قيامة المسيح والأدلة على صدقها

نشر في قيامة المسيح والأدلة على صدقها.

نتائج قيامة المسيح

البَابُ السَّادسُ

1 نتائج قيامة المسيح بالنسبة إلى شخصه المبارك

1 - إعلان بنوته الفريدة للّه: (أ) قال بولس الرسول عن المسيح وَتَعَيَّنَ(أو بالحري اتضح أنه) ابن اللّهِ بِقُّوَةٍ مِنْ جِهَةِ رُوحِ القَدَاسَةِ، بالقِيَامَةِ مِنَ الأَمْوَاتِ (رومية 1: 4) ، لأن قيامته من بينهم دليل قاطع على أن شهادته عن نفسه أنه ابن اللّه، هي شهادة حقيقية وليست تجديفاً، كما قال اليهود. ومما تجدر الإشارة إليه أن المسيح هو ابن اللّه ليس لأنه قام من الأموات، بل لأنه في ذاته ابن اللّه قام من بينهم، إذ أن بنوته الفريدة للّه كامنة في شخصيته وليس في قيامته، وما قيامته إلا نتيجة ملازمة لشخصيته. ولذلك إن جاز لبعض الذين عاصروه في أوائل خدمته أن يشكّوا في بنوته الفريدة للّه (مع أنه لا عذر لهم في شكهم هذا، فحياة المسيح التي لا مثيل لها، وأعماله ومعجزاته التي تفوق العقل والإدراك، كل هذه كانت تنطق بأنه ليس من الأرض بل من السماء) ، فإن قيامته من الأموات لا تترك مجالاً للشك في صدق هذه البنوة على الإطلاق.

(ب) وقد أشار بولس الرسول في موضع آخر إلى استعلان بنوة المسيح الفريدة للّه بواسطة قيامته من الأموات. فقال لليهود ونحن نبشركم بالموعد الذي صار لآبائنا (إبراهيم وإسحق ويعقوب وغيرهم) أن اللّه أكمل هذا (الموعد) لنا نحن أولادهم إذ أقام يسوع. كما هو مكتوب في المزمور الثاني: أنت ابني. أنا اليوم ولدتك لأنه أقامه من الأموات، غير عتيد أن يعود أيضاً إلى فساد. لذلك قال أيضاً في مزمور آخر: : لَنْ تَدَعَ قُدُّوسَكَ يَرَى فَسَاداً. لِأَنَّ دَاوُدَ بَعْدَ مَا خَدَمَ جِيلَهُ بِمَشُورَةِ اللّهِ رَقَدَ وَانْضَمَّ إِلَى آبَائِهِ، وَرَأَى فَسَاداً. وَأَمَّا الذِي أَقَامَهُ اللّهه (وهو المسيح) فَلَمْ يَرَ فَسَاداً (أعمال 13: 32-37) ، ليس فقط لأنه قام من بين الأموات، بل لأنه أيضاً كان غير قابل للفساد وهو مائت، وذلك لتنزهه عن الخطيئة تنزيهاً تاماً.

(ج) وبالإضافة إلى ما تقدم، فإن المسيح لم يقم من الأموات بفضل صلاة أحد القديسين كما كانت الحال مع ابن الشونمية، أو قام مربوطاً بأكفانه واحتاج إلى من يحله منها كما كانت الحال مع لعازر، أو قام خائر القوى واحتاج إلى من يمده بطعام كما كانت الحال مع إبنة يايروس. بل قام بعزة واقتدار معلناً لتلاميذه سلطانه الإلهي، وموبخاً إياهم لعدم إيمانهم في أول الأمر بقيامته، كما أجرى أمامهم معجزات باهرة، الأمر الذي لا يدع مجالاً للشك في أنه ابن اللّه، كما أعلن عن نفسه مراراً وتكراراً.

2 - إعلان كفاية كفارته عن البشر جميعاً: (أ) إن قيامة المسيح من بين الأموات، كما أعلنت أنه ابن اللّه، أعلنت أيضاً كفاية كفارته عن البشر جميعاً، وذلك بسبب إيفائها لكل مطالب عدالة اللّه وقداسته نيابة عنهم، لأنه لولا ذلك لكان المسيح قد ظل في قبره إلى الآن.

