نشر في تأملات روحية.

تواضع كبير من صاحب السلطان

تواضع كبير من صاحب السلطان

دائما نشاهد أمامنا رجال السلطة والأغنياء والعظماء في العلم والمعرفة وملوك الأرض الذين يجلسون على عروش وهمية مصنوعة من أيد بشرية، ينظرون إلى عامة الشعب بنظرة فيها تكبّر ودونية، فهم متمسكين في داخل جعبتهم بسلاح القوة والمال والعظمة فيفرضون رأيهم على الأخر ويحركون كل ما حولهم بحسب مزاجهم ومنطقهم الذي دائما ومع الأسف لا يكون الأفضل لغيرهم.

والذي يعزي ويفرح أنه يوجد إله جالس على العرش صاحب القدرة والسلطان والعظمة حيث يصفه الكتاب المقدس بالملك الكبير "وفي وسط السبع المناير شبه ابن انسان متسربلا بثوب إلى الرجلين ومتمنطقا عند ثديه بمنطقة من ذهب، وأما رأسه وشعره فأبضيان كالصوف الأبيض كالثلج وعيناه كلهيب نار، ورجلاه شبه النحاس النقي كأنهما محميّتان في أتون وصوته كصوت مياه كثيرة " (رؤيا 13:1)، وهو القادر أن يحفظ الجميع ويقوي ويجذب الجميع، وطبيعته لا مثيل لها مليئة بالقداسة الغامرة والرائعة و بالمحبة الفياضة التي تبهر العيون، فهي كالنور الساطع الذي يضيء في ظلمة القلوب البعيدة والمجروحة من لعنة وتمرد هذه الأرض.

ما أروع صورة هذا الإله حين نجده متواضعا داخلا إلى اورشليم راكبا على جحش سائرا بين جموع العالم ينظر اليهم بشفقة ومحبة وحنان وباهتمام كبير يلمس جباه البعض ويشد على أيادي الضغفاء فيجد في داخلهم صرخة وجع كبيرة من كل ما يحيط من حولهم من هموم الحياة ومآسيها، وهم عندما تلاقوا به رفعوا حناجرهم بأعلى الأصوات مبتهجين به وفرحين بدخوله المتواضع "قائلين مبارك الملك الآتي باسم الرب. سلام في السماء ومجد في (الأعالي" (لوقا 38:19.

واذا تبحرنا في الكتاب المقدس نجد صورة ثانية تفاجئنا عن مدى تواضع الرب اذ وهو مجتمع مع التلاميذ وتحديدا قبل عيد الفصح حين كان عالما أن ساعته قد جائت لكي يحمل كل آثامنا وخطايانا على الصليب، وفيما كانوا يتعشون قام يسوع وبكل تواضع ومن دون محاباة خلع ثيابه ودعا التلاميذ لكي يغسل أرجلهم من أوساخ وغبار الطرقات التي كانوا يسلكونها في خدمته اليومية حيث كانوا ينتقلون من مدينة إلى اخرى ويمشون مسافات كبيرة (فانبهر التلاميذ من هذا الموقف المحيّر "قام عن العشاء وخلع ثيابه وأخذ منشفة واتزر بها. ثم صبّ ماء في مغسل وابتدأ يغسل أرجل التلاميذ ويمسحها بالمنشفة التي كان متزّرا بها" (يوحنا 4:13.

هذه أمثلة صغيرة عن مدى تواضع صاحب السطان وصاحب القدرة العالم بكل شيء، كما علينا أن نتعلم كيف ننزل عن عرش كبريائنا لكي نتعلم أن نتواضع ونخضع تحت مظلة الله ومن خلال المسيح الذي أحبنا وقدم نفسه كذبيحة حقيقية على الصليب معلقا بين الأرض والسماء. فهل نقبل إليه؟