الإنسان.

ففي سورة العصر نقرأ النص القرآني:

وَالعَصْرِ إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرِ * أي خسران ونقصان وهلكة إِلَّا الذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وتَوَاصُوا بِا لْحَقِّ * أي أوصى بعضهم بعضاً بالحق وَتَوَاصُوا بَا لصَّبْرِ * سورة العصر 103: 1 و2 و3 .

والنص القرآني يعلن بكلمات صريحة أن الإنسان بطبيعته المولود بها في خسران، ونقصان، وهلكة... فهو هالك بطبيعته الساقطة.. ويستثنى فقط الذين آمنوا وتواصوا بالحق وبالصبر.

وفي سورة يوسف نقرأ النص القرآني:

وَمَا أُبَرِّئُ نَفْسِي إِنَّ النَّفْسَ لَأَمَّارَةٌ بِا لسُّوءِ إِلاَّ مَا رَحِمَ رَبِّي إِنَّ رَبِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ * سورة يوسف 12: 53 .

والنص يقرر أن النفس بطبيعتها الساقطة أمارة بالسوء ما لم تتداركها رحمة الله وتخلصها.. وإلا فمن أين جاءها الميل إلى السوء؟

وفي سورة النساء يقرر القرآن:

يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ وَخُلِقَ الْإِنْسَانُ ضَعِيفاً * سورة النساء 4: 28 .

ويفسر محمد فريد وجدي هذا النص القرآني فيقول:

يريد الله أن يخفف عنكم بمنحكم شريعة سمحة لا تعسير فيها مناسبة لضعف طبيعة الإنسان فإنه لا يصبر عن الشهوات، ولا يتحمل مشاق الطاعات * المصحف المفسر صحفة 104 .

القرآن يقرر بكل وضوح وجلاء أن الإنسان بطبيعته الساقطة في خسران، وأن نفسه أمارة بالسوء.. وأن الإنسان خلق ضعيفاً لا يستطيع أن يتحكم في شهواته ويعجز عن طاعة وصايا الله..

هذا التعليم الواضح في القرآن ينكره علماء المسلمين.. مع أن ما حدث لمحمد في طفولته ورجولته وذكرته كتب السيرة النبوية يؤكد حقيقة وراثة كل إنسان للطبيعة الساقطة.. طبيعة الميل إلى المعصية والخطية.


 

وتعال معي لنقرأ ما حدث في حياة محمد وسجله أحمد بهجت في كتابه أنبياء الله .

شب محمد بن عبد الله في بادية بني سعد.. كان هناك مع مرضعته حليمة السعدية..

حين بلغ عامه الثاني فطم.. وأرادت أمه أن تأخذه.. ولكن حليمة لم تستطع أن تستسلم لهذا الانفصال القاسي. فألقت بنفسها عند قدمي الأم وأخذت تقبلهما وهي تسألها أن تتركه معها حتى يشب صحيحاً في هواء البادية.. ومكث محمد في بادية بني سعد خمس سنوات.

وقد وقع له في هذه السنوات الخمس ما عُرف فيما بعد بحادث شق الصدر..

أصدرت المشيئة الإلهية حكمها النافذ للروح الأمين جبريل .. أن يهبط إلى محمد بن عبد الله، ويشق صدره بالأمر الإلهي، ويغسل قلبه بالرحمة، ويجففه بالنور.. ويستخرج حظ الدنيا منه..

خرج محمد كعادته ذات صباح مع أخيه في الرضاع يقودان القطيع إلى المراعي، فلما انتصف النهار، أتى أخوه يعدو فزعاً باكياً، يصيح بأن محمداً قد قُتل.. أخذه رجلان عليهما ثياب بيضاء، فأضجعاه وشقا صدره..

جن جنون حليمة.. انطلقت تعدو بكل ما تملك من قوة، يتبعها زوجها في الاتجاه الذي أرشد عنه الصبي.. فوجدا محمداً جالساً على الأرض، وجهه ممتقع، وعيناه تلمعان.. قبَّلاه في رقة وأخذا يلاطفانه.. ثم سألاه ماذا حدث؟

قال الصبي: بينما كنت ألاحظ الأغنام وهي ترعى، فوجئت بصورتين ناصعتي البياض، ظننت أولاً أنهما طائران كبيران، ثم أدركت خطئي، كانا شخصين لا أعرفهما يلبسان البياض..

قال أحدهما لصاحبه مشيراً إليَّ: أهذا هو؟

قال: نعم..

جمدت من الفزع، وأخذاني فأضجعاني وشقا صدري، والتمسا فيه شيئاً، فوجداه وطرحاه بعيداً، ثم التأم ما شقاه، واختفيا كأنهما شبحان..

روى الحديث أنس.. وأخرجه مسلم وأحمد..

ويرى بعض المفسرين القدماء كالقرطبي أن هذه الحادثة تشرح معنى الآية:

أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ * سورة الشرح 94: 1 .

ويستطرد أحمد بهجت قائلاً: في رأينا أن حادث شق الصدر تكرر مرة أخرى ومحمد يجاوز الخمسين من عمره.

وقد جاء حادث شق الصدر الثاني ليلة أسري به..