وقد أشار الوحي إلى كفاية كفارة المسيح، فقال الَّذِي فِيهِ لَنَا الفِدَاءُ، بِدَمِهِ غُفْرَانُ الخَطَايَاإ (أفسس 1: 7) . كما قال عنه وَهُوَ كَفَّارَةٌ لِخَطَايَانَا. لَيْسَ لِخَطَايَانَا فَقَطْ، بَلْ لِخَطَايَا كُلِّ العَالَمِ أَيْضاً (1 يوحنا 2: 2) . (ب) ولذلك قال المسيح من قبل هكَذَا أَحَبَّ اللّه العَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الوَحِيدَ، لِكَيْ لَا يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ بَلْ تَكُونُ لَهُ الحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ.,, اَلَّذِي يُؤْمِنُ بِهِ لَا يُدَانُ، وَالَّذِي لَا يُؤْمِنُ قَدْ دِينَ (يوحنا 3: 16-18) . كما قال مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ مِنَ المَوْتِ إِلَى الحَيَاةِ (يوحنا 5: 24) . وقد أعلن الرسول هذه الحقيقة بعينها، فقال لجميع الناس عن المسيح إن كل من يؤمن به، ينال باسمه غفران الخطايا ونصيباً مع المقدسين (أعمال 26: 18) .


3 - إعلان أهليته للوساطة لأجل الخطاة: إن الخطاة الذين يشعرون بعدم إمكانية قبولهم لدى اللّه بسبب إساءتهم إليه، يتخذون لأنفسهم وسطاء من الأنبياء والصالحين، لكي يجلبوا إليهم (حسب اعتقادهم) غفران اللّه ورضاه. لكن الوسيط الذي يمكن أن يكون ليس فقط خالياً من الخطيئة وكاملاً في ذاته كل الكمال، بل يجب أن يكون أيضاً قادراً على إيفاء مطالب عدالة اللّه وقداسته من جهة الذين يتوسط لأجلهم. وإذا كان الأمر كذلك، فإن الشخص الوحيد الذي له حق الوساطة لأجل الخطاة هو المسيح دون سواه، لأنه هو الذي بموته النيابي على الصليب وفى كل مطالب عدالة اللّه وقداسته من نحوهم. لذلك قال الوحي: لِأَنَّهُ يُوجَدُ إِل هٌ وَاحِدٌ وَوَسِيطٌ وَاحِدٌ بَيْنَ اللّهِ وَالنَّاسِ: الْإِنْسَانُ يَسُوعُ المَسِيحُ، الذِي بَذَلَ نَفْسَهُ فِدْيَةً لِأَجْلِ الجَمِيعِ (1 تيموثاوس 2: 5 و6) . ومن ثم كان من البديهي أن يقوم المسيح من بين الأموات بعدما وفّى مطالب عدالة اللّه وقداسته، لكي يتولى كالفادي مهمة الوساطة المذكورة.

4 - إعلان دوام اتصاله بالمؤمنين: (أ) لو كان المسيح قد ظل في قبره، لانقطعت علاقته بالمؤمنين إبان وجودهم على الأرض. لكن بقيامته من بين الأموات أثبت صدق شهادته عن نفسه أنه حي (يوحنا 14: 19 ، عبرانيين 7: 8 ، رؤيا 1: 18) ، وأنه يكون فعلاً مع هؤلاء المؤمنين كل الأيام إلى انقضاء الدهر (متى 28: 20) ، وأنه حيثما اجتمع إثنان أو ثلاثة منهم باسمه فهناك يكون في وسطهم بلاهوته (متى 18: 20) ، وأنه أيضاً يعطيهم كل ما يطلبونه باسمه من اللّه في الصلاة (يوحنا 14: 13 و 14) .

(ب) والرسول الذي اختبر حقيقة وجود المسيح المستمر مع المؤمنين الحقيقيين طوال وجودهم على الأرض، قال لهم عنه إنه يكملهم ويثبتهم ويقويهم ويمكنهم، بل وأيضاً ينجيهم من الضيقات ويحفظهم من الشر (1 بطرس 5: 10 ، فيلبي 4: 13 ، 2 كورنثوس 1: 10 ، 2 تسالونيكي 3: 3) كما يحل بالإيمان في قلوبهم (أفسس 3: 17) ويكون بمثابة الرأس لهم، ويكونون هم بمثابة الجسد له (أفسس 5: 29-31) . ومن ثم لهم أن يفرحوا في كل حين (فيلبي 4: 4) ، الأمر الذي يدل على أن علاقتهم به، ليست العلاقة الوهمية أو الشكلية بل العلاقة العملية الحقيقية، التي تشبع نفوسهم وتسمو بها فوق العالم كثيراً.

