لقد وضع الله في قلب الإنسان أشواق نحو الخلود الأبدي، لهذا فكل الشعوب تبحث عن الطريق إلى الحياة الأبدية، وكل فرقة أو مجموعة تظن أنها سالكة في طريق الله، وبأنها ستكون في محضر الله بعد الرقود أو الموت الجسدي. فمنها من تقدّم الذبائح الحيوانية استرضاء للخالق، ومنها من تعبد أصناما قد صنعت بالأيدي، ومنها من تسجد لأنواع من الحيوانات، وأيضا نجد جماعة تظن بأنها تعبد الله الواحد، وتضع لنفسها طقوس أرضية غير لائقة تمزجها مع فكر الله.
إنه رجل وسط الأزمات والتحديات الكبرى، كريم في محبته للآخرين، حاسم في مواقفه الروحية، حليم ومتواضع في تعاملاته العملية، مثابر ومجاهد في حقل خدمة الله القدير الذي أحبه وألزم نفسه بكل وصاياه، إنه دانيال الذي جعل في قلبه أن لا يتنجس بأطايب الملك ولا بخمر مشروبه فطلب من رئيس الخصيان أن لا يتنجس.
في لحظة تجسد المسيح حين صار انسانا، نستطيع أن نتأمل بهذه الروعة وبهذا التواضع الذي لا مثيل له، ومن هنا أيضا نستطيع أن نلمس مدى عظمة هذا الإخلاء الذي يفوق المنطق والعقل ويمكننا أن نستنتج من هذا الحدث أن:
1- الطبيعة التي أخذها ترينا إخلاء لنفسه أيضا: على الرغم من أن الطبيعة التي أخذها بلا خطية، إلا أنها كانت عرضة للجوع والعطش والتعب والإلم والموت، وإن كان إصعاد الإنسان للإتحاد مع الله، تعظيما للإنسان، كذلك أن يأخذ الله طبيعة أدنى منه ليست سوى تواضع فائق وعظيم. تنازله إلى أرضنا وهو الذي سماء السموات لا تسعه" لأنه هل يسكن الله حقا على الأرض.