نشر في معتقدات وممارسات المسيحيين.

كيف وُلد يسوع المسيح وماذا فعل؟

والآن نأتي، يا صديقي، إلى القسم الأهم من شرحنا للإيمان المسيحي، وأقصد بذلك التأمل في من هو يسوع المسيح، وعلاقته بالله والبشر. ولكن سأسرد عليك أولاً باختصار تاريخ حياته على الأرض، التي نجدها في الأناجيل الأربعة.

أعلن الملاك جبرائيل يوماً إلى عذراء تُدعى مريم أنها ستنجب ابناً وستسميه يسوع. وسيُدعى ابن العلي، وسيكون ملكاً أبدياً. وكان هذا تحقيقاً لما ورد في كلمات النبي أشعياء قبل أكثر من 700 سنة قبل الحدث، حيث قال: "هَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْناً وَتَدْعُو اسْمَهُ "عِمَّانُوئِيلَ"" (أشعياء 7: 14). وحدث ميلاد يسوع لاحقاً في بيت لحم، وهي بلدة صغيرة قرب أورشليم، حيث كان داود قد وُلد قبل ألف سنة. كان ميلاد يسوع في بيت لحم قد تنبأ عنه ميخا النبي الذي، ومثل أشعياء، عاش قبل أكثر من 700 سنة من مجيء المسيح. ""أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمَِ أَفْرَاتَةَ وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطاً عَلَى إِسْرَائِيلَ وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ"" (ميخا 5: 2). وفي زمن ولادته بشّر ملاك رعاة قرب بيت لحم بالحدث قائلاً: "هَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ" (لوقا 2: 10، 11). وصارت مريم زوجة ليوسف، النجار، الذي قام بدور الأب ليسوع. خلال شبابه، عمل يسوع نجاراً في بلدة الناصرة حيث ترعرع. حتى سن الثلاثين لم يقدم أي تعليم ولم يصنع أي معجزة، ولم يعرف الناس أنه كان المسيا الذي كانوا يرتقبون.

عندما بلغ يسوع الثلاثين من العمر آن الأوان له ليبدأ العمل الذي جاء لأجله إلى الأرض. لذلك ترك الناصرة وذهب إلى يوحنا المعمدان الذي كان ينقل آنذاك رسالة الله إلى أناس كثيرين تجمعوا حوله. لقد كان يدعوهم إلى التوبة ويُعمدهم في نهر الأردن عندما كانوا يتوبون، كرمز للتطهير من الخطيئة. رغم أن يسوع لم يرتكب أي خطيئة في حياته، إلا أنه طلب من يوحنا المعمدان أن يعمده فأطاعه يوحنا. عندما خرج يسوع من الماء نزل روح قدس الله عليه من السماء على هيئة حمامة، وسمع يوحنا ويسوع صوتَ الله يقول: "هَذَا هُوَ ابْنِي الْحَبِيبُ الَّذِي بِهِ سُرِرْتُ" (متى 3: 17). (سأشرح لك لاحقاً معنى اللقب "ابن"). وبعدها خرج يسوع إلى البرية حيث صام وصلى لأربعين يوماً بينما كان الشيطان يحاول عبثاً أن يغويه ليعصي الله.