5 - إعلان أحقيته في الملك الأبدي على العالم: (أ) إن صاحب الحق في الملك الأبدي، هو من يغلب الموت الذي يحول بين البشر وبين البقاء. ولما كان المسيح هو الذي غلب الموت، فمن ثم له وحده هذا الملك، ولذلك قال الملاك للعذراء مريم عنه ولا يكون لملكه نهاية (لوقا 1: 33) . وقال هو لليهود وأيضاً أقول لكم من الآن تبصرون ابن الإنسان جالساً عن يمين القوة وآتياً على سحاب السماء (متى 26: 64) . وقد عرف معاصروه شيئاً عن هذا الملكوت. فقد قالت له سيدة قل أن يجلس ابناي هذان، واحد عن يمينك والآخر عن اليسار في ملكوتك (متى 20: 21) . كما أشار تلاميذه إلى الملك المذكور فقال بولس عن المسيح إنه يجب أن يملك حتى يضع جميع الأعداء (أو بالحري الأشرار) تحت قدميه (1 كورنثوس 15: 25) ، وقال يوحنا الرسول عن القديسين الذين سيجتازون الضيقة العظيمة إنهم سيعيشون ويملكون مع المسيح ألف سنة (رؤيا 10: 4) .

(ب) وعلماء المسلمين، مع اختلافهم عن المسيحيين من جهة هذا الملك وأهدافه، أشاروا إليه بعبارات واضحة. فقال ابن الأثير إنه في أثناء ملك المسيح على الأرض يرتع الأسد مع الإيل، والنمر مع البقر، والذئاب مع الغنم، وتلعب الصبيان مع الحيات . وقال أيضاً إن المسيح سينشر في أثناء ملكه على الأرض السلام في جميع أرجائها (التاريخ الكامل ص 155 ، 161) - وهذا يتفق مع ما قاله إشعياء النبي سنة 700 قبل الميلاد فَيَسْكُنُ الذِّئْبُ مَعَ الخَرُوفِ، وَيَرْبُضُ النَّمِرُ مَعَ الجَدْيِ، وَالْعِجْلُ وَالشِّبْلُ وَالْمُسَمَّنُ مَعاً، وَصَبِيٌّ صَغِيرٌ يَسُوقُهَا. وَالْبَقَرَةُ وَالدُّبَّةُ تَرْعَيَانِ. تَرْبُضُ أَوْلَادُهُمَا مَعاً، وَالْأَسَدُ كَا لْبَقَرِ يَأْكُلُ تِبْناً. وَيَلْعَبُ الرَّضِيعُ عَلَى سَرَبِ الصِّلِّ، وَيَمُدُّ الفَطِيمُ يَدَهُ عَلَى جُحْرِ الأُفْعُوانِ.(والناس) لَا يَسُوؤُونَ وَلَا يُفْسِدُونَ فِي كُلِّ جَبَلِ قُدْسِي، لِأَنَّ الأَرْضَ تَمْتَلِئُ مِنْ مَعْرِفَةِ الرَّبِّ كَمَا تُغَطِّي المِيَاهُ البَحْرَ (إشعياء 11: 6-9) ، وذلك للدلالة على السلام الكامل الذي سيسود على العالم إبان ملك المسيح.