بينما أنا في الحطيم - أو قال في الحجر - مضطجع بين النائم واليقظان.. أتاني آت، فشق ما بين هذه إلى هذه - يعني ثغرة إلى بطنه - قال: فاستخرج قلبي، ثم أتيت بطست من ذهب مملوء إيماناً، فغسل قلبي، ثم حشى ثم أُعيد * أنبياء الله صفحة 385 و386 .

وأمام حادث شق الصدر الذي تكرر مرتين في حياة محمد.. مرة وهو طفل لم يبلغ الخامسة من عمره، ومرة وهو في الخمسين يجوز لنا أن نسأل ولنا كل الحق:

لماذا احتاج الطفل محمد إلى عملية شق الصدر الأولى إذا كان قد وُلد بفطرة سليمة، ولم يرث الطبيعة الساقطة التي يؤكد الكتاب المقدس أن كل إنسان يولد بها؟

ما الذي التمسه جبريل والملاك الآخر الذي معه ووجداه في صدر محمد وطرحاه بعيداً بحسب الرواية العربية؟ لا شك أن هذا الذي التمساه لم يكن شيئاً طاهراً وإنما كان قذراً أو شراً لا بد من طرحه بعيداً..

هل لم تنجح العملية الأولى التي أُجريت لمحمد وهو دون الخامسة من عمره حتى استلزم الأمر عملية ثانية غُسِلَ فيها قلب محمد وهو في الخمسين؟

إن حادث شق صدر محمد في طفولته الباكرة.. وهو الحادث الذي ذكرته كتب السيرة النبوية يؤكد لكل ذي عقل وراثة الإنسان للطبيعة الساقطة.. طبيعة الميل الغريزي إلى المعصية..

ومع كل ما تقدم فإن محمداً أعلن لجماعة من المستمعين إليه أمراً آخر ذكرته كتب السيرة النبوية.

عن محمد رسول الله: ما منكم من أحد إلا وقد وُكِّل به قرينه من الجن وقرينه من الملائكة..

قالوا: وإياك يا رسول الله؟

قال: وإياي.. إلا أن الله أعانني عليه فأسلم.. فلا يأمرني إلا بخير * أنبياء الله صفحة 386 .

هل يستطيع الإنسان البشري الذي هو بطبيعته في خسران.. والذي نفسه أمارة بالسوء.. والذي خلق ضعيفاً.. والذي من يوم وُلد يُوكَّل به قرينه من الجن فيسير وفق أمره.. وهو بغير شك قرين شرير استلزم جهداً كبيراً من محمد حتى أسلم وكان محمد يتبع أمره قبل إسلامه وبعده..

هل يستطيع الإنسان وهذا حاله من الضعف والتردي، وسيطرة الجن عليه أن يعمل أعمالاً صالحة ترضي الله القدوس، وتفتح له أبواب الجنة؟

إن هذا الإنسان الضعيف، المولود بالإثم والطبيعة الساقطة عاجز تماماً عن القيام بالأعمال الصالحة مهما أوصيته بعملها.. فهو تحت سيادة شهواته، وقوى الجن تؤثر عليه.. ورغم رغبته في طاعة الله فإن طبيعته الساقطة تهزمه وترغمه على ارتكاب المعاصي. لذا كان من المحتم أن تهزمه وترغمه على ارتكاب المعاصي. لذا كان من المحتم أن يقوم الله ذاته بإنقاذه.. وهذا الإنقاذ الإلهي، الذي يسميه الكتاب المقدس خلاص الله .. دبره الله بحكمته قبل الأزمنة الأزلية، كما يقول بولس الرسول لتلميذه تيموثاوس في رسالته التي كتبها بالوحي الإلهي:

فَلَا تَخْجَلْ بِشَهَادَةِ رَبِّنَا، وَلَا بِي أَنَا أَسِيرَهُ، بَلِ اشْتَرِكْ فِي احْتِمَالِ الْمَشَقَّاتِ لِأَجْلِ الْإِنْجِيلِ بِحَسَبِ قُوَّةِ اللّهِ، الَّذِي خَلَّصَنَا وَدَعَانَا دَعْوَةً مُقَدَّسَةً، لَا بِمُقْتَضَى أَعْمَالِنَا، بَلْ بِمُقْتَضَى الْقَصْدِ وَالنِّعْمَةِ التِي أُعْطِيَتْ لَنَا فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ قَبْلَ الْأَزْمِنَةِ الْأَزَلِيَّةِ * 2 تيموثاوس 1: 8 و9 .

فقبل الأزمنة الأزلية.. قبل إنشاء العالم.. قبل خلقه الإنسان.. قبل سقوط الإنسان.. دبّر الله في حكمته خلاص الإنسان.. وتركز تدبيره في تجسد المسيح الذي كان معه منذ الأزل..

هذا كله يرتبط بالإيمان بوحدانية الله الجامعة..

والجهل بوراثة الإنسان للطبيعة الساقطة.. يدفعه إلى الثقة الكاذبة في قدرته على إرضاء الله بأعماله الصالحة.. وبالتالي يدفعه إلى إنكار حتمية الفداء الإلهي بدم المسيح الكريم.. وإنكار وحدانية الله الجامعة.