بعد هذا الانتصار على الشيطان، عاد يسوع إلى يوحنا المعمدان، الذي قال لتلاميذه عندما رآه: "هُوَذَا حَمَلُ اللَّهِ الَّذِي يَرْفَعُ خَطِيَّةَ الْعَالَمِ. هَذَا هُوَ الَّذِي قُلْتُ عَنْهُ يَأْتِي بَعْدِي رَجُلٌ صَارَ قُدَّامِي لأَنَّهُ كَانَ قَبْلِي. وَأَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ. لَكِنْ لِيُظْهَرَ لِإِسْرَائِيلَ لِذَلِكَ جِئْتُ أُعَمِّدُ بِالْمَاءِ". وَشَهِدَ يُوحَنَّا: "إِنِّي قَدْ رَأَيْتُ الرُّوحَ نَازِلاً مِثْلَ حَمَامَةٍ مِنَ السَّمَاءِ فَاسْتَقَرَّ عَلَيْهِ. أَنَا لَمْ أَكُنْ أَعْرِفُهُ لَكِنَّ الَّذِي أَرْسَلَنِي لِأُعَمِّدَ بِالْمَاءِ ذَاكَ قَالَ لِي: الَّذِي تَرَى الرُّوحَ نَازِلاً وَمُسْتَقِرّاً عَلَيْهِ فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُعَمِّدُ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ. وَأَنَا قَدْ رَأَيْتُ وَشَهِدْتُ أَنَّ هَذَا هُوَ ابْنُ اللَّهِ" (يوحنا 1: 29- 34). بتسميته له "حمل الله" كان يوحنا يقول أن يسوع سيموت كذبيحة قربانية عن خطايا كل البشر. وبدأ يسوع عندئذ باختيار تلاميذه الذين اختار منهم لاحقاً الرسل الاثني عشر. لم يكونوا أناساً عظماء أو متعلمين، إذ أن بطرس ويوحنا وآخرين كانوا صيادي سمك، ومتى كان جابي ضرائب. ولكنهم أدركوا أن يسوع كان المسيا، وتركوا مهنهم المختلفة، وبدون وعد بمال أو بمكسب مادي، تبعوا معلمهم لثلاث سنوات أو نحو ذلك وهو يجول البلاد سيراً على قدميه. خلال هذا الوقت دربهم يسوع على العمل الذي يجب أن يفعلوه كرسل بعد مغادرته لهم منطلقاً على السماء.

بعد ذلك بدأ يسوع يكرز للناس كما فعل يوحنا، قائلاً: "قَدْ كَمَلَ الزَّمَانُ وَاقْتَرَبَ مَلَكُوتُ اللَّهِ فَتُوبُوا وَآمِنُوا بِالإِنْجِيلِ" (مرقس 1: 15). لقد تكلم بكلمة الله للناس في أماكن عبادتهم أو في منازلهم أو عندما كانوا يتجمهرون حوله على سفوح التلال أو على ضفة بحر الجليل. كل من سمعه كان ينذهل من الحكمة والسلطان الذي كان في تعليمه، إذ أنه لم يتكلم كنبي بل كإله. الأنبياء جميعاً كانوا يقولون: "اسمعوا ما يقول الله لكم". أما يسوع فعندما كان يتكلم إلى الناس كان يقول: "أقول لكم".

وسرعان ما بدأ يسوع يشفي بكلمة أو بلمسة يد المرضى الذين كانوا يأتون إليه. وقع مجذوم عند قدميه وقال له: "إن شئتَ، يمكنك أن تطهّرني". وبدافع الإشفاق، مدّ يسوع يده ولمسه وقال له: "أريد، فاطهُر". وفي الحال شُفي بالكامل. أناس كثيرون ممسوسين بأرواح نجسة أتوا إليه، وطرد الشياطين منهم بكلمة. لمس عيني العميان فنالوا البصر. بل حتى أقام عدة أناس أموات إلى الحياة. ومن الطبيعي أن تتبعه حشود كبيرة من الناس، وكان يسوع منشغلاً أحياناً بتعليم الناس وشفاءهم لدرجة أنه لم يكن لديه وقت ليأكل الطعام. لقد نسي حاجاته وأظهر محبته للآخرين. لم يقم ولو مرة واحدة بأعجوبة من أجل مصلحته الشخصية، أو يظهر قدرته ليجعل الناس ينذهلون أو يندهشون. كل أعمال قدرته صنعها ليريح ويخلّص المرضى والمتألمين، وبهذه كان يكشف محبة الله لهم. ومرةً عندما رأى الفقراء والمحتاجين حوله، كلّمهم على هذا النحو موجّهاً إليهم هذه الدعوة الكريمة والمعزّية أن: "تَعَالَوْا إِلَيَّ يَا جَمِيعَ الْمُتْعَبِينَ وَالثَّقِيلِي الأَحْمَالِ وَأَنَا أُرِيحُكُمْ" (متى 11: 28). وما من أحد أتى إليه وعاد خائباً.