6 - أحقية قيامته بدينونة الأشرار: (أ) فقد قال بولس الرسول لفلاسفة اليونان فاللّه الآن يأمر جميع الناس في كل مكان أن يتوبوا متغاضياً عن أزمنة الجهل. لأنه أقام يوماً هو فيه مزمع أن يدين المسكونة بالعدل، برجل قد عينه مقدماً للجميع إيماناً، إذ أقامه من الأموات (أعمال 18: 30-31) . ومن البديهي أن يكون المسيح هو الشخص الذي يدين الخطاة، إذ فضلاً عن أنه هو وحده البار، والبار هو الذي له الحق في القيام بهذه المهمة، فإنه هو الذي قدم نفسه كفارة عنهم كما ذكرنا فيما سلف، ومن ثم فله وحده أن يدينهم بسبب عدم تقديرهم لكفارته ورفضهم الإفادة منها. وقد سبق المسيح وأشار إلى هذه الحقيقة، فقال لِأَنَّ الآبَ لَا يَدِينُ أَحَداً، بَلْ قَدْ أَعْطَى كُلَّ الدَّيْنُونَةِ لِلِا بْنِ (يوحنا 5: 22) ، وَأَعْطَاهُ سُلْطَاناً أَنْ يَدِينَ أَيْضاً، لِأَنَّهُ ابن الإِنْسَانِ (يوحنا 5: 27) ، الذي قام بالفداء. كما قال وَمَتَى جَاءَ ابن الإِنْسَانِ فِي مَجْدِهِ وَجَمِيعُ المَلَائِكَةِ القِدِّيسِينَ مَعَهُ، فَحِينَئِذٍ يَجْلِسُ عَلَى كُرْسِيِّ مَجْدِهِ. وَيَجْتَمِعُ أَمَامَهُ جَمِيعُ الشُّعُوبِ، فَيُمَيِّزُ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ,,, ثُمَّ يَقُولُ المَلِكُ لِلَّذِينَ عَنْ يَمِينِهِ: تَعَالَوْا يَا مُبَارَكِي أَبِي، رِثُوا المَلَكُوتَ المُعَدَّ لَكُمْ مُنْذُ تَأْسِيسِ العَالَمِ. ثُمَّ يَقُولُ أَيْضاً لِلَّذِينَ عَنِ اليَسَارِ: اذْهَبُوا عَنِّي يَا مَلَاعِينُ إِلَى النَّارِ الأَبَدِيَّةِ المُعَدَّةِ لِإِبْلِيسَ وَمَلَائِكَتِهِ (متى 25: 31-46) .

وقال بطرس الرسول عن المسيح هو المعين من اللّه دياناً للأحياء والأموات، له يشهد جميع الأنبياء أن كل من يؤمن به. ينال باسمه غفران الخطايا (أعمال 10: 41 و42) . وقال بولس الرسول مَنْ هُوَ الذِي يَدِينُ؟ثم أجاب على هذا السؤال فقال اَلْمَسِيحُ هُوَ الذِي مَاتَ، بَلْ بالحَرِيِّ قَامَ أَيْضاً (رومية 8: 34) ، كما قال عنه إنه هو الذي يَدِينَ الأَحْيَاءَ وَالْأَمْوَاتَ، عِنْدَ ظُهُورِهِ وَمَلَكُوتِهِ (2 تيموثاوس 4: 1) .

(ب) والإسلام يشهد أيضاً أن المسيح هو الذي يحكم بالعدل أو بالحري هو الذي يدين الخطاة، فقد جاء في (البخاري ج 2 ص 458) أن نبي الإسلام قال والذي نفسي بيده لا يوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكماً عدلاً . وقال أحمد ابن حائط المسيح هو الذي يحاسب الخلق في الآخرة (الملل والأهواء والنحل ج 1 ص 77) . وقال الإمام الرازي سيأتي المسيح إلى الأرض عند نهاية العالم ويقتل الدجال (تفسيره ج 2 ص 458) . وقال الإمام مسلم إن الشيطان عندما يرى عيسى بن مريم، يذوب كما يذوب الملح في الماء (مختار الإمام مسلم وشرح النووي ص 571) . وقد سبق الكتاب المقدس ونادى بهذه الحقيقة، فقال عن الشيطان إنه يسقط كالبرق أمام المسيح (لوقا 10: 8) ، وأن المسيح سيطرحه في بحيرة النار (رؤيا 20: 10) .


2 نتائج قيامة المسيح بالنسبة إلينا نحن البشر

1 - إعلان التبرير للمؤمنين الحقيقيين: (أ) قال الرسول عن المسيح إنه أُسْلِمَ مِنْ أَجْلِ خَطَايَانَا وَأُقِيمَ لِأَجْلِ تَبْرِيرِنَا (رومية 4: 25) . أي أن موته هو للتكفير عن خطايانا، وأن قيامته هي لتبريرنا. والسبب في ارتباط تبريرنا أمام الله بقيامة المسيح من الأموات، هو أنها الدليل على إيفائه لكل مطالب عدالة الله وقداسته نيابة عنا.

(ب) والرسول الذي عرف سمو بر الله الذي يمنحه للمؤمنين الحقيقيين، على أساس كفارة المسيح قال: ليس لي بري الذي من الناموس (أي الذي له على أساس حفظ وصايا الناموس) ، بل الذي بإيمان المسيح (أو بالحري الإيمان بشخصه) البر الذي من الله بالإيمان (فيلبي 3: 9) . وقال للمؤمنين وَأَمَّا الآنَ فَقَدْ ظَهَرَ بِرُّ اللّهِ بالإِيمَانِ بِيَسُوعَ المَسِيحِ، إِلَى كُلِّ وَعَلَى كُلِّ الذِينَ يُؤْمِنُونَ (رومية 3: 21-22) . وقال لهم أيضاً فَإِذْ قَدْ تَبَرَّرْنَا بالإِيمَانِ لَنَا سَلَامٌ مَعَ اللّهِ بِرَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ (رومية 5: 1) . وأيضا ل كِنِ اغْتَسَلْتُمْ، بَلْ تَقَدَّسْتُمْ، بَلْ تَبَرَّرْتُمْ بِا سْمِ الرَّبِّ يَسُوعَ وَبِرُوحِ إِل هِنَا (1 كورنثوس 6: 11) . وأيضاً مُتَبَرِّرِينَ مَجَّاناً بِنِعْمَتِهِ بالفِدَاءِ الذِي بِيَسُوعَ المَسِيحِ (رومية 3: 24) . وأيضاً وَنَحْنُ مُتَبَرِّرُونَ الآنَ بِدَمِهِ نَخْلُصُ بِهِ مِنَ الغَضَبِ (رومية 5: 9) .

2 - ولادة المؤمنين الحقيقيين من الله ثانية: (أ) فقد قال الرسول مُبَارَكٌ اللّه أَبُو رَبِّنَا يَسُوعَ المَسِيحِ، الذِي حَسَبَ رَحْمَتِهِ الكَثِيرَةِ وَلَدَنَا ثَانِيَةً لِرَجَاءٍ حَيٍّ، بِقِيَامَةِ يَسُوعَ المَسِيحِ مِنَ الأَمْوَاتِ (1 بطرس 1: 3) - وولادة النفوس من الله (أو بالحري حصولها على طبيعته الأدبية بواسطة الإيمان الحقيقي بالمسيح) ، هي الوسيلة الوحيدة التي تؤهلها للتوافق معه في صفاته الأدبية السامية. لأن الطبيعة البشرية التي ولدنا بها، وإن اختفت نقائصها أحياناً تحت المؤثرات الإجتماعية أو الدينية، لكنها تظل كما هي الطبيعة الملوثة في الباطن بالشرور والآثام، الأمر الذي يجعلها غير صالحة للتوافق مع الله.

(ب) مما تقدم يتضح لنا أن الولادة من الله ليست هي إصلاح الطبيعة البشرية العتيقة بواسطة الصوم والصلاة والتهذيب (على فرض أنها تصلح بهذه الوسائل) ، كما يقول بعض الناس. أو بدء صفحة جديدة في الحياة بواسطة التوبة عن الخطيئة أو الإنضمام إلى طائفة دينية أياً كان نوعها، بل هي خلق روحي جديد يحدث في نفوس المؤمنين الحقيقيين بالمسيح، فيستطيعون الإرتقاء فوق أهواء الجسد والتوافق مع الله في صفاته السامية كما ذكرنا. ;/p>

(ج) وطبعاً لولا قيامة المسيح من الأموات، لما كان هناك مجال لهذه الولادةفي نفوسهم، لأن قوة الحياة التي لا تزول التي قام المسيح بها من الأموات (عبرانيين 7: 16) ، هي وحدها التي تستطيع أن تحيي الذين يؤمنون إيماناً حقيقياً، ممن كانوا أمواتاً بالذنوب والخطايا من قبل. ولذلك قال الرسول اَللّه الذِي هُوَ غَنِيٌّ فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الكَثِيرَةِ التِي أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بالخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ المَسِيحِ (أفسس 2: 4 و5) .