حُمِل إليه في أحد المرّات مشلول مقعد جاء به إليه أربعة رجال وألقوا به أمامه. ويسوع، عارفاً أن الرجل كان يحتاج إلى شفاء جسدي وروحي كليهما، قال له: "يَا بُنَيَّ مَغْفُورَةٌ لَكَ خَطَايَاكَ". وَكَانَ قَوْمٌ مِنَ الْكَتَبَةِ هُنَاكَ جَالِسِينَ يُفَكِّرُونَ فِي قُلُوبِهِمْ: "لِمَاذَا يَتَكَلَّمُ هَذَا هَكَذَا بِتَجَادِيفَ؟ مَنْ يَقْدِرُ أَنْ يَغْفِرَ خَطَايَا إلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ؟ " لقد عرف يسوع أفكارهم، وقال لهم أنه بشفائه للرجل سيثبت لهم أنه لم يُجدِِّف، وأن لديه السلطة ليغفر الخطايا. ثم قَالَ لِلْمَفْلُوجِ: "لَكَ أَقُولُ قُمْ وَاحْمِلْ سَرِيرَكَ وَاذْهَبْ إِلَى بَيْتِكَ". فَقَامَ لِلْوَقْتِ وَحَمَلَ السَّرِيرَ" (مرقس 2: 1- 13).

ومنذ ذلك الوقت بدأ عدد من القادة الدينيين اليهود يعارضون يسوع إذ كانوا يغارون من شعبيته الكبيرة وسط الناس. كانوا ينتقدونه لأنه يعاشر الخطأة الذين كان يسوع يريد أن يخلصهم، وعلى شفائه للمرضى يوم السبت، الذي كان يومهم المقدس. وسرعان ما تحولت كراهيتهم إلى بغض شديد حتى قرروا أن يهلكوه. لقد عرف يسوع بذلك. وكان يمكنه استخدام قدرته الإلهية التي بها أقام الموتى إلى الحياة ليُهلك أعداءه الأشرار ولكنه لم يفعل ذلك أبداً. لقد علّم تلاميذه أن يحبوا أعداءهم وأن يصلوا من أجلهم، وضرب لهم مثلاً بطريقة تعامله مع أولئك المعارضين له.

في ذلك الوقت لم يكن الشعب اليهودي مستقلاً، إذ كانوا خاضعين لحكم الرومان. وكانوا يتوقون إلى إسقاط الحكم الروماني. عندما رأوا كيف أطعم يسوع أكثر من 5000 إنسان بخمسة أرغفة من الخبز وسمكتين في البرية، حاولوا أن يأخذوه بالقوة ويجعلوه ملكاً عليهم. لقد كانوا متأكدين بأنه إذا ما قاد جيوشهم فما من أحد يمكن أن يغلبهم. ولكن يسوع رفض أن يصير ملكاً أرضياً، لأن مملكته روحية. لقد كان يريد أن يحكم، ولكن ليس من عرش في أورشليم بل في فكر وقلوب الناس. عندما رأى الناس أنهم لم يستطيعوا أن يجعلوا منه أداة لتحقيق ثورتهم السياسية، كثيرون منهم انقلبوا ضده وصاروا أعداء له. لقد كان يسوع يرفض دائماً أن يرضي الناس، بل يسعى دائماً لأن يُرضي الله وحده.