3 - إعلان شرعية وجود المؤمنين الحقيقيين في السماء منذ إيمانهم: (أ) قال الرسول للمؤمنين عن الله وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِي السَّمَاوِيَّاتِ فِي المَسِيحِ يَسُوعَ، لِيُظْهِرَ فِي الدُّهُورِ الآتِيَةِ غِنَى نِعْمَتِهِ الفَائِقَ باللُّطْفِ عَلَيْنَا فِي المَسِيحِ يَسُوعَ (أفسس 2: 6-7) . كما قال لهم لأنه إن كنا متحدين معه بشبه موته، نصير أيضاً بقيامته (رومية 5: 6) . ولا غرابة في ذلك لأنه بما أن المسيح رضي أن يكون نائباً وبديلاً عنا، وبما أن ما يحل بالنائب من ضيق واضطهاد بسبب نيابته عن آخرين يعتبر أنه حل بهم، وأن ما يلاقيه من ربح أو نجاح، يكون من امتيازهم أن يتمتعوا به أيضاً. لذلك فإن آلام الصليب التي وقعت فعلاً على المسيح، وبها وفى مطالب عدالة الله وقداسته إلى الأبد، نعتبر أنها وقعت شرعاً على المؤمنين الحقيقيين به، ومن ثم لا يدانون بعد بسبب خطاياهم. وهكذا الحال من جهة قيامته من بين الأموات وجلوسه في السماء، فإنهم يعتبرون منذ إيمانهم به إيماناً حقيقياً، أنهم قاموا شرعاً من الأموات وجلسوا في السماويات، وذلك في شخصه المبارك.

(ب) ولذلك قال المسيح لنا اَلْحَقَّ الحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّ مَنْ يَسْمَعُ كَلَامِي وَيُؤْمِنُ بِالَّذِي أَرْسَلَنِي فَلَهُ (أي له الآن، وليس سوف يكون له في المستقبل) حَيَاةٌ أَبَدِيَّةٌ، وَلَا يَأْتِي إِلَى دَيْنُونَةٍ، بَلْ قَدِ انْتَقَلَ(وليس سوف ينتقل) مِنَ المَوْتِ إِلَى الحَيَاةِ (يوحنا 5: 24) . وقال بولس الرسول للمؤمنين شَاكِرِينَ الآبَ الذِي أَهَّلَنَا (وليس سوف يؤهلنا) لِشَرِكَةِ مِيرَاثِ القِدِّيسِينَ فِي النُّورِ، الذِي أَنْقَذَنَا (وليس سوف ينقذنا) مِنْ سُلْطَانِ الظُّلْمَةِ وَنَقَلَنَا (وليس سوف ينقلنا) إِلَى مَلَكُوتِ ابن مَحَبَّتِهِ (كولوسي 1: 12-13) . وقال يوحنا الرسول نَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّنَا قَدِ انْتَقَلْنَا (وليس سوف ننتقل) مِنَ المَوْتِ إِلَى الحَيَاةِ (1 يوحنا 3: 14) .


4 - إعلان كيفية سلوكهم في العالم الحاضر: قال الرسول للمؤمنين كما أقيم من الأموات بمجد الآب، هكذا نسلك نحن في جدة الحياة (رومية 5: 4) ، أو بالحري في الحياة السماوية الجديدة التي حصلنا عليها من الله بالولادة الروحية منه. وقال لهم أيضاً فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ قُمْتُمْ مَعَ المَسِيحِ فَا طْلُبُوا مَا فَوْقُ، حَيْثُ المَسِيحُ جَالِسٌ عَنْ يَمِينِ اللّهِ لِأَنَّكُمْ قَدْ مُتُّمْ (شرعاً) وَحَيَاتُكُمْ مُسْتَتِرَةٌ مَعَ المَسِيحِ فِي اللّهِ (كولوسي 3: 1-3) . واعتبار المؤمنين جالسين في السماويات في المسيح منذ إيمانهم بالمسيح إيماناً حقيقياً، يلزمهم بأن يعيشوا بقلوبهم من الآن هناك. ولذلك قال الرسول عن نفسه وعنهم معاً فإن سيرتنا نحن هي في السموات (فيلبي 3: 21) .

5 - إعلان قوة المسيح في حياتهم: (أ) إن المؤمنين الحقيقيين، وأن كانوا مثل غيرهم من الناس، لا يستطيعون الإنتصار من تلقاء أنفسهم على الميول الشريرة الكامنة في طبيعتهم العتيقة، أو على التجارب المتعددة التي تحيط بهم في العالم الحاضر، لكن من الميسور لهم الإنتصار على هذه وتلك بقوة الله - هذه القوة التي ظهرت بكمالها في قيامة المسيح من الأموات. ولذلك قال الوحي للمؤمنين مُسْتَنِيرَةً عُيُونُ أَذْهَانِكُمْ، لِتَعْلَمُوا,,, مَا هِيَ عَظَمَةُ قُدْرَتِهِ الفَائِقَةُ نَحْوَنَا نَحْنُ المُؤْمِنِينَ، حَسَبَ عَمَلِ شِدَّةِ قُّوَتِهِ الذِي عَمِلَهُ فِي المَسِيحِ، إِذْ أَقَامَهُ مِنَ الأَمْوَاتِ (أفسس 1: 18-22) .

(ب) وقد اشتاق بولس الرسول مرة للتمتع بهذه القوة فقال عن المسيح لِأَعْرِفَهُ، وَقُّوَةَ قِيَامَتِهِ... (فيلبي 3: 10) . فأعطاه الله إياها في نفسه. ولذلك قال عن المسيح الَّذِي يَعْمَلُ فِيَّ بِقُّوَة (كولوسي 1: 29) . وقال أيضاً أَسْتَطِيعُ كُلَّ شَيْءٍ فِي المَسِيحِ الذِي يُقَّوِينِي (فيلبي 4: 13) . وأيضاً يَعْظُمُ انْتِصَارُنَا بالذِي أَحَبَّنَا (رومية 8: 37) . كما حرض المؤمنين قائلاً مُتَقَّوِينَ بِكُلِّ قُّوَةٍ بِحَسَبِ قُدْرَةِ مَجْدِهِ، لِكُلِّ صَبْرٍ وَطُولِ أَنَاةٍ بِفَرَحٍ (كولوسي 1: 11) . وقائلاً تَقَّوُوا فِي الرَّبِّ وَفِي شِدَّةِ قُّوَتِهِ (أفسس 6: 10) . كما كان يصلي لله، لكي يتأيدوا بالقوة بروحه في الإنسان الباطن ليحل المسيح بالإيمان في قلوبهم... ويمتلئوا إلى كل ملء الله (من الناحية الأدبية) ، وذلك بحسب قوته الروحية التي تعمل فيهم (أفسس 3: 16-21) .

وقد شهد يوحنا الرسول أيضاً عن أثر قوة الله العاملة في المؤمنين، فقال عنهم إنهم أقوياء وقد غلبوا الشرير (1 يوحنا 2: 13) ، لأن المسيح الذي فيهم أقوى من الشر الذي في العالم (1 يوحنا 4: 4) .

ولكي يتسنى لهم التمتع بقوة المسيح فيهم يجب طبعاً أن يحيوا حياة الطاعة للّه والتكريس الكلي له.

نعم قد تحل التجارب والآلام بالمؤمنين الحقيقيين، كما تحل بغيرهم من الناس، لكنهم يستطيعون بقوة اللّه العاملة في نفوسهم أن يرتقوا فوقها جميعاً، ومن ثم لا يمكن للفشل أو الخوف أن يجدا مجالاً إليهم، لأنهم يعلمون في قرارة نفوسهم أنه بفضل هذه القوة يكون النصر حليفهم في كل حين.


6 - إعلان حقيقة قيامة الموتى، وتمتع المؤمنين الحقيقيين منهم باللّه إلى الأبد: (أ) يشك كثير من الناس في أنه سيكون هناك بعث بعد الموت، لكن قيامة المسيح من الأموات، لم تدع مجالاً للشك في البعث على الإطلاق، بل وأعطت المؤمنين الحقيقيين رجاء وطيداً في الحياة الروحية السعيدة مع اللّه إلى الأبد، ليس على أساس أعمالهم (لأنه هذه مهما كان شأنها لا تستطيع أن تكفر عن خطيئة واحدة من خطاياهم، أو تهبهم طبيعة روحية تجعلهم أهلاً للتوافق مع اللّه في صفاته السامية كما ذكرنا) ، بل على أساس كفاية كفارة المسيح لأجلهم التي تجلت في قيامته من بين الأموات، وعمله الروحي المتواصل في نفوسهم.

(ب) ولذلك قال الرسول لكن الآن قد قام المسيح من الأموات وصار باكورة الراقدين - فإنه إذ الموت بإنسان (الذي هو آدم) ، بإنسان أيضاً (الذي هو المسيح من الناحية الناسوتية) قيامة الأموات. لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيحيا الجميع (1 كورنثوس 15: 17-22) ، إن كانوا يؤمنون به إيماناً حقيقياً، وقال عن المؤمنين الحقيقيين إنه كما أقام الله المسيح يسوع، سيقيمهم هم أيضاً بقوته ويحضرهم معه (2 كورنثوس 4: 14) . لذلك خاطبهم بالقول لا أريد أن تجهلوا أيها الإخوة من جهة الراقدين (أو بالحري الذين ماتوا في الإيمان) لكي لا تحزنوا كالباقين الذين لا رجاء لهم، لأنه إن كنا نؤمن أن يسوع مات وقام، فكذلك الراقدون بيسوع سيحضرهم اللّه أيضاً معه (1 تسالونيكي 4: 13-15) .