بعد عام ونصف أو عامين من معمودية يسوع، عندما صارت مقاومة القادة الدينيين ليسوع عنيفة، سأل يسوع تلاميذه الاثني عشر في إحدى الأيام: "مَنْ يَقُولُ النَّاسُ إِنِّي أَنَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟" أجابوا أن الناس يعتقدون أنه كان أحد الأنبياء العظماء من الماضي وقد عاد إلى الأرض. عندها قال يسوع: "وَأَنْتُمْ مَنْ تَقُولُونَ إِنِّي أَنَا؟" فَأَجَابَ سِمْعَانُ بُطْرُسُ في الحال: ""أَنْتَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ الْحَيِّ"". فباركه يسوع عندئذٍ على هذا الجواب، وقال له أن الله هو الذي كشف له هذه الحقيقة، وأخبرهم بأنه على هذه الحقيقة سيبني كنيسته، وما من شيء سيقدر على أن يدمرها. ثم أعلن لرسله أن يجب أن يذهب إلى أورشليم، وهناك سيحكم عليه الحكام الدينيون بالموت ويُصلب، وفي اليوم الثالث يقوم إلى الحياة. ارتعب الرسل الذين كانوا يحبون معلمهم لسماعهم ذلك، وقال بطرس ليسوع: "لا سمح الله. لا يا رب، فهذا لن يحدث لك أبداً". لكن يسوع وبّخ بطرس، وأخبره أن هذه الفكرة التي يقولها، بأن المسيح لن يموت، كانت من الشيطان. ذلك لأن يسوع كان يعلم أن مشيئة الله أن يموت على الصليب كفّارة عن خطايا البشر، وكل من كان يحاول أن يبعده عن الذهاب إلى الصليب كان أداة في يد الشيطان. ثم حذّر يسوع تلاميذه وقال لهم أن عليهم هم أيضاً أن يحملوا الصليب أي أن يكونوا مستعدين للموت من أجله. لا بد أنه كان من الصعب على الرسل أن يبقوا مع يسوع بعد أن أخبرهم بأنه سيموت، وأن عليهم أن يعانوا من أجله. ولكن مع ذلك لم يتركوه، وبعد ستة أشهر ذهبوا معه إلى أورشليم حيث كان سيعاني الموت.

لقد كان الوقت ربيعاً في فلسطين آنذاك، وكثير من اليهود من أماكن قريبة وبعيدة كانوا قد بدأوا الرحلة نحو أورشليم ليكونوا حاضرين في أعظم عيد ديني سنوي لهم، عيد الفصح. هذا العيد كان ليساعدهم على تذكر انعتاق شعب إسرائيل من العبودية في مصر بقيادة موسى. ولذلك فإن يسوع وتلاميذه انضموا إلى الحشود، وصعدوا إلى أورشليم لأجل العيد. أحداث ذلك الأسبوع الأخير من حياة يسوع الأرضية دُوّنت على الأقل في جميع الأناجيل الأربعة، ويمكن أن أعطيكم هنا خلاصة موجزة عنها.

في يوم أحد دخل يسوع أورشليم راكباً على جحش ابن أتان، كما كان النبي زكريا قد وعد قبل مئات السنين بقوله: "اِبْتَهِجِي جِدّاً يَا ابْنَةَ صِهْيَوْنَ اهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ابْنِ أَتَانٍ" (زكريا 9: 9). لقد ذهب إلى هيكل الله، وطرد أولئك الذين كانوا ينجسونه وذلك بالبيع والشراء في ذلك البيت المقدس، والذين كانوا يسرقون أيضاً من الناس الذين كانوا قد جاؤوا للعبادة، وانتقد القادة الدينيين بشدة بسبب عدم إيمانهم وريائهم وشرّهم. وأنبأ مسبقاً بالدمار الكامل للهيكل على يد أعدائهم عقاباً من الله لهم على خطاياهم. وحذّر الناس من الانخداع بالأنبياء الكذبة الذين سيأتون ويحاولن أن يُضلّوهم. وقال أنه سيرجع من السماء بقوة ومجد عظيمين، وسيدين كل الشعوب، مُرّحِباً ببعض الناس في ملكوت الله، ويحكم على آخرين بالعقاب الأبدي.

لمزيد من الفائدة والإضطلاع على موضوعات مشابهة، الرجاء زيارة موقع النور.