(ج) فضلاً عن ذلك فقد أعلن لنا أن المؤمنين الحقيقيين الذين سيكونون أحياء على الأرض عند مجيء المسيح في المرة الثانية، سوف لا يتعرضون للموت الجسدي، بل ينتقلون أحياء إلى السماء. فقال لِأَنَّ الرَّبَّ نَفْسَهُ سَوْفَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ بِهُتَافٍ، بِصَوْتِ رَئِيسِ مَلَائِكَةٍ وَبُوقِ اللّهِ ، وَالْأَمْوَاتُ فِي المَسِيحِ سَيَقُومُونَ أَّوَلاً. ثُمَّ نَحْنُ الأَحْيَاءَ البَاقِينَ سَنُخْطَفُ جَمِيعاً مَعَهُمْ فِي السُّحُبِ لِمُلَاقَاةِ الرَّبِّ فِي الهَوَاءِ، وَهكَذَا نَكُونُ كُلَّ حِينٍ مَعَ الرَّبِّ. لِذ لِكَ عَّزُوا بَعْضُكُمْ بَعْضاً بِهذَا الكَلَامِ (1 تسالونيكي 4: 15-18) . كما قال لهم هوذا سر أقوله لكم: لا نرقد كلنا، ولكن كلنا نتغير - أي نتغير إلى صورة جسد المسيح الممجد (فيلبي 3: 22) في لحظة، في طرفة عين، عند البوق الأخير. فإنه سيبوق، فيقام الأموات عديمي فساد ونحن نتغير. لأن هذا الفاسد (أو بالحري الجسد الذي فسد بالموت) ، لا بد أن يلبس عدم فساد. وهذا المائت (أو بالحري الجسد الحي القابل للموت) ، يلبس عدم موت. ومتى لبس هذا الفاسد عدم فساد. ولبس هذا المائت عدم موت، فحينئذ تصير الكلمة المكتوبة ابْتُلِعَ المَوْتُ إِلَى غَلَبَةٍ . أَيْنَ شَوْكَتُكَ يَا مَوْتُ؟ أَيْنَ غَلَبَتُكِ يَا هَاوِيَةُ! (1 كورنثوس 15: 5-55) - ومن ثم فالمسيح بقيامته من الأموات قضى على رهبة الموت وسلطانه علينا. كما حقق آمالنا جميعاً في السعادة الأبدية بعد أن كانت الأبواب موصدة في وجوهنا من جهتها. وقد أشار الرسول إلى هذه الحقيقة فقال عن المسيح إنه أَبْطَلَ المَوْتَ وَأَنَارَ الحَيَاةَ وَالْخُلُودَ (2 تيموثاوس 1: 10) . إذ أعلن أن الموت بالنسبة إلى المؤمنين لا يكون إلا رقاداً أو نوماً (يوحنا 11: 11) ، يقومون بعده بكل نشاط للتمتع باللّه في المجد الأبدي.

(د) وبالإضافة إلى ما تقدم، فقد ألقى المسيح نوراً ساطعاً على الأبدية، فعرفنا أنها ليست مجالاً للشهوات الجسدية، لأن المؤمنين سيكونون هناك كملائكة اللّه، لا يتزوجون ولا يزوجون (متى 22: 30) ، ولا يأكلون ولا يشربون (رومية 14: 17) ، بل هي المجال الروحي الرفيع الذي نستطيع فيه التوافق الكلي مع اللّه في صفاته الأدبية السامية. ولذلك قال الرسول. لي اشتهاء أن أنطلق وأكون مع المسيح، ذاك أفضل جداً. لأن لي الحياة هي المسيح والموت هو ربح (فيلبي 1: 21) - وطبعاً لولا قيامة المسيح من بين الأموات، لما كان لهذا الرسول أو لغيره من المؤمنين تلك الأمنية أو هذه الثقة.

إذن، فما أسعد المؤمنين بقيامة المسيح في حياتهم، وما أسعدهم بها في موتهم، وما أسعدهم أيضاً بها بعد موتهم - ليت الكثيرين يعرفون قوة قيامته ويختبرونها عملياً في حياتهم لأجل خير نفوسهم العزيزة، وفوق كل شيء لأجل مجد اللّه الذي يليق به كل المجد إلى أبد الآباد، آمين.